قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن حملة المرشح الجمهوري في الانتخابات الأميركية دونالد ترمب، تعد ما وصفته بـ "خطة هجومية" ضد نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس، في حال انسحاب جو بايدن من السباق الرئاسي، تتضمن عدد كبير من الإعلانات التي تركز على سجلها في منصبها الحالي بالبيت الأبيض، والسابق في ولاية كاليفورنيا، وفقاً لما نقلته عن مصدرين مطلعين.
وأفادت الصحيفة الأميركية، في تقرير نشرته، بأن فريق ترمب أعد بالفعل عدة ملفات عن هاريس، كما أن لديه ملفات مماثلة عن ديمقراطيين آخرين، قد يتم ترشيحهم عن الحزب في حال انسحاب بايدن من السباق.
وأشار المصدران إلى أنه حتى الآن يتم التركيز بشكل رئيسي في الاستعدادات على هاريس، بما في ذلك استطلاع للرأي أُجري مؤخراً لاختبار نقاط ضعفها في الانتخابات العامة.
ويستند اهتمام فريق ترمب، بنائبة الرئيس إلى افتراضه بأنه إذا تجاهل الديمقراطيون أول امرأة سوداء تتولى منصب نائب الرئيس، فإن ذلك سيؤدي إلى تعميق الانقسامات داخل الحزب، ويخاطر بتنفير قاعدتهم من الناخبين السود.
وذكرت الصحيفة أن حلفاء ترمب بدأوا في فحص سجلات الحكام الديمقراطيين الذين قد يكونوا مرشحين محتملين أيضاً، مشيرة إلى أن مستشاري الرئيس السابق يولون اهتماماً كبيراً بشكل خاص بالحاكم جوش شابيرو من ولاية بنسلفانيا، وهي الولاية التي تركز حملة ترمب على الفوز بها، لعرقلة طريق الديمقراطيين إلى البيت الأبيض.
ولم يرد المتحدث باسم حملة ترمب على رسالة بالبريد الإلكتروني طلبت فيها "نيويورك تايمز" الحصول على تعليق، فيما قال بريان فالون، المتحدث باسم حملة هاريس، في بيان: "بعد فشل اتفاق الحدود بين الحزبين، لجأ دونالد ترمب إلى الكذب بشأن سجل نائبة الرئيس، وباعتبارها مدعية عامة، ومحامية سابقة، فقد واجهت المحتالين والمجرمين أمثاله طوال مسيرتها المهنية، ولذا فإن أكاذيب الرئيس السابق، لن تمنعها من مواصلة ملاحقته في أكبر القضايا بهذا السباق".
ومنذ "الأداء الكارثي" لبايدن في المناظرة التي أُجريت يوم 27 يونيو الماضي، خفف ترمب وحملته من حدة انتقاداتهم للرئيس الأميركي، وذلك على أمل أن يظل قادراً على ممارسة مهامه على المستوى السياسي حتى يرشحه الحزب رسمياً، ويصبح من الصعب استبداله دون عقبات قانونية كبيرة، إذ يفضل فريق الرئيس السابق، بقاء بايدن في السباق، معتقدين أن معدلات تأييده المنخفضة، والشكوك واسعة النطاق بين الناخبين حول تقدم عُمره، ومدى لياقته المعرفية تمثل أفضل فرصة للعودة إلى البيت الأبيض.
ووفقاً لما نقلته الصحيفة عن شخص مطلع على المناقشات الداخلية لحملة ترمب، فإن فريق الرئيس السابق قرر وقف الإعلانات التي يمكن أن تُلحِق المزيد من الضرر ببايدن، مشيراً إلى أن تغيير المرشح الديمقراطي يمكن أن يؤدي إلى تأجيج الفوضى، وخاصةً إذا أصبحت هاريس هي المرشحة الديمقراطية، والتي ستكون أول امرأة سوداء تُنتخِب رئيسة للولايات المتحدة (في حال فوزها).
وقبل انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في ميلووكي، الأسبوع الماضي، ومع مطالبة عدد متزايد من الديمقراطيين بايدن بالانسحاب من السباق، أعد فريق ترمب لافتات ومقاطع فيديو تهاجم هاريس لعرضها أمام المندوبين في التجمعات الانتخابية ولجمهور التلفزيون في المنازل، وفقاً لأشخاص مطلعين على خطط الحزب.
لكن الصحيفة قالت إنهم ألغوا تلك الخطط بعد محاولة الاغتيال التي تعرض لها الرئيس السابق في بتلر بولاية بنسلفانيا، السبت الماضي، قبل يومين من بدء المؤتمر الوطني للحزب، لافتة إلى أنه مع استمرار الشعور بالصدمة في البلاد في أعقاب الحادث، خفت حدة الضغوط على بايدن للانسحاب من السباق بشكل مؤقت، وهو ما جعل فريق ترمب يعتقد أن الخطط الخاصة بهاريس لم تعد ضرورية.
