تشهد كينيا، الأحد، جولة جديدة من الاحتجاجات المطالبة بتنحي الرئيس وليام روتو، في أعقاب مواجهات دامية بين الشرطة والمحتجين، على خلفية مشروع قانون يفرض زيادات ضريبية، تخلى عنه الرئيس، لكن المحتجين لم يتخلوا عن الرايات المطالبة برحيله في الشوارع.
يُطلق المحتجون هذه الجولة من التظاهر ضد روتو لمدة أسبوع في مناطق عدة، بالتزامن مع حلول ذكرى احتجاجات السابع من يوليو 1990 المطالبة بالديمقراطية في كينيا ضد حكم الرئيس الأسبق دانييل موي، والذي حكم البلاد 24 عاماً بين 1978 و2002.
"سابا سابا" هو الشعار الذي يرفعه المتظاهرون، ويعني باللغة السواحيلية "سبعة سبعة" (اليوم السابع من الشهر السابع) عبارة قوية إلى درجة أن الرئيس موي حظر استخدامها، كما يخبرنا موقع "Obscure Histories"، المعني بالتاريخ الغامض، وسرديات المهمشين حول العالم.
احتجاجات كينيا
"لن أوقع" على مشروع قانون المالية لعام 2024، بهذه الكلمات حاول الرئيس الكيني وليام روتو احتواء الأزمة الشعبية، التي اندلعت في أنحاء البلاد، رفضاً للتشريع المالي الجديد، الذي يعد أحدث جهد تبذله الحكومة لتعزيز الإيرادات وتقليل الاقتراض، وجمع 2.7 مليار دولار من الضرائب الإضافية لخفض عجز الميزانية.
وجاء قرار روتو على الرغم من أنه بدأ خطابه للأمة بشرح قوي ومفصل لسبب اعتقاده بالحاجة إلى هذه التدابير.
ومع ذلك، لم يفلح إلغاء الرئيس لمشروع القانون، الذي تضمن زيادات ضريبية، في إطفاء شعلة احتجاجات حاشدة قادتها مجموعات شبابية، دون أطر قيادية تنظيمية، وتشكل اليوم أكبر أزمة خلال رئاسته المستمرة منذ عامين.
وفق "رويترز"، لقي 39 شخصاً على الأقل مصرعهم في اشتباكات مع الشرطة، واقتحم بعض المحتجين البرلمان لفترة وجيزة الأسبوع الماضي.
ويقول أحد أعضاء الحركة الاحتجاجية التي تنسق المظاهرات عبر منصات التواصل الاجتماعي، وفضل عدم الكشف عن هويته، في حديث مع "الشرق"، إنه بحسب التنسيقية العامة للمظاهرات، "لا يرغب المحتجون في الوقت الراهن بالحوار مع الحكومة الكينية، ولا ينوون التراجع، ولا يثقون في قدرة الرئيس على تنفيذ خططه التقشفية الجديدة".
وأضاف أن "نشر قوات الجيش الكينية بهذه الطريقة الشاملة يعد اتجاهاً خطيراً يمكن أن يؤدي إلى عسكرة البلاد، وهو ما يجعلنا نفتح باب الأسئلة حول ما إذا كان الأمر أكثر من مجرد أزمة اقتصادية".
أما كيفن موناري، أحد الناشطين في هذه الاحتجاجات فيقول لـ"الشرق": "شهدنا ورأينا عنف الشرطة معنا، ثم محاولة الحكومة امتصاص غضبنا، لكننا اليوم سنؤكد للعالم أن الحكومة تكذب ولا تكترث لأمرنا"، مضيفاً أن المحتجين ينسقون للتظاهر في 21 منطقة في توقيت واحد.
واقترح الرئيس الكيني، الجمعة، تخفيضات في الإنفاق، واقتراضاً إضافياً بمقدار متساوٍ تقريباً لسد فجوة في الميزانية، تبلغ نحو 2.7 مليار دولار ناجمة عن سحبه تلك الزيادات الضريبية التي كانت مقررة، وأثارت الاحتجاجات.
