الصين تراهن على التكنولوجيا الفائقة من أجل "التجديد العظيم"

time reading iconدقائق القراءة - 8
شاشة عملاقة تعرض لقطات للرئيس الصيني شي جين بينج أثناء حضوره أعمال اللجنة الكاملة الثالثة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في بكين. 18 يوليو 2024 - Reuters
شاشة عملاقة تعرض لقطات للرئيس الصيني شي جين بينج أثناء حضوره أعمال اللجنة الكاملة الثالثة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في بكين. 18 يوليو 2024 - Reuters
دبي -الشرق

من بين مجموعة من أبطال الحزب الشيوعي، غالباً ما يتم وضع الرئيس الصيني شي جين بينج من قبل مسؤولي الدعاية في الصين "في خندق واحد" مع ماو تسي تونج، مؤسس الجمهورية الشعبية.

ولكن هذا الأسبوع، في وثيقة تجمع القرارات الي تم اتخاذها في اجتماع السياسة الرئيسي للحزب، وهو الجلسة المكتملة الثالثة الخماسية، ربط الرئيس الصيني نفسه بشكل أوثق بدينج شياو بيتج، الزعيم الأبرز السابق الذي فتحت إصلاحاته "التي صنعت عصراً"، في عام 1978، الصين على قوى السوق، وفق صحيفة "فاينانشيال تايمز".

في هذا الإطار قال المحلل في المجلس الأطلسي، وين تي سونج، للصحيفة البريطانية، إن الوثيقة أعطت "إشارة أكبر إلى دينج شياو بينج مما كنت أتوقع قبل الاجتماع"، مضيفاً أن البيان يهدف إلى "طمأنة رجال الأعمال والمستهلكين" الذين يشعرون بالقلق بشأن توجهات الاقتصاد الصيني المتعثر.

وقال المحللون إنه إذا كانت جلسة دينج الثالثة التي عُقدت منذ 46 عاماً قد أنقذت الاقتصاد الصيني، الذي كان يحتضر آنذاك تحت وطأة سيطرة الدولة، فإن اجتماع هذا العام، الذي استمر لأربعة أيام، وانتهى الخميس "فشل في طمأنة الاقتصاديين" الذين يأملون في تحول هيكلي في الاستهلاك لإنعاش الطلب الضعيف، وفق ما أوردت "فاينانشال تايمز".

300 إصلاح مقترح

وتضمنت الوثيقة ما يزيد على 60 قسماً فرعياً وأكثر من 300 إصلاحاً مقترحاً، ولكنها لم تتضمن سوى القليل من الالتزامات بتدخل أقوى من جانب الحكومة لمعالجة أزمة انكماش السوق العقارية التي أضعفت ثقة المستهلك والمستثمر على حد سواء.

وبدلاً من ذلك، شرح شي رؤيته بشأن الاستثمار المكثف في التصنيع المتقدم، الذي أطلق عليه في لغة الحزب "القوى الإنتاجية الجديدة عالية الجودة"، في حين تجاهل المخاوف بشأن زيادة الإنتاج الصيني، التي تؤدي إلى الكساد وخلق طوفان من الصادرات وتأجيج التوترات التجارية.

وذكرت الوثيقة النهائية للجلسة المكتملة الثالثة، البنود المتعلقة بالتكنولوجيا والموهبة والعلوم والابتكار 160 مرة، فيما لم يُذكر قطاع العقارات سوى أربع مرات ولم يظهر سوى في الثلث الأخير من الوثيقة.

وقال روبن شينج، كبير محللي الاقتصاد الصيني في بنك مروجان ستانلي، لـ "فاينانشيال تايمز"، إن "موضوعات مثل الاكتفاء الذاتي في سلسلة التوريد والابتكار التكنولوجي ربما استغرقت معظم كلمات الوثيقة التي بلغ عددها 22 ألف كلمة"، ما يشير إلى أنها تمثل "أولوية قصوى".

كما شملت بعض الحوافز للقطاع الخاص، ووعدت ببذل مزيد من الجهود لإعادة التوازن المالي إلى الحكومات المحلية المثقلة بالديون.

ولكن الهدف الشامل لبكين ظل محصوراً في إطار "التجديد العظيم للدولة الصينية"، الذي قالت الوثيقة إنه سيتحقق من خلال تعزيز "الاعتماد على الذات على المستويين العلمي والتكنولوجي" في خضم أوضاع دولية وصفتها بأنها "معقدة"، في إشارة إلى التوترات الجيوسياسية مع الولايات المتحدة.

وكتبت أليسيا جارسيا هيريرو، كبيرة الخبراء الاقتصاديين في اقتصاد منطقة آسيا والمحيط الهادئ في شركة "ناتيكسيس"، في مذكرة تحليلة: "ما يبدو جلياً هو أن القيادة الصينية تشعر بسعادة بالغة بنموذج النمو الذي يركز على العرض، بغض النظر عن شكاوى بقية دول العالم".

وأضافت أن "شي جين بينج يريد أن تقلل الصين من اعتمادها التكنولوجي على الولايات المتحدة و (...) تحسين الإنتاجية".

