عاش الرئيس الأميركي جو بايدن الذي أعلن، الأحد، قرار الانسحاب من السباق الرئاسي، لحظات فاصلة وصعبة في حياته الشخصية، ساهمت في تشكيل "الوجه السياسي" الذي بات مألوفاً خلال 5 عقود في الساحتين الأميركية والدولية.
بدأ بايدن حياته محافظاً ومتديناً، وعندما انتقل إلى الجامعة، تحوّل إلى شخص محب للصخب والحياة، لكن أحداثاً مؤلمة طبعت حياته، وأثرت على عائلته، ليشكّل فقدانه عدداً من أفراد أسرته أبرز محطاتها.
حلم بايدن في بداياته، باحتراف كرة القدم، غير أن بنيته الجسدية لم تساعده على الدخول في مسار الاحتراف الرياضي، فاختار دراسة القانون، لينتقل منها إلى معترك السياسة، ويتعرف خلال دراسته الجامعية إلى زوجته الأولى نيليا.
رحيل الزوجة والابنة
مسيرة بايدن مع المآسي، بدأت عام 1972 عندما توفيت زوجته الأولى نيليا هنتر التي تزوجها 1966 في حادث سير، وقضت معها ابنته ناعومي.
وكانت نيليا في 18 ديسمبر 1972، تقود سيارتها مع أطفالها الثلاثة للتسوق من أجل احتفالات رأس السنة، وسرعان ما اصطدمت سيارتها بشاحنة. إذ توفيت على الفور، ومعها الابنة الكبرى لبايدن ناعومي (13 عاماً)، بينما أصيب طفلاه الآخران بو وهنتر إصابات خطيرة تطلبت مكوثهما في المستشفى لفترة طويلة.
هذا الحادث المروّع، جاء بعد أسابيع قليلة فقط من فوز بايدن بمقعده في مجلس الشيوخ الذي استمر فيه بعد ذلك 36 عاماً. وترك الحادث أثراً عميقاً على بايدن، الذي كان يحضّر حينها لأداء القسم كأصغر سيناتور في تاريخ الولايات المتحدة.
خلال تلك الفترة، نادراً ما كان بايدن ما يغادر غرفتَي طفليه بالمستشفى، حتى إنه أدى القسم كسيناتور في غرفة بو. حينها، توجه أمين مجلس الشيوخ من العاصمة واشنطن إلى ديلاوير لتمكين بايدن من أداء القسم بالقرب من طفليه.
الحادث المروّع، وما تسبب به من مأساة، أدخل بايدن في أزمة نفسية صعبة، لدرجة أنه فكّر في التنحي عن المنصب الذي انتخب من أجله. لكن قائد الأغلبية في مجلس الشيوخ حينها مايك مانسفيلد أقنعه بالتمسك بالعضوية.
وشكك حينها كثيرون في قدرة بايدن على الاستمرار بمجلس الشيوخ، إذ كان الرجل مضطراً للانتقال بشكل شبه يومي من ديلاوير إلى واشنطن، موزعاً وقته بين جلسات الكونجرس، ورعاية بو وهانتر.
وتزوج بايدن زوجته الحالية جيل عام 1977، وذلك بعد 5 سنوات من الحادث، وكانت أبرز داعم له خلال حملته التي تكللت بالنجاح في انتخابات 2020، إذ أظهرت في تلك الانتخابات، نشاطاً بدا في بعض الأحيان أنه تجاوز قوة جو بايدن نفسه، وضاعفت الزيارات إلى الولايات الرئيسية، ودافعت عنه بلا هوادة ضد هجمات معسكر منافسه الجمهوري دونالد ترمب.
وعلى الرغم أنه كان يعد أصغر سيناتور في مجلس الشيوخ إلا أن بايدن كان يطمح إلى الرئاسة منذ سن مبكرة، حيث قال لمجلة Washingtonian عام 1974 إن عائلته تتوقع أن يكون في البيت الأبيض "في أحد هذه الأيام".
وترشح بايدن للرئاسة لأول مرة في انتخابات 1988، وكان يعتبر حينها مرشحاً بارزاً للفوز ببطاقة ترشح الحزب الديمقراطي لكن محاولته تلك فشلت بعد تقارير صحافية تحدثت عن "سرقة أدبية" خلال إحدى خطابته، بحسب صحيفة "واشنطن بوست".
