قال خبراء في الشأن السياسي الأميركي إن اختيار الرئيس الأميركي السابق والمرشح عن الحزب الجمهوري دونالد ترمب السيناتور جي دي فانس، نائباً له، يحدد "الوجه المستقبلي" للحزب الجمهوري، ويرسخ شعار MAGA (جعل أميركا عظيمة مرة أخرى)، ومساعي بقاء الحزب قومياً وشعبوياً، ما يضمن هيمنة هذا النهج لفترة طويلة.
واختار ترمب فانس، ذو الـ 39 عاماً، مايعني أنه فتح الباب أمامه لـ"حياة سياسية طويلة"، لا سيما أنه حديث العهد بها، إذ فاز بعضوية مجلس الشيوخ، العام الماضي، مفضلاً إياه على حاكم داكوتا الشمالية دوج بورجوم، والسيناتور عن ولاية فلوريدا ماركو روبيو، الأكبر سناً والأكثر خبرة.
وفي 17 يوليو، قدم فانس نفسه، واستعرض سيرته الذاتية ومسيرته المهنية، مبرراً اختياره بأنه يصب في "صالح مستقبل أكثر جرأة للحزب الجمهوري".
وتساءل فانس خلال إلقائه خطاب الترشح في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري: "ألا ينبغي لنا أن نحكم بواسطة حزب لا يخشى مناقشة الأفكار والتوصل إلى أفضل الحلول؟ هذا هو الحزب الجمهوري للسنوات الأربع المقبلة".
وبينما اتفق الخبراء الذين تحدثوا مع "الشرق" على أن فانس لن يضيف الكثير على التذكرة الانتخابية للحزب الجمهوري، إلا أنهم اعتبروا أن فانس هو "الوجه المستقبلي" للحزب الذي يساهم في ترسيخ سياسة حركة MAGA .
فانس والطموح السياسي
في غضون 8 سنوات تغير كل شئ، وأصبحت آراء فانس تتماشى بقوة مع أجندة ترمب القومية بشأن قضايا "الاجهاض والهجرة والسياسة الخارجية"، لكن الأمر لم يكن كذلك منذ البداية، فعندما ترشح ترمب للرئاسة لأول مرة في 2016، كان فانس أحد منتقديه الشرسين داخل الحزب الجمهوري، واصفاً نفسه حينها بأنه "الرجل الذي لا يؤيد ترمب على الإطلاق".
وجاءت انتقادات فانس عند ترشح ترمب لولايته الأولى، ووصفه بأنه "مقيت" و"هيرويناً ثقافياً"، قبل أن يعود ويغير مساره محتضناً سياسات ترمب كافة، وبذلك حصل على تأييد الرئيس السابق في سباق مجلس الشيوخ 2022.
وأرجع أستاذ التاريخ السياسي بجامعة بينجهامتون في نيويورك والخبير في السياسة الأميركية الحديثة، دونالد نيمان، تغير موقف فانس من ترمب إلى "الطموح السياسي".
وقال نيمان، في حديثه لـ"الشرق"، إن فانس في عام 2016، كان مثل كثير من الجمهوريين الذين رأوا في ترمب متعصباً ديماغوجياً وشعبوياً، وكان على خلاف مع هذا النوع من النزعة المحافظة التي ميزت الحزب الجمهوري منذ الرئيس السابق رونالد ريجان".
وأوضح نيمان أنه أصبح على أي جمهوري يريد النجاح أن "يركع أمام مذبح ترمب"، بفضل إحكام قبضته على الحزب، خلال السنوات الثماني الماضية، وهو الأمر الذي فعله فانس، فهو سياسي شاب طموح، ابتلع مبادئ ترمب للتقدم في "حياته السياسية".
ولا يختلف أستاذ العلوم السياسية في جامعة "ويبستر" ويليام هال مع نيمان في أن "رغبة فانس اقتناص الفرص السياسية هي التي دفعته للتحول من كونه معارضاً ومنتقداً بشدة لترمب، إلى أن يصبح مؤيداً صريحاً".
