تستعد إسرائيل لهجوم محتمل من إيران و"حزب الله" اللبناني، فيما تدور مناقشات داخل تل أبيب بشأن "ما إذا كان الآن هو الوقت المناسب" لشن هجوم على الجماعة اللبنانية، أو محاولة خفض التصعيد لتجنب إشعال حرب إقليمية أوسع نطاقاً، وفق صحيفة "وول ستريت جورنال".
وقالت الصحيفة الأميركية في تقرير، الأربعاء، إن الولايات المتحدة كانت تعمل بأقصى طاقتها خلف الكواليس لتجنب تصعيد ربما يؤدي إلى حرب إقليمية. ومن المتوقع أن ترسل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وفداً رفيع المستوى إلى المنطقة هذا الأسبوع للعمل على هذه المهمة.
وأشارت إلى وجود "انقسام" داخل إسرائيل، حيث يرى مسؤولون ومنهم وزير الدفاع يوآف جالانت، أنه حان الوقت لوقف إطلاق النار في غزة، الذي سيتضمن إطلاق سراح المحتجزين، والمساعدة في تهدئة التوترات على الحدود الشمالية حتى يتمكن آلاف الإسرائيليين الذين نزحوا من العودة إلى منازلهم. أما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فصرّح بأنه لا يريد حرباً، لكنه توّعد بـ"ثمن باهظ" رداً على أي هجوم محتمل.
"توقيت مناسب"
ومع ذلك، يعتقد عدد متزايد من المسؤولين الأمنيين الحاليين والسابقين، وكذلك سياسيين ينتمون إلى الوسط، واليمين، واليمين المتطرّف، أن التوقيت ربما يكون مناسباً لتبني إسرائيل نهجاً هجومياً مع جماعة "حزب الله"، التي حشدت أكثر من 100 ألف صاروخ وقذيفة وطائرة مسيرة، وأسلحة أخرى على امتداد الحدود الشمالية لإسرائيل.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين إسرائيليين حاليين وسابقين، قولهم إن قيادة المنطقة الشمالية للجيش الإسرائيلي، وهي المسؤولة عن الدفاع عن الحدود مع لبنان "تضغط من أجل اتخاذ نهج أكثر عدائية ضد حزب الله، مما اتبعته إسرائيل خلال الحرب الحالية".
وحذّر مسؤول أمني كبير من أن رد فعل غير متناسب من جانب "حزب الله" يمكن أن "يقود إلى هجوم إسرائيلي سيؤدي إلى واقع جديد على الحدود الشمالية".
"حرب حتمية"
من جانبه، رجح عاموس يادلين، وهو مسؤول استخبارات سابق ورئيس شركة MIND Israel، لاستشارات الأمن القومي، أن "التوصل إلى اتفاق دبلوماسي، رغم أنه مفضل، غير محتمل في هذه المرحلة".
وعلى الصعيد الاستراتيجي، أعرب يادلين عن اعتقاده بأن إسرائيل "يجب أن تنتظر لما بعد هجوم من حزب الله، حتى يكون لديها المبررات التي تحتاج إليها لشن حملة سريعة وقوية يمكن أن تشل الجماعة في غضون أيام أو أسابيع، بينما تحظى بتأييد أميركي"، معتبراً أن "الوقت حان للتحرّك نحو الشمال".
وداخل حكومة نتنياهو، يدعو وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن جفير إلى شن حرب على "حزب الله"، وكذلك أعضاء حزب الليكود اليميني الذي ينتمي إليه نتنياهو. وحتى السياسيون من تيار الوسط، مثل رئيس حزب "الوحدة الوطنية" بيني جانتس، طالبوا إسرائيل باستهداف البنية التحتية اللبنانية، وهي خطوة هجومية من المرجح أن تشعل حرباً.
ويقول محللون أمنيون إن الحرب بين إسرائيل و"حزب الله" كانت تعتبر "حتمية منذ فترة طويلة"، لذا فإنها مسألة توقيت فقط.
ضغوط إسرائيلية
ورجحت الصحيفة، أنه مع توقع ضربة انتقامية من إيران و"حزب الله" رداً على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، أثناء تواجده في طهران، والقائد العسكري فؤاد شكر في بيروت، يمكن أن تجد إسرائيل "التبرير اللازم لضرب الجماعة بقوة كافية لردع هجمات مستقبلية لسنوات عديدة"، مشيرة إلى أن القوات الإسرائيلية محتشدة على الحدود، والإسرائيليون مستعدون نفسياً للحرب، والولايات المتحدة نقلت قطعاً عسكرية إلى المنطقة، تشمل غواصة صواريخ موجهة.
ولفتت إلى وجود ضغوط هائلة على حكومة إسرائيل، لتوجيه ضربة إلى "حزب الله" حتى يتمكن 60 ألف إسرائيلي تعرضوا للتشريد من العودة إلى منازلهم.
ونقلت عن وزير التعليم الإسرائيلي يوآف كيش، وهو عضو في ائتلاف نتنياهو، قوله في مقابلة إذاعية الأحد: "لا أرى أي طريقة لإعادة السكان إلى شمال إسرائيل بدون حرب قوية ضد حزب الله في لبنان".
