إيطاليا.. ميلوني في مرمى اتهامات بإخراس الصحافيين بسلاح الدعاوى القضائية

time reading iconدقائق القراءة - 8
رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيرَيها الكندي والبلجيكي إلى جانب الرئيس الأوكراني ورئيسة المفوضية الأوروبية في كييف. 25 فبراير 2024 - AFP
رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيرَيها الكندي والبلجيكي إلى جانب الرئيس الأوكراني ورئيسة المفوضية الأوروبية في كييف. 25 فبراير 2024 - AFP
دبي -الشرق

تواجه رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني انتقادات شديدة، واتهامات باستخدام الإجراءات القانونية كسلاح ضدّ الصحافيين، إذ تتهمها المعارضة بـ"الترهيب" من خلال استخدام الدعاوى القضائية بشكل متزايد لتقويض عمل الصحافيين، والسعي إلى التدخل سياسياً في عمل هيئة الإذاعة والتلفزيون.

وباعتباره صحافياً يعمل في صحيفة "إل فوجليو" الإيطالية الليبرالية، لم يتردد لوتشيانو كابوني قط في توجيه انتقادات لاذعة لما وصفه بالسياسات الحكومية الحمائية. وكتب مقالاً قال فيه مازحاً إن وزير الصناعة أدولفو أورسو، ينبغي أن يُطلَق عليه اسم "أورس"، وهو الاختصار الإيطالي للاتحاد السوفيتي، ما أوقع كابوني في مشكلات قانونية، يقول معارضون إنها "أصبحت متكررة للغاية" في ظل حكم رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني.

ويواجه الصحافي حالياً معركة قانونية طويلة ومكلفة، بعد أن رفع أورسو دعوى قضائية ضده بتهمة التشهير وطالب بتعويضات قدرها 250 ألف يورو. وقال كابوني لصحيفة "فاينانشيال تايمز" إنه "أمر غريب ومثير للسخرية بعض الشيء. إنه يتهمني بنزع الشرعية عن الحكومة، ثم يطلب المال لنفسه".

ويعكس استياء أورسو، ودعواه القضائية، العلاقات المتوترة بين الصحافيين وحكومة ميلوني، وهي المواجهة التي دفعت الاتحاد الأوروبي أيضاً إلى اتهام روما باستخدام الإجراءات القانونية لقمع انتقادات وسائل الإعلام.

وتراجعت إيطاليا خمسة مراكز في مؤشر حرية الصحافة العالمي الذي أعدته "مراسلون بلا حدود" هذا العام، إلى المركز 46 من أصل 180 دولة.

ويقول الصحافيون ومراقبو حرية الإعلام والمحامون، إن أعضاء ائتلاف ميلوني اليميني "سريعو الغضب ومتسرعون في رفع الدعاوى القضائية بسبب الأقلام المزعجة". كما فرضت الحكومة قيوداً على التغطية الإعلامية للإجراءات الجنائية.

وقال أندريا دي بييترو، وهو محام متخصص في وسائل الإعلام في روما: "يمكننا أن نقول بكل تأكيد إن هذه الحكومة تتبنى موقفاً أكثر قمعاً، وهي أقل انفتاحاً على حرية المعلومات. وهذا تغيير أدركناه جميعاً... إنهم أقل استعداداً لقبول النقد على المستوى السياسي".

اتهامات أوروبية

واتهمت فيرا يوروفا، نائبة رئيس المفوضية الأوروبية، حكومة ميلوني بـ"الترهيب" من خلال استخدام الدعاوى القضائية بشكل متزايد لتقويض عمل الصحافيين والسعي إلى التدخل سياسياً في عمل هيئة الإذاعة والتلفزيون العامة المملوكة للدولة. 

وردت ميلوني على المفوضية بزعم أنها أعطت مصداقية لـ"هجمات خرقاء وخادعة"، من "محترفين في التضليل والتضليل"، واتهمت العديد من الصحف الإيطالية بمحاولة "التلاعب" ببروكسل.

وقالت ميلوني للصحافيين: "لا أعتقد أن هناك قاعدة في إيطاليا تنص على أنه إذا كان لديك بطاقة صحافي، فيمكنك التشهير بشخص ما بحرية".

من جانبه، قال السيناتور لوسيو مالان، عضو حزب ميلوني اليميني "إخوان إيطاليا"، إن هناك "سابقة لرئيس وزراء طلب اللجوء إلى المحاكم عندما تعرض للنقد". 

وقال مالان: "هناك الكثير من الحالات لرؤساء وزراء فعلوا ذلك من قبل، أنا أفهم أن شخصاً ما قد لا يحب ذلك. لكن هذا لا يشكل تغييراً عن الماضي".

ويضمن دستور إيطاليا بعد الحرب العالمية الثانية، الذي تم تبنيه بعد سقوط حكومة بينيتو موسوليني الفاشية، حق المواطنين في "التعبير عن أفكارهم بالكلام أو الكتابة أو أي شكل آخر من أشكال الاتصال".

