
فرضت واشنطن قيوداً عدّة على بيع أشباه الموصلات وأدوات صناعة الرقائق المتقدمة للصين، وسط تحذيرات من أن الإجراءات الاحتمائية التي تتخذها الولايات المتحدة تُشجع بكين على "تطوير منتجاتها فائقة التكنولوجيا"، ما يعني خسارة الشركات الأميركية مبيعاتها في ثاني أكبر اقتصاد بالعالم.
وقال الأكاديمي البارز وعضو اللجنة الدائمة لأعلى هيئة استشارية سياسية في بكين، جيا تشينجو، إن الجهود الأميركية الرامية إلى الحد من تصدير التكنولوجيات الأساسية إلى الصين "تضر بالاقتصادين، وقد تؤدي إلى نتائج عكسية".
وعن تقييمه للسياسة الأميركية تجاه الصين، وكيف يمكن أن يكون الرد الصيني، قال تشينجو في مقابلة مع وكالة "بلومبرغ"، الخميس، إن السياسات الأميركية تُركز الآن على كيفية "حرمان" الصين من التقدم في مجالي الاقتصاد والتكنولوجيا الفائقة بوجه عام، بدلاً من كيفية تعزيز المصالح الأميركية.
وعادة ما يطرح الأستاذ والعميد السابق لكلية الدراسات الدولية في جامعة بكين بانتظام مقترحاته على اللجنة الوطنية الصينية.
ضرر لبكين.. ومشكلات لواشنطن
وكانت وزيرة التجارة الأميركية جينا رايموندو صرّحت أن الولايات المتحدة ستُضيف إلى هذه الإجراءات على حسب الحاجة، وذلك لإبقاء معظم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدماً بعيداً عن أيدي بكين، على خلفية مخاوف من أن يستفيد منها الجيش الصيني.
وأوضح تشينجو أنه "ليس من المنطقي مثلاً أن تفرض الولايات المتحدة رسوماً جمركية على السلع الصينية"، وأشار إلى أن هذا النوع من الممارسات "يضر بالصين ويخلق مشكلات للولايات المتحدة"، مثل التضخم.
وأكد في الوقت نفسه أنه "ليس من المنطقي كذلك توسيع نطاق ضوابط التصدير على منتجات التكنولوجيا الفائقة المتجهة إلى الصين، لأن ذلك يُفاقم صعوبات بيع الشركات الأميركية منتجاتها إلى الصين، ومن ثم يزيد صعوبة المحافظة على الميزة التنافسية لهذه الشركات من خلال القيام بمزيد من الاستثمارات لتطوير الجيل التالي من المنتجات بالأرباح التي تحصل عليها من السوق الصينية".
ورأى السياسي والأكاديمي الصيني البارز أن هذه القيود يُمكن أيضاً أن تساعد على إبطاء تطوير التكنولوجيا الفائقة لدى بكين على المدى القصير، لكنها قد تُجبرها على تطوير منتجاتها فائقة التكنولوجيا عبر مسارات مختلفة، محذراً من أنه "في يوم ما، قد لا تحتاج الصين إلى شراء المنتجات الأميركية، ما يُمثل خبراً سيئاً للشركات الأميركية".
وخلص إلى أن الإفراط في فرض ضوابط على تصدير التكنولوجيا الفائقة يضر بالبلدين، إذ يؤدي إلى "إبطاء وتيرة تطوير التكنولوجيا الفائقة بالنسبة للصين، فيما يُفقد الولايات المتحدة السوق الصينية".
"سياسة الحماية المفرطة"
وفي معرض سرده للأسباب التي تُقلل من شعور الولايات المتحدة بالأمن، أوضح تشينجو أن إحدى مشكلات الحكومة الأميركية الآن هي "عدم إحساسها بالأمن" في تعاملها الصين، لافتاً إلى أن الصناعة التحويلية في الولايات المتحدة باتت أقل كفاءة، وأعرب عن اعتقاده بأن الأمر "له علاقة وطيدة بسياسات الحماية المفرطة من جانب الحكومة الأميركية"، محذراً من أنه "كلما أفرطت في انتهاج سياسات الحماية، أصبحت أقل تنافسية".
وتابع: "بمرور الوقت، أصبحت الحكومة الأميركية غير كفؤة إلى درجة تجعلها غير قادرة على البقاء سوى بانتهاج سياسات الحماية"، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة كانت بطلة المنافسة الحرة، ومع تراجع قدرات الشركات الأميركية على المنافسة، بدأت تتحدث عن المنافسة "العادلة".
والآن تعتمد الولايات المتحدة على الرسوم الجمركية وسياسات الحماية الصارخة، وبدلاً من إصلاح نفسها لتمكين الشركات الأميركية من المنافسة، تحاول وفقاً للسياسي والأكاديمي الصيني، تبنّي تدابير لاحتواء المنافسة من البلدان الأخرى، في حين يتجه الآن هذا الجهد نحو الصين.
