بدون إطلاق رصاصة واحدة.. سيناريو سيطرة الصين على تايوان

مؤسسة بحثية أميريكة: الجيش الصيني يمكنه إخضاع وعزل الجزيرة وشل اقتصادها

time reading iconدقائق القراءة - 11
سفن خفر سواحل صينية تطلق خراطيم المياه باتجاه سفينة إمداد فلبينية عند جزيرة "سكند توماس شول" في بحر الصين الجنوبي. 5 مارس 2024 - REUTERS
سفن خفر سواحل صينية تطلق خراطيم المياه باتجاه سفينة إمداد فلبينية عند جزيرة "سكند توماس شول" في بحر الصين الجنوبي. 5 مارس 2024 - REUTERS
دبي -الشرق

حذّرت مؤسسة بحثية أميركية بارزة من أن الجيش الصيني يمكن أن يعزل تايوان، ويشل اقتصادها، ويخضع الجزيرة "لإرادة" الحزب الشيوعي الحاكم في بكين "دون إطلاق رصاصة واحدة".

وتزايدت المخاوف من أن يفي الحزب الشيوعي بوعده بالسيطرة على تايوان يوماً ما "بالقوة إذا لزم الأمر"، خلال السنوات الأخيرة بسبب نزوع الرئيس الصيني شي جين بينج إلى اتخاذ "إجراءات عدائية" على نحو متزايد تجاه الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي، وفق شبكة CNN.

وأشارت الشبكة الأميركية، في تقرير، إلى أن رفض الصين إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا عزز من تلك المخاوف.

وفي إطار هذا السيناريو، ركز محللون وخبراء استراتيجيون عسكريون منذ فترة طويلة على خيارين رئيسيين متاحين للصين، وهما: غزو شامل، أو حصار عسكري.

لكن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) في واشنطن حذّر من وجود وسيلة ثالثة، سيصعب على الولايات المتحدة وغيرها التصدي لها، وهي العزل.

تكتيكات "المنطقة الرمادية"

وأوضح تقرير CSIS، الصادر حديثاً، أنه باستخدام تكتيكات "المنطقة الرمادية"( بين الحرب والسلام)، وهي إجراءات أقل بقليل مما يمكن اعتباره أعمال حرب، يمكن لخفر السواحل الصيني وما يسمى بـ"المليشيا البحرية"، ومختلف وكالات الشرطة والسلامة البحرية البدء في فرض عزل كامل أو جزئي على تايوان، وربما قطع الوصول إلى موانئها وقطع الإمدادات الحيوية مثل الطاقة عن سكان الجزيرة البالغ عددهم 23 مليون نسمة.

وربما تلعب القوات البحرية والجوية والبرية التابعة للجيش الصيني، أكبر قوة عسكرية في العالم، أدواراً مساعدة ومساندة فقط، كما كتب مؤلفو التقرير.

وذكر التقرير أن "الصين زادت إلى حد كبير من ضغوطها على تايوان خلال السنوات الأخيرة، ما أثار مخاوف من أن التوترات قد تتحول إلى صراع مباشر. وحظى التهديد بالغزو بالكثير من الاهتمام ، لكن بكين لديها خيارات إلى جانب الغزو لإرغام أو معاقبة أو ضم تايوان".

وخلال منتدى "حوار شانجريلا" الأمني في سنغافورة في وقت سابق من هذا الشهر، حذّر وزير الدفاع الصيني الأدميرال دونج جون من وصفهم بأنهم الذين يدعمون أي تحركات لاستقلال تايوان من أنه "سينتهي بهم الأمر إلى التدمير الذاتي".

وأضاف دونج، متحدثاً من خلال مترجم: "سنتخذ إجراءات حازمة للحد من استقلال تايوان، والتأكد من عدم نجاح مثل هذه المؤامرة أبداً"، بينما انتقد "قوى خارجية متدخلة"، لبيعها الأسلحة وإجراء "اتصالات رسمية غير قانونية" مع تايوان.

وظهرت تكتيكات "المنطقة الرمادية" المتصاعدة، التي تنتهجها الصين بشكل واضح، هذا الأسبوع، عندما اشتبكت سفن خفر سواحل صينية مع قوارب تابعة للبحرية الفلبينية في بحر الصين الجنوبي.

