"حرب الكوريتين" المحتملة.. 4 تريليونات دولار خسائر العام الأول

رغم انخفاض توقعات التصعيد أعاد عناق بوتين وكيم التخوف من صراع شامل

time reading iconدقائق القراءة - 13
الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون خلال استقبال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في بيونج يانج، 19 يونيو 2024 - REUTERS
الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون خلال استقبال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في بيونج يانج، 19 يونيو 2024 - REUTERS
دبي-الشرق

أنعش عناق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون، الشهر الماضي، خلال أول زيارة يقوم بها الأول إلى كوريا الشمالية منذ 24 عاماً، "شراكة الحرب الباردة"، ونجم عنه اتفاق دفاعي جديد، ما يضيف خطراً آخر في عالم يرتعد بالفعل تحت وطأة الحرب في أوكرانيا، وتهديدات الصين لتايوان، وفق وكالة "بلومبرغ".

وحذرت الوكالة من أنه برغم أن احتمالات نشوب حرب شاملة بين الكوريتين الشمالية، والجنوبية "منخفضة للغاية"، إلا أنها "ليست صفراً"، مشيرة إلى أن الصراع الشامل في شبه الجزيرة الكورية قد يخلف ملايين القتلى، ويكلف الاقتصاد العالمي "4 تريليونات دولار في العام الأول، أو 3.9% من الناتج المحلي الإجمالي عالمياً"، وهو أكثر من ضعف الأضرار التي خلفها الغزو الروسي لأوكرانيا، وفق تحليل أجرته "بلومبرغ". 

وعندما اندلعت الحرب بين الكوريتين الشمالية، والجنوبية في عام 1950، كان نصيبهما معاً أقل من 0.4% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أما اليوم، فتمثل كوريا الجنوبية وحدها أكثر من 1.5%، وحتى هذه النسبة المرتفعة لا تعبر حقيقة عن أهميتها لسلاسل التوريد. 

فمنطقة سول الحضرية، التي تقع في مرمى مدفعية "كيم"، تمثل موطناً لنحو 26 مليون شخص، أي ما يقرب من نصف سكان كوريا الجنوبية، وتوفر العاصمة والمناطق المحيطة بها 81% من إنتاج كوريا الجنوبية من الرقائق، و34% من إجمالي إنتاجها الصناعي، ويتم شحن هذه البضائع عبر الموانيء الجنوبية، بما فيها بوسان، وهو رابع أكثر الموانئ ازدحاماً في العالم، إلى العملاء في الصين، واليابان، وأوروبا، والولايات المتحدة.

وعلى غرار تايوان؛ فإن دور كوريا الجنوبية كمنتِج رئيس للرقائق يعني أن أهميتها للاقتصاد العالمي يتجاوز حجم ناتجها المحلي الإجمالي، فشركة سامسونج، وهي واحدة من أكبر 30 شركة في العالم من حيث القيمة السوقية، تنتج وحدها 41% من إجمالي الإنتاج العالمي من رقائق DRAM، و33% من رقائق الذاكرة NAND، وتعد منتجاتها مدخلات بالغة الأهمية للعديد من الشركات، بدءاً من شركة أبل إلى شركة إنتاج الهواتف الذكية الصينية "شاومي". 

وفي حال توقفت صادرات كوريا الجنوبية من الإلكترونيات، فإن هذا سيؤدي إلى صدمة في جميع أوصال جسد الاقتصاد العالمي، إذ تنتج كوريا الجنوبية وحدها 4% من جميع المكونات الإلكترونية التي تستخدم في المصانع في جميع أنحاء العالم، وحوالي 40% من إجمالي الإنتاج العالمي من رقائق الذاكرة. 

وفي عام 2022، شكلت قطاعات مثل الإلكترونيات والسيارات التي تستخدم أشباه الموصلات كمنتج ضروري، 30% من الناتج المحلي الإجمالي في تايوان، و11% في الصين، و8% في اليابان. 

