مع صعود أحزاب اليمين المتطرف وإضعاف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الانتخابات الأوروبية، تفاقم الغموض بشأن مصير رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، التي بدأت مساعيها للتوصل إلى اتفاق سياسي يبقيها على رأس الذراع التنفيذي للاتحاد الأوروبي خلال السنوات الـ5 المقبلة، وذلك بعد أن عززت لائحة محافظي حزب الشعب الأوروبي الذين تنتمي له، موقعهم كأكبر كتلة في البرلمان.
وتنتظر الألمانية فون دير لاين، موافقة قادة الاتحاد الأوروبي خلال الأسابيع المقبلة، على ترشيحها لولاية ثانية في منصب المفوضية الأوروبية، لكنها ستظل بعد ذلك بحاجة إلى دعم 361 عضواً من أصل 720 في البرلمان الجديد الذي يشارك في اعتماد القوانين التشريعية إلى جانب مجلس الاتحاد الأوروبي، بالاضافة إلى انتخابه رئيس المفوضية الأوروبية، و26 مفوضاً فرعياً ورئيس المجلس الأوروبي.
ومن المتوقع أن تطرح فون دير لاين، مسألة منحها ولاية ولاية جديدة، على زعماء ألمانيا وفرنسا وإيطاليا خلال قمة مجموعة السبع التي تبدأ في إيطاليا، الخميس المقبل، بحسب مجلة "بوليتيكو" الأميركية.
كما من المقرر أن يجتمع قادة الاتحاد الأوروبي، الاثنين المقبل، في بروكسل، تليها قمة أخرى نهاية الشهر الجاري للتوصل إلى اتفاقات بشأن المناصب العليا في المؤسسات الأوروبية والتي تشمل رئاستي البرلمان والمجلس الأوروبي.
دعم فرنسي وألماني متوقع
وليس من الواضح حتى الآن ممن القادة الأوروبيين الـ27 في المجلس الأوروبي الذي سيدعم منح فون دير لاين ولاية ثانية، وسط توقعات بأن يتم طرح خيارات وأسماء أخرى على الطاولة منهم رئيس الوزراء الإيطالي السابق ماريو دراجي.
وقال مصدران لوكالة "رويترز"، إن "من بين القادة الأوروبيين الذي يميلون إلى منح فون دير لاين ولاية ثانية، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون"، رغم هزيمته التي وصفت بـ"الثقيلة" أمام اليمين المتطرف في فرنسا.
من جهته، أشار المستشار الألماني أولاف شولتز، إلى أنه "يفضل اتخاذ قرار سريع بشأن المناصب القيادية في الاتحاد الأوروبي"، بحسب ما نقلته "رويترز" التي ذكرت أن شولتز لم يؤيد علناً فون دير لاين لكنه من المتوقع بشكل كبير أن يدعمها.
ومن أجل منحها ولاية ثانية، فتحت دير لايين، إحدى تلاميذ المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل والتي شغلت منصب وزيرة في جميع حكوماتها الأربع، الباب أمام التحالف مع كتلة "المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين" التي تنتمي إليها رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني التي تعد شريكة يمكن معها التوصل إلى حلول وسط ومؤيدة لأوروبا ولأوكرانيا، خلافاً لأعضاء كتلة "الهوية والديموقراطية" الذين وصفتهم بأنهم "دمى بأيدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين".
وحصل ائتلاف الاشتراكيين الديمقراطيين والليبراليين والمحافظين الذين اختاروا فون دير لاين في عام 2019 على غالبية تزيد عن 400 مقعد من أصل 720 في البرلمان الجديد، الذي شهد صعود اليمين المتطرف، مما يجعلها، وفق مجلة "بوليتيكو" في وضع قوي للاحتفاظ بمنصبها.
خيارات محفوفة بمخاطر
وأعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، الأحد، أنها ستطلب أولاً الدعم من الاشتراكيين والليبراليين الذين دعموها في فترة ولايتها الأولى، بحسب ما نقلته "بوليتيكو" التي رجحت أن تحتاج إلى "دعم أكبر".
وقد تتجه فون دير لاين، إلى "بعض الخيارات المحفوفة بالمخاطر"، حيث من الممكن أن تسعى للحصول على دعم من حزب "الخضر"، لكن من المرجح أن يؤدي ذلك إلى "تنفير" بعض محافظي حزب الشعب الأوروبي الذين يعترضون على التدابير المناخية، بحسب المجلة.
وأوضحت "بوليتيكو" أنه في حال اختارت فون دير لاين الاستمرار في "مغازلة" تحالف المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين اليميني المتطرف والذي تقوده ميلوني، فإنها في المقابل "تخاطر بإبعاد الاشتراكيين والليبراليين".
ويشير الخبراء ومسؤولو الحزب، إلى أن أكثر من 10% من المشرعين في المجموعات الوسطية الثلاث بما فيها حزب الشعب الأوروبي الذي تنتمي له فون دير لاين، إما "سيعارضونها أو يمتنعون عن التصويت" لصالح منحها ولاية ثانية وهو ما سيعقّد المفاوضات.
وقالت هيذر جرابه، من معهد "بروجل" لوكالة "فرانس برس"، إن "الائتلاف الوسطي يبقى النتيجة الأكثر ترجيحاً للانتخابات، وبالتالي فمن المفترض أن يواصل الاتحاد الأوروبي العمل كما في الماضي".
ورأت كريستين فيرجيه نائبة رئيس معهد "جاك دولور"، أن فون دير لاين "تملك غالبية على الورق" لكنها رغم ذلك "في موقع دقيق"، مضيفة لوكالة "فرانس برس"، أن "الخبراء يقدرون بحوالي 10% خسارة الأصوات" التي قد تتكبدها بسبب الانشقاقات، وعندها لن يكون انتخاب النواب الأوروبيين لها لولاية ثانية مضموناً.
كيف يتم انتخاب رئيس المفوضية الأوروبية؟
وتُعنى المفوضية وهي الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي والمؤسسة الوحيدة التي يمكنها اقتراح قوانين التكتل، بتطبيق القوانين، وتمثله في المفاوضات التجارية نيابة عن الدول الأعضاء التي تشكل سوقاً مشتركة.
كما أنها الهيئة الناظمة لمكافحة الاحتكار في الاتحاد، ولديها سلطة التحقيق في الانتهاكات، وفرض غرامات باهظة.
ويعمل حوالي 32 ألف شخص في المفوضية التي يقودها رئيس أو رئيسة، وعادة ما يكون عدد المفوضين مساوياً لعدد الدول الأعضاء، وينتمي كل منهم الى إحداها.
وبموجب قانون معاهدة الاتحاد الأوروبي، يختار قادة التكتل رئيس أو رئيسة المفوضية "مع الأخذ في الاعتبار" نتائج انتخابات البرلمان.
ويتعين على البرلمان الذي يعتبر أن رئيس المفوضية يجب أن ينتمي للتكتل السياسي الفائز بأكبر عدد من الأصوات، الموافقة على خيار القادة بالغالبية البسيطة.