ويشكك هال في أن "فانس غير من وجهة نظره بشأن ترمب أو سياساته"، لكن فرصة أن يعمل نائباً للرئيس، في حالة انتخابه رئيساً، "هي فرصة لا يمكنه مقاومتها".
من جهته، اعتبر المستشار السياسي ورئيس شركة "نورث ستار أوبينين ريسيرش" لاستطلاعات الرأي العام والشؤون العامة وايت أيريس أن فانس أحد أذكى أعضاء جناح MAGA، ما مكنه من كسب فرصة الترشح لمنصب نائب الرئيس.
وقال أيريس لـ"الشرق": "إن فانس كان ذكياً بما يكفي ليحصل على فرصة نائب الرئيس، مقارنة بكل السياسيين المخضرمين".
وأوضح أن ترمب قرر اختيار فانس كمرشح لمنصب نائب الرئيس، ما يعني أنه فرض سيطرته الكاملة على الحزب الجمهوري، خاصة أنه لم يشعر بالحاجة للوصول إلى الجمهوريين التقليديين "لأنه كان واثقاً جداً من النصر".
وأضاف أيريس: "ترمب يرغب في مضاعفة التوجه نحو جناح MAGA في الحزب، بدلاً عن الجناح التقليدي، واختار أحد أذكى الأعضاء في ذلك الجناح ليكون نائبه، كما أنه قد يكون قادراً على مساعدة التذكرة الانتخابية، لا سيما مع الناخبين من الطبقة العاملة في المناطق العليا من الغرب الأوسط مثل بنسلفانيا، ميشيجان وويسكونسن".
فانس.. لن يضيف الكثير في الانتخابات
ولا يبدو أن اختيار فانس قد يضيف المزيد إلى التذكرة الانتخابية للحزب الجمهوري. إذ نشأ فانس وحصل على مقعد الكونجرس في الولاية الجمهورية "غير المتأرجحة"، إذ كانت أوهايو ولاية أرجوانية في السابق، لكنها في العقود الأخيرة أصبحت أكثر تأييداً للحزب الجمهوري، خاصة أن الرئيس الأميركي جو بايدن، عندما فاز بانتخابات 2020، كان أول شخص يفوز بالرئاسة دون أن يفوز بولاية أوهايو منذ عام 1960.
عطفاً على ماسبق، وصف أستاذ العلوم الاجتماعية في جامعة "بوسطن" توماس والين، اختيار ترمب لفانس بـ"الخطأ السياسي". وقال لـ"الشرق": "عادة يأتي اختيار المرشحين لمنصب نائب الرئيس، إما للفوز بولاية تنافسية معينة أو من أجل توسيع جاذبية تذكرة الحزب لتتجاوز جمهورها المعتاد".
وأضاف: "المرشح فانس لا يحقق أياً من هذين الهدفين"، معتبراً أنه مجرد نسخة مطورة من ترمب، ويجذب دعم نفس الناخبين البيض من الطبقة العاملة الذين يجذبهم ترمب سلفاً.
وأبان والين أنه كان من الحكمة أن "يختار ترمب نيكي هيلي؛ لأنها كانت تستطيع جذب المعتدلين المتشككين في الحزب الجمهوري، والنساء اللواتي يشككن في وجهات نظر ترمب حول حقوق المرأة في الإنجاب".
من جهته، أكد أستاذ العلوم السياسية وعضو الأكاديمية الفخرية في جامعة أوهايو بول بيك أن "اختيار فانس، لن يدفع إلى جذب مجموعات جديدة من الناخبين من خارج دائرة أنصار MAGA للتصويت لترمب، لكنه سيعزز مكانته بين الناخبين البيض من الطبقة العاملة".
واعتبر هال أن إضافة فانس إلى التذكرة يشير إلى أن "ترمب واثق من أنه يمتلك بالفعل مستوى الدعم الذي يعتقد أنه ضروري للفوز بالرئاسة، وبالتالي، فإن الدعم الإضافي من مجموعات خارج MAGA أو المجموعات المحافظة المماثلة ليس ضرورياً".
