بريطانيا.. وسائل التواصل ميدان مواجهة بين الحكومة واليمين المتطرف

time reading iconدقائق القراءة - 11
متظاهرون يعتدون على رجال شرطة خلال مظاهرة مناهضة للهجرة في روثرهام ببريطانيا. 4 أغسطس 2024 - Reuters
متظاهرون يعتدون على رجال شرطة خلال مظاهرة مناهضة للهجرة في روثرهام ببريطانيا. 4 أغسطس 2024 - Reuters
لندن-بهاء جهاد

تحدّث رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر عن رؤية حكومته لنشاط اليمين المتطرف على فضاء الإنترنت بمختلف منصاته، قائلاً إن "وسائل التواصل الاجتماعي ليست مناطق متحررة من القانون عندما يتعلق الأمر بأمن بريطانيا"، وأن من وصفهم بـ"البلطجية" والمحرضين على العنف "سيواجهون حكم القضاء على أفعالهم وأقوالهم".

وتحتضن وسائل التواصل عموماً، وتحديداً "إكس" و"تليجرام"، نشاط الشعبويين منذ بدء تحركاتهم في المملكة المتحدة قبل أكثر من أسبوع، إذ يتبادلون الدعوات للتجمع والتظاهر ورسائل التحريض ضد المهاجرين، وخاصة الجالية المسلمة التي تعرّض أفرادها لاعتداءات طالتهم وممتلكاتهم ودور عبادتهم خلال الأيام الماضية.

ومنذ بدء احتجاجات اليمين المتطرف انخرط مالك منصة "إكس" إيلون ماسك في الأحداث على نحو فُسّر بأنه دعم وتشجيع للشعبويين، وكلما دوّن شيئاً مرتبطاً بالأحداث استدعى هذا رداً مندداً من حكومة حزب "العمال"، حتى بلغ الأمر حدود مطالبة ساسة ومشرّعين بريطانيين بمساءلة الملياردير الأميركي أمام برلمان المملكة المتحدة بمجرد استئناف جلساته.

ولا تكمن مشكلة بريطانيا مع منصات التواصل في "دعم" ماسك لليمين المتطرف فقط، وإنما أيضاً عجز ضبط المحتوى الإلكتروني المحرّض على العنف وجرائم الكراهية بحق المهاجرين، ويتباين هذا مرة بسبب التشريعات "المنقوصة" أو المحدودة في هذا المجال، وأخرى نتيجة لصعوبة إدانة مضمون المنشورات والصور المتبادلة.

قصور في القوانين

وقال عمدة لندن صادق خان، إن القوانين المستخدمة في مواجهة المعلومات المضللة "غير كافية ولا تواكب احتياجات البلاد في هذا المجال"، داعياً إلى إعادة النظر فيها بعد انتشار إلكتروني واسع للأكاذيب التي ساهمت في اندلاع أعمال الشغب في أنحاء مختلفة من المملكة المتحدة بعد الجريمة التي وقعت في مدينة ساوثبورت.

وعلى مدار يومين بعد حادثة ساوثبورت التي راحت ضحيتها 3 فتيات، انتشرت عبر وسائل التواصل رواية زائفة عن هوية الجاني تشير إلى أنه مهاجر مسلم وصل البلاد في عام 2023 بشكل غير شرعي، ورغم أن الشرطة نفت الأمر لاحقاً ونشرت اسم الجاني الحقيقي، إلا أن القصة الأولى كانت قد فجّرت غضب الشعبويين.

وشدد عمدة لندن، وهو أحد كبار السياسيين المسلمين في المملكة المتحدة، على ضرورة تحرك الوزراء بسرعة "كبيرة جداً" لمراجعة قانون "التصفح الآمن للإنترنت" الذي أقرّه البرلمان السابق على ضوء الاضطرابات العنيفة التي شهدتها البلاد بعد حادثة ساوثبورت وأصيب فيها العشرات من عناصر الشرطة بجروح أو كسور.