وسجل مستوى العنف في هذه الواقعة زيادة ملحوظة مقارنة باشتباكات سابقة قرب جزيرة "سكند توماس شول"، حيث تحتفظ الفلبين بموقع على سفينة حربية على الشاطئ في المياه المتنازع عليها بين بكين ومانيلا.

"عزل" تايوان

وعلى نحو مماثل، أصبح "الترهيب العسكري والاقتصادي"، الذي تمارسه بكين ضد تايوان، وهي اقتصاد سوق حرة متطور للغاية، أكثر وضوحاً في عهد الرئيس شي جين بينج.

ويقول الحزب الشيوعي الحاكم في الصين إن الجزيرة تابعة له، على الرغم من أنه لم يسيطر عليها قط، وتعهد "بإعادة التوحيد" معها "بالقوة إذا لزم الأمر".

لكن تقرير CSIS أشار إلى أن بكين لديها خيارات قوية تتيح لها ليس فقط إبقاء الجيش "خارج المعركة"، بل يمكنها في الواقع وضع الجزيرة، أو مؤيديها مثل الولايات المتحدة في موقف "البادئين بالصراع العسكري"، من أجل الحفاظ على الحكم الذاتي لتايوان.

وأشار التقرير إلى أن خفر السواحل الصيني، مثل معظم خفر السواحل حول العالم، يعتبر وكالة لإنفاذ القانون، وهذا يعني أنه يستطيع وقف وتنظيم الشحن حول الجزيرة، فيما يطلق عليه العزل، وهو تكتيك يختلف عن الحصار.

وأوضح أن "العزل عملية تقودها (قوات) إنفاذ القانون للسيطرة على الحركة البحرية أو الجوية داخل منطقة معينة، في حين أن الحصار ذو طبيعة عسكرية في المقام الأول". ويقول خبراء، إن القانون الدولي يعتبر الحصار عملاً من أعمال الحرب.

"ليس إعلان حرب"

ولفت التقرير إلى أن "العزل الذي يقوده خفر السواحل الصيني ليس إعلان حرب ضد تايوان"، ومن شأنه أن يضع الولايات المتحدة في موقف صعب، كما حذّر مؤلفوه.

وواشنطن ملزمة قانوناً، بموجب قانون العلاقات مع تايوان، بتزويد الجزيرة بوسائل الدفاع عن نفسها، كما تزودها بأسلحة دفاعية.

وذهب الرئيس الأميركي جو بايدن إلى أبعد من الشرط القانوني، وقال مراراً إنه سيستخدم القوات الأميركية لحماية تايوان، وهو تحذير يبدو أنه ينحرف عن موقف واشنطن السابق المتمثل في "الغموض الاستراتيجي"، الذي تراجع عنه مسؤولو البيت الأبيض.

لكن إذا تدخلت سفن أو طائرات عسكرية أميركية، فيما تقول الصين إنها عملية لإنفاذ القانون، ربما يُنظر إلى الولايات المتحدة على أنها "تبدأ الأعمال العدائية العسكرية".

ويقدر التقرير أعداد قوات خفر السواحل الصيني بنحو 150 سفينة عابرة للمحيطات، و400 سفينة أصغر، مثل البحرية الصينية، وهي أكبر قوة في العالم من حيث حجم الأسطول. وتمتلك بكين مئات السفن الإضافية في وكالة السلامة البحرية التابعة لها، و"الميليشيا البحرية"، وقوارب الصيد المدمجة في الجيش الصيني، وخدمات إنفاذ القانون.

في المقابل، يقول التقرير إن خفر السواحل التايواني، الذي يمتلك 10 سفن فقط عابرة للمحيطات ونحو 160 سفينة أصغر، يفتقر إلى العدد اللازم للتصدي لجهود العزل.

"تضييق خناق" اقتصادي

وأشار مؤلفو CSIS إلى أن إجراءات العزل التي اتخذتها بكين ربما تكون محدودة للغاية، ولا يزال لها تأثير على "خنق" تايوان اقتصادياً. وربما يرغب عدد قليل من المنتجين في مواجهة احتمال مصادرة السلطات الصينية لأصولهم، وربما يتوقفون بشكل طوعي عن خدمة الجزيرة.

