بدأ رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الاثنين، أول زيارة منذ خمس سنوات إلى روسيا، كما أنها أول زيارة خارجية لمودي في أعقاب الفوز بولاية جديدة في الهند.
وترتبط البلدان بعلاقات دفاعية واقتصادية قوية، في وقت تعمق فيه موسكو روابطها مع الصين، الغريم التقليدي لنيودلهي، وبعد أيام من وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العلاقات مع بكين بأنها "الأفضل في التاريخ".
وهذه هي أول زيارة خارجية لمودي منذ فوزه بولاية ثالثة الشهر الماضي، ويشكل قراره بالسفر إلى روسيا، بدلاً من الدول المجاورة مثل بوتان أو سريلانكا أو المالديف عقب ولايته الجديدة، كسراً للعرف الذي اتبعه زعماء الهند، وفق "بلومبرغ".
أما فيما يخص روسيا، فإن الزيارة تساعدها في دفع محاولات الغرب لعزل بوتين والتعامل معه كزعيم منبوذ، بسبب غزو أوكرانيا، وكذلك تعزيز الزيارة العلاقات مع شريك تجاري حيوي ومشتر رئيسي للنفط الروسي الخاضع للعقوبات.
قضايا متراكمة ورسالة دبلوماسية
ويزدحم جدول الزيارة الاسثنائية بالعديد من القضايا الثنائية التي "تراكمت ويجب حلها"، وفقاً لوزير الخارجية الهندي فيناي كوارتا.
وفيما استبعد دبلوماسيون كبار في الهند، أن تسفر الزيارة عن أي إعلانات ضخمة بشأن التعاون، إلا أنهم اعتبروا أن هدف مودي من الزيارة هو "توجيه رسالة مفادها أن الجانبين لا يزالان يحتفظان بعلاقات وثيقة".
وتعود الروابط بين الهند وروسيا، إلى الحرب الباردة، ولا تزال روسيا أكبر مورد للأسلحة والنفط إلى الهند، ووصف وزير خارجية نيودلهي العلاقات بين البلدين بأنها "متينة".
وقبل صعوده إلى الطائرة متوجهاً إلى روسيا، أشاد مودي بالصداقة مع بوتين، وقال إن البلدين أحرزا الكثير من التقدم على عدد من الجبهات خلال العقد الماضي، في ومجالات تشمل الطاقة، والأمن، والتجارة، والاستثمار.
وقال: "أتطلع لمراجعة كل أوجه التعاون الثنائي مع صديقي الرئيس فلاديمير بوتين، وتشارك وجهات النظر بشأن عدة قضايا إقليمية ودولية، نسعى إلى لعب دور داعم للسلام والاستقرار في الإقليم"، وفقاً لما نقلته صحيفة The Hindu الناطقة بالإنجليزية.
قلق هندي من تقارب روسيا مع الصين
وتراقب الهند بحذر روسيا وهي توثق علاقاتها مع الصين، بعدما عملت كشريان حياة اقتصادي ودبلوماسي للكرملين وسط عقوبات غربية على روسيا بسبب حربها على أوكرانيا. وخلال قمة منظمة شنغهاي للتعاون في كازاخستان، الأسبوع الماضي، وصف بوتين العلاقات حالياً مع الصين بأنها "الأفضل في التاريخ".
ووصلت العلاقات بين الهند والصين إلى نقطة سيئة، بعدما تطور الخلاف الحدودي بين البلدين في 2020 إلى العنف، رغم أن الجانبين اتفقا على عقد محادثات لحل الخلافات.
وقال بتر توبيشكانوف الباحث بمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام، إن الهند الواقعة بين روسيا والصين والغرب، تسعى إلى علاقات يمكن الاعتماد عليها مع روسيا، وراغبة في لعب دور أكبر في تعزيز السلام، ورغم ذلك، فإنه خلف الأبواب المغلقة، قد يواجه بوتين تساؤلات من مودي بشأن العلاقات الآخذة في التقارب بين روسيا والصين".
وستحتل إجراءات تقليل الاختلالات التجارية بين البلدين، مساحة معتبرة من المحادثات بين الزعيمين، وفقاً لوزير الخارجية الهندي.
