"فوضى اليمين".. تقارب "الجمهوريين" من اليمين المتطرف يحدث زلزالاً في فرنسا

time reading iconدقائق القراءة - 7
إريك سيوتي ينظر إلى  جوردان بارديلا خلال مناظرة على قناة FRANCE 2 الوطنية.  2 فبراير 2023 - F2
إريك سيوتي ينظر إلى جوردان بارديلا خلال مناظرة على قناة FRANCE 2 الوطنية. 2 فبراير 2023 - F2
دبي-وليد مداور

بعد نحو 48 ساعة من الانتخابات الأوروبية، أحدَث رئيس حزب "الجمهوريين" الفرنسي إريك سيوتي "زلزالاً سياسياً"، بعدما دعا حزب "التجمع الوطني" من اليمين المتطرف، إلى تشكيل تحالف استعداداً للانتخابات البرلمانية المقررة نهاية الشهر الجاري.

وأحدَثت تصريحات سيوتي انقساماً داخل حزب الجمهوريين "الديجولي" (نسبة لأنصار شارل ديجول)، الذي احتفظ بعدائه التاريخي لليمين المتطرف في فرنسا، ما سيضع الحزب أمام اختبار عميق قبل 3 أسابيع من الانتخابات.

وعكس توجه حزبه، خرج سيوتي في تصريحات على قناة TF1 الفرنسية، معتبراً أن هناك "حاجة ماسة" للاتفاق مع "التجمع الوطني"، اليميني المتطرف، زاعماً أن "الجمهورية الفرنسية في خطر" أمام أقصى اليسار، الذي يقوده حزب "فرنسا الأبية".

ولمّح سيوتي إلى رغبة "الجمهوريين" في التحرر من الخط الذي انتهجه الحزب منذ عام 2022، وهو السير توازياً بين اليمين المتطرف والماكرونيين (نسبة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون).

"فجوة في تاريخ اليمين الفرنسي"

ولم يسبق لأي من قادة حزب الجمهوريين، التحالف مع عائلة لوبان (التي قادت اليمين المتطرف الفرنسي)، وهو ما اعتبره السياسي الفرنسي جيلاس إيفالدي في مقابلة مع صحيفة Nouvel Obs، أنه فجوة في تاريخ اليمين الفرنسي، واصفاً سيوتي بالسياسي "المتطرف" بسبب خروجه عن قواعد الحزب، الذي بقي حريصاً على تبنّي أفكار "الجنرال" الراحل شارل ديجول المعادية لليمين المتطرف.

وخلال مقابلة في عام 2018، قال إريك سيوتي، عندما كان نائباً في البرلمان، إنه لن يتحالف أبداً مع اليمين المتطرف، ولكن ما الذي جعله اليوم، وهو على رأس الجمهوريين، يُغيّر من فلسفته، ويتجاوز هذا "الخط الأحمر"، مثلما وصفه في 2018؟

وفي تصريحاته، الثلاثاء، تحدَّث سيوتي عن "كتلة وطنية يمينية" في مواجهة تحالف اليساريين مع حزب "فرنسا الأبية" بقيادة جان لوك ميلانشون، و"الكتلة الماكرونية التي قادت فرنسا إلى الوضع الحالي".

وأعلن رئيس "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، جوردان بارديلا، الاثنين، أنه يُجري نقاشاً مع حزب "الجمهوريين" على ضوء نتائج الانتخابات البرلمانية الأوروبية، التي حقق فيها حزبه الصدارة في فرنسا.

وفي مساء الاثنين، أوضحت القيادية في حزب "التجمع الوطني، اليميني المتطرف مارين لوبان على قناة TF1، أنها "مستعدة" لعدم تقديم مرشح عن الحزب ضد "الجمهوريين" في الدوائر الانتخابية.

وقد يشمل هذا الاتفاق "جميع الدوائر الانتخابية في البلاد"، وفق ما ذكر سيوتي.

سيوتي وحيداً أمام الجميع

وذكرت صحيفة "ليبيراسيون"، أن إريك سيوتي أصبح يقف شبه وحيد في مواجهة أعضاء حزبه، الغاضبين من إعلانه، وهو ما أظهره أغلبية نواب الحزب في مجلس النواب.

وفي مواجهة هذه الخطوة، طالب رئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشر، ورئيس مجموعة الجمهوريين في مجلس الشيوخ، برونو ريتيليو، ورئيس الجمهوريين في مجلس النواب أوليفييه مارليكس، والعديد من المسؤولين المنتخبين، باستقالة سيوتي.

وقال العديد من أعضاء حزب "الجمهوريين" في مقال مشترك بصحيفة "لوفيجارو"، إن الحزب أمام "مأزق.. لا يُمثّل عائلتنا السياسية، ولا الخط الجمهوري بأي حال من الأحوال".

كما قال لوران ووكيز، أن الحل لحزب الجمهوريين "لا يمكن أن يكون من خلال القفز إلى المجهول"، معلناً ترشحه للانتخابات التشريعية وسط ما وصفه بـ"فوضى اليمين".

