أثار حكم المحكمة العليا الأميركية بحصانة الرؤساء من الملاحقة القضائية على أفعالهم "الرسمية" جدلاً كبيراً داخل الولايات المتحدة بشأن مدى السلطة الممنوحة لرئيس البلاد، وكيفية التمييز بين إجراءات الرئيس السابق دونالد ترمب الرسمية والخاصة.
وطرحت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية 3 تساؤلات مع الإجابة عليها لتوضيح "مدى الحصانة" التي يتمتع بها ترمب، في محاولة لفهم كيفية تفكير القضاة في ضوء أحكام قانونية سابقة.
ما الأعمال الرسمية، ولماذا يفترض أنها محصنة؟
ذكرت الصحيفة أنه "يمكن الرجوع إلى حكم صادر عن المحكمة العليا الأميركية عام 1982 يتعلق بالرئيس ريتشارد نيكسون، قالت فيه المحكمة إن الدستور يحمي الرؤساء من الدعاوى المدنية الخاصة بسبب إجراءات اتخذوها كجزء من واجباتهم الرسمية".
ولفتت الصحيفة أن "المحكمة ذكرت في قضية عام 1997 تتعلق بالرئيس بيل كلينتون أنه يمكن مقاضاة الرؤساء بسبب سلوك خاص".
ونبهت أن النقطة الفاصلة في الحكمين "كانت التأكد من أن التهديد بالتقاضي المدني لا يصرف انتباه الرئيس عن القيام بواجباته العامة"، وهو ما تطرق إليه حكم المحكمة العليا، الصادر الاثنين، في قضية ترمب، حين حذرت من "التهديد الناتج عن الملاحقة الجنائية للرؤساء"، لكنها أقرت أيضاً بوجاهة "المصلحة العامة" في ضمان عدم وجود رجل فوق القانون.
وأضافت "واشنطن بوست" أنه "عند مد الخط على استقامته، حددت المحكمة معياراً متشدداً للمدعين العامين لتجاوز الحصانة المفترضة للأفعال الرسمية، بتأكيدها أنه "لتوجيه الاتهام جنائياً إلى الرؤساء، يجب على المدعين إظهار أن القيام بذلك لن يشكل مخاطر التدخل في سلطة ووظائف السلطة التنفيذية".
ما أفعال ترمب "الإجرامية"؟
اتهم المدعي الخاص سميث ترمب بقيادة "مؤامرة إجرامية" لإحباط الانتقال السلمي للسلطة السياسية، زاعماً أن الرئيس كان مصمماً جداً على التمسك بالبقاء في البيت الأبيض لدرجة أنه نشر فيضاناً من الأكاذيب بدعوى سرقة الانتخابات، وبلغت ذروتها في الهجوم على مبنى الكابتول الأميركي يوم 6 يناير.
وأشارت الصحيفة إلى أن لائحة الاتهام المكتوبة في 45 صفحة والمنطوية على 4 تهم رئيسية اعتبرت أن ترمب حاول استخدام مزاعم كاذبة عن عمد بشأن عمليات احتيال واسعة النطاق لحمل مسؤولي الدولة على التحرك لتغيير نتائج التصويت.
وذكرت اللائحة أن ترمب هدد قادة وزارة العدل بفتح تحقيقات زائفة بدعوى ارتكاب جرائم انتخابية، وحاول تقديم قوائم احتيالية للناخبين من الولايات المتأرجحة الرئيسية لعرقلة إجراءات التصديق في الكونجرس، وضغط على نائبه مايك بنس للتصدي لإعلان النتائج.
وتتهم اللائحة ترمب بأنه ارتكب أفعاله "على الرغم من إخباره مراراً وتكراراً أن مزاعمه غير صحيحة، بما في ذلك من قبل المدعي العام وكبار مسؤولي المخابرات في البلاد ومحامي البيت الأبيض ومساعدي حملته الانتخابية".
وقال المدعي الخاص إن "مؤامرة ترمب" استهدفت وزعزعت استقرار وظيفة أساسية للحكومة، وهى جمع نتائج الانتخابات الرئاسية وعدها والتصديق عليها، معتبراً أن الرئيس السابق "استمر في محاولة استغلال أحداث العنف داخل مبنى الكابيتول للضغط على المشرعين لتغيير مواقفهم".
في مقابل ذلك، ينفى ترمب وفريقه القانوني تلك الاتهامات، مشيرين إلى أن أفعال الرئيس السابق المتعلقة بسير الانتخابات استهدفت ضمان تنفيذ قوانين التصويت بأمانة، بما في ذلك تفاعلاته مع بنس وأعضاء الكونجرس.