"مواجهة مدمرة" مع إيران
ومع ذلك، بعد 10 أشهر من الحرب على غزة، يقول البعض إن حالياً هو الوقت الخطأ تماماً للدخول في حرب أخرى، لأن قوات الاحتياط الإسرائيلية منهكة، والاقتصاد يواجه صعوبات، لا سيما بعد خفض وكالة "فيتش"، الاثنين، التصنيف الائتماني لإسرائيل، بسبب العمليات العسكرية على جبهات متعددة، كما أن البلاد بحاجة إلى وقت لإعادة التزود بمخزونات الأسلحة.
لكن الأخطر من ذلك، بحسب الصحيفة، هو أن تدمير "حزب الله" أقوى وكلاء إيران يهدد "بمواجهة مباشرة" مع طهران، والتي من المرجح أن تؤدي إلى حرب إقليمية شاملة يمكن أن تمتد إلى خارج الشرق الأوسط، ومن المحتمل أن تجر الولايات المتحدة إلى الصراع.
ووفقاً للصحيفة، تعمل الولايات المتحدة وأوروبا ودول عربية على تجنب مثل هذا السيناريو منذ هجوم 7 أكتوبر، الذي شنته "حماس" على إسرائيل، والذي أشعل فتيل الحرب على غزة، وتبادل الهجمات المستمر بين "حزب الله" وإسرائيل.
ولفتت الصحيفة إلى أن جالانت عارض خلال جلسة برلمانية، الاثنين، من يدعون إلى الحرب مع "حزب الله"، قائلاً: "رأيت مثل هذه الشجاعة عندما يطرح الأمر للمناقشة"، مضيفاً: "الظروف التي تؤدي لاندلاع حرب في لبنان القائمة اليوم، تتعارض مع ما كانت عليه في بداية الحرب".
وذكرت "وول ستريت جورنال"، أن جالانت كان دعا إلى شن هجوم إسرائيلي ضد لبنان مباشرة بعد هجوم السابع من أكتوبر، لكن الرئيس الأميركي جو بايدن نجح في إقناع الإسرائيليين بتعليق مثل هذه الخطط.
وحذّرت الصحيفة أن مثل هذه الحرب ستكون مدمرة لكلا الجانبين، لافتة إلى أن "حزب الله" أقرب إلى جيش مسلح بشكل جيد من كونه جماعة مسلحة تقليدية، ولديه ما يكفي من الصواريخ والطائرات المسيرة لإرهاق الدفاعات الجوية الإسرائيلية، وآلاف من المشاة المدربين تدريباً جيداً لاجتياح أراضيها.
وقال محللون أمنيون، إنه "مع احتمال سقوط خسائر بشرية في الجانب الإسرائيلي، سيعمل الجيش الإسرائيلي على إنهاء الحرب بأسرع وقت ممكن من خلال حملة جوية عقابية تستهدف الجماعة، التي تتواجد في القرى على طول الحدود الجنوبية، والبنية التحتية اللبنانية".
وأضاف المحللون أنه "من المحتمل أن تدمر إسرائيل القرى اللبنانية الواقعة بالقرب من إسرائيل، وربما تعيد احتلال جنوب لبنان، وتقيم منطقة عازلة جديدة".
"هجوم استباقي"
فيما يقول البعض إن الجيش يجب أن يوجه "هجوماً استباقياً" في لبنان. وفي هذا السياق، قال أمير أفيفي، نائب قائد فرقة غزة السابق في الجيش الإسرائيلي، ورئيس منتدى الأمن والدفاع الإسرائيلي، وهو مركز أبحاث: "ثمة فرق كبير بين بشأن من يهاجم أولاً".
وأضاف أفيفي أن إسرائيل ستدمر 80٪ إلى 85٪ من قدرات "حزب الله" في هجوم استباقي، محذراً من أنه "إذا هاجم حزب الله أولاً، سيكون ذلك مدمراً".
وذكرت الصحيفة أن الولايات المتحدة ودولاً حليفة عملت على وضع خطوط عريضة لاتفاق إسرائيلي مع "حزب الله" كان من شأنه أن يشهد نقل المجموعة بعيداً عن الحدود الإسرائيلية؛ لكن هذه المحادثات تعثرت إلى جانب محاولات التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة.
مع ذلك، يرى كثيرون في إسرائيل بأن أي اتفاق دبلوماسي دون استجابة عسكرية سيؤجل فقط "حرباً حتمية"، إذ من المرجح أن يعود "حزب الله" إلى حدود إسرائيل، ويجدد الأعمال العدائية في المستقبل.
وفي استطلاع رأي أجراه "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" ومقره القدس، أعرب 67٪ من الإسرائيليين عن تأييدهم لنهج "أكثر عدائية" تجاه "حزب الله"، منهم 42٪ قالوا إنه ينبغي أن يشمل ضربات ضد البنية التحتية اللبنانية.
من جهته، قال مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق جيورا آيلاند، إن إسرائيل ينبغي أن توافق على وقف إطلاق النار في غزة، وإعادة الرهائن الإسرائيليين إلى ديارهم، حتى لو كان ذلك يعني بقاء "حزب الله" على حاله، واستمرار "حماس" في المرحلة الراهنة في غزة.
وحذّر آيلاند من أنه في حال لم تتخذ الحكومة الإسرائيلية هذا القرار، فإنه يتعين عليها أن "تشن حرباً شاملة ضد (حزب الله)، بدلاً من الاستمرار في الوضع الراهن"، مضيفاً: "الخياران سيئان. نحن بحاجة ببساطة إلى اختيار أحدهما".