الرؤية السابقة للحرب الباردة     

وبينما تدعم الولايات المتحدة توسع حلف الناتو، وتعزز تحالفاتها في آسيا، فإنها تواجه خصوماً تربطهم اتفاقات رسمية، وغير رسمية، ومسلحين بمجموعة من الأسلحة التقليدية، والنووية، وتدعمهم أقوى قاعدة صناعية في العالم. 

وتعاني أوكرانيا، العالقة في حرب خنادق ضد القوات الروسية التي تطلق ذخائر كورية شمالية، ويدعمها اقتصاد حرب صُنع في الصين، من العواقب الدامية لهذا العداء، وخارج أوروبا، باتت تايوان في مرمى النيران مع تصعيد الصين ضغوطها العسكرية. 

وقد كشف اتفاق بوتين مع كوريا الشمالية، إلى جانب تهديدات كيم الأخيرة بإبادة جارته الجنوبية، المخاطر التي تواجهها كوريا الجنوبية. 

ومع تحول الطلب العالمي للصفائح التكتونية، باتت اقتصادات قليلة أكثر عرضة للخطر، وتُعد الحدود التي تتشاركها كوريا الجنوبية مع كوريا الشمالية، وهي آخر حدود الحرب الباردة القديمة، واحدة من أكثر الحدود تسليحاً في العالم، وتهدد الشراكة مع روسيا بتسريع وتيرة القدرة النووية لبيونج يانج. 

وخلال العام الجاري، اختبر "كيم" البالغ من العمر 40 عاماً جارته الجنوبية من خلال توغلات حدودية قصيرة المدى، وإطلاق نيران المدفعية على مقربة من جزيرة متنازع عليها، حيث شنت كوريا الشمالية قصفاً مميتاً في عام 2010. 

وقال وي سونج لاك، المبعوث النووي لكوريا الجنوبية من عام 2009 إلى عام 2011، والمشرع الحالي عن الحزب الديمقراطي المعارض، إن فرص حدوث مناوشات على شبه الجزيرة الكورية في السنوات المقبلة تبلغ "حوالي 30%"، وأن أي صدام قد يتصاعد إلى صراع أوسع نطاقاً.

وأضاف "وي" في المقابلة التي أجرتها معه "بلومبرغ" في سول: "أستطيع أن أصف الوضع الآن بأنه الوضع الأكثر خطورة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي"، مضيفاً أن "نوعاً ما من المواجهات قد يؤدي إلى تبادل إطلاق النار بالأسلحة الصغيرة، ما قد يؤدي بدوره إلى إطلاق النار بالأسلحة الرشاشة والمدفعية".

سيناريو حرب الكوريتين

من المرجح أن تتضمن الحرب الشاملة وابلاً من القصف المدفعي الكوري الشمالي على أهداف عسكرية، وسياسية، واقتصادية رئيسة في سول، وفق "بلومبرغ". 

وفي الأشهر الأخيرة، اختبر "كيم" الأسلحة التي يمكن استخدامها في ضربة الموجة الأولى، بما في ذلك صواريخ المدفعية الدقيقة التي يمكن أن تدمر منشآت تصنيع أشباه الموصلات على مسافة 70 كيلومتراً (43 ميلاً) من الحدود، بالإضافة إلى الصواريخ الباليستية قصيرة المدى التي يمكن أن يصل مداها إلى 250 كيلومتراً. 

وإذا شعر كيم بأن نظامه يواجه تهديداً وجودياً، فقد يشن هجوماً نووياً، وفي هذا السياق قالت دراسة أجراها المعهد الكوري للتحليلات الدفاعية، ومقره سول، إن التقديرات تشير إلى أن كوريا الشمالية لديها نحو 80 إلى 90 رأساً حربية، ما يكفي لمحاولة توجيه ضربات نووية إلى كوريا الجنوبية، واليابان، بل والولايات المتحدة، وفق الدراسة التي نشرت العام الماضي.    

وإجمالاً، فإن حوالي نصف ما تصنعه كوريا الجنوبية ومعظم قدرتها في مجال أشباه الموصلات قد يكون عرضة للتدمير، كما سيتم تعطيل ممرات الشحن القريبة التي تصل إلى الصين، وروسيا، واليابان. 