وفي ذات الطريقة التي أعلن فيها عام 2024 انسحابه من السباق الانتخابي، عقد بايدن مؤتمراً صحافياً مهماً عام 1987 اعترف فيه بارتكاب خطأ وصفه بـ"الغبي"، كما حاول طي تلك الصفحة من أجل أن يركز على ملفات أخرى، بحسب الصحيفة التي قالت إنه فشل في تهدئة الاضطرابات ما دفعه لانسحابه.
وبعد انسحابه من سباق الرئاسي، حوّل بايدن تركيزه على مجلس الشيوخ حيث كان حينها رئيساً للجنته القضائية، ومشرفاً على الترشيحات التي وصفت بـ"المثيرة للجدل" للمحكمة العليا، وقيادة التشريعات المهمة في قضايا الجريمة والأسلحة والعنف الأسري.
ولمدة 17 عاماً، كان بايدن عضواً بارزاً و رئيساً للجنة القضائية بمجلس الشيوخ. وفي عام 1991، اتُهم المرشح حينها للمحكمة العليا كلارنس توماس بالتحرش الجنسي، في حين كان يُنظر إلى بايدن بشكل كبير على أنه أساء التعامل مع جلسات الاستماع لتوماس الذي عينه المجلس في المحكمة بعد تصويت 52 إلى 48.
وأصبح بايدن عقب ذلك ولمدة 11 عاماً عضواً بارزاً ثم رئيساً للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، حتى صوت عام 1991 ضد استخدام القوة الأميركية لإخراج القوات العراقية من الكويت.
كما صوّت عام 2002 لصالح تفويض الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن بشن الغزو على العراق عام 2003. وفي وقت لاحق، قال الرئيس الأميركي إنه أخطأ بدعم القرار.
في يناير عام 2007، أعلن بايدن أنه سيحاول للمرة الثانية الوصول إلى البيت الأبيض، بحسب "واشنطن بوست" التي قالت إنه ناضل للتغلب على عدة زلات وتعثرات خلال المؤتمرات الحزبية في ولاية أيوا عام 2008 ليحصل في أعقاب ذلك على أقل من 1% من الأصوات.
وانسحب بايدن على الفور من السباق الذي كان يهيمن عليه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وهيلاري كلينتون، لكن هدفه للوصول إلى البيت الأبيض عاد بعد أشهر وذلك عندما طلبه منه أوباما بأن يصبح المرشح لمنصب نائب الرئيس.
رحيل ابن بايدن
حياة بايدن مع المآسي والصعوبات لم تنتهي، ففي عام 2015، فقد ابنه الأكبر بو عن عمر يناهز 46 عاماً، نتيجة إصابته بسرطان الدماغ.
وقبل وفاته، خدم بو مع القوات الأميركية في العراق، ثم عمل نائباً عاماً لولاية ديلاوير، حيث تعرّف إلى زميلته كامالا هاريس، التي شاء القدر أن تصبح نائبة الرئيس بعد فوز والده بالرئاسة.
ويعد الراحل من الوجوه الشعبية في ديلاوير، حتى إنه كان يعتبر المرشح الأبرز لخوض السباق الانتخابي عام 2016 ليصبح حاكم الولاية، لكن في أغسطس 2013 أدخل إلى مركز أندرسون الطبي في هيوستون، حيث بدأ صراعه ضد السرطان.
وفاة بو، مثّلت ضربة ثانية موجعة لبايدن، ويعتقد أنها كانت من أبرز التي أسباب التي دفعته لعدم ترشحه لخوض الانتخابات الرئاسية في عام 2016 والتي كانت أيضاً من أبرز نقاط الخلاف بينه وبين أوباما.
غضب من أوباما
وفي الآونة الأخيرة، ومع تصاعد الدعوات في الحزب الديمقراطي لبايدن بالتنحي عن الترشح قبل إعلانه، الأحد عدم خوض السباق، دارت في واشنطن أحاديث عن حملة يقودها أوباما من وراء الكواليس لإبعاد بايدن عن السباق.
