يواجه رئيس الوزراء الهولندي المنتهية ولايته مارك روته، الذي ضمن الفوز بمنصب الأمين العام المقبل لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، 5 تحديات عندما ينتقل إلى مكتبه الجديد، وذلك في أعقاب حصوله على دعم جميع أعضاء الحلف البالغ عددهم 32.
ويُنتظر أن يتولى روته مهام المنصب مع انتهاء ولاية الأمين العام الحالي ينس ستولتنبرج في الأول من أكتوبر المقبل.
ويحظى روته، الذي يدير خامس أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي منذ 14 عاما،ً بإشادة واسعة النطاق من قبل غالبية أعضاء الحلف، بينما يبدو عازماً على مواصلة دعم أوكرانيا، بما في ذلك الجهود الهولندية الأخيرة في تدريب الطيارين الأوكرانيين على قيادة طائرات F-16، وفق صحيفة "بوليتيكو" الأميركية.
1- عودة ترمب "المحتملة"
وتأتي ولاية روته في فترة محفوفة بالمخاطر لدول الحلف الغربي، مع استمرار حرب روسيا في أوكرانيا ومساعي الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب للفوز في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل، وهو أحد أكبر المشككين في حلف شمال الأطلسي.
وخلال حملته الانتخابية، هدد ترمب بقطع المساعدات الأميركية لأوكرانيا إذا عاد إلى البيت الأبيض. وإذا نفذ هذا الأمر فقد يوجه ذلك ضربة قوية لمصداقية حلفاء "الناتو" في مساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها ضد روسيا، نظراً لأن الولايات المتحدة كانت إلى حد كبير أكبر مانح للمساعدات العسكرية لكييف.
وتشير "بوليتيكو" إلى أن إعادة انتخاب ترمب من شأنها أن تعرقل خطة حلف شمال الأطلسي لإعداد أوكرانيا لعضويتها في المستقبل، بما في ذلك الجهود الرامية إلى استكمال "تغريب" الجيش الأوكراني.
ووعدت دول "الناتو" العام الماضي بأنها "ستكون في وضع يسمح لها بتوجيه دعوة إلى أوكرانيا للانضمام إلى الحلف عندما يوافق الحلفاء ويتم استيفاء الشروط".
ووجه ترمب انتقادات حادة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والدعم الأميركي لكييف. وخلال تجمع انتخابي في ديترويت الأسبوع الماضي، وصف ترمب، زيلينسكي، بأنه "أعظم تاجر سياسي على الإطلاق"، وذلك في إشارة إلى كسب الدعم الغربي لأوكرانيا.
وقال ترمب عن زيلينسكي: "لقد غادر قبل 4 أيام إلى منزله ومعه 60 مليار دولار، ثم عاد ليطالب بـ 60 مليار دولار أخرى"، وأضاف: "مطالبه لا تنتهي أبداً".
2- هجوم بوتين الشتوي على أوكرانيا
وبمجرد أن يتولى روته منصبه، سيكون أمام مطالب لمساعدة كييف على صد الهجوم الروسي المتوقع في فصل الشتاء.
وعلى مدار الأشهر الأخيرة، كثفت روسيا ضرباتها ضد محطات الطاقة الحرارية والسدود في أوكرانيا، وهي البنية التحتية التي يستغرق إصلاحها بالكامل أشهراً إن لم يكن سنوات.
ونقلت "بوليتيكو" أن قواعد اللعب التي يمارسها الكرملين ليست جديدة، إذ خلال فصل الشتاء الأول للحرب بين عامي 2022 و2023، تعرضت شبكة الكهرباء في أوكرانيا لهجوم شديد.
ويقول ستولتنبرج، رئيس حلف شمال الأطلسي المنتهية ولايته، إن مفتاح الحل يكمن في المزيد من أنظمة الدفاع الجوي التي يمكنها حماية موردي الطاقة، إضافة إلى موظفي الصيانة الذين يعملون على إصلاح المنشآت المتضررة.
وتسعى دول الناتو أيضاً إلى إرسال أنظمة دفاع جوي. لكن أوروبا ليس لديها الكثير لترسله، وقد تأخر الدعم القادم من الولايات المتحدة، كما أن الدول القريبة من روسيا أقل استعداداً للتخلي عن دروعها الجوية في هذا الوقت الخطير، وفق "بوليتيكو".
3- إقناع أعضاء الناتو بالإنفاق
وكان ستولتنبرج، أعلن أن أكثر من 20 دولة عضواً في حلف "الناتو" حققت هدف الإنفاق الدفاعي للحلف العسكري الغربي هذا العام، بإنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي. وتجاوزت هولندا هذه العتبة هذا العام بعد سنوات من التقصير، وفق "بوليتيكو".