ونقلت الصحيفة عن ليام دونوفان، وهو المساعد السابق في اللجنة الجمهورية الوطنية بمجلس الشيوخ، قوله إن حملة ترمب كانت تخطط دائماً لجعل هاريس جزءاً من القصة، لا سيما في ظل المشاكل الصحية الملحوظة الخاصة ببايدن.
وأضاف دونوفان: "ومع احتمالية حدوث تغيير في اسم مرشح الحزب (الديمقراطي)، فإنه بات هناك شعوراً مُلِحاً لإعادة تشكيل صورة كامالا هاريس، وترسيخ صورتها الباهتة التي لطالما جعلت الديمقراطيين يشعرون بالقلق".
لكنه أشار أيضاً إلى مأزق محتمل قد يواجهه ترمب، قائلاً إن "كونه المرشح الأوفر حظاً ضد مرشحة أخرى قد تصنع التاريخ (في حال فوزها)، يُعرض حملته، التي تأمل في جني مكاسب تاريخية بين الناخبين السود، لمخاطر جديدة".
هاريس قد تكون أفضل من بايدن
ويقول بعض مساعدي ترمب، سراً، إن هاريس قد تكون أفضل من بايدن في توصيل رسائل معينة، خاصةً فيما يتعلق بحقوق الإجهاض، وهي القضية التي عززت فرص الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي لعام 2022، كما أنه باعتبارها مدعية عامة سابقة، فإنها ربما تكون قادرة على تقديم حجة واضحة حول الاتهامات الجنائية الموجهة إلى ترمب، بما في ذلك إدانته في مانهاتن بتهمة تزوير سجلات تجارية لإخفاء دفع أموال لإسكات نجمة إباحية في عام 2016.
ووفقاً للصحيفة، فإن هؤلاء المساعدين يعتقدون أيضاً أنه سيتعين على نائبة الرئيس، تحمل نتائج كل السياسات التي لم تنل الشعبية في عهد بايدن، الأمر الذي سيلغي المكاسب التي قد تحققها، وعلى وجه الخصوص، يخطط فريق ترمب لمهاجمتها بشأن أزمة الحدود، وهي الأزمة التي كلفها الرئيس بالبحث عن "أسبابها الجذرية".
ونقلت الصحيفة عن مساعدي كاميلا قولهم إن ترمب شوه دورها، مشيرين إلى أن عدد عمليات عبور الحدود انخفضت منذ أن قيَدت إدارة بايدن حق اللجوء.
وذكرت "نيويورك تايمز" أن فريق ترمب يتطلع أيضاً إلى ترسيخ صورة هاريس بناءً على فترة عملها كعضو في مجلس الشيوخ عن ولاية كاليفورنيا، وقبل ذلك، الفترة التي قضتها كمدعية عامة، حيث تم انتقاد سجلها خلال حملتها الرئاسية لعام 2020 إما لأنها كانت شخصاً محافظاً للغاية، أو متساهلاً جداً مع مرتكبي جرائم المخدرات لأول مرة.
ووفقاً لما نقلته الصحيفة عن أشخاص مطلعين على خطط الجمهوريين، فإنه في حال انسحب بايدن من سباق 2024 ولم يستقل من منصبه كرئيس، فإنهم سيحاولون ربط أسباب انسحابه من السباق بنفس الأسباب التي تجعله غير مؤهل للبقاء في منصبه، كما سيحاولون ربط هاريس به، من خلال الادعاء بأنه كان هناك جهداً واسعاً لمنع الجمهور من رؤية تدهور حالة الرئيس والإشارة إلى أنها كانت جزءاً من تلك الجهود.
كما أفادت الصحيفة بأن الجمهوريين الذين يخوضون سباقات الكونجرس القائمة بدأوا في تبني هذه الرسالة بالفعل، قائلة إنه بعد أن دعا شيرود براون السيناتور الديمقراطي، بايدن إلى الانسحاب من السباق يوم الجمعة، كتب منافسه الجمهوري بيرني مورينو منشوراً على حسابه في منصة "إكس" قال فيه: "إذا كان جو بايدن غير مؤهل للترشح، فهو غير مؤهل للاستمرار في منصبه أيضاً، ولذا أنا أدعوه رسمياً إلى الاستقالة من رئاسة الولايات المتحدة، لأن استمرار وجوده في غرفة العمليات يشكل تهديداً للأمن القومي، وآمل أن ينضم إليّ السيناتور براون في هذه الدعوة".
