قال مسؤولون أميركيون رفيعو المستوى لصحيفة "نيويورك تايمز"، إن إسرائيل حققت كل ما يمكن لها تحقيقه عسكرياً في قطاع غزة، وإن القصف المتواصل يزيد فقط من خطر وقوع الضحايا بين المدنيين، فيما تنعدم إمكانية إلحاق المزيد من الضرر بحركة "حماس" في القطاع.
وبينما تسارع إدارة الرئيس جو بايدن إلى محاولة إعادة مفاوضات وقف إطلاق النار في القطاع إلى مسارها، يقول عدد متزايد من مسؤولي الأمن القومي في الحكومة الأميركية، إن الجيش الإسرائيلي ألحق أضراراً شديدة بـ"حماس"، ولكنه لن يستطيع تحييدها بالكامل أبداً.
وذكرت "نيويورك تايمز"، أن الحرب الإسرائيلية على غزة ألحقت ضرراً بـ"حماس" أكبر مما كان المسؤولون الأميركيون يتوقعونه حين بدأت الحرب في أكتوبر.
وأضافت أن الجيش الإسرائيلي يدعي القضاء على نحو 14 ألف من مقاتلي حماس أو إلقاء القبض عليهم، وفق بيانات أعلنها الشهر الماضي.
وتستخدم وكالات الاستخبارات الأميركية أساليب مختلفة وأكثر تحفظاً لتقدير الضحايا بين مقاتلي حركة "حماس"، ولكنها تبقي تلك الأرقام سرية.
وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه حيد نحو نصف قيادة كتائب القسام، الجناح العسكري للحركة، بمن في ذلك قائد الكتائب محمد الضيف، والذي أصر قيادي حركة "حماس" أسامة حمدان الأربعاء، على أنه لا يزال حياً.
"التفاوض هو السبيل الوحيد"
ولكن أحد أكبر الأهداف الإسرائيلية المتبقية، وهو عودة 115 محتجزاً في غزة، لا يمكن تحقيقه عسكرياً، وفقاً لمسؤولين أميركيين وإسرائيليين حاليين وسابقين تحدثوا للصحيفة.
وقال الجنرال الأميركي جوزيف فوتيل القائد السابق للقيادة المركزية الأميركية: "خلال الأشهر الـ10 الماضية استطاعت إسرائيل أن تعرقل حركة حماس، وتقتل عدداً من قادتها، وتقلص خطرها على إسرائيل بشكل كبير، والذي كان لا يزال متواجداً في 7 أكتوبر".
وأضاف: "ولكن إطلاق سراح المحتجزين يمكن تأمينه عبر التفاوض فقط".
وأفاد متحدث باسم الجيش الإسرائيلي ناداف شوشاني في مقابلة هاتفية مع "نيويورك تايمز"، بأن الجيش الإسرائيلي وقادته "ملتزمون بتحقيق أهداف الحرب لتفكيك حماس، وإعادة المحتحجزين، وسنواصل العمل بكل تصميم لتحقيق هذه الأهداف"، وفق قوله.
مساع أميركية متواصلة
وجاءت التقديرات الأميركية الأخيرة فيما يسعى عدد كبير من مسؤولي إدارة بايدن لمحاولة التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وتجنب رد انتقامي من إيران وحلفائها على الاغتيالات الإسرائيلية الأخيرة لقادة "حماس" و"حزب الله" اللبناني.
وسيتوجه مدير الاستخبارات المركزية الأميركية ويليام بيرنز إلى قطر الخميس، ومبعوث الرئيس بايدن للشرق الأوسط بريت مكجورك إلى مصر وقطر، فيما وصل مستشار البيت الأبيض آموس هوكستين إلى لبنان.
وأحد الرسائل التي يتوقع أن يوصلها مسؤولي الإدارة الأميركية هي أنه "لا يمكن لإسرائيل إحراز المزيد من التقدم أمام حماس".
والثلاثاء، تحدث وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن مع نظيره الإسرائيلي يوآف جالانت، استعداداً لضربة انتقامية من إيران أو حزب الله ضد إسرائيل.
وتصاعد التوتر بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وجالانت بعدما شكك وزير الدفاع في هدف نتنياهو بـ"النصر الكامل" على حماس، خلال اجتماع مغلق.
ويشارك أوستن وعدد من مسؤولي إدارة بايدن وجهة نظر جالانت بأن اتفاقاً لوقف إطلاق النار وإعادة المحتجزين سيكون "في مصلحة إسرائيل".
