يمارس المشرعون الإيرانيون ضغوطاً على الرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان لتشكيل ما يصفونه بـ"حكومة ثورية"، تماشياً مع مطالب المرشد علي خامنئي المتعلقة بمواصلة مسار حكومة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي.
ومن المقرر أن يؤدي بيزشكيان اليمين الدستورية في وقت لاحق من هذا الشهر، أو مطلع الشهر المقبل، وستكون أمامه مدة لا تتجاوز أسبوعين لعرض تشكيلته الوزارية للتصويت عليها في البرلمان.
وعقد بيزشكيان أول لقاءاته مع رئيس القضاء غلام حسين محسني إجئي، غداة تأكيده على مساعدة الرئيس المنتخب لتشكيل حكومة "تتماشي مع الجمهورية الإسلامية".
وقال إجئي للرئيس المنتخب إن الجهاز القضائي "مستعد للتعاون مع الحكومة من أجل تعزيز العدالة الاجتماعية"، في إطار أهداف "الخطوة الثانية للثورة وتنفيذ السياسات العامة المعلنة"، في إشارة ضمنية إلى الاستراتيجية التي طالب المرشد الإيراني قبل 4 سنوات بتطبيقها، لمدة 4 عقود مقبلة.
كما ناقش بيزشكيان أجندته لتشكيل الحكومة مع الأمين العام لمجلس الأمن القومي، علي أكبر أحمديان، ورئيس القضاء غلام حسين محسني إجئي. وأفادت وكالة "نور نيوز"، المنصة الإعلامية لمجلس الأمن القومي، بأن أحمديان هنأ بيزشكيان بفوزه بالرئاسة، مؤكداً استعداد الأمانة العامة لمجلس الأمن القومي لمساعدة الحكومة الجديدة بكل قدراتها.
بدوره، شدد بيزشكيان على أهمية المشورة الفنية والدقيقة من قبل مجلس الأمن القومي، "لاتخاذ قرارات على أعلى مستويات النظام".
في الأثناء، نفى عضو حملة بيزشكيان، ومستشاره المقرب، محمد جواد آذري جهرمي، خبر تشكيل "مجلس سياسات للحكومة الرابعة عشرة" بهدف تسمية وزراء وتحديد استراتيجيات الحكومة الجديدة. وقال إن "الخبر مزيف".
وقال آذري جهرمي، وهو وزير الاتصالات في حكومة الرئيس السابق حسن روحاني، على منصة "إكس"، إن "التقارير المتداولة بين الشخصيات الإعلامية المعروفة، حول تشكيل (مجلس سياسات) للحكومة، أو (مجلس تعيينات) كلها مزيفة"، مضيفاً: "سيعلَن قريباً عن نهج شفاف ونموذج علمي لاختيار الوزراء من قبل الرئيس المنتخب".
وتابع: "بعض الأشخاص، بدافع الرغبة في الخدمة، مستعدون لإعطاء وعود لأي شخص ليصبحوا وزراء. وهناك من يسعون وراء هذه الوعود، واليوم هو يوم ربحهم".
"مجلس سياسات" لتحديد مسار الحكومة
وأفاد موقع "جماران" التابع لـ"مؤسسة الخميني"، بأن حملة بيزشكيان شكلت "مجلس سياسات" لتحديد مسار حكومة بيزشكيان، مشيراً إلى أنه يضم وزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف، وعلي ربيعي المتحدث باسم حكومة الرئيس السابق حسن روحاني، وعلي طيب نيا وزير الاقتصاد الأسبق، ورضا صالحي أميري وزير الثقافة في حكومة روحاني، ووزير التعليم الأسبق علي عبد العلي زاده (رئيس حملة بيزشكيان)، ومحمد رضا عارف نائب الرئيس في عهد محمد خاتمي.
ويعدّ كل من آذري جهرمي وصالحي أميري وربيعي من كبار المسؤولين السابقين في وزارة الاستخبارات الإيرانية.
جواد ظريف: لا أريد أي منصب
وقال جواد ظريف في لقاء مجموعة من الناشطين السياسيين، الثلاثاء، إنه ليس مستعداً لقبول أي منصب في الحكومة، بما في ذلك منصب النائب الأول للرئيس، الذي لا يحتاج إلى مصادقة البرلمان.
