أقر رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك بخسارة تاريخية لحزبه في الانتخابات البريطانية، متحملاً المسؤولية، قائلاً "أنا آسف"، ومعلناً أنه سيغادر منصبه، فيما يتجه حزبه الحاكم إلى خسارة غير مسبوقة، في ظل توقعات بحصوله على أقل عدد من المقاعد منذ تأسيس الحزب عام 1834.
وقال سوناك في خطاب قصير بأحد مراكز الفرز بعد إعلان إعادة انتخابه لمقعده: "هذه ليلة صعبة، حزب العمال فاز بهذه الانتخابات، اتصلت بزعيم الحزب كير ستارمر وهنأته. الناخبون البريطانيون أصدروا حكمهم اليوم، وهناك الكثير لنتعلم منه ونفكر فيه. أتحمل المسؤولية، وأنا آسف".
وبلغ عدد المقاعد المحسومة لحزب العمال 329 مقعداً حتى الآن مقابل 71 فقط لحزب المحافظين، و41 مقعداً للديمقراطيين الأحرار، و22 مقعداً لبقية الأحزاب.
وبذلك يكون حزب العمال قد زاد مقاعده بنحو 154 مقعداً، فيما فقد المحافظون 172، وزاد الديمقراطيون الأحرار من مقاعدهم بـ35، فيما فقد حزب استقلال اسكتلندا (SNP)، 28 مقعداً ليحصل هذه الدورة على 4 مقاعد فقط حتى الآن.
ورغم الخسارة التاريخية للحزب، نجح سوناك في الحفاظ على مقعده، وكذلك، وزير الخزانة جيرمي هانت، فيما خسر نحو 10 وزراء من الحكومة مقاعدهم، وبينهم وزير الدفاع جرانت شابس، وكذلك بيني موردانت التي كان ينظر إليها على أنها الزعيمة المحتملة للحزب.
وربما تكون هذه أول مرة يحصل فيها حزب المحافظين على أقل من 30% من أصوات الناخبين البريطانيين في التاريخ، وفقاً لشبكة "سكاي نيوز" البريطانية.
وأظهر استطلاع استقصائي لرصد آراء الناخبين فور خروجهم من اللجان الانتخابية، فوز حزب العمال بـ410 مقاعد في البرلمان، منهياً بذلك 14 عاماً من حكم حزب المحافظين الذي من المتوقع أيضاً أن على يحصل على 131 مقعداً فقط، انخفاضاً من 346 مقعداً في البرلمان الذي تم حله في مايو.
وجاءت أولى نتائج الفرز بإعلان فوز حزب العمال بدائرة هوتون وسندرلاند ساوث، من خلال فوز بريدجيت فيليبسون، وزيرة التعليم في حكومة الظل العمالية.
وقالت فيليبسون، عقب إعلان فوزها، إن "الشعب البريطاني اختار التغيير".
كما أصبحت هايدي ألكسندر من حزب العمال أول من ينتزع مقعداً من المحافظين في سويندون ساوث، بعد أن تغلبت على وزير العدل السابق المحافظ روبرت باكلاند.
جالاوي اليساري يخسر مقعده
وخسر السياسي اليساري المخضرم جورج جالاوي مقعده بالبرلمان بعد هزيمته أمام مرشح حزب العمال في بلدة روتشديل بشمال إنجلترا.
وتمتع جالاوي بالمقعد البرلماني لأربعة أشهر فقط بعد فوزه في الانتخابات الفرعية التي جرت في أعقاب وفاة النائب السابق عن المدينة.
وفي مارس، ساعدت حملة جالاوي المؤيدة للفلسطينيين في الفوز بأصوات المسلمين في البلدة. وكانت هذه المرة السابعة التي يفوز فيها بمقعد في البرلمان ممثلاً لحزب (عمال بريطانيا) اليساري.
وجاء هذا الفوز بعد أن سحب حزب العمال دعمه لمرشحه بسبب تسجيل يتبنى فيه نظريات مؤامرة حول إسرائيل.
وانتقد جالواي حزب العمال لدعمه إسرائيل في حرب غزة خلال حملته الانتخابية التي فاز فيها في مارس، لكنه خسر هذه المرة أمام مرشح حزب العمال بول ووه، وهو صحافي سابق في الشؤون السياسية عمل من قبل في صحيفتي "إندبندنت" و"إيفننج ستاندارد" ونشأ في المدينة.
