تسعى الصين لتعزيز ترسانتها النووية بمئات الرؤوس الحربية، وتحديث قواتها "بوتيرة متسارعة"، وسط مخاوف مسوؤلين غربيين من أنها ربما تصبح "قوة نووية" على قدم المساواة مع الولايات المتحدة، وروسيا، وفق صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية.
وقالت الصحيفة البريطانية، الجمعة، إن هذه الخطوات تأتي في الوقت الذي تشن بكين هجوماً دبلوماسياً على موقف الولايات المتحدة بشأن الأسلحة النووية.
ودعت بكين، الدولة الوحيدة من بين الدول الأعضاء الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، التي التزمت بسياسة "عدم المبادرة باستخدام الأسلحة النووية"، في جنيف، الأعضاء الآخرين إلى الالتزام بذلك التعهد، كما نددت بترتيبات واشنطن لردع الهجمات على حلفائها.
وفي اقتراحها، الذي تقدمت به رسمياً، قالت الصين إن سياسة "عدم المبادرة باستخدام الأسلحة النووية"، باتت "محل إجماع وأولوية مهمة" في الحد من انتشار الأسلحة على الصعيد الدولي.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن مسؤولين ومحللين في الولايات المتحدة، ودول حليفة، قولهم، إن اقتراح بكين وتنديدها بموقف الولايات المتحدة وحلفائها ليس سوى "محاولة للتخفيف من حدة الانتقادات الغربية لتعزيزها لترسانتها النووية".
وقدمت الصين مشروع نص المعاهدة أو الإعلان، بشأن "عدم المبادرة بالاستخدام النووي" من قبل الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن إلى اللجنة التي تجتمع في جنيف، حتى، الجمعة، للتحضير لمؤتمر مراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
ووصفت بكين أيضاً الحماية التي توفرها الولايات المتحدة لحلفاء أوروبيين بموجب ترتيبات المشاركة النووية في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وحلفاء آسيويين بموجب مظلتها النووية بأنها "انتهاكات خطيرة" لمعاهدة حظر الانتشار النووي، وطالبت بإلغائها.
تقديرات أميركية
وتشير تقديرات وزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون"، إلى أن الترسانة الصينية ستصل إلى أكثر من 1000 رأس حربية نووية جاهزة للاستخدام بحلول عام 2030، وهو ضعف العدد المقدر حالياً، و4 أضعاف ما قدره البنتاجون قبل بدء التعزيزات منذ نحو 6 سنوات.
وتبني الصين أيضاً في السنوات الأخيرة صوامع للصواريخ، كما تنشر المزيد من الغواصات التي يمكنها حمل رؤوس حربية نووية، ما يمنحها قدرة أكبر على إطلاق أسلحة نووية في فترة وجيزة، وليس مجرد ضربة انتقامية بعد تعرضها للضرب.
وأثارت هذه التغيرات الجدل بين خبراء نوويين صينيين وأجانب بشأن ما إذا كانت بكين، ربما تتحول عن التزامها بسياسة "عدم المبادرة باستخدام الأسلحة النووية"، واستراتيجية تأمين دفاعها بالحد الأدنى من الردع النووي إلى وضع "أكثر عدوانية".
ولفتت الصحيفة، إلى أن "غياب الشفافية" زاد من هذه الشكوك، إذ ترفض بكين المشاركة في آليات الحد من الأسلحة، والتي تتضمن الحد من ترسانتها أو التحقق منها.
والشهر الماضي علقت الصين النقاشات على مستوى منخفض مع الولايات المتحدة بشأن الحد من الأسلحة النووية، وهي أول نقاشات من نوعها منذ 5 سنوات.
ونقلت الصحيفة عن تشاو تونج، الزميل في مركز كارنيجي للأبحاث، قوله "من خلال التأكيد على إعلان التعهد بعدم المبادرة باستخدام الأسلحة النووية غير المشروط الذي أصدرته، تهدف الصين إلى تخفيف الضغوط الدولية للانضمام إلى المحادثات الرسمية للحد من الأسلحة النووية".
واعتبر تونج، أن "بكين تكسب أيضاً منطقاً أخلاقياً عن طريق الترويج لسياسة عدم المبادرة باستخدام الأسلحة النووية على الصعيد العالمي، مع إدراكها للتحديات التي تواجهها الدول النووية الأخرى في تبني تلك السياسة".