وجاء في التقرير أن "الاستعداد الصيني الواضح لتفتيش ومصادرة عدد قليل من السفن التجارية يمكن أن يكون له تأثير رادع ضخم، ويثني عن ارتكاب تجاوزات مماثلة".

ويشير التقرير إلى أن إجراءات التفتيش المحدودة و/أو المصادرة لها تأثير على الرحلات الجوية إلى تايوان، حيث يمكن بسهولة تمديد العزل ليشمل الأجواء الجوية.

ووفقاً للتقرير، لن تحتاج الطائرات الصينية سوى تحذير مجموعة قليلة من الرحلات الجوية، ليكون لها تأثير خانق على حركة الملاحة الجوية بأسرها.

وترصد تايوان تحليق طائرات عسكرية صينية بانتظام حول الجزيرة، وأحياناً عشرات الطائرات خلال اليوم الواحد. وقالت وزارة الدفاع التايوانية إنه خلال الـ24 ساعة المنتهية في الساعة السادسة صباح الجمعة (بالتوقيت المحلي)، عبرت 36 طائرة عسكرية صينية إلى منطقة تحديد الدفاع الجوي في تايوان.

وفي الوقت نفسه، فإن العزل، بدلاً من الحصار، لن يتطلب من الصين إغلاق أو تقييد الوصول إلى مضيق تايوان، حسبما يشير تقرير CSIS. وهذا يعني أن واشنطن وحلفائها ربما يخسرون أحد أكبر مطالباتهم بالتدخل بموجب القانون الدولي، والحفاظ على حرية الملاحة في ممر مائي دولي.

ونوّه التقرير بأنه: "إذا تم تصوير العزل على أنه عملية لإنفاذ القانون، فيمكن للصين أن تعلن بسهولة نهاية العملية، وتدعي أنها حققت أهدافها".

وبموجب مزاعمها بأن تايوان أرض صينية، ربما تطلب بكين تقديم إقرارات جمركية قبل أن تتمكن السفن من الرسو في تايوان. وبالنسبة لأولئك الذين لا يمتثلون، وآليات التنفيذ ربما يكون لها تأثير سلبي على جميع عمليات الشحن.

وأردف التقرير: "سيُسمح لسفن إنفاذ القانون الصينية بالصعود على متن السفن وإجراء عمليات تفتيش في الموقع، واستجواب الموظفين، واتخاذ إجراءات أخرى ضد السفن غير الممتثلة".

"علاقات متشابكة" مع بكين

وتسمح هذه التدابير بنطاق محدود من العمليات للصين. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تستهدف فقط ميناء كاوشيونج، وهو الميناء الأكثر ازدحاماً في الجزيرة، والمسؤول عن 57٪ من واردات تايوان البحرية ومعظم وارداتها من الطاقة، وفقاً للتقرير.

تجدر الإشارة إلى أن تايوان تعد اقتصاداً صناعياً بارزاً، ونقطة محورية في سلاسل التوريد العالمية، ومصنعاً للغالبية العظمى من أشباه الموصلات الأكثر تقدماً في العالم. وفرض العزل على الجزيرة ستكون له تداعيات اقتصادية ليس فقط على المستوى المحلي، بل على المستوى العالمي.

وعلى الرغم من أن تايوان تحظى باعتراف دبلوماسي محدود، أقامت الجزيرة علاقات غير رسمية قوية بشكل متزايد مع الديمقراطيات الغربية الكبرى، ما أدى إلى تعميق تلك العلاقات في السنوات الأخيرة مع تصاعد تهديدات بكين.

كما أن تايوان والصين متشابكتان اقتصادياً بشكل عميق. وفي العام الماضي، ذهبت 35% من صادرات الجزيرة إلى البر الرئيسي الصيني، وكان معظمها عبارة عن دوائر متكاملة وخلايا شمسية ومكونات إلكترونية، وفقاً لوزارة الشؤون الاقتصادية التايوانية.

وشكلت الواردات من البر الرئيسي 20% من إجمالي واردات الجزيرة في نفس العام. وبين عامي 1991 و2022، استثمرت الشركات التايوانية ما مجموعه 203 مليارات دولار في البر الرئيسي، وفقاً لإحصاءات حكومة تايوان، ما خلق ملايين فرص العمل في الصين.

تصنيفات

قصص قد تهمك