جاء اختيار المرشحة الديمقراطية لانتخابات الرئاسة الأميركية كامالا هاريس، حاكم ولاية مينيسوتا تيم والز مرشحاً لمنصب نائب الرئيس، ليعطي دفعة جديدة من الحماس والطاقة للديمقراطيين بعد قرار الرئيس جو بايدن إنهاء حملته الرئاسية في 22 يوليو الماضي، ويمنح أملاً في موازنة البطاقة الانتخابية، وكسب تأييد الناخبين في المناطق الريفية التي كانت تشير التوقعات إلى أن هاريس تؤدي فيها بشكل "أسوأ" من بايدن.
كان اختيار والز، الثلاثاء الماضي، مفاجأة بالنسبة لكثيرين، خاصة بعدما سبقته موجة تكهنات باختيار حاكم ولاية بنسلفانيا جوش شابيرو نائباً لهاريس. وفي مقابل شابيرو، المؤيد بقوة لإسرائيل، اعتبر خبراء وديمقراطيون أن والز مؤهل "بشكل مثالي" لتوسيع نطاق جاذبية هاريس عبر اليسار الأميركي، بينما كان شابيرو سيساهم في تفتيت الائتلاف الوطني الديمقراطي.
استبعاد شابيرو كان مدخل الرئيس السابق والمرشح الجمهوري المنافس دونالد ترمب، للتعليق على الخبر، معتبراً أن هاريس تجاهلت بدائل أفضل باختيار والز، ووصف المرشح الجمهوري، والز بأنه "رجل ليبرالي للغاية"، و"اختيار صادم" وقال في مقابلة على قناة FOX News: "لا يمكنني أن أكون أكثر سعادة".
في المقابل، انتقد والز ترمب في أول تجمع انتخابي له مع هاريس في فيلادلفيا، الثلاثاء، وقال إن المرشح الجمهوري "منشغل للغاية بخدمة نفسه" عن خدمة الآخرين، وكرر وصفه المألوف للمرشحين الجمهوريّين ترمب وفانس بأنهما "غريبي الأطوار"، وهو الوصف الذي استخدمه مؤخراً، في مقابلات تلفزيونية، ولاقى انتشاراً، واستحساناً بين الديمقراطيين.
وكشف استطلاع رأي جديد أجرته شركة Data for Progress أن أغلبية الناخبين، بما في ذلك 54% من المستقلين، قالوا إن صفة "الغرابة" تصف الجمهوريين بشكل أفضل من الديمقراطيين، ويُنظر إلى الديمقراطيين على أنهم أكثر "طبيعية" من الجمهوريين بهامش أكثر من 6 نقاط.
ورغم كونه من ولاية غير متأرجحة، اعتبر خبراء وديمقراطيون تحدثوا مع "الشرق"، أن اختيار والز نائباً لهاريس "إضافة قوية" لحظوظ الديمقراطيين.
ارتياح ديمقراطي لاختيار تيم والز
يتمتع والز، الذي خدم 12 عاماً في الكونجرس ممثلاً عن مقاطعة جنوبية ريفية حمراء (جمهورية)، بمصداقية تقدمية من خلال سلسلة إصلاحات يسارية ليبرالية أُطلِق عليها "معجزة مينيسوتا"، بما في ذلك إجازة عائلية مدفوعة الأجر، ووجبات مدرسية مجانية، وقوانين لحماية العمالة، وإلزام الحكومة باستخدام الطاقة النظيفة بنسبة 100%.
ومع ذلك، فإن والز، الذي عمل في بداية حياته مدرساً للدراسات الاجتماعية في المدرسة الثانوية بمدينة مانكاتو بولاية مينيسوتا، أظهر أيضاً قدرة على اتخاذ مواقف وسطية.
وبعد قرار هاريس اختياره نائباً لها، أبدى الديمقراطيون من مختلف التيارات تأييدهم للخطوة، واعتبر السيناتور المستقل جو مانشين، اختيار هاريس لحاكم من الغرب الأوسط، بأنه "الصفقة الحقيقية".
وعلى الجانب الآخر من الطيف السياسي في الكونجرس، قالت النائبة الديمقراطية التقدمية عن ولاية فيرمونت بيكا بالينت: "أنا سعيدة للغاية. لقد كان اختياري منذ اللحظة الأولى التي رأيته فيها على شاشة التلفزيون يتحدث عن هاريس، والتناقض الحاد بينها وبين تذكرة ترمب/ فانس. إنه بديل رائع، وبصفتي ممثلة عن ولاية ريفية، فأنا متحمسة لقدرته على التحدث إلى الأميركيين من ذوي الياقات الزرقاء والريف. إنه أيضاً شخص مرح ونحن بحاجة إلى المزيد من ذلك".
