عندما تولى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب منصبه في عام 2017، أصدر على الفور أمراً تنفيذياً مثيراً للجدل، يحظر السفر من البلدان ذات الأغلبية المسلمة، مما أدى إلى حالة من الفوضى، والارتباك، وسيل من الدعاوى القضائية التي انتهت في المحكمة العليا للولايات المتحدة.
وبعد مرور عدة سنوات، أعلن ترمب من جديد عن عزمه على اتخاذ خطوة مماثلة، إذ تعهد المرشح الجمهوري بأنه في حال فوزه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فإنه سيتبع مساراً مماثلاً من خلال اقتراح أمر تنفيذي مثير للجدل آخر، لإلغاء حق الحصول على الجنسية الأميركية بالولادة، حسبما أفادت شبكة NBC News.
وفي مايو من العام الماضي، نشر ترمب مقطع فيديو لحملته، جدد فيه دعوته لإلغاء الحق الدستوري طويل الأمد، قائلاً إنه سيوقع أمراً تنفيذياً في اليوم الأول من رئاسته، يضمن عدم اعتبار الأطفال المولودين لآباء ليس لديهم وضع قانوني في الولايات المتحدة، مواطنين أميركيين.
وقال ترمب في الفيديو: "الولايات المتحدة هي من بين الدول القليلة في العالم التي تقول إنه حتى لو لم يكن أي من الوالدين مواطناً، أو موجوداً بشكل قانوني في البلاد، فإن أطفاله المستقبلين يمكن أن يصبحوا مواطنين بشكل تلقائي في اللحظة التي يخطو فيها الوالدان على أرضنا".
ولطالما كان من المفهوم أن الحصول على الجنسية الأميركية بالولادة، يعد أمراً تلقائياً بموجب التعديل الرابع عشر للدستور، والذي ينُص على أن: "جميع الأشخاص المولودين، أو المُجنسين في الولايات المتحدة، والخاضعين لسلطاتها، هم مواطنون لها"، وتم تضمين هذه الصيغة في التعديل الدستوري الذي تم إقراره بعد الحرب الأهلية، لضمان الاعتراف بالعبيد السود السابقين، وأطفالهم كمواطنين.
وكانت هذه العبارة دائما ما تُفهم من قبل علماء القانون من جميع الأيديولوجيات على أنها واضحة بذاتها، لكن هذا لم يمنع بعض دعاة مناهضة الهجرة من الضغط، لإيجاد تفسير بديل.
ونقلت الشبكة عن عمر جادوت، وهو محام في الاتحاد الأميركي للحريات المدنية قوله: "يبدو أن التقاضي بشأن هذه المسألة سيكون أمراً مؤكداً، فمثل هذا القرار يتعارض مع التعديل الرابع عشر مباشرةً"، وأضاف: "سيكون في الأساس محاولة لهدم أحد أشكال الحماية الدستورية الأساسية، التي كانت تشكل جزءاً أساسياً من بلدنا".
وأيدت المحكمة العليا في نهاية المطاف نسخة مخففة من حظر السفر الذي فرضه ترمب، حيث أرجأت الأمر إلى سُلطة الرئيس في قضايا الأمن القومي، ولكن حتى أنصار حق الحصول على الجنسية بالولادة، يرون أن خطة الرئيس السابق، ستواجه معركة شاقة لا يمكن التغلب عليها.
وقال مارك كريكوريان، وهو المدير التنفيذي لمركز دراسات الهجرة، والذي يؤيد الفكرة: "هذه مسألة تقررها المحكمة العليا ضد الرئيس إذا اتخذ هذه الخطوة"، وأضاف أنه إذا خسر ترمب هذه القضية، فإن الخطوة التالية ستكون واضحة، إذ سيكون هناك حاجة إلى بذل جهد أكبر لبدء العملية الصعبة المتمثلة في تعديل الدستور نفسه.
ورفض متحدث باسم حملة ترمب التعليق على الخطة المقترحة، مشيراً إلى التصريحات الأصلية للرئيس السابق بشأن المسألة.
وبموجب اقتراح ترمب، فإنه سيكون من الضروري أن يكون أحد الوالدين على الأقل مواطناً، أو مقيماً بشكل قانوني في الولايات المتحدة حتى يحصل الطفل على حق الحصول على الجنسية بالولادة، وأشار الرئيس السابق، في مقطع الفيديو الذي أعلن فيه عن خطته، إلى أنه لن يتم تطبيقها بأثر رجعي.
وأشار ترمب أيضاً إلى أن الأمر سيتناول ما يُسمى بـ"سياحة الولادة"، وهو الوضع الذي يزعم فيه الجمهوريون أن الناس يزورون الولايات المتحدة في نهاية فترة الحمل، لضمان ولادة الطفل كمواطن أميركي.