ويُعتبر قانون "التصفح الآمن للإنترنت" بمثابة إنجاز لحكومة حزب "المحافظين" السابقة، والذي أُقرّ في أكتوبر من عام 2023، ولكنه حتى اليوم لم يوضع في حيز التنفيذ بشكل كامل لأن هيئة الرقابة على المحتوى الإلكتروني في الدولة (أوفكوم) لا زالت بصدد إعداد لوائحه التنفيذية بالتنسيق والتشاور مع منتجي وناشري المحتوى المسجلين في بريطانيا.

ومنح القانون "أوفكوم" صلاحية تغريم وسائل التواصل وناشري المحتوى الإلكتروني عموماً إلى حدود 18 مليون جنيه إسترليني أو 10% من قيمة مبيعاتهم السنوية عند مخالفة تعليمات وضوابط الدولة، ولكن من غير المتوقع أن تنجز الهيئة الرقابية البريطانية لوائحها التنفيذية قبل مطلع عام 2025، وفق صحيفة "الجارديان".

تحذيرات من الحكومة البريطانية

وفي سبيل تفادي ضرر انتظار اللوائح التنفيذية، راسلت "أوفكوم" منتجي المحتوى الإلكتروني لمطالبتهم بضبط المواد المنشورة واعتراضها إن كانت تحث على العنف أو تحرّض ضد المهاجرين، كما حذّر ستارمر وكبار الوزراء في حكومته من مغبة عدم الالتزام بهذه المطالب ومكافحة المواد التي تدفع الناس نحو ارتكاب جرائم كراهية.

وفي استطلاع حديث للرأي أجْرته شركة "يوجوف"، وشمل أكثر من 2000 بريطاني بالغ، قال 66% إن شركات التواصل الاجتماعي يجب أن تتحمل المسؤولية عن المنشورات التي حرّضت ولا زالت تحرّض على السلوك الإجرامي خلال احتجاجات اليمين المتطرف بعد 29 يوليو الماضي.

كما يرى 70% من البريطانيين، وفق نتائج الاستطلاع ذاته، أن وسائل التواصل الاجتماعي ليست منظمة بالقدر الكافي، وذكر 71% من عينة الاستبيان أن هذه المنصات لم تُفعل ما يكفي لمواجهة المعلومات المضللة بشأن حادثة ساوثبورت وما تلاها من أعمال عنف وشغب.

وقال مدير مركز الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي في جامعة "شرق لندن" أمير النمرات، إن المشكلة تكمن في حداثة الحالة التي تتعامل معها الحكومة في الأحداث الراهنة.

وأشار النمرات في حديثه لـ"الشرق"، إلى أن قانون "سلامة الإنترنت" الذي أُقرّ العام الماضي لم يغطّ كل الجوانب المتعلقة بهذا الشأن، وربما لم يتوقعها.

ولفت إلى أن الرواية الكاذبة بشأن حادثة ساوثبورت، والتي فجّرت احتجاجات اليمين المتطرف، استمرت ليومين على الأقل تحت أعين الرقابة المختصة في بريطانيا، ولم تستطع "أوفكوم" التصدي لها بسبب ارتباطها بجريمة قتل يحدد القضاء شكل الإفصاح عن تفاصيلها.

من جهته، أوضح وزير شؤون مجلس الوزراء نيك توماس سيموندز، أن الحكومة ستعيد النظر في إطار التشريع المنظم للنشر الإلكتروني بعد أن اتضح وجود جوانب من قانون "التصفح الآمن للإنترنت" لم تدخل حيز التنفيذ بعد، وربما تحتاج إلى قراءة جديدة تواكب المستجدات التي ظهرت بعد أحداث العنف الأخيرة، على حد تعبيره.

"حرب إيلون ماسك"

وفي السياق ذاته، تتزايد أعداد الذين يواجهون محاكمات على ضوء الأحداث التي تعرّض فيها شعبويون لعناصر الشرطة ومجتمعات المهاجرين، إذ تم توجيه التهم لنحو 150 شخصاً من أصل 500 تقريباً أُلقي القبض عليهم، فيما صدرت أحكام بالسجن بحق 10 على الأقل حتى الآن تراوحت بين عدة أشهر و 3 سنوات.

