الرهان على بايدن يعقد حسابات "العمال" في بريطانيا حال عودة ترمب

time reading iconدقائق القراءة - 13
أنصار حزب العمال البريطاني أمام مقر رئاسة الحكومة في لندن عقب إعلان فوز الحزب بالانتخابات. 5 يوليو 2024 - Reuters
أنصار حزب العمال البريطاني أمام مقر رئاسة الحكومة في لندن عقب إعلان فوز الحزب بالانتخابات. 5 يوليو 2024 - Reuters
واشنطن -رشا جدة

تحت شعار "التغيير"، كسر حزب العمال، موجة يمينية في بريطانيا وعاد إلى السلطة بعد 14 عاماً من الغياب، محققاً فوزاً ساحقاً، اعتبره الكثيرون بمثابة تحول هائل في السياسة البريطانية، قد يلقي بظلاله على الانتخابات الأميركية المقررة في نوفمبر المقبل. 

وكان حزب العمال، الذي يميل إلى اليسار، قد حصد 411 مقعداً من مجموع 650، مقابل 119 مقعداً فقط لحزب المحافظين "يمين الوسط"، و71 مقعداً للديمقراطيين الأحرار، و35 مقعداً لبقية الأحزاب. ويمنح ذلك الفوز زعيم حزب العمال ورئيس الوزراء الجديد كير ستارمر، واحدة من أكبر الأغلبية البرلمانية في تاريخ بريطانيا. 

وبينما تعاني البلاد تدهوراً كبيراً في الأوضاع الاقتصادية والسياسية تحت قيادة حزب المحافظين ورئيسه المنتهية ولايته ريشي سوناك، شكّل التحول الكبير لبريطانيا نحو يسار الوسط استثناءً بين الدول الأوروبية التي تشهد صعود اليمين المتطرف. 

ويأتي هذا التحول قبل 4 أشهر من انتخابات حرجة في الولايات المتحدة بين الرئيس الحالي جو بايدن والسابق دونالد ترمب، ما دفع ستارمر إلى تجنب الحديث بشأن مسألة العلاقات مع الولايات المتحدة قبل انتخابه، بينما خفف وزير خارجيته ديفيد لامي، من حدة انتقاداته المعتادة لترمب، في خطوة دبلوماسية تتحسب لاحتمالية عودة الرئيس السابق إلى البيت الأبيض مجدداً. 

كيف تتأثر الانتخابات الأميركية؟ 

يوصف عام 2024 بأنه عام الانتخابات، حيث من المتوقع أن يتوجه إلى صناديق الاقتراع أكثر من ملياري شخص في حوالي 50 دولة. 

وتأتي الولايات المتحدة في مقدمة تلك الدول بانتخابات استثنائية لم تعرف مثلها من قبل، وبينما حقق حزب العمال، فوزاً كاسحاً في الانتخابات البريطانية التي انتهت الجمعة، في وقت يبدو فيه أن أغلب أوروبا تتجه نحو اليمين بصعود الفصائل المحافظة في الانتخابات البرلمانية الأوروبية، يتردد سؤال حول تأثير ذلك وعلاقته بالانتخابات الأميركية. 

وفي هذا الإطار، أكد أستاذ السياسة والعلاقات الدولية في جامعة "يورك" كريستوفر فيذرستون، أن تأثير نتائج الانتخابات البريطانية "سيكون كبيراً على علاقة بريطانيا بالولايات المتحدة"، لكنه استبعد تأثيره على الانتخابات الأميركية.  

وتوقع فيذرستون في حديثه مع "الشرق"، أن يعزز صعود الفصائل المحافظة في أوروبا من فرص ترمب، قائلاً إن "هذا الاتجاه يشير إلى تحول أوسع في مشاعر الناخبين نحو السياسات اليمينية، ما قد يزيد من جاذبية ترمب بين الناخبين ذوي التفكير المماثل في الولايات المتحدة. سيكونون جمهوراً أكثر تقبلاً لخطاباته القومية والمناهضة للهجرة".