التأييد الواسع لوالز، أشاد به الديمقراطي ومدير مؤسسة RC Communications للاتصالات كالفين دارك، قائلاً إن اختيار هاريس لحاكم ولاية مينيسوتا تيم والز، هو اختيار موحد للكتل التصويتية المتنوعة للحزب الديمقراطي.
وقال دارك لـ"الشرق"، إن والز بصفته حاكماً وعضواً سابقاً في الكونجرس وسياسياً مخضرماً، يلبي الشرط الرسمي الوحيد لنائب الرئيس، وهو امتلاك الخبرة اللازمة ليكون جاهزاً في اليوم الأول ليصبح رئيساً إذا لزم الأمر، مضيفاً: "إن خبرته ومنظوره الغربي الأوسط يتطابقان بشكل كبير مع جاذبية نائبة الرئيس هاريس ورسالتها للوصول إلى مجموعة واسعة من الناخبين الذين سيحتاجون إليهم للفوز في الانتخابات المقبلة".
اختيار "يوازن" البطاقة الانتخابية
واعتبر الناشط الديمقراطي والمحامي الحقوقي ألين أور، أن والز "مكملاً جيداً" لهاريس لأنه من الغرب الأوسط، وهو حاكم، ولديه خلفية كمحارب قديم ومعلم.
وقال أور لـ"الشرق"، إن والز يعد توازناً جيداً للبطاقة الانتخابية للديمقراطيين، "فهو يوازن بين خبرة المرشح الديمقراطي، والأفراد الآخرين الذين تم النظر فيهم والذين كانوا مشابهين جداً لهاريس".
ورجح أن استراتيجية هاريس في الاختيار لم تتعلّق فقط بالولايات، ولكن أيضاً بأنواع الأشخاص "وما يضيفه الحاكم إلى القائمة هو الوصول إلى الناس وحكم أميركا في المدن الصغيرة، وهو ما يختلف كثيراً عن خلفية هاريس".
وعلى مستوى التأثير المباشر لاختيار والز على أصوات الولايات، استبعد الباحث السياسي في مركز الدراسات السياسية التابع لجامعة فيرجينيا، جون مايلز كولمان، أن يضمن والز فوز هاريس بأي ولايات إضافية، لأن هاريس مفضلة بالفعل للفوز بولايته مينيسوتا.
ومع ذلك، رجح كولمان في حديثه لـ"الشرق"، أن تأتي أهمية والز من الغرب الأوسط، قائلاً إنه من المحتمل أن يكون الغرب الأوسط هو المنطقة الأكثر أهمية انتخابياً في البلاد، ويجلب والز درجة من جاذبية الغرب الأوسط إلى البطاقة الانتخابية للديمقراطيين، والتي يمكن أن تساعد في الولايات القريبة مثل ويسكونسن وميشيجان.
يجلب والز، أيضاً، خبرة تنفيذية بحسب أستاذ العلوم السياسية في جامعة "ميسوري" بيفرل سكوير، الذي قال لـ"الشرق"، إن خبرات والز، بدءاً من نشأته في منطقة ريفية، وخدمته في الجيش، وعمله مدرساً ومدرب كرة قدم، وانتخابه لعضوية مجلس النواب الأميركي من منطقة ريفية وفوزه في الحملات الانتخابية في تلك المناطق؛ توازن خلفية هاريس وتجاربها.
ورجح سكوير أن يجد الأميركيون في والز شخصية جذابة لأنه لا يتصنع، قائلاً: "إنه مرتاح ويبدو أنه يستمتع بالتفاعل مع الناخبين. سيكون قادراً على التواصل مع الناخبين الريفيين الذين ربما تكون لديهم شكوكاً بشأن هاريس. ستمنح خلفيته وشخصيته الديمقراطيين القدرة على التحدث إلى الناخبين الريفيين بطريقة لم يتمكنوا من القيام بها في دورات الانتخابات القليلة الماضية".
من جانبه، لفت أستاذ التاريخ السياسي بجامعة "بينجهامتون" في نيويورك والخبير في السياسة الأميركية الحديثة، دونالد نيمان، إلى "الكيمياء" بين هاريس ووالز. وقال نيمان لـ"الشرق"، إن هاريس طوّرت كيمياء شخصية جيدة مع والز، معتبراً ذلك أمر مهم لقدرتهما على العمل معاً أثناء الحملة، وفي حال فوزها، للحكم بشكل فعال "كانت لديها هذه الكيمياء مع بايدن وأرادت التأكد من أنها كانت لديها مع مرشحها لمنصب نائب الرئيس".