نقاشات الحد من التسليح
من جانبها، قالت واشنطن إن التعزيزات "السريعة وغير الشفافة" التي تقوم بها بكين لترسانتها النووية الأكثر تنوعاً تضع الأهداف الكامنة وراء اقتراحها محل تساؤل، خاصة أنها ترفض إجراء نقاشات هادفة بشأن الحد من الأسلحة، أو تقليل المخاطر، أو حتى بشأن سياسة "عدم المبادرة باستخدام الأسلحة النووية" التي تتبناها.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، إنه "في هذا السياق يبدو اقتراح الصين، الذي أعقب وقف المشاورات الثنائية، على الأرجح مجرد محاولة للتنصل من المسؤولية عن عدم رغبتها في المشاركة في نقاشات موضوعية".
وقال ليل موريس، الزميل في مركز تحليل الصين، التابع لمعهد سياسات المجتمع الآسيوي، إن الولايات المتحدة "لن توافق على الإطلاق" على مقترح عدم المبادرة باستخدام الأسلحة النووية الصيني، مرجعاً ذلك إلى "رغبتها في الرد بمرونة على التهديدات النووية لواشنطن وحلفائها".
وأضاف موريس الذي كان يشغل منصب مدير شؤون الصين في مكتب وزير الدفاع الأميركي، أنه "بالنظر إلى التزامنا النووي الممتد تجاه حلفائنا، فليس من المنطقي سياسيا أن تقدم واشنطن هذا التنازل، خاصة في ضوء الطبيعة الغامضة للتعزيز النووي الصيني".
على نحو مماثل، استبعد محللون احتمال أن توافق بريطانيا وفرنسا، وهما من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، لأن القدرة على الرد على هجوم تقليدي بالأسلحة النووية، تمثل أهمية أكبر بالنسبة إليهما، بسبب قدراتهما التقليدية المتواضعة مقارنة بالولايات المتحدة.
إشادة روسية
وبعد أن طرحت الصين فكرة معاهدة "عدم المبادرة باستخدام الأسلحة النووية" في فبراير، قالت روسيا، العضو الأخير في مجموعة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، إن المعاهدة بحاجة إلى "النظر إليها في السياق العام للواقع العسكري السياسي، وفي ضوء العوامل المهمة الأخرى التي تؤثر على الأمن العالمي والاستقرار الاستراتيجي".
ويشير الرد الروسي إلى أن الاقتراح الصيني "لا يتوافق مع العقيدة الروسية"، التي تسمح بالمبادرة بالاستخدام النووي رداً على هجوم تقليدي "يهدد أمن الدولة"، وفق ما قاله ويليام ألبيرك، الزميل الزائر في مركز "ستيمسون" في واشنطن، لـ"فايننشال تايمز".
من جهته، قال ديفيد كولين، مدير مركز المعلومات النووية، وهي مجموعة غير ربحية مقرها بريطانيا، إن "هذا أمر يدعو للأسف، لأن الرد بالإيجاب على المقترح الصيني، حتى لو لم يرق إلى مستوى التأييد الصريح، من شأنه أن يعزل روسيا، وأن تنظر إليه الأطراف غير النووية في معاهدة حظر الانتشار النووي على أنه خطوة إيجابية".
وقدمت روسيا تلميحات ضمنية بشأن إمكانية الاستخدام النووي خلال غزوها لأوكرانيا، لردع الدول الغربية عن تزويد كييف بأسلحة متقدمة.
ولكن محللين يعتقدون أن الدبلوماسية النووية الصينية، تحقق نتائج جيدة لدى العديد من الدول من خارج الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن.
في هذا السياق، قال ديفيد سانتورو، رئيس منتدى المحيط الهادئ، وهو معهد لأبحاث السياسات في هاواي: "هذه محاولة لشراء بعض حسن النية من المجتمع الدولي، وهي ناجحة صراحة".
وأضاف المنظم المشارك لحوار السياسات النووية غير الرسمي بين الولايات المتحدة والصين عن اجتماع جنيف أن "معظم البلاد تشعر بالقلق من ناحية روسيا وكوريا الشمالية. ولكن هناك القليل من النقاش بشأن التوسع النووي الصيني. لذا فإن الصينيين يقومون بعمل جيد حقاً، وهو تعزيز ترسانتهم دون إثارة الآخرين ضدهم".