خفض الإنفاق العام
وقال روتو، في خطاب أذاعه التلفزيون، إنه سيطلب من البرلمان خفض الإنفاق بإجمالي 177 مليار شلن (1.39 مليار دولار) للسنة المالية التي بدأت هذا الشهر، وإن الحكومة ستزيد الاقتراض بنحو 169 مليار شلن.
ووجد روتو نفسه في موقف لا يُحسد عليه بين تلبية مطالب المقرضين، مثل صندوق النقد الدولي، بخفض العجز، ومطالب السكان الذين يعانون من ضغوط شديدة، ومن ارتفاع تكاليف المعيشة.
وكان رئيس لجنة الميزانية في البرلمان الكيني، نديندي نيورو، قال إن وزارة المالية أبلغت البرلمان بأن إلغاء مجموعة من الزيادات الضريبية المقترحة سيؤدي إلى عجز في الإيرادات (1.6 مليار دولار تقريباً) في ميزانية 2025/2024، مما يعني أنه سيتعين إجراء تخفيضات مماثلة في الإنفاق.
وقال محللون إن سحب مشروع القانون قد يؤدي على الأرجح إلى عدم تحقيق كينيا الأهداف الواردة في برنامجها مع صندوق النقد، رغم أن الحكومة ليس عليها ديون تُستَحق قريباً.
وعن ذلك، يقول عضو جمعية الاقتصاديين الكينية دونستون أولودي لـ"الشرق": "لا شك أن سحب الزيادات الضريبية قد يعقد الجهود المبذولة لتحقيق أهداف صندوق النقد الدولي، ويجعل الاقتراض أكثر تكلفة، خاصة أن الحكومة كانت تعول على الضرائب للوفاء بالتزاماتها المالية".
برنامج جديد للتقشف
ويشير الخبير الاقتصادي الكيني إلى أنه رغم المخاوف التي كانت تتزايد بشأن قدرة كينيا على الوفاء بالتزاماتها، إلا أن نيروبي يمكنها زيادة إيراداتها، وموازنة الدفاتر من خلال تقديم برنامج جديد للتقشف العام، وسوف يشمل ذلك، بشكل خاص، خفض الإنفاق الحكومي، وهو المخرج الوحيد للحكومة في الوقت الراهن.
وأضاف أولودي: "مع تصاعد حدة الأحداث، لا يمكن التعويل على صندوق النقد الدولي، أو حتى الشريك الاستراتيجي التجاري والمتمثل في الولايات المتحدة، والحديث عن خطوات لكبح تراجع خسائر السندات الدولارية، واستعادة ثقة الأسواق في الوقت القريب بات أمراً صعباً نوعاً ما".
وقال الرئيس وليام روتو إن من المتوقع، بعد سحب مشروع قانون الزيادات الضريبية، أن يصل عجز الميزانية الكينية إلى 4.6% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2024-2025، ارتفاعاً من التقدير السابق البالغ 3.3%.
وعن إجراءات التقشف المقررة، قال إنها ستشمل تفكيك 47 شركة حكومية، وتقليص عدد المستشارين الحكوميين إلى النصف، وتعليق السفر غير الضروري لأصحاب المناصب العامة.
احتجاجات جيل Z
واعتبرت الحكومة الكينية، في تصريحات سابقة عبر التلفزيون الرسمي، أن الاحتجاجات التي قادها الشباب، ممن وصفتهم بـ"جيل زد" (Generation Z)، المولودين بين 1996 و2012، كانت في البداية خالية من العنف، لكن "العملية الديمقراطية" تم اختراقها من قبل "النشطاء السياسيين الانتهازيين والعصابات الإجرامية".
ويقول ناشطون إن أعمال العنف كانت من صنع "مأجورين" جاء بهم سياسيون، إما لتشويه سمعة المتظاهرين، أو لتحقيق أجنداتهم الخاصة.