ولاية غير متأرجحة لكنها "حاسمة"
تتخلّف هاريس عن ترمب في ولاية بنسلفانيا المتأرجحة. ونظراً لأن مينيسوتا ولاية غير متأرجحة، فكان الأولى بهاريس اختيار حاكم بنسلفانيا جوش شابيرو، نائباً لها للفوز بالولاية، التي تمتلك 19 صوتاً انتخابياً في المجمع الانتخابي، متفوقة على ميشيجان بـ4 أصوات، و9 أصوات أكثر من ويسكونسن، ما يسهل الطريق أمامها لاكتساح الولايات الثلاث المتأرجحة الأخرى "نيفادا، ويسكونسن، ميشيجان" في الغرب الأوسط ومنها إلى البيت الأبيض.
لكن أعباء شابيرو التي جلبها بسبب انتقاده اللاذع لمعاداة السامية في الاحتجاجات الجامعية ضد إسرائيل وحربها على قطاع غزة، وجد خبراء أنها ربما تضر هاريس في ميشيجان مع عدد سكانها العرب الأميركيين الضخم، وكان ليخفف من حماس التقدميين الديمقراطيين المتعاطفين مع الفلسطينيين، ووصف نيمان اختيار هاريس لوالز بأنه "ذكاء سياسي".
واعتبر نيمان أن الحسابات تشير إلى أن والز سيساعد البطاقة الديمقراطية في كل الولايات المتأرجحة، رغم كونه من ولاية غير متأرجحة، لعدة أسباب؛ أولها أنه يتمتع بخبرة عميقة، إذ خدم في مجلس النواب لـ6 فترات وهو الآن في فترة ولايته الثانية كحاكم لولاية مينيسوتا، "وهذا يسمح لهاريس بأن تزعم أنه ربما يصبح رئيساً إذا حدث لها شيء".
كما يمكنه أن يتواصل مع الناخبين، وخاصة في ولايات ساحة المعركة في الغرب الأوسط، لأنه كانت له مسيرة طويلة كمدرس تاريخ في المدرسة الثانوية ومدرب كرة قدم قبل دخوله عالم السياسة.
وبدلاً من أن يكون سياسياً محترفاً، أو محامياً رفيع المستوى، أو رجل أعمال ثرياً، فإنه يجلب منظور الأميركيين من الطبقة المتوسطة إلى البطاقة الانتخابية، ما يعزز رسالة هاريس بأن ترمب يترشح من أجل الأغنياء وأنها تحاول إعادة بناء الطبقة المتوسطة، وفقاً لنيمان.
وأضاف نيمان: "هذا المزيج من القدرة على التواصل والخبرة في الحكومة يمنحه جاذبية واسعة النطاق لدى عدد قليل نسبياً من الناخبين غير الحاسمين في الولايات المتأرجحة الحاسمة التي ستقرر الانتخابات بما في ذلك بنسلفانيا".
واختتم نيمان، بأن السبب الأخير، هو تمتع والز بالفصاحة والسرعة في الحديث "بطريقة تبدو صادقة ومضحكة في بعض الأحيان".
من جانبه، لفت الديمقراطي ومدير مؤسسة RC Communications للاتصالات كالفين دارك إلى أن مينيسوتا تشترك في العديد من القيم والتحديات والأولويات مع الولايات المتأرجحة القريبة، ويمكن لوالز التحدث إلى ناخبي تلك الولايات المتأرجحة بطريقة أصيلة ومقنعة، مضيفاً أنه سيكون قادراً، أيضاً، على تحدي ادعاء المرشح الجمهوري لمنصب نائب الرئيس جيه دي فانس بشكل مباشر، بتمثيل ما يبحث عنه الأميركيون في الغرب الأوسط في "الزعيم".
أما أور، فرجح أن تشكل خلفية والز باعتباره من سكان الغرب الأوسط، توازناً جيداً لحملة هاريس ويمكنها أن تحظى بقبول جيد خاصة في ولايات "حزام الصدأ" المتأرجحة، مثل ميشيجان وبنسلفانيا وويسكونسن "التي لديها بعض الحساسيات الثقافية المماثلة لمينيسوتا".
والز وفانس "متشابهان مختلفان"
وفي أول هجوم له على والز، قال المرشح الجمهوري لمنصب نائب الرئيس جيه دي فانس عضو مجلس الشيوخ عن ولاية أوهايو، إن والز كان "أحد أكثر المتطرفين اليساريين في حكومة الولايات المتحدة بأكملها على أي مستوى".
وانتقد فانس، في فعالية انتخابية بفيلادلفيا، الثلاثاء، هاريس بسبب قرارها بعدم اختيار حاكم ولاية بنسلفانيا جوش شابيرو مرشحاً لمنصب نائب الرئيس، قائلاً: إنها "تنحني أمام العناصر الأكثر تطرفاً في حزبها".
