أقرّ مؤسس موقع "ويكيليكس"، جوليان أسانج، الأربعاء، بالذنب في تهمة جنائية واحدة هي "نشر أسرار عسكرية أميركية"، في إطار اتفاق مع وزارة العدل الأميركية، يضمن حريته وإنهاء أزمة قانونية طويلة أثارت تساؤلات بشأن حرية الصحافة، والأمن القومي.
وخلال الجلسة التي استمرت 3 ساعات، أقر أسانج بالذنب في تهمة جنائية واحدة هي التآمر للحصول على وثائق سرية تتعلق بالدفاع الوطني الأميركي والكشف عنها، لكنه قال إنه كان يعتقد أن "التعديل الأول للدستور، الذي يحمي حرية التعبير، سيحمي أفعاله".
وقال للمحكمة: "مع عملي صحافياً، شجعت مصدري ليقدم معلومات قيل إنها سرية من أجل النشر". وتابع: "اعتقدت أن التعديل الأول للدستور يحمي هذا الفعل، ولكني أتقبل أنه كان.. انتهاكاً لقانون التجسس".
وأعلنت قاضية أميركية، أن مؤسّس موقع "ويكيليكس" جوليان أسانج، أصبح "رجلاً حراً" بعدما أبرم صفقة إقرار بالذنب، أنهت مسلسلاً قضائياً وإعلامياً استمر نحو 14 عاماً.
وإثر مثول المواطن الأسترالي أمام المحكمة الفيدرالية في سايبان بجزر ماريانا الشمالية، وإقراره بذنبه، قالت القاضية رامونا في مانجلونا: "بهذا الإقرار، يبدو أنّك ستتمكن من الخروج من هذه القاعة رجلاً حراً".
استمرار "ويكيليكس"
بدوره، قال محاميه الأميركي باري بولاك للصحافيين خارج المحكمة: "نعتقد اعتقاداً راسخاً أنه لم يكن ينبغي اتهام أسانج قط بموجب قانون التجسس، وأنه مارس عملاً يمارسه الصحافيون كل يوم". وأضاف أن عمل "ويكيليكس سيستمر".
وذكر رئيس الوزراء أنتوني ألبانيز، في مؤتمر صحافي، الأربعاء، إن ما حدث ليس نتيجة للساعات الأربع والعشرين الماضية فحسب. وأضاف: "هذا شيء تمت دراسته بصبر والعمل عليه بطريقة محسوبة، وهذه هي الطريقة التي نتصرف بها في أستراليا".
وقدم أسانج الإقرار بالذنب، صباح الأربعاء، أمام المحكمة الفيدرالية في سايبان، عاصمة جزر ماريانا الشمالية، وهي دولة تابعة للكومنولث الأميركي غرب هاواي في المحيط الهادئ.
وعلى الرغم من أن الاتفاق مع المدعين العامين بوزارة العدل الأميركية، يتطلب منه الإقرار بالذنب في جريمة واحدة، إلى أنه يسمح له بالعودة إلى موطنه الأصلي أستراليا دون قضاء أي فترة عقوبة في أحد السجون الأميركية.
ووصل أسانج إلى مدينة سايبان، للمثول لمرة أخيرة أمام المحكمة، بهدف طيّ صفحة مسلسل طويل من الملاحقات القضائية، في خطوة تمكّنه من العودة حرّاً طليقاً إلى بلده أستراليا.
وأفاد مراسلو وكالة "فرانس برس" بأنّ الطائرة التي تقلّ أسانج البالغ من العمر 52 عاماً، حطّت في سايبان، للمثول أمام المحكمة للإقرار بالذنب في تهمة واحدة هي "التآمر للحصول على معلومات تتعلّق بالدفاع الوطني ونشرها"، وفق وثيقة للمحكمة.
وكان موقع "ويكيليكس"، أعلن، الثلاثاء، أنّ مؤسسه أُطلق سراحه بكفالة من السجن في العاصمة البريطانية لندن، حيث بقي موقوفاً 5 سنوات، وهو يحاول مقاومة تسليمه إلى الولايات المتحدة، التي سعت لملاحقته قانونياً بتهمة الكشف عن أسرار عسكرية.
ومن المتوقّع أن يُحكم على أسانج بالسجن 5 سنوات وشهرين، وهي فترة تعادل تلك التي قضاها خلف القضبان في بريطانيا.
تتبع حركة الطائرة
وأكّدت زوجته ستيلا، الثلاثاء، أنّه سيكون "حراً" بعد توقيع القاضي الأميركي على صفقة الإقرار بالذنب، معربة عن شكرها لأنصاره الذين دافعوا عن إطلاق سراحه على مدى سنوات.
وقالت زوجته لهيئة الإذاعة البريطانية BBC: "أشعر بفرحة عارمة. الأمر مذهل بصراحة"، مضيفة: "لم نكن متأكدين حقاً من ذلك حتى الساعات الـ24 الماضية".
