اقترب رئيس الوزراء الهولندي مارك روته، الذي يُعد أحد أشرس المنتقدين للرئيس الروسي فلاديمير بوتن والحليف القوي لأوكرانيا، من تولي منصب الأمين العام القادم لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، مدفوعاً بخبرة ومهارات كصانع صفقات سياسية، صقلها خلال ما يقرب من 14 عاماً في السلطة.
وكان روته (57 عاماً)، يُمثّل أحد القوى الدافعة في أوروبا وراء الدعم العسكري الأوروبي لأوكرانيا منذ الغزو الروسي عام 2022، معتبراً في تصريحات سابقة أن "هزيمة موسكو في ساحة المعركة أمر حيوي لتأمين السلام في أوروبا".
ويعود أحد العوامل التي فاقمت الموقف المتشدد لأمستردام من موسكو إلى عام 2014، عندما ألقت هولندا باللوم على روسيا في إسقاط طائرة ركاب فوق أوكرانيا في عام 2014، والتي قضى فيها 298 شخصاً، من بيهم 196 هولندياً.
وشدد روته على أن "الناتو" يجب أن يكون قوياً لمواجهة موسكو، وأن على زعماء الاتحاد الأوروبي الآخرين "ألا يكونوا ساذجين بشأن روسيا البوتينية"، في إشارة إلى قيادة بوتين للبلاد.
وفي خطاب أمام الأمم المتحدة في سبتمبر 2022، بعد 7 أشهر من الحرب الروسية الأوكرانية، قال روته إن الزحف الروسي "لن يتوقف عند أوكرانيا إذا لم نوقفه الآن. هذه الحرب أكبر من أوكرانيا نفسها. إنها تتعلق بالحفاظ على سيادة القانون الدولي".
وتولى روته منصبه لأول مرة عام 2010، وأصبح أطول رئيس وزراء هولندي في الخدمة، قبل أن يعلن العام الماضي أنه يخطط لترك "السياسة الوطنية".
وقاد روته حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية، الذي ينتمي إلى "يمين الوسط"، للفوز في كل الانتخابات خلال فترة توليه منصبه التي تزيد على عقد من الزمان.
اهتمام أكبر بالدفاع
كان حادث تحطم طائرة الرحلة "MH17" التابعة للخطوط الجوية الماليزية في 17 يوليو 2014 شرقي أوكرانيا، حيث دارات آنذاك معارك بين انفصاليين موالين لروسيا والقوات الأوكرانية، نقطة تحوّل في تركيز روته من الشؤون الداخلية الهولندية إلى أحد صناع الصفقات الرئيسيين في الاتحاد الأوروبي، إذ لعب دوراً مهماً لاحقاً في النقاشات الأوروبية بشأن الهجرة والديون والاستجابة لجائحة كورونا.
وتحت قيادته، زادت هولندا الإنفاق الدفاعي إلى أكثر من 2% من الناتج المحلي الإجمالي المطلوبة من أعضاء "الناتو"، وعملت على تطوير جيشها، وقامت بتوفير طائرات مقاتلة من طراز F-16، إضافة إلى إمداد أوكرانيا بالمدفعية، والطائرات المسيّرة، والذخيرة.
وهكذا، أصبح طريق روته ممهداً لخلافة ينس ستولتنبرج، الذي سيتنحى عن رئاسة حلف الأطلسي في أكتوبر بعد ما يقارب عقد في المنصب، لا سيما بعد أن سحب رئيس رومانيا كلاوس يوهانيس ترشيحه، وقد كان لدى روته بالفعل دعم 31 دولة أخرى في التحالف المكون من 32 دولة.
وفي وقت سابق، الثلاثاء، قال ستولتنبرج إن روته مرشح "قوي جداً" ليحل محله، لافتاً إلى أن القرار قريب.
وتحت قيادة ستولتنبرج، الذي انضم بعد بضعة أشهر من ضم روسيا لشبه جزيرة القرم من أوكرانيا عام 2014، أضاف التحالف دولاً إلى صفوفه، هي: الجبل الأسود، ومقدونيا الشمالية، وفنلندا، والسويد.
وكان بعض أعضاء "الناتو" يأملون في أن تصبح رئيسة الوزراء الإستونية كايا كالاس أول امرأة تقود الحلف، لكن آخرين اعتبروها متشددة للغاية تجاه روسيا.
ومن المتوقع أن يتنحى روته، وهو من محبي الدراجات الهوائية، رسمياً عن منصب رئيس الوزراء عندما تحل الحكومة الهولندية اليمينية التي تم تشكيلها مؤخراً محل ائتلافه اليميني الوسطي.
وعاش روته، الذي لم يتزوج، حياته في مدينة لاهاي، وكان ألمح إلى أنه قد يستمتع بالتدريس بعد السياسة، لكنه استشهد بالحرب في أوكرانيا كسبب للسعي إلى منصب دولي، ووضع نُصب عينيه قيادة حلف شمال الأطلسي.
حليف زيلينسكي
ويُعد روته أيضاً مؤيداً قوياً للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي يتذكر لقاءه به في كييف قبل 5 سنوات.
وفي تصريحات في أبريل الماضي، قال روته: "كان الأمر واضحاً حتى ذلك الحين: هذا رجل لديه مهمة.. أنا مقتنع بأن نجاح أوكرانيا يعتمد إلى حد كبير على العقلية التي نقلها منذ البداية".
وعلى النقيض من ذلك، حتى أثناء تحذيره من التهديد الذي يُشكله بوتين، أشار روته إلى أن الرئيس الروسي ليس قوياً كما يبدو، متحدثاً عن هذا في مناظرة برلمانية قبل شهرين: "لا تبالغوا في تقدير بوتين عقلياً. لقد تحدثت مع الرجل كثيراً. إنه ليس قوياً".
والعام الماضي، عزّز روته مساعيه ليصبح الأمين العام الجديد لـ"الناتو"، بينما شارك في قيادة تحالف دولي مهمته تسليم مقاتلات F-16 إلى أوكرانيا، وتدريب الطيارين الأوكرانيين.
وفي الأشهر الأخيرة من ولايته، وقّع أيضاً على اتفاقية أمنية لمدة 10 سنوات مع أوكرانيا، تضمن الدعم من هولندا، على الرغم من الانتقادات من قِبَل زعيم اليمين المتطرف والفائز بالانتخابات جيرت فيلدرز.
كما أقام روته علاقات جيدة مع العديد من القادة البريطانيين والأميركيين، ويُنظر إليه على نطاق واسع على أنه كان من أنجح قادة الاتحاد الأوروبي في التعامل مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، الذي يسعى للعودة إلى البيت الأبيض في انتخابات نوفمبر 2024، ما قد يُزعج قادة حلف شمال الأطلسي في ضوء تشكيك الملياردير الأميركي في استعداد الولايات المتحدة لدعم أعضاء آخرين في "الناتو" إذا تعرّضوا للهجوم.
وفي مؤتمر ميونيخ الأمني السنوي العام الماضي، قال روته إن القادة يجب أن يتوقفوا عن "التذمر بشأن ترمب"، وأن ينفقوا المزيد على إنتاج الدفاع والذخيرة، بغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات الأميركية.