وكثير من هؤلاء، وفق عالمة الاجتماع ستيفاني أليس بيكر، تورطوا في الأحداث بعد تأثّرهم بما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي، فمقاطع الفيديو والصور المنتشرة للعنف والاعتداءات شجعت مجموعة من أصحاب التفكير المماثل على الانخراط في الحراك "حيث هناك نقطة تحوّل يشعر الناس فيها بالجرأة للتصرف بناء على مشاعرهم، وعادة ما يحدث هذا عندما يرون أشخاصاً غيرهم يفعلون الشيء نفسه".

وتُعد "إكس" من أبرز منصات التواصل الاجتماعي التي يعتمد عليها اليمين المتطرف في حراكه الراهن، حتى إن عدة تقارير إعلامية محلية شبّهت تدوينات إيلون ماسك على منصته بـ"عيدان الثقاب التي تُشعل شرارة الأحداث في كل مدينة ومنطقة ببريطانيا".

وفي الوقت الذي اعتبر فيه الملياردير الأميركي الأحداث التي تلت حادثة ساوثبورت بأنها "بداية حرب أهلية في البلاد"، انتقد مسؤولون بريطانيون تدويناته التي تصف إحداها محاولات الدولة لضبْط محتوى الفضاء الإلكتروني باعتبارها مساعٍ لقمع حرية التعبير ومصادرة آراء البريطانيين في مجتمعهم.

أما الكاتب في صحيفة "إندبندنت" جيمس مور فقال: "عندما يدّعي ماسك الدفاع عن حرية التعبير فإنه يحضّر المسرح لأعدائها"، منوهاً بأن منصة "إكس" باتت "أرضاً خصبة جداً لوجهات نظر عنصرية ويمينية متطرفة، فضلاً عن قيامها بتسهيل تنظيم أعمال الشغب التي يمكن أن تكون دولاً أخرى مسرحاً لها في قارة أوروبا".

"تليجرام البديل"

وتسبب السجال بين ماسك وحكومة بريطانيا في انتقادات كبيرة للملياردير الأميركي من قِبَل ساسة وإعلاميين في المملكة المتحدة، وتوعّد باستجوابه تحت قبة مجلس العموم، حتى إن متحدثاً باسم المفوضية الأوروبية قال إن "تحقيقاً قد يُفتح مع ماسك في التكتل بشأن ما ينشره ويحرّض على العنف في أحداث إنجلترا وإيرلندا الشمالية".

وقالت الصحافية البريطانية المتخصصة في الشؤون التكنولوجية لوري كلارك إنه "نتيجة للتضييق الرسمي على منصة (إكس) بدأ الشعبويون في بريطانيا بالبحث عن ملاذ آمن لهم في تطبيق (تليجرام) الذي طالما عُرف كبيئة خصبة لنشر ثقافة التطرف والإرهاب، وبعدها بات منبراً للرواية الروسية في حرب أوكرانيا، واليوم يحاول اليمين المتطرف في قارة أوروبا استخدامه".

وأشارت كلارك في تقرير بمجلة"بوليتيكو" إلى أن هناك حسابات لشعوبيين على "تليجرام" تجاوز عدد متابعيها 10 آلاف شخص، إلا أن إدارة التطبيق أبدت اهتماماً بالتصدي لكل محتوى يدعو إلى العنف واستجابت لمطالبات بتتبّع هذه الحسابات وإغلاقها على الفور، وفقاً لبيانات صادرة عن القائمين على الشركة.

وتومي روبنسون، الناشط الشعبوي البارز الذي تقول الحكومة البريطانية أإنه لعب دوراً كبيراً في الأحداث الأخيرة، يمتلك 3 حسابات على "تليجرام" والمخصص للبث المباشر بينهم يتابعه نحو 2600 شخص حتى الآن، فيما يحظى حسابه على منصة "إكس"، الذي أُعيد تفعيله قبل أشهر، بمتابعة نحو مليون شخص.

تصنيفات

قصص قد تهمك