تعمل تايوان مؤخراً على تسريع الجهود الرامية إلى بناء أسطول من الطائرات المُسيرة للدفاع عن نفسها، في الوقت الذي تغير فيه هذه الطائرات مجريات الحربين في أوكرانيا وقطاع غزة.
لكن تايبيه تواجه مشكلة تتمثل في أن الغالبية العظمى من أنواع الطائرات الصغيرة وغير المكلفة التي تحدث أكبر تأثير في ساحات القتال تُصنع في الصين التي تشكل تهديداً لتايوان ذاتها، وفق صحيفة "وول ستريت جورنال".
وأوضحت الصحيفة أن أهمية الطائرات المُسيرة ذات الأسعار المعقولة ظهرت بوضوح في أوكرانيا التي نشر جيشها أسراباً منها للتجسس على تحركات العدو ونقل وحمل المتفجرات، ما ساعده على صد هجوم الجيش الروسي الأكبر حجماً والأفضل تجهيزاً.
وأضافت أن تايوان من الممكن أن تجد نفسها في صراع غير متوازن مع الصين التي تطالب بالسيادة على الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي باعتبارها جزءاً من أراضيها، ولم تستبعد استخدام القوة للسيطرة عليها.
التجربة الأوكرانية
وتدرس تايوان إجراءات الجيش الأوكراني الدفاعية بشكل معمق، وتسعى إلى تعديل بعض تكتيكاتها، فيما يتمثل جزء من هذه الجهود في العمل مع شركات خاصة لبناء "فريق وطني للطائرات المُسيرة".
وأوضح الرئيس التايواني لاي تشينج تي أثناء زيارته لمجمع جديد لأبحاث وتطوير الطائرات السيرة في مدينة تشيايي الجنوبية، أنه يهدف لجعل تايوان "المركز الآسيوي لسلسلة التوريد الديمقراطية للطائرات المُسيرة".
وكانت الخطوات الأولى التي اتخذتها الجزيرة تجريبية، إذ اقترحت وزارة الدفاع التايوانية إنفاق 175 مليون دولار تقريباً من أجل شراء قرابة 3 آلاف و200 طائرة مُسيرة من مقاولين من القطاع الخاص.
وسيتعين زيادة هذا العدد بسرعة، إذ تستهلك أوكرانيا ما يقرب من 10 آلاف طائرة مُسيرة شهرياً، بحسب المعهد الملكي للخدمات المتحدة وهو مركز بريطاني متخصص في أبحاث الأمن.
وبدأ الجيش الأوكراني في الاعتماد بشكل كبير على الطائرات المسيرة الجاهزة للاستخدام التي تنتجها شركة "دا-جيانج إنوفيشنز" الصينية، بعد رفضه المُسيرات الأميركية بسبب ارتفاع تكلفتها ووجود بعض المشاكل التقنية بها.
ولكن مع تزايد احتياجاتها، بدأت أوكرانيا بإنتاج طائرات مُسيرة محلية الصنع باستخدام مكونات صينية مستوردة.
في حين لا تستطيع تايوان تكرار هذا النهج، بسبب وجود مخاطر عالية تتمثل في إمكانية مساعدة الموردين الصينيين للجيش الصيني على اختراق أي طائرات مُسيرة يستخدمها الجيش التايواني.
ونظراً لكونها جزيرة، قد تواجه تايوان صعوبة في الحصول على المزيد من المُسيرات إذا تعرضت للحصار، لذا، يتعين على تايبيه إيجاد طريقة لبناء مخزون كبير لتجنب سلسلة توريد بكين، بحسب الصحيفة.
ورأى محللون وشركات محلية مُصنعة للطائرات المُسيرة، أن التحدي الذي تواجهه تايوان ليس تقنياً ولكن يتمثل في حجم الإنتاج، مضيفين أن تايبيه، التي تنتج معظم أشباه الموصلات المتقدمة في العالم، تمتلك المعرفة اللازمة لتصنيع مُسيراتها.
