تعهد الرئيس الكيني، وليام روتو، الثلاثاء، بأن يكون الأمن "أولويته القصوى"، وقمع "العنف والفوضى" بشدة، و"الرد على الخيانة"، بعد أن تحولت احتجاجات مستمرة لليوم الثالث على التوالي، على مشروع قانون لزيادة الضرائب، إلى أعمال عنف أطلقت خلالها الشرطة النار على المتظاهرين الذين حاولوا اقتحام مقر البرلمان، ما أودى بحياة 23 متظاهراً على الأقل.
وذكرت نقابة الأطباء الكينية أن 23 شخصاً على الأقل لقوا حتفهم، بينما يتلقى 30 آخرون العلاج من جروح ناجمة عن أعيرة نارية أصيبوا بها خلال الاحتجاجات.
وقال رئيس الجمعية الطبية الكينية، سايمن كيجوندو، في وقت سابق: "لدينا على الأقل 13 ضحية، لكن هذا العدد ليس نهائياً"، مضيفاً: "لم نشهد مثل ذلك من قبل. سبق أن شهدنا أعمال عنف في 2007 بعد الانتخابات، لكن لم نر أبداً مثل هذا المستوى من العنف ضد أشخاص عزل".
وسادت في العاصمة نيروبي، حالة من الفوضى لم تتمكن خلالها الشرطة من احتواء المتظاهرين الذين كانوا يحاولون اقتحام البرلمان، وشاهد صحافي بوكالة "رويترز" جثامين 5 متظاهرين خارج البرلمان.
وعرضت قناة "سيتيزن" التلفزيونية، جانباً من الأضرار من داخل المبنى الذي احترق جزئياً.
واندلعت احتجاجات واشتباكات في عدة مدن وبلدات أخرى في أنحاء البلاد، وسط مطالبات باستقالة الرئيس روتو، مع تصاعد الاحتجاجات على زيادة الضرائب.
وفي خطاب للأمة بثه التلفزيون الرسمي، قال روتو إن مناقشة الضرائب "هيمن عليها أشخاص خطرون".
وأضاف: "ليس من الصحيح أو حتى المعقول أن يُرهب الناس مجرمون يتظاهرون بأنهم محتجون سلميون"، وتعهد برد سريع على "وقائع الخيانة" التي حدثت.
وأطلقت الشرطة النار، على المتظاهرين في نيروبي إثر عدم تمكنها من تفريق الحشود باستخدام الغاز المسيل للدموع ومدافع المياه.
وذكرت وسائل إعلام محلية، أن الشرطة تمكنت في نهاية المطاف من طرد المتظاهرين من مبنى البرلمان، وإجلاء المشرعين عبر نفق تحت المبنى.
وفي وقت لاحق، أعلن وزير الدفاع الكيني، نشر الجيش لمساعدة الشرطة في التعامل مع "حالة طوارئ أمنية"، نتج عنها "تدمير وحرائق للبنية التحتية الحيوية".
وذكرت الجمعية الطبية في كينيا، أن 5 أشخاص على الأقل لقوا مصرعهم برصاص الشرطة أثناء علاج الجرحى، وأن 31 شخصاً أصيبوا، منهم 13 أصيبوا بالرصاص الحي، و4 برصاص مطاطي.
وأفادت منظمات حقوقية دولية، من بينها منظمة العفو الدولية، في بيان مشترك، بـ"تسجيل 21 حالة خطف من قبل رجال شرطة بزيّهم الرسمي أو بملابس مدنية في الساعات الـ 24 الماضية".
واتهم حزب المعارضة الرئيسي "أزيميو"، الحكومة بـ "إطلاق العنان لقوتها الغاشمة ضد أطفال بلدنا". وقال الحزب، في بيان: "لا يمكن لكينيا أن تسمح لنفسها بقتل أطفالها لمجرّد أنهم يطلبون طعاماً ووظائف وآذان صاغية".
وأضاف: "لذلك يجب على الشرطة أن تتوقف فوراً عن إطلاق النار على الأطفال الأبرياء المسالمين والعزل".
أسباب اندلاع الاحتجاجات
وفاز روتو في الانتخابات التي أجريت قبل عامين تقريباً، على أساس برنامج يدافع عن العاملين الفقراء في البلاد، لكنه وجد نفسه عالقاً بين مطالب قوية لمقرضين مثل صندوق النقد الدولي، الذي يحث الحكومة على خفض العجز حتى تحصل على مزيد من التمويل، وبين السكان الذين يعانون من ارتفاع تكلفة المعيشة.
وانطلقت حركة "احتلال البرلمان" على مواقع التواصل الاجتماعي بعد تقديم مشروع ميزانية 2024-2025 في البرلمان في 13 يونيو الجاري، والذي ينصّ على فرض ضرائب جديدة، بينها ضريبة القيمة المضافة بنسبة 16% على الخبز، وضريبة سنوية بنسبة 2.5% على السيارات الخاصة.
وتقول الحكومة إن هذه الضرائب ضرورية لاستعادة مجال المناورة للبلد المثقل بالديون.
ويهدف مشروع القانون، إلى جمع ضرائب إضافية بقيمة 2.7 مليار دولار ضمن جهود مبذولة لخفض عبء الديون الثقيل، إذ تستهلك مدفوعات الفائدة وحدها 37% من الإيرادات السنوية.
ووافق البرلمان على مشروع القانون وقدمه لقراءة ثالثة من المشرعين قبل إحالته إلى الرئيس للتوقيع عليه.
وبعد بدء الاحتجاجات، أعلنت الحكومة في 18 يونيو، سحب معظم الإجراءات، غير أن المتظاهرين واصلوا تحرّكهم مطالبين بالسحب الكامل للنص، معتبرين أن الحكومة تعتزم التعويض عن سحب بعض الإجراءات الضريبية بفرض أخرى لا سيّما زيادة الضرائب على الوقود بنسبة 50%.
قلق دولي وأممي
وقالت الولايات المتحدة، إنها تراقب الوضع عن كثب في نيروبي، وتحث على الهدوء، وأدانت "العنف بجميع أشكاله"، وأعرب سفراء ومفوضون من دول من بينها بريطانيا، والولايات المتحدة، وألمانيا، في بيان مشترك، عن القلق الشديد إزاء أعمال العنف التي وقعت خلال الاحتجاجات، ودعوا كل الأطراف إلى التحلي بضبط النفس.
وأعرب أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش عن "قلق بالغ" إزاء أعمال العنف وعن "حزن شديد" على الضحايا.
وأعرب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، موسى فكي، في بيان، عن "قلق بالغ إزاء أعمال العنف التي اندلعت عقب الاحتجاجات الشعبية وأسفرت عن خسائر في الأرواح وأضرار في الممتلكات".