ولطالما انتقد الجمهوريون، هاريس، فعلى مدى سنوات، كانت هدفاً لهجمات مماثلة سابقة من جانبهم، خاصةً فيما يتعلق بأزمة الحدود وقدرات بايدن المعرفية، وعلى الرغم من عدم نشر مقاطع فيديو، أو لافتات خاصة بها خلال مؤتمرهم الأخير، فإن العديد من الجمهوريين جعلوها جزءاً من تركيزهم في هذه الفعالية، إذ أشاروا إليها في حديثهم سواء من خلال ربطها ببايدن، أو بالحديث عنها بشكل منفرد.
محاولة اغتيال ترمب
وفي الوقت الذي يتعثر فيه الديمقراطيون في التوصل لقرار بشأن ترشح بايدن، فإن حملة ترمب تراقب موقفها المالي الحالي قبيل الانتخابات العامة، إذ أنفق فريق الرئيس الأميركي عشرات الملايين من الدولارات على الإعلانات هذا العام، لكنه لم يحرز أي تقدم في السباق ضد ترمب، فيما أنفقت حملة الأخير والمجموعات الخارجية المتحالفة معها مبالغ أقل بكثير، ويُقال إن لديها احتياطيات نقدية كبيرة للاستخدام في الأشهر المقبلة.
وفي الأسبوع الذي تلا محاولة اغتيال المرشح الجمهوري، تمكنت إحدى المجموعات الخارجية التي يديرها مساعد ترمب السابق، تايلور بودويتش، من جمع 75 مليون دولار، وفقاً لشخص مطلع على الأمر، كما حصل الرئيس السابق على تبرعات ضخمة بعد إدانته جنائياً في مانهاتن في نهاية شهر مايو الماضي.
وأشارت الصحيفة إلى أن لجنة العمل السياسي، التي يديرها بودويتش، أجرت دراساتها الخاصة حول المرشحين الديمقراطيين المحتملين الذين قد يحلون محل بايدن، لكنها، مثل الحملة، تفترض أن هاريس هي المرشحة الأكثر احتمالاً.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته "نيويورك تايمز" بالتعاون مع كلية سيينا، الأسبوع الماضي، أن هاريس ستكون في موقف أقوى قليلاً من بايدن في حال واجهت ترمب، إلا أنه تم الانتهاء من الاستطلاع قبل محاولة اغتيال الأخير.
ومع ذلك، قال جيم هوبارت، وهو خبير أميركي في استطلاعات الرأي، إن هاريس ستبدأ من مكان محدد إلى حد ما بالفعل على المستوى الوطني، مضيفاً أنه في أحدث استطلاع للرأي، كان 50% من الناخبين لديهم رأي سلبي بالفعل عن نائبة الرئيس، فيما قال 32% فقط إن لديهم رأياً إيجابياً عنها.
وتابع: "هل يمكن أن تتحسن هذه الأرقام الإيجابية إذا باتت هي المرشحة (الديمقراطية)؟ بالتأكيد، لكن علينا أن نتذكر أنها لم تظهر أبداً كمرشحة ماهرة بشكل خاص"، وأشار إلى فوزها بفارق ضئيل في سباق منصب المدعي العام لعام 2010، وتراجع حملتها الرئاسية في عام 2020.
أموال حملة بايدن
ووفقاً لأحد المسؤولين المطلعين، فإن اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري تراقب عن كثب التغييرات المحتملة في أسماء مرشحي الحزب الديمقراطي، وتترك الباب مفتوحاً أمام إمكانية رفع دعاوى قضائية تتعلق باستخدام أموال حملة بايدن من قبل أي مرشح جديد آخر.
فعلى سبيل المثال، إذا تم إنشاء لجنة وطنية جديدة لهاريس، وحاول المانحون الذين تبرعوا بالحد الأقصى لحملة "بايدن-هاريس" بالفعل، وهو 6600 دولار، التبرع لها مرة أخرى، فمن المرجح أن يرفع الجمهوريون دعوى قضائية، بحجة أن هذا التبرع يتجاوز الحد المسموح به، حسبما أفاد المسؤول.
كما أنهم يراقبون أيضاً ما إذا كانت نائبة الرئيس، باعتبارها المرشحة المفترضة، ستحاول الوصول إلى أموال حملة بايدن قبل أن يتم ترشيحها رسمياً من قبل حزبها.
وأضاف المسؤول أنه إذا حاول فريق الرئيس الأميركي القيام بشيء لم يتم اختباره من قبل، مثل تحويل الأموال إلى لجنة من لجان العمل السياسي التي تدعم مرشحاً آخر، فمن المرجح أيضاً أن يتم رفع دعوى قضائية من قبل الجمهوريين ضدهم.
ورأت الصحيفة أنه حتى لو لم توقف مثل هذه الدعاوى القضائية الإجراءات الديمقراطية، فإنها يمكن أن تعرقل خطوات المرشح المحتمل الجديد للمضي قدماً في السباق، وستسلط الضوء على الفوضى التي يواجهها الديمقراطيون.