وأضاف: "قد لا يدعمون خطته فيما يتعلق بأوكرانيا، لأن لا أحد يعرف ما هي، ولكن من المرجح أن يكونوا أكثر تقبلاً لنهجه في التعامل مع إسرائيل وغزة، حيث تعهد بدعم حرب إسرائيل بشكل كامل". 

من جانبه، اعتبر أستاذ العلوم السياسية ودراسات الاتصال في جامعة "ميشيجان" مايكل تراجوت، أن التصويت في بريطانيا كان ضد الحكومة السابقة بسبب أداء حزب المحافظين. 

وقال تراجوت لـ"الشرق"، إن "حزب العمال لم يفعل شيئاً أفضل بكثير مما فعله في عام 2019، لكن المحافظين فقدوا الأصوات لصالح حزب الإصلاح في بعض الأماكن والديمقراطيين الليبراليين في أماكن أخرى"، مشدداً على أن تأثير نتائج الانتخابات البريطانية ضعيف على الانتخابات الأميركية. 

واعتبر أستاذ الإدارة السياسية ومدير الأبحاث في مركز الإدارة السياسية بجامعة جورج واشنطن، مايكل كورنفيلد، أن بريطانيا شهدت تصحيحاً سياسياً بعد 14 عاماً من حكم المحافظين، مضيفاً: "باستثناء حدوث أزمة، سيستغرق الأمر أشهراً إن لم يكن سنوات، قبل أن يظهر تأثير حكومة العمال على الحياة البريطانية، والأمن العالمي، والعلاقات مع الولايات المتحدة".

رياح التغيير

واستبعد كورنفيلد في حديثه مع "الشرق"، أن تؤثر الانتخابات الأميركية على نتائج الانتخابات البريطانية، لكنه أشار إلى أن "أحد أوجه التشابه بين البلدين، هو أن هناك شعوراً قوياً بالتغيير".

وأضاف: "في بريطانيا، كان حزب العمال قادراً على التقاط مشاعر التغيير، وفي الانتخابات الأميركية، سيتمتع الحزب الذي يشعر الناخبون بأكبر قدر ممكن بأنه قادر على إحداث تغيير إيجابي في البلاد بميزة قوية". 

وتابع كورنفيلد، أن "الولايات المتحدة تعيش أزمة سياسية متعددة الأوجه. وستظهر التداعيات الدولية الأولية للحملات الانتخابية والانتخابات المضطربة، ليس مع المملكة المتحدة ولكن مع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والشرق الأوسط، وروسيا، وكوريا الشمالية، والصين". 

واعتبر مؤرخ السياسة الخارجية الأميركية في "جامعة ليدن" أندرو جاوثورب، أن يكون "تأثير الانتخابات البريطانية على الانتخابات الأميركية محدوداً"، لافتاً إلى ضرورة "قراءة الموقف وتعلم الدروس من أحدهما للآخر، سواء في الانتخابات البريطانية أو صعود اليمين في الانتخابات الأوروبية".  

وقال جاوثورب في حديثه مع "الشرق"، إن "أحد أكبر الدروس المستفادة من صعود اليمين في الغرب واستبدال المحافظين بعد أكثر من عقد في بريطانيا، هو أن أداء الحكومات الحالية في جميع أنحاء الغرب في الوقت الحالي سيئ جداً في الانتخابات". 

وأضاف أن الناخبين "غير راضين عن الوضع الاقتصادي والسياسي الراهن ويريدون التغيير، أياً كان التغيير، وهذا يضر بالمحافظين كثيراً في المملكة المتحدة، ويجعل الانتخابات الأميركية معركة شاقة للغاية بالنسبة للديمقراطيين". 

بدوره، أرجع أستاذ الاتصالات والدبلوماسية العامة في جامعة "ساوث كاليفورنيا" نيك كول، انخفاض نسبة المشاركة بين الناخبين وتأرجح البندول في الديمقراطيات الغربية الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، إلى تقييم الناخبين لأداء المسؤولين الحاليين في مواجهة صعوبات فترة ما بعد وباء فيروس كورونا، وعلى رأسها ارتفاع معدلات التضخم. 

