هل ينهض "العمال" بالجيش البريطاني بعد عقود من التقشف و"الهدر"؟

time reading iconدقائق القراءة - 10
رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يتحدث خلال زيارة لشركة هاتشينسون للهندسة في بلدة ويدنس بمقاطعة تشيشير، جنوب غرب إنجلترا. 25 يوليو 2024 - REUTERS
رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يتحدث خلال زيارة لشركة هاتشينسون للهندسة في بلدة ويدنس بمقاطعة تشيشير، جنوب غرب إنجلترا. 25 يوليو 2024 - REUTERS
لندن -بهاء جهاد

تساؤلات عدة تدور بشأن خطط بريطانيا، لتطوير قدراتها العسكرية في مواجهة التهديدات الخارجية، فثمة حاجة ملحة لدعم الجيش بالعتاد والأفراد، كما يقول كبار قادته ورغم ذلك قرر رئيس الحكومة البريطانية كير ستارمر إطلاق مراجعة للسياسة الدفاعية ربما تستغرق عاملاً كاملاً قبل إصدار أية قرارات في هذا الشأن. 
 
وتتوقع بريطانيا انخراطها خلال 3 سنوات في حرب مع دول كروسيا أو الصين أو إيران أو كوريا الشمالية، لكن حكومة حزب العمال، التي وصلت السلطة حديثاً تعهدت بزيادة الإنفاق العسكري إلى 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي دون أن تضع جدولاً زمنياً لذلك، وفضلت الانتظار إلى حين انتهاء المراجعة المرتقبة.

وقال قائد الجيش البريطاني الجديد الجنرال رولاند ووركر، إن "تعزيز الردع" يمكن أن يجنب البلاد المواجهة المحتملة مع خصومها، ولكن الردع عبر زيادة عدد أفراد القوات المسلحة لا يبدو كافياً برأي البعض، أما تطوير السلاح والتسليح بشكل غير تقليدي فيحتاج لأموال لن تفرج الدولة عنها بسهولة إن توافرت أصلاً.

أولويات ومحددات

بحسب وزير الدفاع البريطاني الجديد جون هيلي ستنتظر الحكومة نتائج المراجعة الدفاعية، ولن تستبق نتائجها بأية قرارات أو حتى تخمينات بشأن مستقبل الجيش، لكن الانتظار لمدة قد تصل لعام كامل يتعارض مع حاجة المملكة المتحدة إلى مضاعفة عدد أفراد القوات المسلحة حتى عام 2027، وزيادتها 3 مرات بحلول نهاية العقد الجاري.

وتتباين تفسيرات تأجيل الإنفاق الدفاعي بكمه وكيفه إلى حين إنجاز المراجعة المرتقبة، ولكن هيلي برر الخطوة بضرورة وقف "الهدر وإضعاف الروح المعنوية للجيش"، في إشارة إلى مشاريع "فاشلة" لتطوير قدرات الدولة العسكرية في عهد الحكومة السابقة، وتداعيات سياسات تقليص القوات المسلحة منذ سنوات طويلة. 

وشدد هيلي على أن البرنامج الانتخابي لحزب العمال الذي فاز على أثره في استحقاق 2024، هو المحدد العام للمراجعة الدفاعية المرتقبة، فلا تتوقع الحكومة من المراجعين مثلاً اقتراح إنفاق أكثر من 5% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، ولا تنتظر منهم دعوة للتخلي عن حلف شمال الأطلسي "الناتو"، أو إبرام سلام مع روسيا.

ويشرف وزير الدفاع الجديد على المراجعة مباشرة، ويتابع كل تقدم محرز فيها، فالحكومة تنتظر منها خارطة طريق لجعل الجيش "أعلى جاهزية للقتال وأكثر تكاملاً وابتكاراً، مع مساءلة أوضح وتسليم أسرع، وإهدار أقل وقيمة أفضل مقابل المال"، كما يجب أن تضمن أن يكون الدفاع محورياً لأمن بريطانيا ونموها الاقتصادي.