وبينما يتشابه المرشحان لمنصب نائب الرئيس، والز وفانس، بأنهما من الغرب الأوسط، ولهما خلفيات متواضعة، ويتوقع أن يجذبا الناخبين من الطبقة العاملة البيضاء. فإن خبراء وديمقراطيين أشاروا إلى أن الخيارين "مختلفين إلى حد كبير".
وقال الديمقراطي ومدير مؤسسة RC Communications للاتصالات كالفين دارك إن حملة ترمب ستحاول تعريف هاريس/ والز على أنهما ليبراليان للغاية، "ومع ذلك، سيرى الناخبون أن سياسات ومواقف هاريس ووالز معتدلة وأقرب إلى ما يريده الناخبون الأميركيون، مقارنة بالمواقف المتطرّفة والغريبة لترمب وفانس".
ولفت الناشط الديمقراطي والمحامي الحقوقي ألين أور إلى أن فانس أضر بسمعته بالفعل بسبب تعليقات غير مدروسة و"غريبة"، أدلى بها في عام 2021، قال فيه إن الولايات المتحدة كانت تُدار من قبل "مجموعة من سيدات القطط اللاتي ليس لديهن أطفال، ويشعرن بالبؤس بسبب حياتهن الخاصة، ولذا فهن يردن جعل بقية البلاد بائسة أيضاً"، ذاكراً نائبة الرئيس كامالا هاريس بالاسم.
وقال أور إن وجود والز على البطاقة الديمقراطية، أكثر من غيره، يبرز "شعبوية ونقاط ضعف" نظيره فانس.
وبينما وصف الخبير في السياسة الأميركية الحديثة، دونالد نيمان، فانس بأنه مكسباً، لأنه كان يجذب الناخبين من الطبقة العاملة في بنسلفانيا وميشيجان وويسكونسن نتيجة نشأته في عائلة فقيرة من الطبقة العاملة وحقق النجاح، فإنه رجح أن يتفوق والز عليه في هذا الجانب.
خلفية متواضعة وخبرة حكومية
وقال نيمان إن والز يأتي من خلفية متواضعة من الطبقة الوسطى الصلبة، وكسب عيشه كمعلم بدلاً من أن يكون محامياً متخرجاً من جامعة "ييل"، مضيفاً أن خبرة والز في الحكومة ستعطيه أيضاً ميزة على فانس، الذي لا يمتلك سوى خبرة لمدة عام ونصف في مجلس الشيوخ.
وتابع: "وأخيراً، يبدو أن والز لديه سيطرة أكبر بكثير على كلماته مقارنة بفانس، لذا لن يضطر إلى تبرير أو الدفاع عن أشياء غبية قالها في الماضي".
واعتبر نيمان أن اختيار نائب الرئيس لا يشكل فرقاً كبيراً على المدى الطويل، إلا إذا كان الاختيار محرجاً ويخلق جدالات يجب تبريرها، تشتت الانتباه عن الرسائل الرئيسية للحملة، مضيفاً: "والز لن يفعل ذلك. فانس فعل ذلك بالفعل. وهي نقطة أخرى لصالح هاريس".
واتفق أستاذ العلوم السياسية في جامعة "ميسوري" بيفرل سكوير مع نيمان في أن والز سيكون أكثر راحة مع الناخبين، مرجحاً ألا يسبب أي مشكلات للمرشح الرئاسي، كما فعل فانس مع ترمب، قائلاً: "لن يؤثر اختيار والز على الانتخابات، ولكن من المرجح أن يكون إيجابياً للديمقراطيين. في مقابل فانس الذي لا يتمتع بخبرة كبيرة في الحملات الانتخابية، واتخذ بعض المواقف غير الشعبية".
غير أن الباحث السياسي في مركز الدراسات السياسية التابع لجامعة فيرجينيا، جون مايلز كولمان، استبعد أن يكون لأي من المرشحين لمنصب نائب الرئيس تأثير مباشر كبير على السباق.
وقال كولمان إن كلاً من والز وفانس شخصين غير معروفين إلى حد كبير على مستوى الولايات، لذلك لا يزال الناخبون يتعرفون على كلا المرشحين لمنصب نائب الرئيس.
ولفت إلى أنه إذا أجريت مناظرة بين المرشحين لمنصب نائب الرئيس، فسيكون لكل منهما فرصة لإيصال رسالته.
وقال كولمان إن والز أحد الديمقراطيين المنتخبين الأوائل الذين بدأوا وصف الجمهوريين بـ"الغريبين"، مشيراً إلى أنها صفة تنطبق على بعض أفكار فانس السياسية، مضيفاً: "بشكل عام، أتوقع سباقاً متقارباً، رغم ذلك. في حين قد يساعد والز هاريس مع مجموعات معينة من الناخبين، إلا أن معظم الناس في نهاية المطاف يهتمون أكثر بمن هم المرشحون الرئاسيون".