ما أعمال الرئيس المحصنة باعتبارها "سلطات دستورية أساسية"؟
قضت المحكمة العليا بأن تهديدات ترمب المزعومة بإقالة كبار قادة وزارة العدل والمناقشات حول التحقيق في تزوير الناخبين تقع ضمن سلطاته الدستورية الأساسية، ولا يمكن مقاضاتها جنائياً.
ومن أمثلة السلطات الرئاسية الحصرية المدرجة في الدستور قيادة القوات المسلحة، وتعيين مسؤولين حكوميين وقضاة، والعفو عن المتهمين، والانخراط في الدبلوماسية.
وقال رئيس المحكمة العليا جون جي روبرتس جونيور، إن السلطة التنفيذية لديها أيضاً سلطة لا يمكن الاعتراض عليها لتحديد الجرائم التي يجب مقاضاتها. وأوضح: "قد يناقش الرئيس التحقيقات والملاحقات القضائية المحتملة مع المدعي العام ومسؤولي وزارة العدل الآخرين للقيام بواجبه الدستوري في الحرص على تنفيذ القوانين بأمانة".
لماذا يمثل الحكم انتصاراً واضحاً لترمب؟
استبعاد جزء كبير من لائحة الاتهام
ووصفت "واشنطن بوست" قرار المحكمة بأنه "انتصار سياسي واضح" لترمب، رغم أنه لم يمنح الرئيس السابق الحصانة "المطلقة" التي سعى في البداية إلى التمتع بها عن جميع أفعاله. وقالت الصحيفة إن ما حصل عليه ترمب يفوق توقعات الكثيرين.
وقضت المحكمة بأن ترمب يتمتع بحصانة مطلقة من الملاحقة القضائية على أي تصرف "في مناقشاته مع مسؤولي وزارة العدل"، وهو ما كان يمثل جزءاً كبيراً من لائحة الاتهام الفيدرالية الموجهة إليه.
ومن شأن ذلك أن يستبعد محادثات ترمب مع جيفري كلارك، المسؤول بوزارة العدل الذي وُجهت إليه اتهامات مع ترمب بولاية جورجيا، ومسؤولين كبار آخرين في الوزارة كانوا قد قالوا لترمب إن نظرياته بشأن تزوير أصوات الناخبين كانت خاطئة.
كما قضت المحكمة بأنه من المفترض أن يتمتع ترمب بالحصانة من الملاحقة القضائية بتهمة الضغط على نائب الرئيس آنذاك مايك بنس لإلغاء الانتخابات في 6 يناير 2021؛ لأن تصرفات ترمب "تنطوي على عمل رسمي".
ورأت المحكمة أن الحكومة هي من تتحمل مسؤولية إثبات أن محاكمة ترمب على ذلك "لن تشكل أي مخاطر تؤدي إلى التدخل في صلاحيات ومهام السلطة التنفيذية".
تأجيل المحاكمة
ورغم أن ترمب لا يزال من الممكن محاكمته، سيؤدي قرار المحكمة إلى كثير من الغموض، وربما يؤدي أيضاً إلى تأجيل المحاكمة إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية.
ولم يكن من المتوقع أن يواجه ترمب محاكمة قبل الانتخابات؛ لكن قرار المحكمة العليا يقلص أي فرص قائمة لحدوث ذلك، لأن القاضية تشوتكان سيتعين عليها النظر في الأجزاء المسموح بالمضي قدماً فيها في قضية الادعاء. وقد يؤدي ذلك إلى مرافعات وعمليات استئناف مطولة.
وفي وقت سابق، قالت تشوتكان أنها ستمنح فريق ترمب القانوني 3 أشهر للتحضير للمحاكمة في حالة إعادة القضية إليها. ويعني ذلك أن أقرب موعد للمحاكمة هو أكتوبر المقبل، بغض النظر عن القرارات الجديدة التي يتعين اتخاذها.
ورأت الأغلبية في المحكمة العليا أنه يجب إعادة النظر في بعض جوانب لائحة الاتهام، من بينها التصريحات التي أدلى بها ترمب في 6 يناير 2021.
وكتبت الأغلبية: "(لائحة الاتهام) تتضمن فقط تغريدات مختارة ومقتطفات موجزة من الخطاب الذي ألقاه ترمب صباح 6 يناير 2021، مع تجاهل النصل الكامل والسياق".
وأضاف القضاة أن تحديد ما إذا كانت التغريدات، وهذا الخطاب، وغيرها من الاتصالات التي أجراها ترمب في 6 يناير 2021 تنطوي على عمل رسمي يعتمد على محتوى وسياق كل منها.