وتستحوذ شركة "دا-جيانج إنوفيشنز" على ثلاثة أرباع سوق المُسيرات الاستهلاكية في العالم، وفقاً لشركة أبحاث السوق "درون إنداستري إنسايتس".
وقال كاي واكويتز، الرئيس التنفيذي لـ"درون إنداستري إنسايتس"، إن "حجم الصناعة الصينية هو ما يُمكّنها من إنتاج المُسيرات ومكوناتها بأسعار منخفضة، فإذا كنت تريد كميات كبيرة فأنت بحاجة لأسعار منخفضة".
وأوضح تشن كوان لو، رئيس شركة "ثاندر تايجر" التايوانية للإلكترونيات، أن "أحد المكونات الرئيسية هو نظام (جيمبال)، والذي يمثل أهم عنصر في أي طائرة استطلاع مُسيرة، ويتكون من عدسة بصرية، وأجهزة استشعار، ومثبتات".
وأشار تشن إلى أن "تايوان تنتج بالفعل العديد من المكونات التي تدخل في صنع أنظمة (جيمبال)، لكن معظمها يتم نقله إلى الصين لتجميعها بسبب ارتفاع تكاليف العمالة في الجزيرة".
وأضاف أن "تكلفة أنظمة (جيمبال) المصنوعة خارج الصين تبلغ ضعف تكلفة نظيراتها الصينية، وقد يكون الحصول عليها صعباً".
وأمضى تشن 6 أشهر في تطوير نموذج أولي يحتوي على أنظمة "جيمبال" من موردين إسرائيليين، لكن مخزونه نفد بعد شن تل أبيب حربها على قطاع غزة في أكتوبر 2023.
وذكر تشن أن أحد الموردين المحتملين قال له: "آسف، جميع الطائرات المُسيرة تشارك في الحرب الآن".
وتمثل محركات الطائرات تحدياً آخر، إذ حاول جونسون هوانج، مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة "تايوان يو إيه في"، استبدال محرك أسترالي بأخر صيني في نموذج أولي لطائرة مُسيرة للجيش التايواني، لكنه وجد أن التكلفة ارتفعت 20 ضعفاً.
ودفع ذلك هوانج إلى اللجوء لمصدر محلي، وقال إن "معظم المصانع التايوانية لم تبد استعداداً للتعاون، لأنه لم يتمكن من ضمان أن يكون حجم الطلب كبيراً بما يكفي".
ولفت هوانج إلى أنه اضطر لـ"زيارة أحد الموردين في ضواحي تايبيه ما لا يقل عن 5 مرات، وقضاء ساعات في التحدث مع المالك قبل التوصل إلى اتفاق في النهاية".
وأشارت "وول ستريت جورنال"، إلى أن هذه الصعوبات دفعت البعض إلى التساؤل عما إذا كانت تايوان قادرة على عدم الاعتماد على المكونات الصينية المستخدمة في صنع المُسيرات.
وأكدت وزارة الدفاع الصينية أن جميع المؤسسات الحكومية عملت على "ضمان الاعتماد على نفسها في مجال الدفاع الوطني، وتعزيز السلسلة الصناعية المحلية، وتحقيق هدف بناء الجاهزية القتالية بسرعة وبشكل آمن".
ويتفق محللو الدفاع والمسؤولون على أن إيجاد طريقة لتجميع مخزون من المُسيرات يُعد أمراً بالغ الأهمية لتايوان، في الوقت الذي تواجه فيه صراعاً محتملاً مع الصين.
وقال ديفيد أوشمانيك، المسؤول السابق بوزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون"، للصحيفة: "كما شاهدنا في أوكرانيا، يمكن للطائرات المُسيرة أن تكون وسيلة للجانب الأضعف لإلحاق الضرر بقوات الجانب الأقوى".