وحضت أنصاره على متابعة مواقع تتبع حركة الطائرات، ووسم "أسانجيت"، قائلة عبر منصة "إكس": "علينا جميعاً أن نركز أنظارنا على رحلته في حال حدوث أمر ما".
واختيرت المحكمة الواقعة في كومنولث جزر ماريانا الشمالية، بسبب رغبة أسانج في عدم التوجّه إلى الولايات المتحدة، وبسبب قرب الجزر من أستراليا، وفق وثيقة للمحكمة.
وبموجب الاتفاق، يعود أسانج إلى وطنه أستراليا، حيث ترى الحكومة بأن قضيته "طال أمدها جداً، وليس هناك ما يمكن كسبه من استمرار سجنه".
وغادر أسانج جزيرة سايبان التابعة للولايات المتحدة متجهاً إلى كانبرا على متن طائرة خاصة، وفقاً لسجلات الرحلات الجوية.
وقالت ستيلا أسانج إنه على زوجها أن يسدد للحكومة الأسترالية تكلفة الرحلة المستأجرة البالغة 520 ألف دولار، ودعت مؤيديه إلى التبرع بالمال.
إسدال الستار على القضية بعد 14 عاماً
كان أسانج مطلوباً من واشنطن منذ عام 2010، لنشره مئات آلاف الوثائق السريّة الأميركية منذ ذلك العام عبر موقع "ويكيليكس".
وأصبح أسانج بطلاً يمثّل حريّة التعبير بالنسبة للمدافعين عن الحق في ذلك حول العالم، فيما يرى آخرون أنّه عرّض الأمن القومي الأميركي ومصادر استخباراتية للخطر.
وسعت الولايات المتحدة إلى محاكمة أسانج، لنشره أسراراً عسكرية عن حربي العراق وأفغانستان.
ووجّهت هيئة محلّفين فيدرالية كبرى، 18 تهمة رسمية إلى أسانج عام 2019 تتعلّق بنشر "ويكيليكس" مجموعة من الوثائق المرتبطة بالأمن القومي.
وأشادت الأمم المتحدة، الثلاثاء، بإطلاق سراحه، مشيرة إلى أن القضية أثارت "مجموعة من المخاوف المتعلّقة بحقوق الإنسان".
وقالت الناطقة باسم مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان، ليز ثروسيل، لوكالة "فرانس برس": "نرحّب بإطلاق سراح أسانج من السجن في المملكة المتحدة".
وقالت والدته كريستين أسانج، في بيان، أوردته وسائل إعلام أسترالية، إنها تشعر "بالامتنان لانتهاء معاناة ابنها أخيراً".
لكن نائب الرئيس الأميركي السابق، مايك بنس، أدان صفقة الإقرار بالذنب عبر منصة "إكس"، معتبراً أنها "إجهاض للعدالة.. يقلل من شأن خدمة وتضحية الرجال والنساء في قواتنا المسلحة".
معركة تسليم أسانج
وجاء الإعلان عن الصفقة قبل أسبوعين من الموعد المقرر لمثول أسانج أمام المحكمة في بريطانيا للطعن على حكم أيّد تسليمه إلى الولايات المتحدة.
وبقي أسانج موقوفاً في سجن "بيلمارش" الخاضع لإجراءات أمنية المشددة في لندن منذ أبريل 2019.
وأوقف بعدما أمضى 7 سنوات في سفارة الإكوادور في لندن، لتجنّب تسليمه إلى السويد حيث كان يواجه اتّهامات بـ"الاعتداء الجنسي" أُسقطت لاحقاً.
وشملت المواد التي نشرها تسجيلاً مصوّراً، يظهر مدنيين يتعرّضون للقتل بنيران مروحية أميركية في العراق عام 2007، وكان من بين الضحايا مصوّر وسائق يعملان لدى وكالة "رويترز".
ووجّهت الولايات المتحدة، اتهامات إلى أسانج بموجب قانون التجسس الصادر عام 1917، وهو ما حذّر أنصاره من أنه قد يفضي إلى سجنه لمدة تصل إلى 175 عاماً.
ووافقت الحكومة البريطانية على تسليمه في يونيو 2022، لكن في مايو الماضي، أفاد قاضيان بريطانيان بأن بإمكانه استئناف الحكم القاضي بتسليمه إلى الولايات المتحدة.
ولم تكن صفقة الإقرار بالذنب مفاجئة تماماً، إذ تتزايد الضغوط على الرئيس الأميركي جو بايدن لطي صفحة قضية أسانج المستمرة منذ نحو 14 عاماً.
وفي فبراير، قدّمت الحكومة الأسترالية طلباً رسمياً لإنهاء القضية، وأكد بايدن أنه سينظر فيه، ما عزز آمال أنصار أسانج حيال إمكان وضع حد لمعاناته.
وفي أول رد فعل رسمي أميركي على الاتفاق مع أسانج، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر، إنه بما أن القضية ملف قضائي لم يغلق بعد، وعليه المثول أمام قاضٍ "أعتقد أنه من الأنسب بالنسبة لي عدم التعليق على المسألة حالياً".