لن يختار المحافظون في بريطانيا زعيماً جديداً لهم حتى الثاني من نوفمبر المقبل، إذ تبدو المهمة معقدة إلى درجة تأجيلها لأشهر رغم أهمية الوقت بالنسبة لحزب يجلس في صفوف المعارضة، بينما تهدم الحكومة الجديدة جملة القوانين، والإجراءات التي أصدرها خلال توليه السلطة منذ عام 2010، وحتى الرابع من يوليو 2024.
وفق مراقبين ومحللين يبرز الانقسام بين تيارات الحزب كسبب لعدم توافق النواب المحافظين بشأن خليفة رئيس الوزراء السابق ريشي سوناك في كرسي الزعامة، كذلك غياب العديد من قادة الحزب عن المشهد بعد خسارة مقاعدهم في الانتخابات البرلمانية الماضية، إضافة لتأثير غير مباشر لحزب "ريفورم"، وأسباب أخرى.
استقال سوناك من رئاسة الحكومة بعد خسارة قاسية مني بها الحزب الأزرق في الاستحقاق البرلماني الأخير، ولكنه سيبقى على رأس الحزب إلى حين اختيار خليفته عبر اقتراع يجري عادة على مرحلين، الأولى تشمل النواب المحافظين، والثانية تشارك فيها القاعدة الشعبية التي تضم أكثر من 170 ألف عضو في الحزب.
قال سوناك إن الانتقال السلس والمنظم إلى زعيم جديد للمعارضة يصب في المصلحة الوطنية لبريطانيا، لذلك سيبقى في زعامة "المحافظين" حتى 2 نوفمبر المقبل، إذ ينتخب الرئيس الجديد للحزب، و"يقود المعارضة بشكل مهني وفعال"، لافتاً إلى أنه من غير المناسب بالنسبة له التعليق على المرشحين المحتملين، لكن "الجدول الزمني الذي قررته لجنة عام 1922، سيسمح بمسابقة مدروسة ومهنية ومحترمة".
زعيم المحافظين الجديد
أعلنت "لجنة 1922" التي تدير شؤون الحزب الأزرق عن موعد الثاني من نوفمبر المقبل للإعلان عن زعيم المحافظين الجديد، وفتحت باب الترشيحات رسمياً لهذا المنصب بين 24، و29 يوليو الجاري، على أن يقوم نواب الحزب بالتصويت على المرشحين خلال أيام المؤتمر السنوي المقبل للحزب نهاية سبتمبر المقبل.
تصويت النواب يجب أن يقلص عدد المرشحين إلى اثنين فقط؛ يواجهان اقتراع أعضاء الحزب البالغ عددهم أكثر من 170 ألفاً، وفق أرقام رسمية صدرت مطلع العام الجاري. أتاحت اللجنة للأعضاء الإدلاء بأصواتهم عبر الإنترنت حتى نهاية أكتوبر المقبل، ومن ثم يتم الإعلان عن الفائز في الثاني من نوفمبر.
ولجنة 1922 تضم مجموعة النواب المحافظين الذين لا يمارسون عملاً في الحكومة سواء إن كانت تدير الدولة رسميا أو تجلس على مقاعد المعارضة، أي "حكومة الظل" كما تسمى، ويطلق على أعضاء اللجنة أيضاً اسم نواب المقاعد الخلفية أو البدلات الرمادية، ويناط بهم إدارة شؤون الحزب، واختيار زعيم له عند الحاجة.
يدير اللجنة حالياً بوب بلاكمان، الذي قال إن هذا الهامش الزمني لاختيار زعيم جديد للحزب، يهدف إلى إجراء نقاش جدي وناضج وكاف حول الزعامة والتوجهات اللازمة للمحافظين في المرحلة المقبلة، مشيراً إلى أن السباق على المنصب لا يجب أن يشهد "هجوماً شخصياً" على أي من المرشحين ولا سجالات غير مهنية.
قائمة المرشحين المحتملين
الأنظار الآن تتجه لقائمة المرشحين التي ستغلق في 29 يوليو الجاري، من ستضم وهل تخبئ أية مفاجآت إضافة إلى الأسماء التي تتداول اليوم في وسائل الإعلام المحلية؟ وقبل هذا وذاك، إلى أي مدى قد تخلق اصطفافات فجة تشعل الصراع بين التيارات المختلفة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار في حزب المحافظين.
كل مرشح للمنصب يحتاج إلى أصوات ثمانية نواب حتى يدخل السباق بشكل رسمي، وأول من أعلن احتمال خوضه المنافسة هو وزير الداخلية في حكومة الظل جيمس كليفرلي، الذي يعد شخصية معتدلة ووسطية في توجهاتها، ويعرف "أن المنافسة القادمة لن تكون سهلة، وسيزدحم المضمار بالمتسابقين في نهاية المطاف".
من المرجح أيضاً أن يتقدم للمنافسة وزيرة الداخلية السابقة سويلا برافرمان، وسلفها بريتي باتيل، ووزير الهجرة السابق روبرت جينريك الذين يمثلون اليمين، أما وزير العمل السابق ميل سترايد فيعبر عن الوسط، الذي ينتمي له المرشحان المحتملان أيضاً وزير الخزانة في حكومة الظل جيرمي هانت، والنائبة فيكتوريا أتكينس.