وأفاد بأنه من المقرر أن تصل نسبة من يتولون مناصب وزارية في حكومة بيزشكيان للمرة الأولى، 60% من تشكيلة الحكومة، لافتاً إلى أن أعمارهم أقل من 50 عاماً.
وتابع جواد ظريف: "نعتزم تشكيل حكومة شابة، وبالفعل ليس من المقرر أن يتحمل أشخاص مثلي الذين تحملوا المسؤولية مرات عديدة أي مسؤولية في هذه الحكومة مرة أخرى".
وأضاف: "خلال فترة الدعاية للانتخابات الرئاسية، أكدت مراراً وتكراراً أنني لا أريد أي مسؤولية في الحكومة، ولم آتِ من أجل المنصب أو السلطة".
"طريق مليء بالألغام"
وقال النائب أبو الفضل ظهره وند، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية، إن "البرلمان لن يمنح الثقة لوزراء مثل وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، وأصحاب النزعة الغربية في محيط بيزشكيان".
وصرّح النائب ظهره وند، وهو سفير إيران السابق لدى إيطاليا، لموقع "ديدبان إيران"، أن بيزشكيان "دخل طريقاً مليئاً بالألغام"، مضيفاً أنه "غير ملم بالسياسة الخارجية، وهذا أكبر مشكلاته". وقال: "سجل ظريف سيئ للغاية... لا يمكننا الاعتماد على العودة لفترة الرئيس حسن روحاني".
وذكرت مواقع إيرانية أن عباس عراقجي، نائب وزير الخارجية السابق وكبير المفاوضين الإيرانيين في زمن روحاني، المرشح الأساسي لوزارة الخارجية، بعدما كشفت مصادر إيرانية عن رغبة ظريف بالعودة إلى منصب سفير إيران الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك. ويشغل عراقجي حالياً منصب نائب رئيس اللجنة الاستراتيجية للعلاقات الخارجية، الخاضعة لمكتب المرشد الإيراني، والتي يترأسها وزير الخارجية الأسبق كمال خرازي.
وكان المرشد الإيراني قد حذر المرشحين للانتخابات الرئاسية في 25 يونيو الماضي من اختيار مسؤولين "محبين لأميركا"، أو التحالف مع أي شخص "ينحرف" ولو قليلاً عن "مبادئ الثورة". وقال: "من يعتقد أنه لا يمكن اتخاذ خطوة دون أميركا، لن يكون شريكاً جيداً".
موقف نواب البرلمان الإيراني
وفي هذا السياق، استطلعت وكالة "إيسنا" الحكومية، آراء نواب البرلمان، وسط تنافس محتدم بين التيار المقرب من بيزشكيان، للتأثير على تشكيل الحكومة.
وقال النائب كامران غضنفري: "يجب على الرئيس المنتخب أن يستخدم أشخاصاً مساعدينَ ووزراء تكون خدمتهم للشعب وأولويتهم لمصالح البلد أكثر من انتماءاتهم الحزبية والسياسية".
وأشار غنضفري إلى تصريحات المرشد الإيراني علي خامنئي، التي أوصى فيها الرئيس المنتخب بمواصلة نهج إبراهيم رئيسي واستخدام النخب والقوى الشابة.
وتابع: "امتثالاً لتوصيات المرشد، يجب على السيد بيزشكيان ألا يستخدم المثيرين للجدل، خاصة أولئك الذين كانوا في حكومة الرئيس روحاني، وتسببوا في إضرار للبلاد بأدائهم السيئ". وحذّر من أن "البرلمان سيدافع عن حقوق الشعب، وإذا جرى تقديم مثل هؤلاء الأشخاص بوصفهم وزراء للحكومة الجديدة فسيواجهون رد فعل البرلمان".
في السياق نفسه، قال محمد سراج إن على "بيزشكيان أن يستفيد من الشباب النخبة والثوريين في حكومته"، مشدداً على ضرورة اتخاذ حكومة إبراهيم رئيسي "نموذجاً" للحكومة الجديدة.
وقال النائب رضا سبهوند، للوكالة، إن "نهج الحكومة يجب أن يكون قائماً على اختيار الكفاءات"، و"تجنب النظرة السياسة"، متحدثاً عن ضرورة التوازن بين القوى المؤهلة والمتمرسة، جنباً إلى جنب الشباب من ذوي الخبرة، لتشكيل حكومة قوية.
