كشف إعلان مثير للجدل للجنة العمل السياسي المؤيدة للمرشح الجمهوري في انتخابات الرئاسة دونالد ترمب، والتي أنشأها الملياردير إيلون ماسك، ويشير إلى أنه يهدف لمساعدة الناخبين في التسجيل للتصويت، عن تكتيك غير تقليدي لجمع البيانات الشخصية للمستخدمين في الولايات المتأرجحة.
وقالت شبكة NBC الإخبارية في تقرير، الجمعة، إنه إذا قام ناخب من ولاية ميشيجان بعملية بحث في "جوجل"، فقد يظهر له الإعلان "الصادم" نوعاً ما، فهو يُظهر شاباً وهو مستلقٍ على فراشه في وقت متأخر من الليل، بينما يرسل له شخص آخر رسالة نصية تقول: "مرحباً، تريد أن تصوت"، ثم يرسل له مقطع فيديو لمحاولة اغتيال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، ويستطيع الشاب سماع دوي الطلقات وصراخ الناس في الخلفية.
وبينما يندفع ترمب بعيداً عن المنصة، والدماء تسيل على وجهه، يكتب الشاب الذي يشاهد مقطع الفيديو: "الأمر بات خارج السيطرة.. كيف أبدأ؟"، ثم يعرض الإعلان بعد ذلك موقعاً إلكترونياً للجنة العمل السياسي.
ويقول الموقع الإلكتروني إنه يساعد المشاهد على التسجيل من أجل التصويت في الانتخابات، ولكن بمجرد أن ينقر المستخدم على "التسجيل للتصويت"، فإنه يمكن أن يحصل على تجربة مختلفة تماماً بحسب المكان الذي يعيش فيه.
فإذا كان يعيش في ولاية غير متأرجحة في الانتخابات الرئاسية، مثل كاليفورنيا أو وايومنج على سبيل المثال، فسيُطلب منه إدخال عنوان بريده الإلكتروني، والرمز البريدي قبل أن يتم توجيهه سريعاً إلى صفحة تسجيل الناخبين الخاصة بولايته، أو العودة إلى صفحة التسجيل الأصلية.
ولكن بالنسبة للمستخدمين الذين يدخلون رموزاً بريدية تشير إلى أنهم يعيشون في ولايات متأرجحة مثل بنسلفانيا، أو جورجيا، فإنهم العملية تكون مختلفة تماماً، إذ يتم توجيههم إلى استمارة معلومات شخصية مفصلة للغاية، حيث يُطلب منهم إدخال عناوينهم، وأرقام هواتفهم الخلوية، وأعمارهم.
وفي حال وافقوا على تقديم كافة هذه البيانات، فإن الموقع لا يوجههم إلى صفحة تسجيل الناخبين، وإنما تظهر لهم، بدلاً من ذلك، صفحة تقول "شكراً لك"، ولذا فإن الشخص الذي كان يريد الحصول على المساعدة في تسجيل اسمه للتصويت لا يحصل على هذه المساعدة في النهاية، ولكنه يقدم فقط بيانات شخصية ثمينة للحملة الانتخابية.
وقالت NBC، إن لجنة العمل السياسي التي أنشأها ماسك، تهدف لمنح المرشح الجمهوري دونالد ترمب ميزة، لمساعدته في هزيمة نائبة الرئيس كامالا هاريس المرشحة المحتملة للحزب الديمقراطي.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة "تسلا" في مقابلة سابقة: "لقد أنشأت لجنة عمل سياسي، أو لجنة عمل سياسي فائقة، وهي تحمل اسم (أميركا)"، ويمتلك ماسك أيضاً منصة التواصل الاجتماعي "إكس"، ولديه ثروة تقدر بأكثر من 235 مليار دولار، بحسب مجلة "فوربس".