وينظر الأميركيون إلى استراتيجية تل أبيب في عمليتها العسكرية الأخيرة على أنها محاولة لحل مشكلة تخلق مشكلات أخرى.
ويشكك مسؤولو الإدارة الأميركية في أن هذا الأسلوب الذي تتبعه حكومة نتنياهو سيؤدي إلى نتائج.
وقف الحرب "كارثة لإسرائيل"
بيد أن الجنرال الإسرائيلي المتقاعد يعقوب عميدرو وهو مستشار سابق للأمن القومي لنتنياهو رفض فرضية أن إسرائيل ليس بوسعها فعل المزيد في غزة.
وقال: "إنجازات إسرائيل في غزة مبهرة، ولكنها أبعد عما تكون مما يجب تحقيقه"، مضيفاً: "إذا أخلت إسرائيل قواتها من غزة الآن، فإن حماس ستعود قوية مرة أخرى خلال عام".
واعتبر أن وقف الحرب الآن "سيكون كارثة لإسرائيل"، مضيفاً أنها تحتاج إلى شهرين أو 3 أشهر من القتال المكثف في وسط وجنوب غزة، وبعد ذلك، تنتقل إسرائيل إلى القيام بغارات وضربات تعتمد على معلومات استخباراتية، لمدة عام لتحييد مقاتلي حماس المتبقين، وبنية الأسلحة قبل السماح لأي طرف آخر بالسيطرة على قطاع غزة.
وفيما حاولت إسرائيل تدمير الأنفاق تحت غزة، إلا أنها فشلت في ذلك، وفق المسؤولين الأميركيين.
وأضاف المسؤولون أن بعض مجمعات الأنفاق الكبيرة، والتي استخدمتها "حماس" كمراكز للقيادة، أصبحت غير قابلة للعمل، ولكن شبكة الأنفاق، أثبتت أنها أكبر بكثير مما توقعت إسرائيل، ولا تزال طريقة فعالة لإخفاء قادة الحركة وتحركات مقاتليها.
وحتى بعد أن تمكنت إسرائيل من السيطرة على الأرض واغتيال عناصر "حماس" من الشمال إلى الجنوب، إلا أن الجيش الإسرائيلي، اضطر للعودة مراراً وتكراراً، بعدما أعاد مقاتلو "حماس" تجميع صفوفهم.
وبعد أن أضعفت إسرائيل الحركة في مخيم جباليا شمالي غزة، اضطرت للعودة في مايو الماضي مجدداً بعدما أعادت "حماس" تجميع صفوفها هناك.
فشل إسرائيلي في السيطرة على الأرض
وشكا مسؤولون حاليون وسابقون بوزارة الدفاع الأميركية من أن إسرائيل لم تظهر بعد قدرتها على تأمين المناطق التي سيطرت عليها في غزة، وخاصة بعد انسحاب قواتها منها، وحتى مع استخدام إسرائيل للقنابل صغيرة القطر زنة 250 رطل لتدمر جيوب المقاومة، وهو ما حضها عليه المسؤولون الأميركيون إلا أن الجيش الإسرائيلي ينتهي به الأمر وهو يقتل المدنيين، كما فعل الأسبوع الماضي، حين ضرب مدرسة التابعين والتي كانت تؤوي نازحين.
وقالت دانا سترول مديرة شؤون الشرق الأوسط السابقة في البنتاجون، إن مجرد النجاة بالنسبة لـ"حماس"، هو نصر، مضيفة: "سيواصلون تجميع قواهم والظهور كلما أعلن الجيش الإسرائيلي أنه أخلى منطقة بدون خطة متابعة للتأمين والحكم في غزة".
وأوردت "نيويورك تايمز"، أنه رغم كل الدمار الذي أمطرته القنابل الإسرائيلية على غزة، وكل المقاتلين الذين سقطوا، إلا أن "حماس" لا تزال تملك بعض القوة العسكرية.
وأوضح رالف جوف وهو مسؤول رفيع سابق في CIA خدم في الشرق الأوسط، أن حماس "استنزفت ولكنها لم تمح. والإسرائيليون قد لا يحققون هدف القضاء التام على الحركة".
ولكن مسؤولون أميركيون يؤمنون بأن إسرائيل حققت "نصراً عسكرياً ذا مغزى"، إذ أن حماس لم تعد قادرة على تخطيط وتنفيذ هجوم مثل السابع من أكتوبر، كما أن قدرتها على اللقيام بهجمات أصغرى على إسرائيل، باتت محل شك.