سياحة الولادة في الولايات المتحدة
وقالت الشبكة إنه من غير الواضح بالضبط عدد الأطفال الذين يولدون سنوياً في الولايات المتحدة لوالدين غير أميركيين، أو كم منهم يمكن تصنيفهم على أنهم "سيَاح الولادة"، وفقاً لصياغة ترمب.
وقالت مجموعة "كريكوريان" إنه قد يكون هناك ما يصل إلى 400 ألف طفل يولدون سنوياً لوالدين غير أميركيين، وآلاف الأطفال يُولدون نتيجة لسياحة الولادة كل عام.
وقال مجلس الهجرة الأميركي، وهي مجموعة معنية بحقوق المهاجرين، إنه ليس لديه أرقام دقيقة، لكنه أشار إلى أنه يوجد حالياً ما يُقدر بنحو 3.7 مليون طفل مولود في الولايات المتحدة، لديهم والد واحد على الأقل وضعه غير قانوني، وهو رقم مُستمَد من بيانات التعداد السكاني للولايات المتحدة.
ورفض متحدث باسم مصلحة خدمات الجنسية والهجرة الأميركية، وهي الوكالة الفيدرالية التي تتعامل مع قضايا الجنسية، الرد على طلب الشبكة الحصول على تعليق.
وكان ترمب تعهد بإلغاء حق الجنسية الأميركية بالولادة، عندما ترشح لأول مرة للرئاسة في عام 2015، وطرح الأمر مرة أخرى في عام 2018، لكنه لم يصدر أبداً أمراً تنفيذياً بشكل فعلي.
وفي ذلك الوقت، رفض رئيس مجلس النواب الأميركي بول رايان، وهو جمهوري أيضاً، الفكرة، قائلاً إنه "لا يمكن القيام بشيء من هذا القبيل من خلال أمر تنفيذي".
حق الجنسية الأميركية بالولادة
وعلى الرغم من تعهد الرئيس السابق، فإن خطة إلغاء حق الجنسية الأميركية بالولادة، لم يتم ذكرها بشكل محدد في وثيقة منصة الحزب الجمهوري لعام 2024، والتي تتضمن فصلاً بعنوان: "إغلاق الحدود، ووقف غزو المهاجرين".
وتتضمن المنصة صيغة يتم فيها التعهد بـ "إعطاء الأولوية للهجرة القائمة على الجدارة"، وإنهاء الهجرة المتسلسلة، وهو مصطلح يُستخدم للإشارة إلى الأشخاص الذين يحملون الجنسية الأميركية، ثم يستخدمون وضعهم لمساعدة أفراد الأسرة الآخرين على دخول البلاد.
وقال كين كوتشينيلي، الذي شغل منصباً كبيراً بوزارة الأمن الداخلي في إدارة ترمب، إن الاقتراح "مناسب وقابل للإدارة من منظور سياسي"، لكنه لم يرد على الأسئلة الأخرى التي طرحتها NBC News حول كيفية تنفيذه بشكل قانوني.
وذكرت الشبكة أن "كوتشينيلي" كتب الفصل المتعلق بقضايا الهجرة والذي تم تضمينه في مشروع 2025، وهو خارطة طريق مقترحة لإدارة ترمب الثانية المحتملة أصدرتها مؤسسة "التراث" المحافظة، لكنه لم يذكر مسألة حق الجنسية الأميركية بالولادة.
"أسطورة تاريخية"
ويقول ترمب عن حق الجنسية بالولادة في مقطع الفيديو الخاص بإعلانه عن الخطة إنه "كما أوضح العديد من العلماء، فإن السياسة الحالية تستند إلى أسطورة تاريخية، وتشير إلى تفسير خاطئ للقانون بشكل متعمد من قبل مؤيدي الحدود المفتوحة".
لكن NBC News تقول إن عدداً قليلاً من الناس فقط يتفقون مع هذا التقييم، فيما تركز الحجة القانونية، التي صاغتها جماعات مناهضة الهجرة، على الصياغة المُستخدمة في التعديل الرابع عشر الذي ينُص على أن حق الجنسية بالولادة تُمنح لأولئك "الخاضعين لسُلطة" الولايات المتحدة.
ويقول معارضو حق الجنسية بالولادة، إن هذه الصياغة تعني حرمان أي شخص من الحصول على الجنسية، في حال لم يكن لوالديه وضعاً قانونياً في البلاد.
ونقلت الشبكة عن كريستوفر هاجيك، وهو محامي في معهد إصلاح قانون الهجرة، وهي مجموعة أخرى مناهضة للهجرة، قوله: "لا يمكن القول إن المهاجرين غير الشرعيين، يخضعون لحماية الولايات المتحدة".
لكن معظم الخبراء القانونيين يقولون إن صيغة "الخضوع للسُلطة" هذه تشير فقط إلى الأشخاص غير الخاضعين للقانون الأميركي، وأبرزهم الدبلوماسيون الأجانب.