وأوضح نيمان أن "فانس اتخذ مواقف يمينية متشددة تروق لقاعدة ترمب، وهؤلاء الناخبين لديه على أي حال"، مرجحاً أن تساعد هذه الإضافة في "الحصول على دعم إضافي من ناخبي الطبقة العاملة في الولايات الحرجة مثل بنسلفانيا وميشيجان وويسكونسن، باعتباره شخصاً يتمتع بخلفية من الطبقة العاملة".
وأضاف:"سِجل فانس في ملف الإجهاض ينسجم مع ترمب، الأمر الذي قد يتسبب في إبقاء العديد من النساء في معسكر بايدن، إذ من الممكن أن تكون الحرية في الإنجاب أقوى سلاح يمتلكه الديمقراطيون".
عوامل في صالح فانس
وفي السياق ذاته، ذكر الجمهوري والكاتب السياسي جون جيزي أن رونالد ريجان عندما اختار جورج بوش الأب كمرشحه لمنصب نائب الرئيس في عام 1980، ربما يكون قد حقق توازناً في التذكرة الانتخابية مع خصم سابق أكثر اعتدالاً (الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر)، لكنه وضع حداً زمنياً لمدة 8 سنوات على الأجندة المحافظة التي كان يقودها.
وقال جيزي في حديثه مع "الشرق": "يتشابه فانس مع ريتشارد نيكسون في عام 1952 كأصغر رجل على تذكرة الحزب الجمهوري، فهو يبلغ 39 عاماً مثل نيكسون حينها، وبالتأكيد يمكن للشباب التعرف عليه".
وأضاف جيزي: "يعتبر فانس المرشح الثالث من الروم الكاثوليك في التاريخ الذي يكون على تذكرة الحزب الجمهوري، ويستمتع بالقداس اللاتيني التقليدي، كما أنه أول جندي بحري سابق يكون على تذكرة أي حزب، ولديه جاذبية للمحاربين القدامى، وهذه العوامل في صالحه".
وتابع جيزي: "أن زواج فانس من امرأة من أصول هندية ستمنحه قاعدة انتخابية لدى الجالية الهندية في الولايات المتحدة، ويمكنه التواصل مع الناخبين من الطبقة الوسطى في ولايات مثل بنسلفانيا وميشيجان وويسكونسن التي تعتبر مفتاحية لانتخاب ترمب".
تطابق وتشابه وتبني الآراء
وعندما قاد فانس حملته للفوز بمقعد في مجلس الشيوخ بالكونجرس 2022، صرح بأن "ترمب عليه أن يتحدى المحاكم في ولايته الثانية". ويجب عليه "طرد كل بيروقراطي متوسط المستوى، وكل موظف مدني في الدولة الإدارية، واستبدالهم بشعبنا. وإذا حاولت المحاكم إيقافه، فسوف يقف أمام البلاد كما فعل أندرو جاكسون".
وردد فانس مزاعم ترمب بشأن تزوير الانتخابات 2020، وعقب على الأحداث التي وقعت بالقول:" أنه كان سيتخذ مساراً مختلفاً عن نائب الرئيس السابق مايك بنس، الذي ترأس عملية التصديق على نتائج الانتخابات في الكونجرس في يناير 2021، رغماً عن إرادة ترمب".
وفي مجلس الشيوخ، عارض فانس مشروع قانون "الأمن القومي بقيمة 95 مليار دولار لمساعدة كييف"، كما أكد على موقفه الصارم بشأن الهجرة، والذي يتوافق مع موقف ترمب.
وعارض فانس، في البداية، حقوق الاجهاض بشكل متطرف ورفضه دون أي استثناءات، فعندما سُئل عن ضرورة أن تتضمن قوانين الإجهاض استثناءات لحالات "الاغتصاب وزنا المحارم"، أجاب بأن "الخطأين لا يصنعان الصواب".
وعندما أعلن ترمب "تقييد الاجهاض بعد عدد معين من الأسابيع، وأنه أمر متروك تقرره الولايات"، قال فانس إنه يؤمن بـ "الاستثناءات المعقولة".
