عارض الملكية ويشجع أرسنال.. كير ستارمر محام شرس يقود حكومة بريطانيا

time reading iconدقائق القراءة - 10
رئيس الوزراء البريطاني الجديد كير ستارمر وزوجته فيكتوريا يصلان مقر رئاسة الوزراء في 10 داونينج ستريت، لندن. 5 يوليو 2024 - Reuters
رئيس الوزراء البريطاني الجديد كير ستارمر وزوجته فيكتوريا يصلان مقر رئاسة الوزراء في 10 داونينج ستريت، لندن. 5 يوليو 2024 - Reuters
دبي-الشرق

عرف البريطانيون كير ستارمر محامياً شرساً في مجال حقوق الانسان ومعارضاً للملكية البريطانية في فترة الشباب، لكنه راجع أفكاره بعد سنوات وحصل على وسام "الفروسية" الملكي، وقاده طموحه السياسي إلى أعلى منصب في بريطانيا، بعد قيادة حزبه إلى انتصار ساحق في الانتخابات العامة على حساب المحافظين.

وكلف ملك بريطانيا تشارلز الثالث الجمعة، زعيم حزب العمال برئاسة الوزراء رسمياً، بعد لقائه في قصر باكنجهام الملكي.

وستارمر هو أول زعيم لحزب العمال يفوز بالانتخابات العامة في بريطانيا منذ ما يقرب من 20 عاماً، منذ توني بلير في عام 2005. وعلى مدار القرن الماضي، كان حزب العمال في المعارضة أكثر بكثير من وجوده في السلطة.

والتقى ستارمر بالملك في قصر باكنجهام مباشرة بعد رئيس الوزراء الحالي ريشي سوناك، واتخذ الملك الخطوة الضرورية دستورياً لدعوة زعيم حزب العمال لتشكيل حكومة جديدة. وعاد ستارمر بعد ذلك إلى داونينج ستريت لإلقاء أول خطاب عام له كرئيس للوزراء الجديد.

وبمجرد الانتهاء من الإجراءات الشكلية، سيتلقى ستارمر إحاطات إعلامية من الأعضاء الرئيسيين في الخدمة المدنية ومجتمع الاستخبارات، ويختار أعضاء حكومته الجديدة، ويبدأ في تلقي مكالمات هاتفية من زعماء العالم.

ويتولى ستارمر مقاليد الحكومة في ظل أوضاع صعبة، حيث وصلت ثقة الشعب البريطاني العامة في السياسيين إلى أدنى مستوياتها، وفقاً لاستطلاعات الرأي، كما تراجعت القدرة الشرائية لدى المواطنين، بالاضافة إلى الدعم المتزايد للسياسة اليمينية المتطرفة المناهضة للمهاجرين، والتي تجذرت في جميع أنحاء أوروبا.

وواجه ستارمر سنوات من الانتقادات بسبب "افتقاره إلى الكاريزما"، وفق معارضيه، لكن مهمته المنهجية المتمثلة في إعادة حزب العمال إلى قلب السياسة البريطانية وتوسيع نطاق جاذبيته بين الناخبين "أتت ثمارها".

ويعد ستارمر بإعادة كفاءة الحكومة، وتأميم بعض شركات السكك الحديدية والمرافق العامة، ورفع الحد الأدنى للأجور، وفرض ضرائب على الرسوم الدراسية في المدارس الخاصة، وتحسين نظام الصحة العامة وتقديم وجبة إفطار مجانية في المدارس الابتدائية العامة.

النشأة الصعبة

ونشأ ستارمر في بلدة صغيرة في ساري، خارج العاصمة لندن، وكانت والدته تعمل في خدمة الصحة الوطنية NHS، وهو نظام الرعاية الصحية العامة المجاني في بريطانيا، وكان والده صانع أدوات، وهي الحقيقة التي كررها ستارمر كثيراً خلال الحملة الانتخابية.

ووفقاً لكاتب سيرته الذاتية، تعرض ستارمر للمضايقة عندما كان صغيراً بسبب اسمه الأول غير المألوف، "كير"، والذي يعني الظلام في اللغة الغيلية والإيرلندية.

ووصف زعيم حزب العمال كيف عانت والدته من مرض ستيل، وهو نوع نادر من التهاب المفاصل الالتهابي الذي جعلها غير قادرة على المشي أو التحدث أو تناول الطعام. وتوفيت بعد أسابيع قليلة فقط من انتخابه لأول مرة لعضوية البرلمان البريطاني في عام 2015. وتوفي والده بعدها بثلاث سنوات.

واعترف ستارمر بوجود علاقة صعبة مع والده الراحل، وقال في تصريحات سابقة: "لم نتحدث. لم يعبر أبداً عن فخره بما فعلته". ولفت إلى أن عدم إخباره أبداً "أنا أحبك وأحترمك" هو "الشيء الوحيد الذي أندم عليه".

كان ستارمر أول فرد في عائلته يذهب إلى الجامعة، وبعد ذلك ساعد في إدارة مجلة يسارية تسمى البدائل الاشتراكية. ثم أصبح محامياً، وترقى في الرتب ليصبح رئيساً للنيابة العامة في عام 2008. وحصل على لقب الفروسية في عام 2014، وهو معروف بحبه الكبير لفريق "أرسنال"، إذ يواظب على مشاهدة كل مبارياته في مطعم محلي.

وفي بداية حياته المهنية، انضم ستارمر إلى شركة Doughty Street Chambers، المعروفة بتوليها قضايا حقوق الإنسان الكبيرة والمثيرة للجدل. فقد حارب عقوبة الإعدام في دول الكومنولث، ووصفته الصحف الشعبية، بأنه "يدافع قتلة الأطفال"، في إشارة إلى متهمين بقتل أطفال محكوم عليهم بالإعدام.

