هل ينجح الديمقراطيون في تحقيق "السيطرة الثلاثية" بالانتخابات الأميركية؟

time reading iconدقائق القراءة - 13
نائبة الرئيس والمرشحة الديمقراطية للرئاسة كامالا هاريس تتحدث وبجانبها الرئيس الأميركي جو بايدن خلال فعالية في ولاية ماريلاند. 15 أغسطس 2024 - Reuters
نائبة الرئيس والمرشحة الديمقراطية للرئاسة كامالا هاريس تتحدث وبجانبها الرئيس الأميركي جو بايدن خلال فعالية في ولاية ماريلاند. 15 أغسطس 2024 - Reuters
واشنطن-رشا جدة

يتطلع الحزب الديمقراطي إلى الفوز بـ"ثلاثية الحُكم" في الولايات المتحدة، الرئاسة ومجلسَي النواب والشيوخ، ليكرر ما حققه في انتخابات 2020، ولكن هذه المرة في وجود كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأميركي جو بايدن، على رأس قائمة الحزب في السباق نحو البيت الأبيض والمقرر في الخامس من نوفمبر المقبل.

وفي أول عامين من ولاية بايدن، ضَمن الديمقراطيون الأغلبية في مجلس الشيوخ، لأول مرة منذ عام 2014 بهامش صغير، واحتفظوا بسيطرتهم على مجلس النواب بأصغر أغلبية منذ عام 1942.

وبينما كان يخشى الديمقراطيون في الكونجرس خسارة مقاعدهم بوجود بايدن على رأس القائمة، حفَّز تقدّم هاريس نواب الحزب للاحتفاظ بمقاعدهم والمنافسة بقوة على مقاعد أخرى.

وأعطت هاريس بصعودها على قمة البطاقة الانتخابية أملاً في سباق متقارب ضد منافسها الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب، بعد أن كان الحزب الديمقراطي يتجه، على ما يبدو، نحو خسارة واضحة في سباق 2024 مع بايدن.

وانعكس هذا التغيير على استطلاعات الرأي، التي أظهرت تقدّم هاريس على ترمب في معظم الولايات المتأرجحة.

ولم تكن ثلاثية الديمقراطيين مع بايدن في 2020 هي الأولى من نوعها، فغالباً ما يتمتع الرؤساء بسيطرة موحدة على مجلسَي الكونجرس في بداية ولايتهم، ومع ذلك يرى خبراء وسياسيون أن "هاريس" ربما تكون بين الاستثناءات، وأنها قد تواجه صعوبة في قيادة الحزب للفوز بثلاثية الحكم في سباق 2024.

هاريس تتقدم

تقدمت نائبة الرئيس في استطلاعات الرأي، بعد أقل من شهر من حملتها الانتخابية، وقلّصت الفجوة مع ترمب بنسبة 48% مقابل 47%، في استطلاع أجْرته مؤسسة "كوك بوليتيكال ريبورت" Cook Political Report، ومؤسسة "جي إس استراتيجي جروب" GS Strategy Group، وهي فجوة لم يتمكن بايدن من تقليصها.

وكشف الاستطلاع الذي ظهرت نتائجه في 14 أغسطس الجاري، أن هاريس تتقدم على ترمب في 6 ولايات متأرجحة من أصل 7.

أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية ومدير مركز القيادة ودراسات الإعلام في "جامعة ماري واشنطن" ستفين فارنسورث، اعتبر هذا التقدم أكثر من مؤشر على أن هاريس أكثر قابلية للفوز، بل ومن المرجح أن يفوز الديمقراطيون بأغلبية مجلس النواب.

ورجّح فارنسورث في حديثه مع "الشرق" أن مجلس الشيوخ، الذي يتمتع فيه الديمقراطيون بأغلبية ضعيفة، يظل بيئة صعبة للغاية بالنسبة لهم للسيطرة عليه في العام المقبل.