وأشارت الصحيفة إلى أن هذا لا يعني أن جميع الأعضاء استوفوا الإنفاق الدفاعي المطلوب، إذ أن ثلث الحلف لا يزال غير قادر على تحقيق الهدف، على الرغم من التعهد الذي قدمه قبل 10 سنوات. وتمثل دول جنوب أوروبا من بين أسوأ المخالفين.
وفي إيطاليا، بلغت نسبة الإنفاق الدفاعي خلال العام الجاري 1.5% من الناتج الإجمالي. فيما بلغت 1.28% فقط في إسبانيا. والتزمت جارتها البرتغال بنسبة 1.55%.
وقال دبلوماسي كبير من منطقة البلطيق، طلب عدم الكشف عن هويته للتحدث بحرية عن المزاج العام داخل حلف شمال الأطلسي، إن "السجل السيئ لأصدقائنا في البحر الأبيض المتوسط هو السلاح المثالي لترمب".
وتلتزم كندا، وهي عضو في حلف شمال الأطلسي منذ تأسيسه في عام 1949، بنسبة 1.37% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، مسجلة نمواً بنسبة 0.1% منذ بداية الحرب الروسية ضد أوكرانيا.
4- مظالم الجهة الشرقية
تمثل الدول المتاخمة لروسيا من أشد المعارضين للأمين العام الجديد لحلف الناتو، فقد سبقت أن عبرت عن امتعاضها لانخفاض الإنفاق الدفاعي الهولندي، كما عبروا عن انزعاجهم بشكل خاص من أن الدور القيادي في حلف شمال الأطلسي كان يذهب دائماً إلى دول أوروبا الغربية أو الشمالية، على الرغم من أن دول الجانب الشرقي ظلت في الحلف لمدة ربع قرن.
وتراجعت رئيسة وزراء إستونيا كاجا كالاس في آخر لحظة عن خوضها سباق منصب الأمين العام للحلف، بعد أن قيل لها إنها لن تحصل على دعم دول مثل الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا (وهي الآن المرشحة الأوفر حظاً لتكون رئيسة السياسة الخارجية التالية للاتحاد الأوروبي).
وكان معارضو ترشيحها يخشون أن تنظر موسكو إلى تعيينها على أنه "تصعيد في الأعمال العدائية". وأيدت المجر الرئيس الروماني كلاوس يوهانيس، الذي ترشح لهذا المنصب لأسباب تكتيكية، وفق "بوليتيكو".
وكشفت الصحيفة، أن دول الشرق الأوروبي ستطالب بتمثيل قوي على مستوى باقي المناصب، خاصة منصب نائب الأمين العام للحلف.
ولطالما مثّل توزيع الوظائف نقطة خلاف بين الدول الشرقية ونظيرتها الغربية داخل الحلف، وفي حين أن نائب الأمين العام هو في الأصل روماني، فإن جميع مساعديه السبعة هم من الغرب، اثنان من الولايات المتحدة، وواحد من كل من ألمانيا وهولندا وبريطانيا وإيطاليا وفرنسا.
وقالت الصحيفة إن إحدى المهام الأولى لروته كأمين عام لحلف شمال الأطلسي هي تسمية نائبه، ومن المرتقب أن يواجه ضغوطاً لتعيين شخص من دولة شرقية.
5- زعماء أوروبا المحبون لبوتين
لن يكون ترمب وحده هو الذي سيتعين على روته إقناعه بإبقاء الناتو على "قيد الحياة وبصحة جيدة".
ففي مختلف أنحاء أوروبا، تزدهر الأحزاب اليمينية المتطرفة المتشككة في حلف شمال الأطلسي والمحبة لبوتين في ظل النتائج المسجلة خلال الانتخابات الأوروبية الأخيرة.
فرنسا، على سبيل المثال، على أعتاب انتخابات برلمانية يمكن أن تشهد مكاسب كبيرة للتجمع الوطني اليميني المتطرف، مما أجبر ستولتنبرج على تقديم نداء نادر إلى باريس "لإبقاء الناتو قوياً" في مقابلة مع "بوليتيكو".
وفي تصريحات سابقة، قال روته إنه تقدم لتولي المنصب الأعلى في حلف "الناتو" عندما أصبح من الواضح أن حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية الذي ينتمي إلى يمين الوسط سيخسر الانتخابات الهولندية أمام حزب اليمين المتطرف من أجل الحرية بقيادة خيرت فيلدرز، وهو ما حدث في وقت سابق.
وعندما سُئل فيلدرز العام الماضي عن وجهة نظره في الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قال لقناة "RT" الروسية: "أحييه كما أشيد بالسيد ترمب لكونهما زعيمان يقفان نيابة عن الشعبين الروسي والأميركي".