كما كان جزءاً من الفريق القانوني الذي دفع المحكمة الدستورية الأوغندية إلى إبطال الأحكام الصادرة بحق جميع الأشخاص المحكوم عليهم بالإعدام البالغ عددهم 417 شخصاً.

كذلك عمل ستارمر بشكل مجاني مع اثنين من الفوضويين النباتيين الذين وزعوا منشورات تتهم "ماكدونالدز" بتدني الأجور والقسوة على الحيوانات ودعم إزالة الغابات.

ورفعت الشركة دعوى قضائية بتهمة التشهير، واستمرت هذه القضية والطعون العديدة فيها عقداً من الزمن، وهي واحدة من أطول المعارك القانونية في التاريخ البريطاني. وانتهى الأمر بنوع من التعادل.

وقال توم بالدوين، الصحافي والمتخصص السابق في حزب العمال، والذي نشر مؤخراً سيرة ذاتية لستارمر: "إنه مندفع للغاية، لديه رؤية كبيرة لقدرته على إحداث التغيير. لن يلهم الناس بخطب كبيرة. لكنه قادر على إصلاح الأمور".

من محامي إلى المدعي العام

وعمل ستارمر محامياً في مجال حقوق الإنسان لمدة 20 عاماً تقريباً، وعمل مستشاراً للشرطة في إيرلندا الشمالية بعد اتفاق الجمعة العظيمة للسلام، الذي تم توقيعه في عام 1998. ولكنه بعد ذلك غير موقفه وأصبح مدعياً عاماً. وشغل لمدة 5 سنوات منصب مدير النيابة العامة في بريطانيا وويلز.

يقول كاتب سيرة حياة ستارمر إن هذا التحول، من الدفاع عن الأشخاص المتهمين بأنهم مجرمين، إلى محاكمتهم، أمر أزعج بعض زملاء ستارمر اليساريين في مجال حقوق الإنسان.

وعندما اندلعت أعمال الشغب في لندن عام 2011، قام ستارمر بمراجعة القواعد لتسريع الملاحقات القضائية، بحجة أن المحاكمات الأسرع للجناة كانت رادعاً أكثر فعالية للجريمة.

وفي عام 2014، حصل ستارمر على وسام الفروسية لعمله في مجال العدالة الجنائية، ليصبح "السير كير". وفي حفل حصوله على لقب الفروسية، ركع ستارمر أمام تشارلز، أمير ويلز آنذاك، الذي وضع على كتفيه السيف.

وبعد مرور عام، فاز ستارمر بمقعد في البرلمان ممثلاً عن دائرة هولبورن وسانت بانكراس الانتخابية في شمال لندن.

على رأس العمال

انخرط ستارمر في السياسة وعمره يتجاوز الخمسين، ومنذ انتخابه زعيماً لحزب العمال في عام 2020، قاد حزبه من أسوأ هزيمة انتخابية له منذ ما يقرب من قرن ليصبح القوة المهيمنة في السياسة البريطانية. 

ويقول المحامي السابق إنه "كان اشتراكياً"، ومتأثراً بأفكار تروتسكي، لكن مع نضج التجربة انتقل إلى اليسار الناعم. وعندما سقط زعيم حزب العمال اليساري  جيريمي كوربين في أعقاب النتائج الكارثية التي حققها الحزب في انتخابات 2019، وقف ستارمر على المنصة، وقدم 10 تعهدات لجذب أتباع سلفه. وبمجرد وصوله إلى قيادة الحزب، تخلص منهم جميعاً، باستثناء كوربين، لتوفير معارضة فعالة.

وطوال فترة رئاسته لحزب العمال، حاول ستارمر جعل حزبه أكثر قابلية للانتخاب من خلال طرد الأفراد الذين يُنظر إليهم على أنهم راسخون في جناحه اليساري الاشتراكي - وهو الفصيل الذي أدار الحزب تحت قيادة زعيمه السابق، جيريمي كوربين.

كما قام ستارمر بمراجعة مواقف الحزب من معاداة السامية، التي "ترسخت أكثر خلال فترة كوربين". وبعد أن وصف كوربين نتائج التحقيق في معاداة السامية في الحزب بأنها "مبالغ فيها بشكل كبير"، قام ستارمر بتوقيفه. وقال ستارمر لـ Esquire: "في بعض الأحيان يجب أن تكون قاسياً حتى تكون قائداً جيداً".

وخلال حملته الانتخابية، تعهد ستارمر، بتأميم بعض شركات السكك الحديدية والمرافق العامة، ورفع الحد الأدنى للأجور، وفرض ضرائب على الرسوم الدراسية في المدارس الخاصة، وتحسين نظام الصحة العامة، وتقديم وجبة إفطار مجانية في المدارس الابتدائية العامة.

ووعد حزب العمال بتحسين العلاقات مع أوروبا، وفرض ضرائب على المدارس الخاصة، وحظر بيع سيارات الغاز والديزل بحلول عام 2030، واستعادة الكفاءة للحكومة.

وتعرض تحرك ستارمر نحو الوسطية لانتقادات من قبل الأعضاء ذوي الميول اليسارية في حزبه وآخرين. وأثار حفيظة الكثيرين عندما تراجع عن العديد من التعهدات الرئيسية، بما في ذلك أن حزب العمال سيزيد ضريبة الدخل، وإلغاء رسوم التعليم الجامعي، وتأميم غالبية الخدمات العامة في بريطانيا.

تصنيفات

قصص قد تهمك