وكان جالاوي (69 عاماً) نفسه عضواً سابقاً في البرلمان عن حزب العمال قبل طرده من الحزب عام 2003 لانتقاده رئيس الوزراء آنذاك توني بلير بشأن حرب العراق.
أزمة سوناك
وقال رئيس حزب العمال كير ستارمر بعد ظهور النتائج الأولية التي تبرز فوزاً كاسحاً لحزبه: "لقد قال الشعب كلمته الليلة.. وبات الشاب مستعداً للتغيير".
وأضاف: "التغيير يبدأ من هنا الآن، وحان الوقت الآن كي نتولى القيادة".
بحسب "رويترز"، عاقب الناخبون المحافظين بسبب أزمة ارتفاع تكلفة المعيشة وعدم استقرار امتد لسنوات وتنافس داخلي شهد تولي 5 رؤساء وزراء مختلفين رئاسة الحكومة منذ عام 2016.
وفاجأ سوناك البلاد والعديد من أعضاء حزبه عندما دعا إلى إجراء الانتخابات في وقت أبكر مما كان يحتاج إليه في مايو، ويتأخر المحافظون عن حزب العمال بنحو 20 نقطة في استطلاعات الرأي.
وكان يأمل في أن تضيق الفجوة كما جرى الحال دائماً في الانتخابات البريطانية، لكن الفارق لم يتضاءل خلال حملة كارثية إلى حد ما.
وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي أشارت إلى عدم وجود حماس كبير لزعيم حزب العمال ستارمر، يبدو أن رسالته البسيطة بأن الوقت قد حان للتغيير قد وجدت صدى لدى الناخبين.
وخلافا لما حدث في فرنسا حيث حقق حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان مكاسب تاريخية في الانتخابات، التي جرت الأحد، يبدو أن الناخبين البريطانيين المحبطين اختاروا يسار الوسط.
"الناخبون يعاقبون حزب العمال"
وكان المرشح الأوفر حظاً وزعيم حزب العمال السير كير ستارمر قال مخاطباً البريطانيين: "لقد غيّرت حزب العمال. إذا وضعت ثقتك بي من خلال التصويت لحزب العمال، فسأغير البلد".
وتُعد هذه الانتخابات الأولى منذ ما يقرب من 5 سنوات، وقد أشارت معظم استطلاعات الرأي إلى أن حزب المحافظين سيتلقى عقاباً على الفشل في الوفاء بالوعود خلال 14 عاماً في السلطة.
وسيطر المحافظون من يمين الوسط على السلطة أثناء ذروة الأزمة المالية العالمية، وفازوا بـ3 انتخابات أخرى منذ ذلك الحين. لكن تلك السنوات اتسمت بالركود الاقتصادي، وتدهور الخدمات العامة، وسلسلة من الفضائح، ما جعل المحافظين أهدافاً سهلة للمنتقدين من اليسار واليمين.
ويواجه حزب المحافظين تحديات أخرى أيضاً، إذ يستنزف حزب "الإصلاح الجديد" الأصوات من جناح اليمين، بعد انتقاده لقيادة الحزب الحاكم بسبب "فشلها في السيطرة على الهجرة".
ومع ذلك، قد تكون الأحزاب الأخرى، التي يتمتع بعضها بدعم إقليمي قوي، "حاسمة" في تشكيل حكومة ائتلافية إذا لم يفز أحد بأغلبية إجمالية.
ويقود سوناك، رئيس الخزانة السابق، الذي تولى منصب رئيس الوزراء منذ أكتوبر 2022، حزب المحافظين في الانتخابات. وخصمه الرئيسي هو كير ستارمر، المدير السابق للادعاء العام في إنجلترا وزعيم حزب العمال منذ أبريل 2020.
وبغض النظر عن الظروف، يلوم العديد من الناخبين المحافظين على المشاكل التي تواجه بريطانيا، من تسرب مياه الصرف الصحي، وخدمة القطارات غير الموثوقة إلى أزمة تكلفة المعيشة، والجريمة، وتدفق المهاجرين الذين يعبرون قناة المانش على قوارب مطاطية.
وبحسب القانون البريطاني، يقوم الحزب الذي يحظى بالأغلبية في مجلس العموم، بتشكيل الحكومة المقبلة، إما بمفرده أو بدعم من حزب آخر، على أن يكون زعيمه رئيساً للوزراء.