يسعى المدعون العامون الأميركيون إلى تسلم محقق خاص إسرائيلي من السلطات البريطانية، بعد أن ألقي القبض عليه بشأن تحقيق يتعلق بعملية اختراق وتلاعب مالي عالمية، استهدفت خصوم شركة صناديق التحوط Elliott Management وشركة النفط العملاقة Exxon Mobil، وفقاً لما نقلته صحيفة "وول ستريت جورنال" عن وثائق المحكمة وأشخاص وصفتهم بأنهم "مطلعين" على الموضوع.
وقالت الصحيفة نقلاً عن مصادرها، أن التحقيق يركز على عمل المحقق المتهم مع شركة ضغط وعلاقات عامة بارزة في واشنطن، وهي مجموعة DCI Group، التي تعتبر Elliott وExxon عملاء.
وأوضحت المصادر للصحيفة الأميركية، أن الجزء المتعلق بشركة Elliott في التحقيق يرتبط بجهود الشركة على مدى سنوات لحمل الأرجنتين على دفع المليارات المستحقة عليها من الديون السيادية المتعثرة.
وحققت حملة Elliott نجاحاً باهراً، حيث بلغت أرباحها أكثر من ملياري دولار، أو أكثر من 10 أضعاف استثمارات Elliott الأصلية، عندما قامت الأرجنتين بالتسوية في عام 2016.
وأضافوا أن هذه العملية "واحدة من أكثر الصفقات شهرة وسيئة السمعة" في آن في تاريخ وول ستريت الحديث.
ويتعلق جزء منفصل من التحقيق بمحاولات اختراق استهدفت منتقدي المناخ في Exxon، بما في ذلك عائلة روكفيلر. ولم يتم توجيه اتهامات بارتكاب مخالفات ضد أي من Elliott وExxon وDCI.
وقالت Exxon إنها لم تشارك في أنشطة اختراق على الإطلاق.
وأوضح المتحدث باسم Elliott أن شركته "ليست على دراية بهذا التحقيق المزعوم، ولم يتم الاتصال بها من قبل أي مسؤولين حكوميين بهذا الشأن".
من جانبه قال المتحدث باسم DCI، إن شركته "لم تناقش التفاصيل المتعلقة بالعملاء"، وأضاف: "ولكننا نريد أن نكون واضحين بأننا نوجه جميع موظفينا ومستشارينا للامتثال للقانون".
متاعب قضائية
وتسرب التحقيق إلى الرأي العام، بعد اعتقال المحقق الخاص الإسرائيلي أميت فورليت، في 30 أبريل الماضي، في مطار هيثرو بلندن بناء على طلب من السلطات الأميركية.
وخلال جلسة محاكمة في 2 مايو في لندن، بشأن احتمالية تسليمه، قالت محامية الحكومة البريطانية التي تمثل الولايات المتحدة إن إلقاء القبض على فورليت مرتبط بتحقيق بشأن شركة ضغط وعلاقات عامة مقرها واشنطن، كانت قد دفعت نحو 20 مليون دولار إلى شركة يسيطر عليها المحقق الخاص. وتمثلت مهمتهم في جمع معلومات حول أزمة الديون الأرجنتينية.
ولم تحدد المحامية البريطانية، اسم الشركة القائمة في واشنطن، ولكن المدعين العامين في مكتب المدعي العام الأميركي في مانهاتن قاموا بالتحقيق مع مجموعة DCI كجزء من تحقيق أوسع في عملية الاختراق مقابل أجر، حسبما نقلت "وو ستريت جورنال" عن الأشخاص المطلعين.
وفي البداية تم إطلاق سراح فورليت، البالغ من العمر 56 عاماً، على خلفية ما وصفه مسؤولون بريطانيون بأنه "أمر إجرائي" يتعلق بالوقت الذي مر قبل تقديمه إلى المحكمة.
ولكن بعد عدة أسابيع تم اعتقاله مرة أخرى، بتهم التآمر لارتكاب عمليات قرصنة حاسوبية واحتيال عبر الإنترنت.