دور "الناتو"

المراجعة التي شرعت بها الحكومة الجديدة للسياسة الدفاعية، هي الثالثة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022. كانت الأولى بدأتها حكومة حزب المحافظين بعد الغزو مباشرة في عهد رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون، ولكن أعلنت نتائجها في مارس 2023، والثانية بعد أشهر فقط ونشرت في يوليو من العام ذاته.
 
ما تغير بعد الدراستين السابقتين، واستدعى الثالثة ليس فقط وصول حكومة جديدة إلى السلطة، وإنما أيضاً وفقاً لوزير الدفاع، "اشتعال حرب غزة وما رافقها من تهديد للأمن القومي"، إضافة لقلق تتحدث عنه مصادر مختلفة من عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إلى السلطة، وفتور دعم الولايات المتحدة لحلف "الناتو" في عهده.

وقال القائم على المراجعة الجديدة والأمين العام السابق لحلف "الناتو" جورج روبتسون، إن "المملكة المتحدة تواجه مع حلفائها رباعية قاتلة من الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية، الذين يعملون معاً ضد الغرب"، منوهاً إلى أن بريطانيا يجب أن تستعد لمواجهة الدول الأربع إذا لزم الأمر، وهنا يبرز دور التكامل مع الحلفاء.

روبتسون شغل أيضاً منصب وزير الدفاع البريطاني في عهد رئيس الوزراء العمالي توني بلير، وهو يرى أن الاجتماع الأخير للناتو في واشنطن بمشاركة 32 دولة، كان من دوافع إطلاق المراجعة الدفاعية الجديدة، إذ بات الحلف ينظر إلى الصين كتهديد استراتيجي بعد اتساع تعاونها مع روسيا على الصعيد العسكري.

فوارق واختلافات

الخبير في "معهد الأمن البحري" نيك شايلدز، أشار إلى أن تشخيص الحكومة الجديدة للتهديدات والتحديات الخارجية لا يختلف عن سابقتها، فالعيش في عالم متقلب ومتنازع يتطلب استجابة شاملة ودعم للتحالفات وبناء للقدرات وشراكة فاعلة بين الحكومة وصناعة الدفاع، أما "الفرق بين الحكومتين فسيكون حتماً في الإدارة لتحقيق ذلك".

شايلدز لفت في مقالة نشرها "معهد الدراسات الاستراتيجية الدولية" إلى أن حكومة كير ستارمر تسعى لتحقيق الأهداف السابقة اعتماداً على المراجعة الجديدة للسياسة الدفاعية، لافتاً إلى أن تغير قيادات الجيش يمهد الطريق للاستفادة القصوى من هذه المراجعة في "وقف الهدر واختيار أفضل أدوات تطوير التسليح وزيادة أفراد القوات المسلحة".

وذكر نائب مدير معهد الخدمات الملكية المتحدة مالكولم تشالمرز، أن خفض الإنفاق الدفاعي البريطاني وقع مراراً من قبل حكومات سابقة، مشيراً إلى أن ميزانية الدفاع الألمانية في عام 2024 باتت أكبر من نظيرتها البريطانية لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، فبلغت 77.5 مليار جنيه إسترليني مقارنة بـ63.9 ملياراً.

ولفت تشالمرز في حديث لصحيفة "إندبندنت" إلى أنه نتيجة لتراجع الإنفاق باتت القوات المسلحة البريطانية تفتقر إلى عناصر التمكين والذخائر وقدرات الصيانة التي تحتاجها لتكون مناسبة لجبهة الناتو ضد روسيا، وما تحتاجه المملكة المتحدة اليوم "هو ضمان نمو ثابت وكبير على المدى الحقيقي كل عام لمدة عقد أو أكثر حتى".