ورداً على سؤال "بلومبرغ"، حول كيفية إدارة بكين لهذه الحالة من انعدام الأمن، قال تشينجو إن إدارة الصين للحساسية الأميركية يمكن أن تتطور، موضحاً أن قوة الصين "ازدادت بشكل كبير، لكن عقليتها لم تواكب هذا التغيير، فكثير من الصينيين لا يزالون يفترضون، من دون وعي، أن دولتهم ضعيفة ومهددة، وعليها أن تقاتل من أجل أن تحظى بالاحترام، وعندما يسمعون أي آراء أو مقولات نقدية عن الصين يشعرون أنه لا بديل عن الرد".
وأعرب تشينجو عن اعتقاده بأن الوقت حان لتبني "موقف مغاير، يتمثّل في حمل الانتقاد على محمل الجد.. فإذا كان صحيحاً، نحاول أن نطور من أنفسنا، وإذا كان خاطئاً، نحاول أن نشرح موقفنا أو أن نتجاهل النقد".
وبحسب رأيه، لا يزال السلوك الصيني "يستجيب بدرجة كبيرة" للتحيز والاستفزازات الأميركية، ومن ثم "يزداد عدد الأفراد الذين يُؤمنون بتبني مقاربة خشنة تجاه الولايات المتحدة، ففي مجال التكنولوجيا المتقدمة، يعتقد كثيرون أنه لا بديل أمام الصين سوى "تطوير تكنولوجياتها المحلية وشراكاتها الدولية"، فيما يريد آخرون أكثر تطرفاً أن "نحذو حذو الولايات المتحدة" لنحرمها مما تريده، حتى لو أضر ذلك بمصالح الصين، معتبراً أن "هناك أشخاصاً يحملون آراء متطرفة في كلا البلدين، ويجدون أن نظراءهم مفيدين لتعزيز وجهات نظرهم التصادمية".
ترمب.. "مزيد من الغموض"
ستكون الولايات المتحدة في نوفمبر هذا العام على موعد مع انتخابات رئاسية يتنافس فيها الرئيس الديمقراطي جو بايدن ومنافسه الجمهوري دونالد ترمب الذي تركّزت سياساته خلال ولايته الرئاسية الوحيدة بين 2016 و2020 على تشديد الضغوط الاقتصادية على الصين.
وحول ما تعنيه رئاسة ترمب المحتملة للعلاقات بين الولايات المتحدة والصين، قال عضو اللجنة الدائمة لأعلى هيئة استشارية سياسية في بكين إنه إذا عاد ترمب إلى البيت الأبيض، فسيكون هناك "المزيد من الغموض وعدم اليقين بشأن العلاقة بين البلدين"، معتقداً أنه "على الأرجح ستدخل العلاقة بين البلدين فترة أخرى من التدهور".
وأضاف: "نعرف بدرجة أو أخرى كيف يمكن أن تكون سياسة دونالد ترمب تجاه الصين، حيث على الأرجح ستكون صارمة وغير معقولة بدرجة أكبر وأكثر ضرراً بمصالح الصين والولايات المتحدة".
مع ذلك لا يرى تشينجو أن سياسة بايدن تجاه الصين أفضل بكثير، إذ وصف نهجه بأنه "غليظ أيضاً"، إلأ أنه "يبقى بطرق مختلفة قابلاً للتنبؤ به".
وفي ما إذا ما كان يشعر بالقلق بشأن تراجع التبادلات الشعبية بين الصين والولايات المتحدة، رأى الأكاديمي الصيني أنه يشعر بالقلق بشأن تراجع التبادلات الأكاديمية بين البلدين.
وفي وقت سابق من العام الحالي، قدم تشينجو اقتراحاً لدى اللجنة الوطنية للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني يدعو إلى "بذل المزيد من الجهود لجذب الطلاب الأجانب للعودة إلى الصين للدراسة".
كما أعرب خلال المقابلة مع "بلومبرغ"، عن اعتقاده أن الأجيال الشابة يجب أن تتعرف على بعضها البعض، لأن المستقبل سيكون في أيديهم، مشدداً على أنه "يجب أن يذهب كل منهم إلى بلد الآخر ليُشكّلوا انطباعاتهم بأنفسهم، وليس فقط عبر الاستماع للسياسيين ووسائل الإعلام".
كما شدد على أنه "يجب ان تتخذ الصين التدابير الأمنية اللازمة لحماية أمنها، على أن تكون في الوقت نفسه منفتحة على العالم الخارجي، لافتاً إلى أن معظم الناس الذين يمتلكون خبرات خارجية يُمثلون "أصولاً"، وليسوا "خصوماً".