وتم إطلاق سراحه بكفالة بعد أن قام بتسليم جواز سفره ودفع 200 ألف جنيه إسترليني كضمانة، وسُمح له بالإقامة في شقة في منطقة سانت جونز وود في شمال غرب لندن، حيث خضع لحظر تجول ليلي، وفقاً لسجلات المحكمة البريطانية.
ومن المقرر أن يحضر فورليت جلسة استماع أخرى في 26 يوليو، وفقاً للوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة في بريطانيا.
ورفض فورليت، الذي نفى في وقت سابق مشاركته في أنشطة اختراق، طلب "وول ستريت جورنال" للتعليق.
وقال فورليت لمقربين، إنه حضر في وقت سابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي FBI في لندن، حيث تم سؤاله عن مجموعة DCI، وفقاً لما نقلته "وول ستريت جورنال" عن شخصين مطلعين على النقاشات.
وقال فورليت، الذي أخبر بعض المقربين منه بأن مهمته مع DCI كانت تتعلق في المقام الأول بعمل تم إنجازه نيابة عن شركة Elliott Management، إنه اعتقد أن القضية في طريقها إلى الانتهاء وأن سفره بات مضموناً.
"دعاية ضارة"
وقالت المصادر إن المدعين العامين يعكفون حالياً على دراسة ادعاءات بأن فورليت مارس عمليات اختراق ضد مسؤولين أرجنتينيين في محاولة للكشف عن معلومات ضارة يمكن استخدامها من قبل Elliott كورقة ضغط في المفاوضات الطويلة والشائكة بشأن ديون البلاد.
ولعبت DCI دوراً حاسماً في معركة Elliott ضد الأرجنتين، عن طريق تنظيم حملة علاقات عامة وضغط تضمنت إعلانات على صفحة كاملة في الصحف والضغط من أجل إجراء تغييرات تشريعية وتنظيمية من شأنها أن تمنع الأرجنتين من استخدام الحماية السيادية.
وباعتبارها واحداً من أقوى صناديق التحوط في وول ستريت، تسيطر شركة Elliott على أصول تزيد قيمتها على 65 مليار دولار، ما يقارب 3 أضعاف ما كانت تديره قبل عقد.
وتشتهر الشركة التي تأسست في عام 1977 باستحواذها على حصص في الشركات والضغط من أجل إجراء تغييرات تتراوح من استبدال مسؤولين تنفيذيين إلى بيع الأصول.
كما تشتهر Elliott أيضاً باستعدادها لمقاضاة الشركات والحكومات للحصول على ما تريده، وبصبرها طوال فترة التقاضي.
وبدأ اهتمام Elliott بسندات الأرجنتين قبل أواخر عام 2001، عندما تعثرت الأرجنتين في سداد أكثر من 80 مليار دولار من الديون السيادية.
وبنى صندوق التحوط مركزه في الوقت الذي لاذ فيه مستثمرون آخرون بالفرار، ما سمح له بالشراء بخصومات هائلة.
وقبل معظم حاملي السندات المتعثرة جزءاً من قيمتها الأصلية، ولكن Elliott وأقلية صغيرة من الشركات الأخرى صمدوا للحصول على المزيد، وطالبوا بالفوائد المتراكمة مع استمرار المعركة.
وبعيداً عن العلاقات العامة والضغط، فقد استخدمت Elliott منهجيات متنوعة في معركتها ضد الأرجنتين.
ففي عام 2012، تمكنت الشركة من احتجاز سفينة تابعة للبحرية الأرجنتينية في غانا، مؤكدة أنها غير محمية بالحصانة السيادية.
كما أكدت Elliott بنجاح أنها يجب أن تتمتع بإمكانية الوصول إلى مدفوعات معينة يتم توجيهها عبر النظام المالي الأميركي، والتحايل على دفاعات الحصانة السيادية الأرجنتينية.
وأخيراً في عام 2016، وافقت الأرجنتين على دفع مبلغ 4.65 مليار دولار لـElliott Management وغيرها من الدائنين لتسوية الدعاوى، وتحصلت شركة Elliott وحدها على قرابة 2.4 مليار دولار.