وأصل الخلاف بين بايدن وأوباما يعود لما قبل انتخابات 2016، إذ كان بايدن يعد للترشح للرئاسة، ولكن مزيجاً من وفاة ابنه الأكبر بو بايدن، وتفضيل أوباما وقيادات بالحزب الديمقراطي منح الفرصة لهيلاري كلينتون، التي خسرت الانتخابات أمام ترمب في النهاية، منعت بايدن من الترشح، وهو ما يبدو أن الرئيس الأميركي لم ينسه لأوباما، إذا كان يعول على دعم الأخير له في الحصول على فرصته التي انتظرها طويلاً.
وأدى ضغط عدد من مستشاري أوباما لعدم الترشح في انتخابات 2016 إلى استياء بايدن من تلك الحادثة، بحسب موقع "أكسيوس" الأميركي التي ذكر أنه بعدما فاز ترمب على منافسته كلينتون شعر بايدن بالذنب لعدم اتخاذه القرار بنفسه، كما كان غاضباً من الأشخاص الذين دفعوه إلى عدم الترشح.
أزمة هانتر
مع دخول بايدن معترك الانتخابات الرئاسية عام 2020 والتي فاز بها ضد ترمب، أطلت مشكلات عائلية جديدة، لكنها من نوع مختلف هذه المرة مع اتهامات بالفساد لاحقت هانتر، نجل بايدن الأصغر.
وجاءت الاتهامات المذكورة، بعدما نشر السياسي الأوكراني أندريه ديركاش، في مايو 2020، تسجيلات يزعم فيها تورط هانتر بايدن بقضايا فساد في أوكرانيا.
وعلى الرغم من أن تلك التسجيلات لم تقدم أي دليل على ارتكاب مخالفات، إلا أن المحافظين الأميركيين استغلوها لإثبات اتهاماتهم بتستر المرشح الديمقراطي على علاقات تجارية سابقة لنجله في أوكرانيا.
ولم تنتهِ المشكلات القانونية على ذلك حيث أدين هانتر كذلك في يونيو الماضي، بـ3 تهم جنائية تتعلق بالأسلحة النارية في محاكمة سلطت الضوء على ماضيه المرتبط بالمخدرات، كما يواجه نجل الرئيس الحكم، ومحاكمة جنائية أخرى بتهم ضريبية خلال حملة إعادة انتخاب والده السابقة.
وأدان المحلفون هانتر بعد 3 ساعات فقط من المداولات على مدى يومين في المحكمة الفيدرالية في ويلمنجتون بولاية ديلاوير. وتنبني القضية على سلاح اشتراه هانتر بايدن في عام 2018 بينما كان، كما يقول المدعون إنه كان يعاني من إدمان الكوكايين.
أدين هانتر بايدن بالكذب في نموذج شراء سلاح إلزامي بقوله إنه لم يكن يستخدم المخدرات بشكل غير قانوني أو مدمناً عليها، وحيازة السلاح بشكل غير قانوني لمدة 11 يوماً.
ومن المقرر أن تبدأ محاكمة هانتر بايدن بتهم ضريبية بكاليفورنيا في الخامس من سبتمبر المقبل. وكان من المقرر في البداية أن يحاكم في تلك القضية في يونيو الماضي، لكن القاضي وافق مؤخراً على طلب الدفاع بالتأجيل.
وفي "قضية كاليفورنيا"، يواجه هانتر تهماً بـ9 جرائم جنائية وجنح ضريبية، تتعلق بما يقول المدعون الفيدراليون، إنه مخطط امتد لـ4 سنوات للتهرب من دفع 1.4 مليون دولار كان مديناً بها لمصلحة الضرائب.
ويتهم المدعون، نجل الرئيس الأميركي، باستخدام الأموال بدلاً من ذلك، لتمويل أسلوب حياة باهظ الثمن، والذي شمل، باعترافه، المخدرات والكحول. وقد سدد بايدن الابن منذ ذلك الحين، الضرائب المتأخرة.
ولطالما دفع المرشح الجمهوري دونالد ترمب وحلفاؤه بادعاءات تتعلق بأن بايدن، أثناء عمله كنائب للرئيس في إدارة باراك أوباما، عمل على تعزيز المصالح التجارية لأفراد عائلته.