الردع الاستراتيجي

يوفر النمو الاقتصادي الأموال التي تحتاجها المملكة المتحدة لتتحول إلى "ردع استراتيجي يجعل خصومها يفكرون كثيراً قبل مواجهتها"، وبحسب القائد الجديد للجيش الجنرال رولاند ووركر يترجم ذلك عملياً من خلال زيادة عدد أفراد القوات المسلحة بمقدار الضعف بحلول 2027، و3 أضعاف العدد الحالي قبل نهاية العقد.

وأعرب ووركر عن اعتقاده بأن الردع يمكن أن يجنب بريطانيا الحرب مع روسيا "الغاضبة والراغبة بالانتقام" من الدول الغربية لدعمها أوكرانيا، ومع الصين العازمة على استعادة تايوان، وإيران الساعية إلى امتلاك سلاح نووي، ومع الدول الثلاث مجتمعة بعد أن أصبحت تتقاسم التقنية العسكرية، وتتعاون فيما بينها في تطوير الأسلحة بأنواع عديدة.

المفارقة أن ووركر لم يطلب من الحكومة صراحة في خطابه الأول بعد تولي منصبه الجديد أية أموال لإنفاقها، وهذا يفسر من وجهة نظر الباحث في شؤون الأمن والدفاع بينجامين تالز، أن قائد الجيش ينتظر نتائج المراجعة الدفاعية التي أطلقت قبل تعيينه بأيام، ما جعله يركز خطابه على الحاجة لطمأنة الشارع إزاء أولوية الأمن القومي بالنسبة للحكومة.

وقال تالز لـ"الشرق"، إن الحكومة الجديدة تهدف إلى ما هو أكثر من رصد مواطن الخلل والهدر في الإنفاق العسكري عبر المراجعة، فهي تحتاج إلى وقت لتحديد موارد الخزانة قبل إقرار موازنة الجيش، كما يهمها تأجيل بعض قضايا الدفاع والسياسة إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، ومعرفة الساكن الجديد للبيت الأبيض.

العدد والتقنية

وبالنسبة لرئيس الأركان الأدميرال توني رادكين، يبدأ تطوير الجيش من "الاعتراف بمواطن الضعف، ثم معالجة تداعيات التراجع التاريخي في الاستثمار العسكري الفعال". فهناك قصور في أداء الأفراد والتدريب والتكنولوجيا العسكرية ومخزونات الذخائر، لكن التحديات المالية التي تسببت بكل ذلك بدأت الحكومة الجديدة بمعالجتها.

يريد رادكين جيشاً ينطوي على قوة ردع كبيرة، وهنا تنقسم الآراء بين الحاجة إلى زيادة عدد أفراد القوات المسلحة أو تطوير ترسانة الأسلحة بشكل غير مسبوق لتحقيق ذلك، والإجابة برأي النائب والوزير السابق جوليان برازير تكمن في الأمرين معاً، لأن التقدم التقني لا يسمح بإهمال تطوير العتاد العسكري بشكل مستمر، كما أن حرباً مثل التي تشتعل بين روسيا وأوكرانيا منذ عامين تؤكد الحاجة للقوات البشرية.

وقال برازير لصحيفة "تليجراف"، إن بريطانيا بحاجة لزيادة عدد أفراد الجيش وقوات الاحتياط إلى الضعف خلال وقت قصير، وهذا يعني بلغة الأرقام ضم عشرات آلاف الجنود بمختلف فرق القتال خلال سنوات قليلة ربما لا تتجاوز 5 أعوام، فتعكس الحكومة بذلك سياسة تقليص في العدد والإنفاق خيمت على الجيش لعقود.

وتظهر الإحصائيات أن حجم الجيش تقلص منذ عام 1984 بنسبة 40٪ في مختلف القطاعات، فتراجع عدد القوات البرية من 161 ألفاً إلى 120 ألفاً، والبحرية من 71 ألفاً إلى 40 ألفاً، والقوات الجوية التي تعتبر الأكثر تضرراً من 93 ألفاً إلى 37 ألفاً، ليصبح الإجمالي مع الاحتياط 197 ألفاً في 2024 مقارنة بـ325 ألفاً قبل 40 عاماً.

تصنيفات

قصص قد تهمك