ومع احتمال اصطفاف الولايات المتحدة، والصين على جانبي الصراع، على غرار ما فعلاه في الحرب الكورية، فإن التجارة بين القوى العظمى الاقتصادية العالمية ستواجه عوائق جديدة، وستتراجع الأسواق العالمية.   

الاقتصاد العالمي.. خسائر محتملة

ومن خلال مجموعة من النماذج لقياس أثر تلك الصدمات على الاقتصاد العالمي، تقدر "بلومبرغ" التأثير على الناتج المحلي الإجمالي بعد عام واحد على النحو التالي: 

ـ تدمير اقتصاد كوريا الجنوبية نتيجة انكماشه إلى 37.5% على خلفية تراجع الإنتاج الصناعي، والصادرات. 

ـ يضيف اختفاء أشباه الموصلات الكورية الجنوبية، وتراجع التجارة مع الولايات المتحدة، واضطرابات الشحن إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الصيني بنسبة 5%. 

ـ وبعيداً عن الحدث، وفي ظل اقتصاد تهيمن عليه الخدمات، تبقى الولايات المتحدة معزولة نسبياً، ورغم ذلك، فإن نقص الرقائق وتراجع الأسواق يعني تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.3%. 

ـ وينخفض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 3.9%. وتتلقى دول جنوب شرق آسيا، واليابان، وتايوان، وهي دول تعتمد على الرقائق الكورية الجنوبية، ومعرضة للاضطرابات البحرية، الضربة الأكبر. 

وتعتمد النتائج بشكل كبير على افتراضات السيناريو، كما أن هامش عدم اليقين كبير. 

الحرب نتيجة منخفضة الاحتمال

تظل الحرب نتيجة منخفضة الاحتمال، خاصة وأنها ستؤدي بشكل شبه مؤكد إلى "زوال كيم"، وقال الزعيم الكوري الشمالي إنه يحتاج إلى أسلحة نووية لردع الولايات المتحدة عن السعي للإطاحة به، وغالباً ما تنتهي سيناريوهات جميع الحروب بالإطاحة به، وتدمير بلاده. 

قال لامي كيم، أستاذ الدراسات الأمنية في مركز دانيل كيه إينوي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ للدراسات الأمنية، لـ "بلومبرغ" إن كيم "أعقل من أن ينتهي به الأمر بالانتحار". 

وبرغم الحرب والمجاعة والفقر، فقد استمر حكم عائلة كيم لأكثر من 75 عاماً، ولا يوجد أي صراع رئيسي على شبه الجزيرة منذ هدنة الحرب الكورية في عام 1953، والسيناريو الأكثر ترجيحاً في السنوات المقبلة هو أن يصمد نظام كوريا الشمالية، وأن تستمر التوترات ولكنها تظل تحت السيطرة. 

ومع ذلك، تبقى كوريا الشمالية اليوم في وضع أقوى بكثير مما كانت عليه في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما شاركت الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، وكوريا الجنوبية، واليابان في محادثات سداسية بهدف محاولة إنهاء طموحات بيونج يانج النووية بطرق سلمية.

والآن يمتلك كيم مخزوناً من الأسلحة النووية، وتصطف موسكو مع كوريا الشمالية، وتخوض الصين والولايات المتحدة صراعاً جيوسياسياً طويل الأمد. 

كما يمكن أن تطور التكنولوجيا الروسية مدى وفاعلية الصواريخ الكورية الشمالية، ما يزيد من احتمالية نجاح كيم حال أراد في أي وقت تهديد أي مدينة أميركية رئيسية بضربة نووية. 

ويمكن أن تضيف فترة رئاسية أخرى لدونالد ترمب، الذي هدد في عام 2017 بالقضاء على كوريا الشمالية بـ "النار والغضب" قبل أن يجلس في اجتماع وجها لوجه مع كيم، عاملاً جديداً ومتقلباً إلى هذا المزيج. 

لقد كان ترمب صريحاً في تساؤله عما إذا كان يجب على الولايات المتحدة أن تواصل سداد تكاليف دعم الأمن العالمي، في حين التقى 3 مرات مع كيم.