وأضاف: "أحد الأمور التي يمكن أن تسهم في حل المشاكل هي التفاعلات الدولية، ويجب أن تكون الحكومة قادرة على تعزيز التفاعلات الدولية".
ومن جانبه، قال النائب محمد بهرامي، عضو لجنة الطاقة: "إذا أردنا إصلاح الأوضاع والمضي قدماً في خدمة مصالح الشعب، فلا طريقة غير التفاعل والتعاون بيننا".
وأضاف: "نأمل أن يتحقق التعاون بين الأحزاب السياسية، شاهدنا النزاعات والإقصاء بين الأحزاب السياسية... هناك توجهات متطرفة في كلا التيارين الأساسيين، ألحقت أضراراً بالبلاد".
أما النائب إبراهيم نجفي، عضو لجنة العمران، فقد طالب بيزشكيان بضم شخصيات ماهرة وذات كفاءة في حكومته، بغض النظر عن النظرة السياسية. وقال: "لقد كرر بيزشكيان مراراً أنه ليس منتمياً لأي أحد، لذلك يجب ألا يسقط في فخ المحاصصة".
من جهته، قال النائب غني نظري، الذي ينحدر مثل بيزشكيان من أصول آذرية تركية، إنه "يجب تحويل منافسات الانتخابات إلى تعاون؛ لأن استمرار التنازعات والانقسامات السياسية في الظروف الحالية يؤذي البلاد"، لافتاً إلى أن بيزشكيان "يؤمن بالاختيار الصحيح واستخدام الخبرات؛ لأن استخدام الأشخاص غير الأَكْفاء لن يؤدي إلا إلى استمرار المشكلات".
وخلص نظري بقوله: "يتوقع الناس من الرئيس أن يعمل على رفع العقوبات، ومن الضروري أن تساعد جميع الأجهزة الحكومية الرئيس في ذلك".
وينظر إلى البرلمان عادة على أنه أداة المرشد للضغط على الحكومة، خصوصاً في الأوقات الحساسة التي لم يتدخل فيها مباشرة.
بيزشكيان يطلب تنسيق القرارات معه
في سياق متصل، نشرت وسائل إعلام إيرانية صورة من رسالة بيزشكيان، إلى القائم بأعمال رئيس الجمهورية، محمد مخبر، يطلب فيها الامتناع عن تعيين أو عزل أي موظفين أو مسؤولين في الوزارات ونواب رئيس الجمهورية، والشركات التابعة، أو إبرام وتنفيذ عقود جديدة، أو أي تغييرات أو أحكام إدارية ملزمة للحكومة.
ويقول بيزشكيان في الرسالة: "قرارات هيئة الوزراء التي لديها تبعات مالية، ولم يتم إبلاغها، يجب تنسيقها معي بعد الآن".
وتأتي الرسالة بعدما حذّر أعضاء في حملة بيزشكيان ومؤيدون له، من تغييرات إدارية متسارعة في بعض الوزارات والدوائر الحكومية، منذ إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية، السبت الماضي.
من جانبها، وصفت الحكومة التقارير عن التعيينات الجديدة بـ"الشائعات". ونقلت وكالة "إيسنا" الحكومية عن وزير الاقتصاد إحسان خاندوزي، قوله: "بناءً على توجيهات القائم بأعمال رئيس الجمهورية، يجب أن تتم أي تغييرات وتحركات في القوى البشرية في الحكومة على أساس الالتزامات القانونية حتى تشكيل الحكومة"، مشدداً على الامتناع عن أي تغيير في الهياكل التنظيمية.
وقال خاندوزي: "سأقدم تقريراً مفصلاً عن حالة وزارة الاقتصاد في مختلف القطاعات، بما في ذلك وضع الخزانة، إلى السيد بزشکیان غداً أو بعد غد، وسيكون متاحاً للنشر في وسائل الإعلام".
ومن جانبه، قال المتحدث باسم مجلس "صيانة الدستور"، هادي طحان نظيف أن القائم بأعمال رئيس الجمهورية سيواصل إدارة الحكومة حتى مراسم تنصيب الرئيس المنتخب رسمياً.