وبعد إعادة انتخابه في الانتخابات الأوروبية، أدان رئيس قائمة حزب "الجمهوريين" فرانسوا كزافييه بيلامي "الخيار عديم الفائدة، والذي سيأتي بنتائج عكسية".

وأعرب نحو أربعين نائباً (من أصل 61) من "الجمهوريين" في مجلس النواب، معارضتهم للتحالف مع حزب "التجمع الوطني".

كما أعلن جمهوريون في مجلس الشيوخ، مثل نائبة رئيس مجلس الشيوخ صوفي بريماس، وجان فرانسوا هوسون، أنهم سيتركون الحزب إذا لجأ إلى هذه الخطوة.

وحتى أن المقربين من سيوتي، أبدوا استعدادهم للتخلي عنه إذا لجأ إلى هذه الخطوة. وقال النائب السابق لحزب "الجمهوريين" جيوم لاريفي على منصة "إكس"، إن "اليمين الجمهوري، لا يمكن بأي حال من الأحوال، أن يخضع لحزب التجمع الوطني".

ولم يذكر أي من أعضاء حزب "الجمهوريين" أن سيوتي قام باستشارتهم قبل اتخاذ القرار.

"الاتفاق فضيحة للجمهوريين"

وقبل يوم من إعلان سيوتي، ناقش النواب خلال مؤتمر عبر الفيديو، الموقف الذي سيتم اعتماده خلال الانتخابات التشريعية، وفق ما نقلت "ليبيراسيون"، عن مصدر مطلع.

وطرح النائب أوريليان برادييه، موضوع "التحالفات الحساسة" على الطاولة، ولم يبدِ سيوتي أي معارضة لمناقشة التحالف مع اليمين المتطرف.

وفي صباح الثلاثاء، نشرت صحيفة "لوفيجارو" موضوعاً، تحدّثت فيه عن إمكانية التوصل إلى "اتفاق" بين حزب "الجمهوريين" و"التجمع الوطني"، وهو ما أثار حفيظة العديد من الجمهوريين.

وخلال اجتماع لاحق في مجلس الشيوخ، آخر المعاقل التي لا يزال لليمين مركز ثقل فيها، تحوّل الاجتماع الأسبوعي لحزب "الجمهوريين" إلى لائحة اتهام ضد سيوتي.

وأبدى "الشيراكيون" (أنصار الرئيس السابق جاك شيراك)، على غرار فيليب باس، وماري كلير كاريار جي، وفرانسيس سزبينر، معارضة لأي تقارب مع اليمين المتطرف، وهو أمر رفضه جاك شيراك دائماً.

وقال عضو مجلس الشيوخ سزبينر: "أرى أن هذا الاتفاق فضيحة، وهو ليس موجوداً في الحمض النووي للديجوليين"، معتبراً أنه "خطأ أخلاقي".

وخلال مقابلته مع TF1 حاول سيوتي تجاهل هذا الغليان داخل حزبه، وفي سؤال عن إمكانية أن تتسببه هذه الخطوة في انفجار اليمين، ردّ سيوتي "سنرى"، قبل أن يضيف: "أعرف جيداً هؤلاء الأعضاء، وأنا واحد منهم، وفي الأخير، سيدعمونني في هذا النهج".

ولكن الداعمين لسيوتي يعتبرون "قلة"، في مواجهة الأغلبية المعارضة لأي تقارب مع اليمين المتطرف.

معسكر ماكرون يفتح الباب أمام "الجمهوريين"

وفي محاولة لانتهاز فرصة هذا الغضب المتصاعد في حزب "الجمهوريين"، سارع المعسكر الرئاسي بقيادة "النهضة" إلى فتح الباب على مصراعيه أمام الجمهوريين.

ودعا وزير الاقتصاد برونو لومير، وهو عضو سابق في حزب "الجمهوريين"، "المنتخبين ونشطاء الحزب الذين يرفضون التعاون" مع اليمين المتطرف، إلى الانضمام للمعسكر الرئاسي.

واعتبر وزير الداخلية جيرالد دارمانين، وهو عضو سابق في حزب الجمهوريين، أن سيوتي "يوقّع اتفاقيات الاستسلام" لحزبه.

وسارع رئيس الوزراء السابق إدوارد فيليب، رئيس حزب "الآفاق"، إلى فتح الباب أمام الجمهوريين الغاضبين، وقال لقناة BFM، إنه يرحّب بكل من يريد الانضمام من معسكره، ووصف التحالف بين حزب "الجمهوريين" و"التجمع الوطني" بـ"المفزع، والمخالف للطبيعة".

ورفع إعلان سيوتي أسهم "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، الذي لم يتمكن خلال تاريخه كله من تحقيق أي تحالف كبير، باستثناء تحالف في الانتخابات الرئاسية لعام 2017 مع حزب صغير، يُدعى "فرنسا تقف".

تصنيفات

قصص قد تهمك