وقبل وصول حزب العمال إلى الحكومة، بذل أعضائه جهوداً كبيرة في بناء علاقات مع شخصيات في القيادة الأميركية، وحاولوا تصحيح المسار مع الرئيس السابق دونالد ترمب، تحسباً لفوزه في الانتخابات القادمة. 

وفي أوائل مايو الماضي، زار وزير الخارجية البريطاني الجديد، ديفيد لامي، المعروف بانتقاداته العلنية اللاذعة لترمب، الولايات المتحدة، والتقى مع النواب الديمقراطيين والجمهوريين. 

وقال في كلمة ألقاها في معهد "هدسون" في واشنطن، إنه وترمب "يمكنهما إيجاد قضية مشتركة"، مشيراً إلى أنه بصفته "مسيحياً صالحاً ومحافظاً صغيراً"، فإنه يتقاسم بعض وجهات النظر مع الجمهوريين. 

حسابات عودة ترمب

وبعد أسبوع وحد فقط من زيارته للولايات المتحدة، رفض لامي الدعوات لوصف الرئيس الأميركي السابق بأنه "عنصري"، مؤكداً أن حزب العمال سيعمل مع من يحتل البيت الأبيض أياً كان. 

وكان لامي، في وقت سابق، قد وصف ترمب في منشور عبر منصة "إكس"، بأنه "شخصية معادية للمجتمع ومتعاطف مع النازية الجديدة"، وأضاف أنه سيخرج في الشارع احتجاجاً على زيارة ترمب لبريطانيا. 

وبرر فيذرستون، "تغيير نبرة" لامي بأن ستارمر وفريقه "عملوا بجد لبناء اتصالات وعلاقات في السياسة الأميركية"، مضيفاً أنه "رغم وجود روابط مؤسسية قائمة بين البلدين، فإن ستارمر يحتاج إلى إظهار فائدة بريطانيا في التحالف مع الولايات المتحدة، خاصة أن أيام الصداقة القوية بين جورج بوش وتوني بلير، ولّت". 

وأشار فيذرستون، إلى أن ستارمر يفضل بقاء بايدن في البيت الأبيض، على اعتبار أن ذلك سيكون طريقاً أسهل لستارمر لإظهار كيف يمكن لـ "العلاقة الخاصة" أن تساعد الولايات المتحدة في إدارة العلاقات مع الناتو وأوكرانيا.  

وأضاف في هذا الساق: "بالفعل، يمكن لستارمر مساعدة الولايات المتحدة في إدارة العلاقات مع حلف شمال الأطلسي، وكبح جماح بعض الأعضاء الأكثر نشاطاً في الحلف ممن يسعون إلى توسيع التحالف".  

وأشار فيذرستون إلى أنه "بينما أعلن ترمب إعادة تقييم الغرض من الناتو، فإن ستارمر يحتاج إلى التنسيق مع الحلفاء الأوروبيين لإثبات أهمية حلف شمال الأطلسي بالنسبة للولايات المتحدة". 

وحذّر من تقارب ستارمر من بايدن حتى تظهر نتيجة الانتخابات الأميركية، قائلاً إن في ذلك "مخاطرة بتدهور العلاقة مع ترمب. ستارمر يأمل في فوز بايدن، ولكنه يستعد لفوز ترمب". 

واتفق الخبير في السياسة البريطانية – الأميركية نيك كول مع كريستوفر في تفضيل رئيس حزب العمال العمل مع بايدن، لكن أداء بايدن الباهت في المناظرة الرئاسية الأولى، يجعل الحكومة البريطانية الجديدة "أكثر حذراً واستعداداً لعودة ترمب المحتملة إلى البيت الأبيض".  

وقال كول لـ"الشرق"، إن "هناك قول مأثور مفاده أن أهم القضايا بالنسبة لأي رئيس وزراء بريطاني هي الله والعلاقات الأنجلو أميركية. أنا متأكد من أن هذا هو الحال بالنسبة لستارمر، بغض النظر عن الذي سيفوز في الولايات المتحدة في نوفمبر المقبل. سيسعون للعمل مع ترمب أو بايدن". مرجحاً أن يحتاج ترمب إلى علاقة وثيقة مع بريطانيا أكثر من بايدن، وذلك لأن ترمب تسبب في نفور العديد من الدول الأخرى".

