من مفارقات قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) المنعقدة حالياً في واشنطن، أن أحد أكثر الشخصيات تأثيراً بين الحاضرين يرأس دولة غير عضو في الحلف العسكري، وهي كوريا الجنوبية، التي تمتلك مخزونات هائلة من الأسلحة التي يسعى التكتل إلى وصولها لأوكرانيا بهدف مساعدتها في التصدي للغزو الروسي، والتي ربما تُرجّح كفة كييف في المعركة بوجه عام، وفق "بلومبرغ".
وفي وقت تبدو أوكرانيا في أمسّ الحاجة إلى قذائف المدفعية التي تمتلك كوريا الجنوبية الملايين منها، هناك محاولات لإقناع رئيسها يون سوك يول بتغيير سياسة الحكومة التي تحظر على بلاده إرسال مساعدات فتاكة إلى الدول التي تعيش حالة حرب.
وعلى الرغم من أن هذا هو الحضور الثالث للزعيم الكوري الجنوبي في قمة "الناتو"، إلا أن هذه المرة مختلفة.
قبل أسابيع فقط من افتتاح قمة الناتو، قالت حكومة سول إن توقيع اتفاقية الدفاع بين روسيا وكوريا الشمالية في يونيو الماضي جعلها تفكر فيما إذا كان الوقت حان للبدء في إرسال أسلحة إلى قوات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
أسلحة قد تُحدث فارقاً
زيلينسكي الذي يسعى بدوره للحصول على أسلحة من كوريا الجنوبية منذ اندلاع الغزو الروسي ضد بلاده في فبراير عام 2022، يشارك في قمة "الناتو" التي تهدف لإثبات أن الحلف في أقوى حالاته منذ تأسيسه قبل 75 عاماً.
وقال المتخصص في العلاقات الدولية والأستاذ بجامعة إيهوا النسائية في كوريا الجنوبية بارك وون جون، إن "أنواع الأسلحة التي يمكن أن توفرها كوريا الجنوبية لأوكرانيا هي التي قد تُحدث الفارق في حالة الجمود التي تسيطر على الخطوط الأمامية في الوقت الحالي".
وبعيداً عن مناشدات زيلينسكي، تشير معلومات استخباراتية مسربة حصلت عليها صحيفة "نيويورك تايمز" العام الماضي إلى أن واشنطن تسعى إلى حمْل الرئيس الكوري الجنوبي على إرسال قذائف مدفعية لمساعدة أوكرانيا.
وأظهرت إحدى الوثائق أن مساعدي رئيس كوريا الجنوبية قلقون بشأن الضغوط التي يمارسها الرئيس الأميركي جو بايدن، لكن حكومة سول نفت هذه المزاعم.
3 ملايين قذيفة
وتخلّف الاتحاد الأوروبي عن تعهده بإمداد أوكرانيا بمليون قذيفة مدفعية بحلول نهاية مارس الماضي، ما يجعل الحصول على ذخائر من كوريا الجنوبية أمراً مهماً لتعويض هذا النقص، وتُقدّر احتياجات كييف من طلقات المدفعية بـ200 ألف قذيفة شهرياً على الأقل.
ونقلت وكالة "يونهاب" للأنباء عن مسؤول رفيع في "الناتو"، لم يذكر اسمه، القول إن أي سلاح تقدّمه كوريا الجنوبية من أجل مساعدة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها سيكون موضع ترحيب.
وتمتلك كوريا الجنوبية قذائف مدفعية عيار 155 ملم، وهو معيار "الناتو" الذي تستخدمه أوكرانيا، وذكرت "يونهاب" أن المخزون الكوري الجنوبي يُقدر بأكثر من 3 ملايين قذيفة.
وقد تكون كوريا الجنوبية أقل قلقاً الآن بشأن سحب مخزونها، بعد أن أرسلت بيونج يانج إلى موسكو، ما تعتقد حكومة سول، أنه يقدّر بنحو 5 ملايين قذيفة.
وتُرجمت هذه العملية إلى تفوق قوات الرئيس فلاديمير بوتين على قوات زيلينسكي، مع تأخُّر المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا هذا العام بسبب الكونجرس الأميركي.
وذكر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، في تقرير صدر في مارس الماضي، أن كوريا الجنوبية يمكن أن تفكر أيضاً في إرسال قذائف مدفعية عيار 105 ملم، التي ربما تصل إلى مدى أقل، ولكنها تُطلَق من مدافع هاوتزر أخف وزناً وأكثر قدرة على الحركة.
وأضاف التقرير أن كوريا الجنوبية تمتلك 3.4 مليون قذيفة يمكن استخدامها من قبل أوكرانيا.
وفي الوقت نفسه، تشتري الدول المتاخمة لروسيا أسلحة من شركات مثل شركة "هانوا إيروسبيس"، المقاول الدفاعي الرائد في كوريا الجنوبية.
ويُنظر إلى دبابات ومدافع "الهاوتزر" التي تنتجها هانوا على أنها أقل تكلفة من منتجات الشركات الأميركية، فضلاً عن قدرتها على هزيمة الأنظمة الروسية.
كما وقّعت الشركة صفقة تقدّر بنحو مليار دولار لبيع 54 مدفع "هاوتزر" من طراز "K9" وإمدادات عسكرية أخرى إلى رومانيا، وفقاً لما ذكرته وكالة شراء الأسلحة الكورية الجنوبية.
تعاون موسكو وبيونج يانج
وأكد الرئيس الكوريا الجنوبي أن أي قرار بإرسال أسلحة إلى أوكرانيا سيعتمد على تصرفات روسيا.
وقال المشرع كيم جون الذي عمل كبيراً للمبعوثين النوويين لكوريا الجنوبية حتى فبراير الماضي، إن "التهديد بإمداد أوكرانيا بالأسلحة هو ورقة ضغط لردع روسيا عن تقديم الدعم العسكري إلى كوريا الشمالية، بحسب "بلومبرغ".
وأشار مسؤولون في كوريا الجنوبية إلى أن الخط الأحمر سيتحول إلى حقيقة على الأرض، خاصة مع إمداد الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون بالتكنولوجيا التي تُطور قدرته على صناعة أسلحة دمار شامل.
وقال بوتين إنه لا يمكن استبعاد إمداد كيم بأسلحة عالية الدقة، رداً على المساعدات العسكرية الغربية لأوكرانيا.
وقالت راشيل مينيونج لي، الزميلة في برنامج "38 نورث" في مركز ستيمسون إن "من وجهة نظر سول، فإن تعاون روسيا مع كوريا الشمالية يُمثّل تهديداً مباشراً لأمنها القومي".
وأضافت أن موسكو لا تساعد فقط في تطوير الأسلحة الكورية الشمالية، بل تساعد بيونج يانج أيضاً على "إدارة وحتى تطوير اقتصادها القومي عن طريق إنعاش صناعة الذخائر".
وقالت لي التي عملت محللة لدى مؤسسة Open Source Enterprise، إن كوريا الجنوبية تمكنت من تجنب الضغوط عن طريق تعزيز طرق أخرى للمساهمة عبر حلف شمال الأطلسي، مثل الأمن السيبراني، لافتة إلى أنه يجب على سول أن تتوخى الحذر في تحركاتها.
وأضافت أن "إمداد أوكرانيا بالأسلحة مباشرة يُمثّل خطوة كبيرة، ويجب أن يتم اتخاذ هذا القرار بناء على المصلحة الوطنية لكوريا الجنوبية، التي يجب أن تأخذ أيضاً في الاعتبار مصلحتها على المدى الطويل إزاء روسيا".