وأوضح أن الجمهوريين، وبشكل شبه مؤكد، سيحصلون على مقعد ديمقراطي في ولاية فرجينيا الغربية، "هم قادرون على المنافسة في بعض الولايات الصديقة للجمهوريين مثل مونتانا وأوهايو، لكن بالطبع، يمكن أن يتغير الكثير بين الوقت الراهن ونوفمبر المقبل".

في المقابل، لا يستبعد أستاذ السياسة في "جامعة ويبستر" ويليام هال، أن يفوز الديمقراطيون بثلاثية (الرئاسة وأغلبية مجلسَي الشيوخ النواب)، في انتخابات 2024.

وقال هال في حديثه مع "الشرق"، إن القرار الأخير الذي اتخذه بايدن بإنهاء حملته الانتخابية ودخول نائبته هاريس في السباق الرئاسي كان له تأثير كبير على مجريات الأمور، وهو ما يشير أيضاً إلى وجود فرصة كبيرة ليحتفظ الديمقراطيون بالبيت الأبيض خلال الانتخابات المقبلة.

وأرجع هال السبب في هذا إلى الحملة الرئاسية المنظمة "بشكل استثنائي حتى الآن.. وقد كان لهذا بدوره تأثير إيجابي في إعادة تنشيط جهود المرشحين الديمقراطيين لجميع المناصب الانتخابية في عام 2024".

النواب.. ميزة ضئيلة

كما حفّز أداء هاريس اللافت، الديمقراطيين في مجلس النواب لتنشيط جهودهم مرة أخرى، بعدما كانوا يخشون خسارة مقاعدهم في حال استمر بايدن في سباق الانتخابات الرئاسية.

ومع تقدّم هاريس في استطلاعات الرأي المتعلقة بتفضيلات الناخبين، تقدّم الديمقراطيون أيضاً على الجمهوريين بنقطة واحدة في الكونجرس، وهو ما يمنحهم أملاً، على الأقل، في مجلس النواب.

وبينما يتمتع الجمهوريون حالياً بأغلبية 8 مقاعد فقط في المجلس، الذي يبلغ عدد أعضائه 435، رجّحت الباحثة السياسية مادلين كونواي، أن يبقى الهامش الضئيل نفسه قائماً سواء لصالح الجمهوريين أو الديمقراطيين.

وأشارت كونواي في حديثها مع "الشرق"، إلى سيناريو ينتهي بتقدّم أي من الحزبين بمقعد أو مقعدين "ما يجعل من الصعب للغاية تمرير أي شيء جوهري في مجلس النواب ما لم يتم ذلك بدعم من الحزبين. ومع ذلك، يبقى احتمال الفوز ممكناً للديمقراطيين الذين يحاولون كسب 4 مقاعد لصالحهم".

ولفت هال إلى أنه في هذه المرحلة من الحملة الانتخابية، يبدو أن التقدم الديمقراطي في استطلاعات الرأي بنقطة واحدة في مجلس النواب غير كافٍ للتنبؤ بالنتائج النهائية للانتخابات، رغم أنها قد يكون لها بعض التأثير في النهاية".

عقبة مجلس الشيوخ

يأمل الديمقراطيون في قلب بعض الدوائر الانتخابية التي يسيطير عليها الجمهوريون في مجلس النواب، وهو أمر قد يتحقق رغم تفوق الجمهوريين في عدد من دوائر النواب، لأنه تفوق ضئيل.

وفي مجلس الشيوخ، يواجه الديمقراطيون عقبة في السيطرة عليه بسبب أغلبيتهم الهزيلة.

ومن إجمالي 100 مقعد، تجرى انتخابات الشيوخ في 2024 على 33 مقعداً، بينهم 23 للديمقراطيين، ويميل هال للقول إن الديمقراطيين سيحتفظون على الأرجح بأغلبيتهم في المجلس الشيوخ وربما يزيدونها، مستنداً في هذا على الزخم المتزايد والقوة المتنامية التي يبدو أن الديمقراطيين يختبرونها، وخاصة منذ دخول هاريس في السباق الرئاسي.