وأشارت الشبكة إلى أن الجمع بين امتلاك موقع للتواصل الاجتماعي، والذي يمنحه منصة ضخمة لنشر آرائه السياسية، وإنشاء لجنة عمل سياسي بموارد غير محدودة، جعل من ماسك لأول مرة قوة كبيرة في الانتخابات الأميركية.
وأنفقت لجنة العمل السياسي، أكثر من 800 ألف دولار منذ أوائل يوليو الماضي على الإعلانات الرقمية التي تستهدف الناخبين في الولايات المتأرجحة مثل أريزونا، وميشيجان، وجورجيا، ونورث كارولينا، ونيفادا، وبنسلفانيا، وويسكونسن، وفقاً لشركة ADImpact.
استقطاب الناخبين لدعم ترمب
وظهرت الإعلانات على منصات "فيسبوك"، و"إنستجرام"، و"جوجل" من خلال موقع "يوتيوب"، وشجعت جميعها الناس على التسجيل للتصويت في الموقع الإلكتروني الخاص بلجنة "أميركا".
وتعد جهود اللجنة لجمع المعلومات من الأشخاص باستخدام فكرة "تسجيل الناخبين"، جزءاً حاسماً من خطتها للتواصل الشخصي مع هؤلاء الناخبين، بحسب NBC.
وقال بريندان فيشر، وهو نائب المدير التنفيذي في منظمة مراقبة تمويل الحملات الانتخابية Documented، إن "لجنة العمل السياسي (أميركا) تركز على استقطاب الناخبين من بيت إلى بيت لدعم ترمب.. أعتقد أنه من الآمن أن نفترض أن بيانات الناخبين التي يتم جمعها ستكون مفيدة في توجيه جهود اللجنة، لحشد أصوات الناخبين، وأنشطتها السياسية الأخرى".
وأشار فيشر إلى سياسة الخصوصية لدى اللجنة والتي تنُص على أنه يمكنهم استخدام البيانات التي قاموا بجمعها في "أنشطة أخرى، وفي حملات جمع التبرعات".
ومنذ يونيو الماضي، أنفقت لجنة "أميركا" أكثر من 21 مليون دولار على استقطاب أصوات الناخبين، والإعلانات الرقمية، وخدمات الرسائل النصية، والمكالمات الهاتفية، بحسب تقارير لجنة الانتخابات الفيدرالية.
ولا يقدم الموقع الإلكتروني الخاص باللجنة أي إشارة إلى توجهها السياسي، لكنها كشفت في تقاريرها الفيدرالية أن جميع أعمالها مُصمَمة إما لمساعدة ترمب، أو الإضرار بمنافسته هاريس.
وذكر فيشر، أنه رأى بعض لجان العمل السياسي الأخرى تحاول استخدام رسالة "تسجيل الناخبين"، لجمع بيانات الناس أيضاً، لكن NBC ترى أن الأمر الذي يميز لجنة "أميركا" هو الشخص الذي يدعمها، وتوقيت إنشائها.
وفي معظم الحالات، لا يُسمح للجان العمل السياسي الكبرى بتنسيق الإعلانات مدفوعة الأجر مع الحملة بشكل مباشر، ولكن خلال فصل الربيع، قضت الجهات التنظيمية بأن عمليات استقطاب الناخبين من بيت إلى بيت تقع خارج نطاق الحظر لأنها، على عكس الإعلانات، تتم بالاتصال المباشر بين الأشخاص.
وذكر فيشر أن "ما يجعل لجنة (أميركا) أكثر تميزاً، هو أنها لجنة عمل سياسي مدعومة من مليارديرات، وتركز على الترويج للمرشح من بيت إلى بيت، وهو الأمر الذي يمكن إجراؤه بالتنسيق مع الحملة الرئاسية".