وقال كيم جون، المبعوث النووي لكوريا الجنوبية من مايو 2022 إلى فبراير 2024، والمشرع عن الحزب الحاكم في البلاد، لـ"بلومبرغ" إن "خلفية الرئيس ترمب تعود إلى العمل في مجال العقارات، والسمة المميزة لهذا النوع من الاستثمارات هي أنه عادة يقوم على صفقة المرة الواحدة"، مضيفاً أن "العلاقة بين دولة ودولة أمر مختلف تماماً، لأنها لعبة متكررة". 

ويمكن أن تؤدي سياسة ترمب تجاه كوريا الجنوبية إلى تحولات في التدريبات العسكرية المشتركة، ونشر العتاد الاستراتيجي الأميركي، والجنود الأميركيين المتمركزين حالياً في البلاد، والذين يبلغ عددهم 28 ألفاً و500 جندي. 

كما أنه في حال أبدى ترمب أي أمارات على التخلي عن الحليف القديم للولايات المتحدة، فستزيد الدعوات داخل كوريا الجنوبية للحصول على الأسلحة النووية الخاصة بها. 

شبه الجزيرة الكورية

الحرب ليست المسار الوحيد للأزمة في شبه الجزيرة الكورية، فانهيار نظام كيم يمثل سيناريو محتملاً آخر، وفق "بلومبرغ"، ويشير تاريخ كوريا الشمالية الحافل بالاضطرابات الداخلية، وتركز السلطة في يد زعيم واحد يعاني من مشكلات صحية، والمسافة القصيرة بين الفقر المدقع وعدم الاستقرار السياسي إلى أن انهيار النظام احتمالية واقعية. 

كما يأتي نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي السنوي في كوريا الشمالية، والذي يبلغ حوالي 590 دولاراً، من بين أدنى المعدلات في العالم، ما يضعها ضمن مجموعة الدول التي تعاني من عدم الاستقرار، مثل السودان، واليمن.  

وستعمد الولايات المتحدة، وكوريا الجنوبية، والصين حال انهار نظام كيم مباشرة إلى تأمين الأسلحة النووية في كوريا الشمالية، وقد يؤدي ذلك إلى مواجهة بين القوات الأميركية، والكورية الجنوبية من جانب وكوريا الشمالية، والصين، والتي ستفعل كل ما بوسعها لمنع وجود قوة مدعومة من الولايات المتحدة على أعتابها، من جانب آخر. 

ووفق هذا السيناريو، تشير تقديرات "بلومبرغ" إلى أن الناتج المحلي الإجمالي لكوريا الجنوبية سيتضرر بنسبة 2.5%، بسبب تأثير اضطراب الإنتاج الصناعي وتدهور المعنويات. 

وفي ضوء قلة الخسائر في إنتاج كوريا الجنوبية بما يكفي لتعويضها إلى درجة كبيرة من خلال زيادة الإنتاج في أماكن أخرى، سينخفض الناتج المحلي الإجمالي الصيني، والأميركي والعالمي بنسبة 0.5% و0.4% و0.5% على التوالي. 

أشباه الموصلات.. لا توجد خطة بديلة

ويرى كيم جون، أن الوضع "متوتر ولكنه مستقر"، مرجعاً ذلك إلى "عدم وجود حافز لدى أي طرف من الأطراف للتصعيد". 

وتابع البرلماني الكوري الجنوبي: "فكوريا الشمالية تعلم أنه ليس بإمكانها ان تنتصر، ونحن نعلم أيضاً أنه برغم أننا سننتصر إلا أن التكلفة ستكون باهظة".     

ومع تراجع فرص الصراع، أكد كيم جون أن كوريا الجنوبية "مستعدة لأي احتمال". 

أما بالنسبة للاقتصاد العالمي المعتمد على أشباه الموصلات من كوريا الجنوبية كحلقة وصل حاسمة في سلسة توريد الإلكترونيات، "فلا توجد خطة بديلة"، وفق "بلومبرغ".

تصنيفات

قصص قد تهمك