أعلنت إسرائيل، الثلاثاء، انتشال جثث 6 رهائن في مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، ليكون مجمل جثث الرهائن التي تم استعادتها 30، لكن عمليات التحرير التي تستهدف الرهائن الأحياء، تعد نادرة، إلا أن عدة عوامل، بينها امتلاك معلومات استخباراتية دقيقة، ساعدت في تحقيق الغاية المنشودة، حسبما أوردت صحيفة "وول ستريت جورنال".
وقال الجيش الإسرائيلي، إن جثث الرهائن الستة تم استعادتها خلال الليل في عملية نفذت جزئياً بفضل المعلومات الاستخباراتية التي جمعتها وكالة الأمن الداخلي الإسرائيلية، المعروفة باسم "الشاباك"، إذ أن فرق المهندسين العسكريين الإسرائيليين أمضت ساعات من الحفر داخل نفق بطول 650 قدماً في خان يونس للعثور على جثث رهائن إسرائيليين اختطفتهم حركة حماس في 7 أكتوبر الماضي.
وتمكنت الفرق الإسرائيلية من الإمساك بخيط المعلومات الشهر الماضي، بعد أن كشف فلسطيني معتقل لدى القوات الإسرائيلية الستار عن موقع الجثث.
وكانت معظم الجثث لرجال مسنين، تتراوح أعمارهم بين 75 و80 عاماً، كانوا قد استوفوا المعايير التي تسمح بإطلاق سراحهم كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التفاوض عليه لعدة أشهر دون نجاح.
وظهر بعض هؤلاء الرجال في مقاطع فيديو نشرتها حماس للرهائن، كما شوهدوا في الأنفاق، وفقاً لما ذكره رهائن تم إطلاق سراحهم لصحيفة "وول ستريت جورنال".
وقال جاي ميتزجر، ابن أحد الرهائن الذين تم استعادة جثثهم الثلاثاء، إن "الجيش أخبره بأنه يتم التحقيق فيما إذا كان والده، يورام ميتزجر، قد قُتل نتيجة عملية عسكرية إسرائيلية أو من قبل حماس".
وأوضح اثنان من المسؤولين الإسرائيليين السابقين المشاركين في الجهود "أن الفهم الأولي لإسرائيل بشأن حالة رهائنها كان محدوداً في الأيام الأولى من الحرب"، الأمر الذي دفع إلى تصنيف الآلاف من الأشخاص على أنهم "مفقودون".
وأنقذت إسرائيل 7 رهائن أحياء، فيما لايزال معظم المسؤولين الأمنيين يؤكدون أن التوصل إلى اتفاق يعد الطريقة الوحيدة لتحرير الرهائن الـ105 المتبقين الذين اختطفوا.
دعم أميركي
ولم تكن إسرائيل تعلم من بين الآلاف من الأشخاص المفقودين من اختُطف ومن قُتل، ولكن بعد مرور أكثر من 10 أشهر من العمل العسكري الذي أودى بحياة أكثر من 40 ألف فلسطيني، ودمّر أجزاءً واسعة من غزة، تمكنت الاستخبارات الإسرائيلية من الحصول على المزيد من المعلومات وتحسين قدراتها.
وبمساعدة أميركية، عززت إسرائيل قدراتها في استخبارات الإشارات، وهي الاستخبارات التي يتم جمعها من خلال تتبع ومراقبة وتحليل الإشارات والاتصالات الإلكترونية مثل المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني والبيانات الرقمية الأخرى.
كما كانت المعلومات الاستخباراتية البشرية، المستخلصة من الفلسطينيين المعتقلين من داخل غزة وآخرين يقدمون المعلومات للقوات الإسرائيلية، عاملاً رئيسياً.
وفي السياق، قال إسرائيل زيف، وهو جنرال إسرائيلي متقاعد يتلقى تقارير من المسؤولين العسكريين، في إشارة إلى العملية التي جرت في يوليو: "كانت هذه الجثث موجودة لعدة أشهر، واستغرق الأمر وقتاً لتجميع الصورة وتنفيذ مثل هذه المهمة".
فريق من المتطوعين
ولفتت الصحيفة إلى تأسيس فريق من المتطوعين، الذين قاموا بمسح مواقع التواصل الاجتماعي، وتطوير الخوارزميات لتحليل 200 ألف مقطع فيديو لتحديد الأشخاص المفقودين، ثم شارك الفريق نتائجه مع المسؤولين الاستخباراتيين.
وكانت كارين ناحون، خبيرة المعلومات الإسرائيلية من جامعة رايشمان في وسط إسرائيل، قد أسست الفريق.
وقالت ناحون: "في البداية لم يعمل معنا أحد. الدولة لم تكن موجودة". وبعد بضعة أسابيع من هجمات 7 أكتوبر، تم تكليف لجنة من خبراء الصحة بمراجعة المعلومات الاستخباراتية السرية، وتحديد ما إذا كان الرهائن أحياء أو أموات لتبليغ العائلات وإبلاغ المفاوضات.
وحددت اللجنة حتى الآن، أكثر من 40 رهينة قُتلوا بناء على لقطات من كاميرات المراقبة في إسرائيل، وفيديوهات التقطها مقاتلون من "حماس"، وأدلة الحمض النووي، وفقاً لما قاله أوفر ميرين، المدير العام لمستشفى "شعاري تسيدك" في القدس وعضو في اللجنة.