هذا التطابق والتشابه، وتبني الآراء، جعل بيك يرجح أن معتقدات فانس السياسية التي تمزج بين "الانعزالية والشعبوية الاقتصادية وتتوافق مع معتقدات ترمب ستلقي بظلالها على مستقبل الحزب الجمهوري لسنوات قادمة".
وقال بيك إن فانس أصبح ولي العهد MAGA لعام 2028، ويفتح الباب لطموحه في الترشح للسباق الرئاسي عام 2028، لا سيما أن ترمب يسعى إلى تثبيت الحزب على شكله قدر المستطاع حتى بعد الأربع سنوات القادمة".
واتفق هال مع بيك في أن وجود فانس في منصب رفيع يكرس من "شعبوية الحزب الجمهوري في المستقبل"، لافتاً إلى أن ترمب يأخذ ذلك بعين الاعتبار، ويتخذ خطوات لوضع الأفراد الذين يعتقد أنهم سيكونون قادرين على مواصلة وتنفيذ الفلسفة السياسية لحركة MAGA ، بنجاح في مستقبل الحزب.
واعتبر أيريس أن "مستقبل الحزب الجمهوري مع وجود فانس على القمة سيكون أكثر انسجاماً وترسيخاً لسياسات جناح MAGA، الذي أسس له ترمب، وسيجعل ذلك الجناح أكثر تفوقاً على الجناح التقليدي الأكثر حكومية واعتدالاً في الحزب".
دور فانس كنائب للرئيس
وفي ملفات السياسة الخارجية، والتجارية والهجرة، يرى جيزي أن "فانس سيحافظ على نفس سياسات ترمب المتشددة في هذه الملفات".
وقال جيزي: "بعد أن وقع الاختيار على فانس، سيتمكن ترمب بتمديد أجندته الشعبوية الوطنية الخاصة به، مع شاب يشاركه آرائه حول القضايا من التجارة والحماية إلى التدخل المحدود في الخارج، والتشدد في مواجهة الهجرة غير الشرعية".
وأضاف: "فانس يرمز إلى الحرس الجديد، وهو في موقع يُمّكنه من استكمال مسيرة تحول الحزب الجمهوري إلى حزب شعبي ووطني يركز على الطبقة العاملة، الأمر الذي سيجعل الحزب يبدو أكثر تعبيراً عن الطبقة الوسطى، وأقل نخبوية".
وفي حالة فوز ترمب في انتخابات نوفمبر، قال هال: "على الرغم من كونه تابعاً لترمب، سيحصل فانس على فرصة للعب دور كبير في تعزيز السياسات والمهام الخاصة بإدارته"، غير أن نيمان يتوقع أن ترمب"لن يسمح لفانس بأن يكون مستقلاً أكثر من اللازم".
ولفت نيمان إلى أن فانس ذكي، وطموح، وأكثر قراءة، مما قد يجعله ينجح في جعل رؤية ترمب العشوائية للعالم السياسي أكثر تماسكاً في المستقبل، لكن هناك الكثير من الشباب الطموحين الآخرين من أنصار "ترمب الذين سيتحدونه باعتباره صوت حزب ما بعد ترمب".
وذكر نيمان أن دور فانس كنائب لترمب، حال فوزه في الانتخابات، سيكون "محدوداً". وقال: "إن معظم نواب الرئيس لديهم دور محدود للغاية، على عكس بايدن في إدارة أوباما، بسبب معرفته العميقة بالكونجرس وكيفية تمرير التشريعات، أما فانس كان في مجلس الشيوخ لأكثر من عام بقليل، لذا فهو لا يجلب هذه الخبرة إلى الطاولة".
وتابع: "إذا خسر ترمب، سيظل فانس لاعباً، لكن واحداً من بين لاعبين كثر، وسيختفي البريق الذي اكتسبه من اختيار ترمب له، لكنه سيستمر في صعوده السياسي المدفوع بطموح قوي".