وتابع: "بفضل الرأي الاستشاري الأخير من لجنة الانتخابات الفيدرالية، فإن لجنة (أميركا) قد تنسق أنشطتها الترويجية مع حملة ترمب بشكل قانوني، وهذا يعني، من بين أمور أخرى، أن حملة الأخير قد تزود لجنة العمل السياسي بالنصوص اللازمة للتأكد من أن جهودهم متسقة".
ومضى يقول: "التنسيق مهم للغاية فهو يضمن أن أنشطة لجنة العمل السياسي مفيدة إلى أقصى حد ممكن للحملة، كما أنه يحرر أموال الحملة للاستخدام في أنشطة أخرى، وأظن أن قدرة اللجنة على تنسيق أنشطتها الترويجية القائمة على البيانات مع حملة ترمب جعلتها جذابة للغاية للمانحين".
وقال مصدر مطلع بشكل مباشرة على الأمر للشبكة، إن "الاستراتيجيين الجمهوريين المخضرمين فيل كوكس، وجينيرا بيك، وديف ريكسرود هم من بين أولئك الذين يوجهون لجنة (أميركا) الآن".
وأشارت NBC إلى أن ماسك ليس المسؤول التنفيذي الوحيد في مجال التكنولوجيا الذي يدعم جهود اللجنة، إذ جمعت الأخيرة أكثر من 8 ملايين دولار في الفترة بين 1 أبريل و30 يونيو، وفقاً لسجلات لجنة الانتخابات الفيدرالية.
كما أن اللجنة تلقت تبرعات من المستثمر دوج ليون، ومستثمري العملات المشفرة كاميرون وتايلر وينكليفوس، وكذلك من شركة "بالانتير" للبرمجيات التي يديرها جو لونسديل، والذي يعد أيضاً أحد قادة اللجنة، ويعمل كمستشار سياسي لماسك، بحسب "نيويورك تايمز".
وحتى الآن لم يتم ذكر ماسك في السجلات كمتبرع للجنة، لكنه أكد، مؤخراً، على حسابه على "إكس" أنه يقدم بعض التبرعات إليها، إلا أنه لم يذكر المبلغ، ويذكر أن اللجنة غير مُلزمة بتقديم تقرير الربع الثالث قبل 15 أكتوبر المقبل، وهي المرة الأولى التي يمكن فيها إدراج اسم إيلون كمتبرع لها.
ووفقاً للشبكة، فإن الإعلانات التي عرضتها اللجنة على منصات التواصل الاجتماعي تعكس الرسالة الأكبر التي يدفع بها ماسك إلى 191 مليون متابع له على "إكس" عدة مرات في اليوم، والتي تتمثل في فكرة أن الولايات المتحدة باتت في حالة من الفوضى، والتصويت لترمب بدلاً من هاريس هو السبيل الوحيد للخروج من هذا الوضع.
ويرى خبراء، أن ملكية ماسك لـ"إكس"، وغياب أي ضوابط حقيقية بشأن كيفية استخدامه لها، هي علامة على أنه يمكن استخدام المنصة من قبل رئيس "تسلا" كسلاح سياسي لمهاجمة هاريس، والديمقراطيين على نطاق واسع مع بقاء أقل من 100 يوم على الانتخابات.
وقال ماثيو باوم، وهو أستاذ في كلية كينيدي بجامعة هارفارد، والذي تشمل أبحاثه دراسة المعلومات المضللة: "من المثير للقلق إلى حد ما أن يكون مالك إحدى أهم منصات التواصل الاجتماعي متحيزاً بشكل علني، ويستخدم منصته كوسيلة لتحقيق أهدافه المتحيزة هذه علناً".
وأضاف أن ملكية موقع للتواصل الاجتماعي مثل "إكس" تترك الباب مفتوحاً لاحتمال "الاستيلاء على منصة رئيسية من قبل جهة متحيزة والتي ستكون بعد ذلك حرة إلى حد كبير في استخدامها كما تشاء، وذلك بغض النظر عن العواقب الاجتماعية أو السياسية السلبية المحتملة".