تحديات "غير مضمونة" 

وتعهد ستارمر المنتمي ليسار الوسط، بـ"عقد من التجديد الوطني"، بعد إخفاقات اقتصادية كبيرة طالت بريطانيا، خاصة مع خروجها من الاتحاد الأوروبي "بريكست".

ومع تأكيد حزب العمال عدم الرجوع عن قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي، فإنهم يبحثون سبلاً لتعزيز التعاون وإعادة بناء العلاقات مع الحلفاء الأوروبيين الرئيسيين، بما في ذلك فرنسا وألمانيا.  

وتتقاطع كثير من السياسات الخارجية للولايات المتحدة مع بريطانيا، وهو ما يمثل تحدياً أمام الأخيرة، خاصة مع عدم اليقين فيمن سيصل إلى البيت الأبيض في نوفمبر المقبل. 

وفي حين أكد الخبراء الذين تحدثوا مع "الشرق"، أنه، إذا فاز الديمقراطيون في الانتخابات، فإن العلاقة بين الولايات المتحدة وبريطانيا ستظل على حالها تقريباً، رجّح آندرو جاوثورب أنهم سيواصلون العمل بشكل وثيق بشأن أوكرانيا والقضايا الأمنية في الشرق الأوسط مثل الشحن في البحر الأحمر.  

وبينما أشار جاوثورب، إلى أنه "ليس سراً أن الحكومة البريطانية الجديدة تفضل كثيراً بقاء ديمقراطي في البيت الأبيض بدلاً من انتقال ترمب إليه"، أكد أنه "إذا فاز ترمب، ستصبح العلاقة أقل قابلية للتنبؤ بها".

ولفت إلى أن سياسة ترمب تجاه أي دولة تعتمد على ما يشعر به تجاه زعيم البلاد، وقال "سيتفق مع كير ستارمر، لكنهما ليسا صديقين طبيعيين، لأنهما ينتميان إلى تقاليد سياسية مختلفة، لكن بعض سياسات ترمب الدولية العامة مثل خفض الدعم لأوكرانيا وفرض رسوم جمركية بنسبة 10% على كل الواردات الأميركية من شأنها أن تتسبب في قدر كبير من الصراع مع بريطانيا". 

وكان حزب العمال البريطاني قد تعهد بالحفاظ على الدعم العسكري والمالي والدبلوماسي والسياسي لأوكرانيا، والعمل لتمكين الاستيلاء على الأصول الحكومية الروسية المجمدة وإعادة استخدامها لدعم أوكرانيا. وهو ما يتوافق مع إدارة بايدن، ويرفضه ترمب بشدة، إذ تعهد بوقف تمويل الجهود الدفاعية لأوكرانيا، وإنهاء الصراع في أوكرانيا دون إعطاء تفاصيل عن كيفية ذلك. 

وافترض كريستوفر، أنه "حال فوز ترمب بالانتخابات، فمن المؤكد أن ستارمر سيكافح بقوة من أجل بناء علاقة وثيقة مع القيادة الأميركية"، مشيراً إلى أنه "ربما يحتاج بناء علاقات أوثق مع حلفاء آخرين، في حلف الناتو وأوروبا، لتعزيز تصميم حلفاء الولايات المتحدة على محاولة منع ترمب من قضاء أربع سنوات أخرى من الفوضى إلى السياسة الدولية".

من جانبه، قال كورنفيلد، إنه "إذا فاز ترمب فلن يبقى أي شيء في علاقات أميركا العالمية على حاله، وستصبح العلاقات الأميركية الدولية غير مضمونة".  

ورجّح أستاذ العلوم السياسية تراجوت، أن تتدهور العلاقات بين الولايات المتحدة وبريطانيا إذا فاز ترمب، قائلاً: "إن ترمب سياسي ولا يستثمر كثيراً في العلاقات الدبلوماسية الثنائية، وبوصوله إلى البيت الأبيض ستتدهور العلاقات مع العديد من الدول الأخرى، وليس بريطانيا فقط".

تصنيفات

قصص قد تهمك