وتستورد الهند حالياً بضائع بقيمة 60 مليار دولار سنوياً من روسيا، التي تشتري بضائع من الهند بأقل من 5 مليارات دولار، كما قد تدخل تحركات الصين في منطقة الإندو-باسيفيك على خط المناقشة، وفق "بلومبرغ".
وكان معتاداً أن يلتقي زعيما الهند وروسيا بشكل سنوي، إلى أن بدأ مودي في التغيب عن تلك القمم بعدما هدد بوتين في 2022 باستخدام السلاح النووي في أوكرانيا. والتقى الزعيمان آخر مرة، العام الماضي، على هامش اجتماع منظمة شنغهاي للتعاون في أوزبكستان.
صفقات سلاح وتعاون دفاعي
ورجح رسلان بوشكوف مدير مركز تحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيا الدفاعي ومقره موسكو، أن تكون صفقات السلاح المستقبلية على الأجندة، مضيفاً أن روسيا قد تمد الهند بأنظمة دفاع جوي جديدة ومقاتلات Su-30MKI، وكذلك، رخصة لإنتاج مروحيات Ka-226T الروسية متعددة الاستخدامات.
وتواجه الهند نقصاً في المقاتلات وتبحث شراء 12 منها من روسيا لتحل محل التي فقدتها في حوادث.
وخلال عقود الحرب الباردة كان الاتحاد السوفيتي أكبر مورد للمعدات الدفاعية إلى الهند، وحالياَ تشير التقديرات إلى أن نحو 60 إلى 70% من المعدات العسكرية الهندية روسية أو سوفييتية الصنع، وفقاً لصحيفة The Indian Express.
وتطور التعاون الدفاعي بينهما عبر الزمن من إطار مشتر وبائع إلى إطار عمل للتعاون والتطوير والإنتاج المشترك للأسلحة.
ووقعت روسيا والهند اتفاقات لتصدير منظومات S-400 الدفاعية الجوية الروسية إلى الهند، ومقاتلات MiG-29، ومروحيات كاموف، كما منح الكرملين الهند رخصة إنتاج دبابات T-90 ومقاتلات SU-30MKI ورشاشات AK-203 الهجومية، وصواريخ BrahMos الأسرع من الصوت.
كما أن أحد حاملتي الطائرات الهنديتين الوحيدتين سوفيتية الصنع.
النفط الروسي
وأصبحت الهند، ثالث أكبر مستهلك للنفط الخام في العالم، مشترياً رئيسياً للنفط الروسي، وتعتمد على إمدادات المعدات العسكرية من موسكو.
وتساعد مبيعات النفط الروسية للهند في الحفاظ على العلاقات، حتى لو لم تكن قريبة كما كانت خلال الحقبة السوفيتية. وبينما تقدم روسيا تخفيضات أكبر على نفطها وسط قيود غربية على الطاقة، زادت الهند مشترياتها من الخام الروسي أكثر من 20 مرة مقارنة بعام 2021، متجاوزة مليوني برميل يومياً.
كما وفرت الهند، 13 مليار دولار عن طريق استيراد النفط الخام الأرخص من روسيا على مدى الأشهر الـ 23 الماضية، وفقاً لدراسة أجرتها وكالة التصنيف ICRA، ونُشرت في أبريل الماضي.
شراكة أميركية ضد الصين
بدورها، ترى الولايات المتحدة، الهند، شريكاً في منافستها مع الصين، لكن العلاقات مع نيودلهي سببت إحباطاً لواشنطن، إذ رفضت إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، كما يحقق مدعون أميركيون في مزاعم بمخطط هندي لاغتيال معارضين على أرض أميركية.
والشهر الماضي، قال نائب وزير الخارجية الأميركي كيرت كامبل، إن المسؤولين الأميركيين أثاروا المخاوف بشأن العلاقات الروسية الهندية مع نيودلهي، ولكن واشنطن أكدت ثقتها في الهند، وأنها تريد توسيع العلاقات.
ويقيم نحو 14 ألف مواطن هندي في روسيا، بينهم 4500 طالب، وفقاً للسفارة الهندية في موسكو.