ونبّه هال إلى أن العديد من الولايات التي كانت تُعتبر سابقاً إما في وضع قوي بالفعل أو تميل بشدة نحو دعم حزب سياسي معين، تُعتبر الآن ولايات متأرجحة محتملة ومتاحة للفوز، "ومن بين هذه الولايات المتأرجحة قد تعتمد النتيجة النهائية للانتخابات".

لكن الباحث السياسي ومستطلع الآراء الانتخابية زاك مكيري، يجد أن سيطرة الديمقراطيين على مجلس الشيوخ تبدو أكثر صعوبة وتشكل عقبة واضحة أمام الفوز بثلاثية الانتخابات.

وقال مكيري في حديثه مع "الشرق"، إن الجمهوريين يتمتعون بفرص أكبر لقلب المقاعد الديمقراطية في عام 2024، بما في ذلك استهداف 3 مقاعد في ولايات جمهورية قوية، مثل مونتانا وأوهايو وفرجينيا الغربية، التي يسيطر عليها الديمقراطيين الآن.

ويتوقع مكيري أن يفوز الجمهوريون بمقعدين من هذه المقاعد الثلاثة، ويحصلون على الأغلبية حال احتفظوا بمقاعدهم الحالية.

وما قد يعزز فرضية مكيري أن السيناتور الديمقراطي جو مانشين، الذي يجلس على مقعد في ولاية معروفة بولائها الجمهوري، وهي فرجينيا الغربية، أعلن تقاعده وعدم خوض السباق المقبل.

وأشار مكيري إلى أن الجمهوريبن يتمتعون أيضاً بفرص في الولايات المتأرجحة مثل أريزونا وميشيجان ونيفادا وبنسلفانيا وويسكونسن، التي يشغل مقاعدها حالياً أعضاء ديمقراطيون، "لذا فإن الخريطة صعبة بالنسبة للديمقراطيين، إذ لديهم هامش ضئيل جداً للخطأ وعليهم الفوز بجميع المقاعد التنافسية تقريباً وإلا سيحصل الجمهوريون على الأغلبية".

ويرى مستطلع الآراء الانتخابية أن الديمقراطيين نجحوا في تجنيد مرشحين أقوياء في فلوريدا وتكساس، لكن مع ذلك يحتفظ المرشحون الجمهوريون بأفضلية في كلا الولايتين، اللتين توقّع أيضاً أن تميلان لصالح ترمب، مشيراً إلى أن "كل هذا يعطي الجمهوريين ميزة محتملة في مجلس الشيوخ ويجعل تحقيق الثلاثية أمراً صعباً على الديمقراطيين في هذه الانتخابات".

وتابع أنه ربما يكون الديمقراطيون هم المرشحون المفضلون نسبياً في هذه اللحظة للاحتفاظ بالبيت الأبيض والسيطرة على مجلس النواب، لكن الجمهوريين هم المفضلون للسيطرة على مجلس الشيوخ.

واستبعد مكيري سيناريو فوز الديمقراطيين بثلاثية الحكم، معتبراً أن الأكثر ترجيحاً أن يفوز الجمهوريون بمؤسسة واحدة على الأقل، "ومن الممكن أيضاً أن يحققوا ثلاثية الحكم، وليس الديمقراطيون".

الحكم الثلاثي أم المنقسم؟

قبل انتخابات 2020 التي فاز الديمقراطيون فيها بثلاثية الحكم بقيادة بايدن، كانت هناك ثلاثية جمهورية، في الفترة من 2017 إلى 2019، عندما سيطر الحزب الجمهوري على البيت الأبيض بقيادة دونالد ترمب، وميتش ماكونيل في مجلس الشيوخ، وبول رايان زعيم الأغلبية في مجلس النواب.