وفي إحدى الحالات، تمكنت اللجنة من تحديد أن الرهينة شاني لوك قتلت بعد العثور على قطعة من جمجمتها، ما قاد اللجنة إلى استنتاج "أنها لم تكن على قيد الحياة، داخل الأراضي الإسرائيلية". وتم استعادة جثتها في مايو.
وعندما اجتاحت إسرائيل غزة في 27 أكتوبر بعد حملة مكثفة من الضربات الجوية، كانت المعلومات الاستخباراتية لا تزال محدودة وثبت أن الرد العسكري القوي للدولة أودى ببعض الرهائن، وفقاً لمسؤولين سابقين اثنين.
وذكرت "وول ستريت جورنال" سابقاً، أن ثلاثة رهائن قُتلوا في ضربة إسرائيلية استهدفت أحد قادة "حماس" في نوفمبر الماضي.
وتم إنشاء وحدة استخبارات خاصة برئاسة الجنرال نيتسان ألون، الذي يعد أحد المفاوضين الإسرائيليين في محادثات وقف إطلاق النار، لجمع وتحليل المعلومات حول أماكن الرهائن، ولتزويد العائلات بأدلة على حياتهم.
وساعدت هذه الوحدة في تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الوكالات الأمنية المختلفة.
كما تلقت إسرائيل الدعم من الولايات المتحدة، التي زادت من اعتراض مكالمات الهواتف في غزة في الأيام التي تلت الحرب، وفقاً لما قاله ضابط استخبارات أميركي متقاعد حديثاً، الأمر الذي ساعد إسرائيل في تحديد مكان احتجاز الرهائن.
المعتقلين الفلسطينيين
وفي الأشهر الماضية، تزايدت الاتهامات بـ"إساءة معاملة المعتقلين الفلسطينيين"، والذين تستخدمهم تل أبيب في استخلاص معلومات استخباراتية، ما أدى إلى احتجاج منظمات حقوق الإنسان الدولية. وجاء اعتراف في وثيقة تعود إلى يونيو، موقعة من قبل رئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي واطلعت عليها "وول ستريت جورنال"، بأن الظروف في السجون الإسرائيلية "توشك على أن تكون إساءة".
ويقول المسؤولون الأمنيون الإسرائيليون، إن الاستخبارات البشرية ضرورية لتنفيذ عمليات الإنقاذ لأنها "توفر معلومات دقيقة جداً".
كما وسعت إسرائيل من استخدام الذكاء الاصطناعي لمساعدتها في معالجة وتحليل كميات كبيرة من المعلومات البصرية والإشارية والبشرية القادمة من غزة، لأنها لا تستطيع معالجة كل ذلك يدوياً، وفقاً لأشخاص مطلعين.
وعلى الرغم من التحسن، لا تزال جهود جمع المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية تواجه تحديات، فحماس حريصة على استخدام أساليب في التواصل تتفادى من خلالها عملية رصد الاستخبارات الإشارية.
تفادي التواصل الإلكتروني
ووفقاً لوسطاء عرب، فإن قائد "حماس"، يحيى السنوار، يتواصل فقط "عبر الرسائل التي يتم إرسالها عبر رسول خاص، تجنباً لاستخدام الرسائل الإلكترونية".
وقد قطع السنوار التواصل مع قيادة "حماس" بسبب انعدام الثقة، واعتقاده بوجود جاسوس في الصفوف بعد اغتيال مروان عيسى، نائب قائد الجناح العسكري لـ"حماس" في مارس الماضي، بحسب "وول ستريت جورنال".
وتتمثل عقبة أخرى أمام إسرائيل في عمليات تحرير الرهائن، أنهم منتشرون في أرجاء قطاع غزة، ويتم نقلهم بين أماكن مختلفة بشكل متكرر لجعل مهمة العثور عليهم أكثر صعوبة.
وقالت الرهينة المحررة أفيفا سيجل لـ "وول ستريت جورنال"، إنها كانت محتجزة في 13 موقعاً مختلفاً سواء فوق الأرض أو تحتها خلال 51 يوماً قضتها في غزة.
وطالما أن عملية إنقاذ الرهائن الأحياء، تمثل تحدياً كبيراً، إلا أن علمية العثور على جثث الرهائن ليست بالمهمة اليسيرة، إذ يتم إخفاؤها في أماكن تزيد من صعوبة المهمة.
وحتى عندما تمتلك إسرائيل جميع المعلومات الاستخباراتية اللازمة، فإنها لا تختار دائماً تنفيذ مهمة إنقاذ، إذ كانت عملية إنقاذ الرهائن في رفح في فبراير الماضي، جاهزة لفترة طويلة قبل تنفيذها، ولكن تم تأخيرها على أمل أن يتم التوصل إلى صفقة لإطلاق سراح الرهائن.
وكان المسؤولون الإسرائيليون، يتساءلون عما إذا كان يجب عليهم المخاطرة بحياة اثنين من الرهائن المسنين في عملية إنقاذ عسكرية، مقابل إطلاق سراحهم بشكل أكثر أماناً من خلال صفقة وقف إطلاق النار.
وقال مسؤول استخبارات إسرائيلي سابق: "معظم الرهائن لن يعودوا بدون صفقة. نحتاج إلى مستوى عميق جداً من الاستخبارات لدرجة أن إجراء جميع هذه العمليات يكون شبه مستحيل. لا يمكنك معرفة تفاصيل مكان الرهينة أو مكان الحراس أو مكان النافذة".