وحتى "جيمس هو"، المحامي المحافظ الذي عينه ترمب في محكمة الاستئناف الأميركية في نيو أورليانز، حيث اكتسب فيها سُمعة كرجل قانون متعصب، يؤيد هذا الرأي، إذ كتب في مقال عام 2009 أن الصياغة الخاصة بالجنسية في التعديل الرابع عشر تنطبق على "معظم الأطفال المولودين في الولايات المتحدة لأجانب، بما في ذلك الأجانب غير الشرعيين".
وأضاف أن "جملة الأشخاص الخاضعين لسُلطة الولايات المتحدة، تعني ببساطة الأشخاص المطلوب منهم الالتزام بالقوانين الأميركية، والالتزام، بالطبع، لا يعتمد على وضع الهجرة".
ولم تحكم المحكمة العليا في الولايات المتحدة في هذه القضية بشكل مباشر، لكن القضية الوحيدة التي يتم ذكرها بشكل متكرر في أي مناقشة بشأن هذه المسألة، تشير ضمناً إلى أن الأشخاص المولودين في الولايات المتحدة يحصلون على الجنسية، وذلك بغض النظر عن وضع والديهم.
ففي تلك القضية التي أُقيمت عام 1898، والمعروفة باسم الولايات المتحدة ضد وونج كيم أرك، قضت المحكمة بأن رجلاً وُلد في سان فرانسيسكو لوالدين من الصين كان مواطناً أميركياً.
ويجادل منتقدو حق الجنسية الأميركية بالولادة، بأن الحُكم لم يتناول ما إذا كان أطفال الأشخاص الذين دخلوا البلاد بشكل غير قانوني هم مواطنون أميركيون، إذ إنه في تلك الحالة يكون قد تم قبول وضع الوالدين بشكل قانوني.
ويقترح هؤلاء أن الحُكم يفترض أن أطفال الأشخاص الذين يدخلون البلاد بشكل غير قانوني لا يحملون الجنسية، وذلك على الرغم من أنهم يعترفون بأن الحجة قد تكون صعبة الفهم.
خطوة بيروقراطية
ورأت الشبكة أنه في حال نفذ ترمب خطته لإصدار أمر تنفيذي في يومه الأول بالبيت الأبيض، في حال فوزه، فقد يكون التأثير ملموساً بشكل فوري.
وتقول حملة المرشح الجمهوري إنه سيأمر إدارة الضمان الاجتماعي، برفض إصدار أرقام للأطفال حديثي الولادة، دون إثبات حالة الهجرة للوالدين، كما سيصدر أمراً مماثلاً لوزارة الخارجية، فيما يتعلق بإصدار جوازات السفر.
ويؤيد "كريكوريان"، الذي قال إنه لم يناقش المقترح مع حملة ترمب، هذا النهج لأنه لن يتطلب أي إجراء من الكونجرس، وسيؤدي إلى رفع دعوى قضائية على الفور، مما يؤدي بدوره إلى عرض المسألة أمام المحكمة العليا، خلال وقت قصير.
وفي حال دخلت خطة ترمب حيز التنفيذ بشكل كامل، وهو ما رأت NBC News أنه أمر غير محتمل، فإن تنفيذها لن يكون سهلاً لأن الوكالات الفيدرالية لا تملك بالضرورة وضع الهجرة في متناول اليد، إذ إنها لن تحتاج إلى الوصول إلى المعلومات عن الطفل حديث الولادة فحسب، ولكن أيضاً عن الوالدين، وفي بعض الأحيان قد يكون من الصعب تحديد المعلومات ذات الصلة، مثل ما إذا كان وضع الهجرة لأحد الوالدين الغائب غير معروف للآخر.
وأشارت المتحدثة باسم إدارة الضمان الاجتماعي في الولايات المتحدة إلى أن الوكالة لا تحتفظ ببيانات عن وضع الهجرة، والتي يتعين عليها التحقق منها مع وزارة الأمن الداخلي قبل إصدار رقم الضمان الاجتماعي للمهاجرين.
وفي الوقت الحالي لا يحتاج الحصول على رقم الضمان الاجتماعي أو جواز السفر في الولايات المتحدة سوى تقديم شهادة الميلاد الأميركية.
وتقول إيما وينجر، وهي محامية في مجلس الهجرة الأميركي، إن اقتراح ترمب سيؤثر على أي طفل يُولد في الولايات المتحدة، حيث سيحتاج كل والد حينها إلى اتخاذ خطوة بيروقراطية إضافية، لضمان تسجيل طفله كمواطن أميركي.
وأضافت: "يعتمد الجميع على حقيقة أنه إذا وُلد الطفل هنا، فما عليهم سوى إظهار إثبات على الميلاد، ولذا فإن هذا المقترح سيمثل تحولًا جذرياً".