وكانت هذه إحدى أكثر الصفقات الرابحة في تاريخ صندوق التحوط الناجح بالفعل، وتمكن أعضاء الفريق الرئيسيون من تحصيل ملايين الدولارات على شكل مكافآت، وفقاً لـ "وول ستريت جورنال".
وقال أكسل كيسيلوف، وزير الاقتصاد الأرجنتيني السابق، الذي طالما سخر من الدائنين ووصفهم بأنهم "جشعين"، للصحيفة الأميركية، إنه لم يكن على دراية بعملية القرصنة المزعومة.
ولكن كيسيلوف، الذي قاد المفاوضات مع الدائنين عندما كان وزيراً في الفترة من 2013 إلى 2015، قال إن الأرجنتين واجهت ضغوطاً للدفع من خلال ما أسماه "الدعاية الضارة" في وسائل الإعلام.
وقال كيسيلوف، الذي يشغل حالياً منصب حاكم مقاطعة العاصمة بوينس آيرس: "ليس لدي معلومات محددة عن عمليات الاختراق، ولكن هناك حملة قذرة"، مضيفاً أن "ما فعلوه خلال المحاكمة لتحقيق انتصار على الأرجنتين كان مثيراً للاشمئزاز".
وقال بول سينجر، مؤسس Elliott، في عام 2016، إن حكومة الأرجنتين "فوتت العديد من الفرص للتسوية"، ولكن بعد ذلك تمكنت الإدارة الجديدة من "حل النزاع سريعاً"، ما كان بمثابة إرسال رسالة إيجابية بشأن الأرجنتين إلى الأسواق العالمية.
Exxon ونشطاء المناخ
وفي سياق آخر، قال فورليت لمقربين، إن عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي، حققوا معه بشأن أموال تزيد عن 1.2 مليون دولار قام بدفعها في عام 2018 إلى شركة الاستخبارات الخاصة Fusion GPS، وفقاً لما نقلته "وول ستريت جورنال" عن مصادرها المطلعة.
وقال أحد ممثلي Fusion GPS: "على الرغم من أننا لا نناقش عمل العميل، يمكننا أن نذكر أن أي مدفوعات تحصل عليها الشركة ليس لها علاقة على الإطلاق بالأمور الواردة في تقريركم الإخباري".
وقام المدعون العامون الأميركيون أيضاً، بفحص الأعمال التي أنجزتها DCI أثناء عملها لحساب Exxon Mobile لسنوات، بما في ذلك استجابة الشركة العملاقة في مجال النفط للحملة التي قادها ناشطون بيئيون وأعضاء في عائلة روكفيلر ضدها. ولم تعد Exxon تستعين بـ DCI، وفقاً لما نقلته "وول ستريت جورنال" عن أشخاص مطلعين على الأمر.
وفي إحدى القضايا الجنائية ضد محقق خاص إسرائيلي آخر، وهو أفيرام أزاري، قال المدعون العامون إنه ساعد في سرقة وثائق خاصة تم تسريبها فيما بعد للصحافة و"بدت مصممة لتقويض نزاهة" التحقيقات بشأن Exxon.
واستشهد محامو Exxon وممثلو العلاقات العامة بالوثائق مراراً كدليل على وجود مؤامرة بين عائلة روكفيلر ومدافعين عن البيئة لدعم التحقيقات المدفوعة سياسياً مع الشركة بشأن تغير المناخ.
ولم يحدد المدعون العامون، الجهة التي استعانت بجهود أزاري، ولكنهم كشفوا في ملف أن قائمة عملائه شملت شركات إسرائيلية وأوروبية وأميركية.
وفي أبريل 2022، أقر أزاري بالذنب في إحدى المحاكم الفيدرالية في نيويورك في تهمة التآمر لاختراق صندوق عائلة روكفيلر وجماعات بيئية أخرى.
وفي شهادته في يوليو 2022، قال فورليت إن أزاري قام في وقت سابق بأعمال تحقيق لصالحه. وقال أزاري في المحكمة في نوفمبر الماضي بعد الحكم عليه بالسجن لمدة 80 شهراً: "إنكم لا تدرون كل شيء".