التحديث "على الطريقة الصينية"

وفي حضور نحو 400 كادر كل 5 سنوات تقريباً، تستخدم اللجنة المركزية للحزب الشيوعي عادة الجلسة الثالثة المكتملة للإعلان عن السياسات المهمة متوسطة وطويلة الأجل.

وتدور خلفية الاجتماع السري هذا العام، حول مواجهة تحدي النمو المتزايد في الصين، حيث يحتاج شي إلى تنمية الاقتصاد بمعدل سنوي يبلغ نحو 4.5% إلى 5% لتحقيق هدفه في "التحديث على الطريقة الصينية"، أو مضاعفة نصيب الفرد من الدخل إلى حوالي 25 ألف دولار بحلول عام 2035، وفق ما قاله أكاديميون صينيون لـ "فاينانشيال تايمز".

وتراجع النمو في الربع الثاني من العام الجاري إلى 4.7% على أساس سنوي، ويتوقع صندوق النقد الدولي تراجعه إلى أقل من 4% في السنوات المقبلة.

وبالتركيز على التكنولوجيا، والاستثمار في البنية التحتية والتحول الأخضر والتحديث الرقمي لقطاع التصنيع العملاق، الذي يمثل نحو 28% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ 10.7% في الولايات المتحدة، يمكن للصين أن تحافظ على "إنتاجية أعلى من الاقتصادات الصناعية الأخرى"، وفق ما قاله ليو تشياو، عميد كلية جوانجهوا للإدارة بجامعة بكين، لـ "فاينانشيال تايمز"، مشيراً إلى أن ذلك سيساعد في "تحقيق نمو أعلى والتغلب على الضغوط التي يفرضها التراجع الديموغرافي في الصين على الاقتصاد".

وفي أول جلسة مكتملة ثالثة له كأمين عام للحزب الشيوعي في عام 2013، تمكن شي جين بينج، من تأجيج حماسة رجال الأعمال عبر وعود بإفساح المجال كاملاً أمام "الدور الحاسم الذي يضطلع به السوق في تخصيص الموارد"، وهي الآمال التي تبددت لاحقاً عندما عمد الرئيس الصيني بدلاً من ذلك إلى تعزيز المشروعات المملوكة للدولة والتضييق على رجال الأعمال.

وشهد العام الجاري تكرار عبارة "الدور الحاسم"، وأشار الأكاديميون الصينيون إلى أن هذه العبارة جاءت مصحوبة بمبادرات لدعم القطاع الخاص في الصين.

في هذا السياق قال وانج يونج، نائب عميد معهد الاقتصاد الهيكلي الجديد التابع لجامعة بكين، لـ "فاينانشال تايمز" إن هذه المبادرات تضمنت "ضمان حصول القطاع الخاص على فرص متساوية في الحصول على القروض، والسماح له بالمشاركة في المشاريع الحكومية الأكثر أهمية، والاضطلاع بدور كبير في إجراء البحوث، ما اعتبره يونج "إشارات إيجابية".

فرصة ضائعة

كما اقترح بيان الجلسة المكتملة الثالثة اتخاذ تدابير لتسوية عدم التطابق المالي في الإيرادات والمصروفات بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية التي استُنزِفت مواردها المالية بسبب الأزمة العقارية.

ومن بين هذه التدابير، توسيع مصادر الإيرادات الضريبية المحلية، وتحسين التحويلات إلى الحكومات المحلية من الحكومة المركزية، وزيادة حصة الأخيرة من الإنفاق.

كما تضمنت الوثيقة تدابير لتشجيع المزيد من التوسع الحضري وتعزيز نظام الرعاية الاجتماعية، ما اعتبر الاقتصاديون إنه لازم لمنح الأسر الثقة لإنفاق المزيد من مدخراتهم.

وتشمل هذه التدابير تسهيل نظام "هوكو" لتسجيل الأسر، الذي يمنع العمال المهاجرين من المناطق الريفية من الوصول إلى الخدمات العامة الكاملة في المدن الصينية.

وقال شينج، من بنك مورجان ستانلي: "وجدنا لهجة أكثر توازناً بشأن برامج الرعاية الاجتماعية"، في إشارة إلى المقترحات الخاصة بـ"هوكو" التي قال إنها يمكن أن تفيد الاستهلاك على المدى الطويل.

ولكنه أضاف أن الوثيقة "اتسمت بالعمومية الشديدة، ولا تحتوي على جدول زمني واضح بشأن كيفية تمويلها وتنفيذها".

أما بالنسبة لشركاء الصين في مجال التجارة الدولية، والذين يشعرون بقلق بالغ إزاء القدرة الصناعية الفائضة في الأسواق ويأملون في اتخاذ تدابير تركز على تحفيز الطلب المحلي، فقد كانت الجلسة المكتملة الثالثة بمثابة "فرصة ضائعة".

في هذا السياق قال ماكسيميليان بوتيك، المدير التنفيذي للغرفة التجارية الألمانية في شرق الصين، لـ "فاينانشال تايمز" إن "الانفراجة لم تحدث. وبدلاً من ذلك رأينا سياسة اتسمت بالحذر والاستمرارية".

تصنيفات

قصص قد تهمك