ومنذ عام 1920، حدثت نحو 10 ثلاثيات، تقاسمها الديمقراطيون والجمهوريون، وكان أشهرها الثلاثية الديمقراطية عام 1992، التي فاز فيها بيل كلينتون بالرئاسة، وسيطر فيها الديمقراطيون على مجلسَي الشيوخ والنواب، لكنهم فقدوا السيطرة في انتخابات التجديد النصفي عام 1994.

وفي عام 2008، حقق الديمقراطيون ثلاثية أخرى بفوز باراك أوباما بالرئاسة، وسيطرة الديمقراطيين على مجلسَي الشيوخ والنواب.

وفي عام 2000 حقق الجمهوريون ثلاثية، بفوز جورج دبليو بوش بالرئاسة، وسيطرتهم على مجلسَي الشيوخ والنواب.

وحتى قبل الـ100 عام الأخيرة، شهدت السياسة الأميركية ثلاثيات أيضاً، ففي عام 1856 فاز الحزب الديمقراطي بالثلاثية، عندما أصبح جيمس بونكان رئيساً، وسيطر الديمقراطيون على الكونجرس.

وبعد 4 سنوات، تمكن الحزب الجمهوري من تحقيق ثلاثية بقيادة أبراهام لينكولن والاستحواذ على مجلسَي النواب والشيوخ عام 1860.

ورغم تكرار الثلاثية في الحكم الأميركي، فإن الخبراء السياسيين لديهم آراء متباينة بشأن أهمية الثلاثية وتأثيرها المحتمل على الحكم والسياسات.

وينحاز هال إلى رأي "الخبراء السياسيين الذين قدّموا حججاً قوية تفيد بأن الحكومة المنقسمة، وهي الحالة التي لا يسيطر فيها حزب واحد على كل من الرئاسة والكونجرس، هي نموذج أفضل للحكم الفعّال مقارنة بالثلاثية، التي يسيطر فيها الحزب نفسه على كل شيء".

وأضاف أستاذ العلوم السياسية أن الحجج بشأن أي شكل هو الأفضل للحكم، غالباً ما تستند إلى الرأي القائل بأن الحكم المنقسم، على عكس الثلاثية، يوفر أساساً أقوى لتنفيذ الضوابط والتوازنات الضرورية.

وفي المقابل، يميل الباحث السياسي مكيري إلى الرأي القائل إن وجود سيطرة ثلاثية يعني إمكانية تمرير المزيد من التشريعات عبر الكونجرس وتوقيعها كقانون.

واستبعد أن يمر أي تشريع رئيسي أو مثير للجدل عبر العملية في ظل الحكومة المنقسمة، أو حتى تحت سيطرة ضعيفة لأي من الحزبين، قائلاً إنها قد تمنع التشريعات الرئيسية الشاملة.

"التغيير لا يأتي بأغلبية ضئيلة"

من جانبه، يميل أستاذ العلوم الاجتماعية في "جامعة بوسطن" توماس والين، إلى أن الفوز بالثلاثية لا يعني بالضرورة أن هناك تغييراً جذرياً في الأفق.

وقال والين في حديثه مع "الشرق"، إنه بعد فوز بيل كلينتون "المثير للإعجاب" في عام 1992، لم يتمكن الديمقراطيون من تمرير إصلاح شامل للرعاية الصحية رغم سيطرتهم على الفروع التشريعية والتنفيذية بهوامش معتدلة وليست ضيقة للغاية.

ورجّح والين، المتخصص في الحملات الرئاسية وتاريخ الأحزاب السياسية، أنه إذا حدثت سيطرة ثلاثية ديمقراطية بعد الخامس من نوفمبر، فإن هاريس والكونجرس سيتبعون نهجاً سياسياً معتدلًا بحذر، خاصة أن الفوارق في الانتصارات ستكون صغيرة للغاية إذا تمكن الديمقراطيون من تحقيق ذلك، على حد قوله.

واختتم والين تصريحاته باقتباس من توماس جيفرسون، أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الذي يقول: "التغيير العظيم لا يأتي بأغلبية ضئيلة".

تصنيفات

قصص قد تهمك