ومع ذلك، يتضمن قانون العقوبات في البلاد أيضاً، قانوناً جنائياً للتشهير يعود إلى حقبة الفاشية، والذي ينص على عدة سنوات في السجن وغرامات لإلحاق الضرر بسمعة شخص ما. وعلى النقيض من بلدان مثل بريطانيا، يمكن أن تشمل هذه الجرائم الإهانات وكذلك الادعاءات المحددة حول شخص ما.

6 آلاف شكوى تشهير سنوياً

وتقدر منظمة الأكسجين للمعلومات، وهي مرصد مقره روما، أن أكثر من 6 آلاف شكوى تشهير يتم تقديمها كل عام وأن أقل من 10% منها تنتهي بالإدانة. وقال كابوني، الذي رفع ضده مشرع من حركة النجوم الخمس الشعبوية دعوى قضائية قبل عدة سنوات بتهمة التشهير: "هناك مشكلة في الحوافز". وقد تم رفض القضية في النهاية.

وخلال سنواتها في المعارضة، غالباً ما رفعت ميلوني دعاوى قضائية ضد المنتقدين بتهمة إهانتها، وقد أدت العديد من هذه القضايا، التي لم تسحبها بعد أن أصبحت رئيسة للوزراء، إلى أحكام بارزة.

وأثارت ميلوني، التي انخرطت في وقت مبكر في حركة شبابية فاشية جديدة، قلق الحلفاء في أوروبا وخارجها عندما وصلت إلى السلطة في عام 2022. 

لكنها سرعان ما خففت من هذه المخاوف من خلال إقامة علاقات قوية مع كل من بروكسل وواشنطن، حتى مع استمرار تآكل حرية وسائل الإعلام في إثارة القلق. بعد أسابيع فقط من تولي ميلوني منصبها، رفعت قضية تشهير ضد ضد الكاتب روبرتو سافيانو، لوصفها وزعيم الرابطة اليميني المتطرف، ماتيو سالفيني، بـ "الأوغاد" بسبب موقفهما الصارم من الهجرة. 

وفي أكتوبر الماضي، أدين سافيانو بدفع ألف يورو لميلوني. كما تم تغريم صحفية مستقلة 5 آلاف يورو الشهر الماضي بسبب سلسلة من المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي في عام 2021، عندما سخرت من ميلوني بسبب قصر قامتها.

كما تلوح في الأفق قضايا أخرى، إذ من المقرر أن يمثل لوتشيانو كانفورا، أستاذ التاريخ البالغ من العمر 82 عاماً، للمحاكمة في أكتوبر لوصفه ميلوني بأنها "نازية جديدة في روحها".

وقال المحامي دي بييترو، إن القضاة في إيطاليا عادة ما يرفضون اللغة المسيئة، حتى لو كانت تتعلق بمجرم مدان. وعندما وصف صحافي، أحد قتلة المافيا بعد وفاته بأنه "قطعة من القذارة"، تم تغريمه 600 يورو، بالإضافة إلى التكاليف القانونية في عام 2020. وقال دي بييترو: "لا يضفي الفقه الإيطالي الشرعية على حرية الإهانات. في بعض الأحيان لا يكون التشهير بسبب ما تقوله، بل بسبب كيفية قولك له".

كما سعى أعضاء آخرون في حكومة ميلوني، إلى اللجوء إلى القانون ضد المنتقدين، إذ هدد وزير الدفاع جويدو كروسيتو بمقاضاة إحدى الصحف بسبب مزاعم وجود تضارب في المصالح بسبب عمله السابق في صناعة الدفاع. ولم يقم كروسيتو برفع دعوى قضائية ضد الصحيفة، ولكن ثلاثة من صحافييها يخضعون للتحقيق الجنائي بتهمة تلقي ونشر تفاصيل وثائق سرية، بما في ذلك الإقرار الضريبي للوزير.

وإذا ثبتت إدانتهم، فقد يواجهون عقوبة تصل إلى 5 سنوات في السجن. كما رفع وزير الزراعة فرانشيسكو لولوبريجيدا، صهر ميلوني، دعوى قضائية ضد أستاذ فلسفة مقيم في روما وصف تصريحاته بشأن "الاستبدال العرقي" للإيطاليين بالمهاجرين بأنها تذكرنا بـ"حاكم هتلري جديد".

وقال كابوني، الصحافي في صحيفة "إيل فوجليو"، إنه يرى قضية التشهير التي رفعها أورسو، أكثر إزعاجاً من كونها تهديداً، ولكنه لا يزال يجد نفسه يزن كل كلمة يكتبها. وقال كابوني إنها "تضيف القليل من الضغط. في كل مرة أكتب فيها عن المواضيع التي تتناولها الوزارة، أتساءل كيف أتحدث عنها، وما الكلمات التي أستخدمها".

تصنيفات

قصص قد تهمك