من اليمين أيضاً هناك وزيرة التجارة والأعمال في حكومة الظل كيمي بادينوخ التي عاشت في الولايات المتحدة، ونيجيريا قبل أن تعود إلى بريطانيا في سن السادسة عشرة، وانضمت إلى حزب المحافظين في عام 2005 عن عمر يناهز 25 عاماً، ودخلت البرلمان في انتخابات عام 2017 ثم في 2024 ممثلة لمنطقة إسيكس.
كذلك، من بين المرشحين وزير الأمن في حكومة الظل توم توجندهات، الذي أعلن اثنان من كبار قادة الحزب تأييدهما له في زعامة المحافظين، ونشرت صحيفة "تليجراف" قبل أيام أن داميان جرين وستيف بيكر اللذين خسرا مقاعدهما البرلمانية لكنهما شخصيتان مؤثرتان في الحزب، يؤيدان توجندهات في السباق المرتقب.
برأي كبير محرري صحيفة "تايمز"، مايكل بنيون، لن تكون عملية اختيار زعيم جديد لحزب المحافظين سهلة بعد كل ما مر به الحزب خلال عقد تقريباً، فجملة الأخطاء التي وقع بها ونتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، انعكست في تباينات بين تيارات اليمين واليسار والوسط وأصبح من الصعب التوافق على شخصية واحدة.
ولفت بنيون في حديث مع "الشرق" إلى أن الأسماء المطروحة على الساحة لا تحمل كاريزما تميزها بوضوح على غيرها، وهذا يزيد من صعوبة الاختيار، ويزيد احتمال الاصطفاف داخل الحزب خلال الفترة المقبلة، كما أنه لا يستبعد أن يشهد السباق خصومة بين بعض المرشحين وخاصة أولئك الذين يمثلون تيارات متباينة التوجه.
وتوقع بنيون أن يكون لليمين المتشدد في الحزب الأزرق صوت أثقل من الوسط واليسار في تصويت القاعدة الشعبية على زعامة الحزب، ولكن هل سيصل إلى المنافسة النهائية من يمثل هذا التيار، أم أن نواب الحزب سيفضلون اختيار الوسطيين في محاولة للتوافق على شخصية يمكنها أن تعيد الوحدة وترص الصفوف في الحزب؟
اللافت في قائمة المرشحين المحتملين أن ستة من أصل سبعة وزراء داخلية للمحافظين بين عام 2018، و2024 يمكن أن يتنافسوا على الاستحقاق المقبل، وهم جميعهم برأي وزيرة الداخلية في الحكومة العمالية إيفيت كوبر "يحملون خطاباً مجنوناً يبدو أنه بات ضرورياً من أجل السباق المرتقب على زعامة الحزب الأزرق".
تمويل ومفاجآت
الأمين العام لحزب المحافظين ريتشارد فول، يقول إن المؤتمر السنوي المقرر بمدينة برمنجهام نهاية سبتمبر المقبل سيكون "فرصة عظيمة للمرشحين الرئيسيين من أجل التعريف بآرائهم أمام القاعدة الواسعة للحزب"، مشيراً إلى أن تصويت النواب على المتقدمين سوف يبدأ مع المؤتمر حتى تنحصر المنافسة بين اثنين منهم فقط.
المشكلة الأساسية في الجدول الزمني الطويل لاختيار زعيم جديد للمحافظين هي في الوضع المالي للحزب، الذي يمكن أن يفلس نتيجة انحسار التبرعات، أو تأجيلها إلى ما بعد اختيار خليفة ريشي سوناك، ويوضح تقرير لصحيفة "تليجراف" أن نواباً في الحزب الأزرق حذروا من الأمر، وسط تراجع ملحوظ في تبرعات الشركات.
نقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة، لم تسمها، أن تردد المتبرعين من أفراد وشركات في تقديم الأموال للحزب أمر منطقي في ظل ضبابية رؤيته المستقبلية، إذ إن سياسات "المحافظين" يمكن أن تمضي في اتجاهات مختلفة تبعاً للزعيم الجديد والتيار الذي يمثله بين اليمين واليسار، مع مراعاة كل المتغيرات الأخرى.
بالنسبة لصحيفة "ديلي إكسبريس" لا يزال تحالف "المحافظين" مع حزب "ريفورم" الذي يقوده نايجل فاراج، أمراً وارداً قبل اختيار زعيم جديد للحزب الأزرق، رغم أن التحذيرات لـ"فاراج" من داخل حزبه تتصاعد إزاء مثل هذا الخيار، ويقول النائب السابق لـ "ريفورم" نعيم حبيب إن "المحافظين" بات "سفينة غارقة" سياسياً.
وحتى نهاية الأسبوع الماضي كانت لجنة 1922 في "المحافظين" تخطط لتعيين زعيم مؤقت إلى حين اختيار قائد دائم للحزب، ولكن يبدو أن المشاورات الداخلية بين نواب الحزب، وجدت أنه من الأفضل وضع جدولة زمنية طويلة نسبيا للعملية دون تغيير سوناك لأن هذا يقلص من حدة الانقسامات، والخلافات في المنافسة المرتقبة.