أعلنت الحكومة السودانية فتح معبر "أدري" الحدودي مع تشاد لفتح المجال أمام عبور المساعدات الإنسانية، على أن تتولى مفوضية العون الإنساني التابعة للحكومة، إجراءات فتح المعبر واصدار أذونات العبور، وذلك بالتنسيق مع المنظمات الدولية، إلا أن الأمر أثار حفيظة قوات الدعم السريع التي تسيطر على أجزاء واسعة من إقليم دارفور، رافضة تعامل المجتمع الدولي مع الحكومة في بورتسودان بخصوص المعبر.
وعلى بعد نحو 30 كيلومتراً غربي مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، يقع معبر "أدري" الحدودي والذي كان يستخدم قبيل اندلاع الحرب في السودان كمنفذ للسلع والبضائع والتبادل التجاري وحركة المواطنين بين البلدين.
ويعد معبر "أدري"، أحد أهم المعابر في إقليم دارفور، وأكثرها حركة إلى جانب سهولة الوصول إليه بطريق معبد، لا تقطعه السيول والأمطار كبقية المعابر.
وتسيطر قوات الدعم السريع على كامل ولاية غرب دارفور وعاصمتها الجنينة، وذلك مع اتهامات لها بارتكاب مجازر وجرائم تطهير عرقي لسكان الولاية الأصليون وهم "المساليت".
ومع سيطرتها على الولاية، رفضت الحكومة السودانية فتح المعابر الحدودية مع تشاد، بحجة استخدامها في مد الدعم السريع بالسلاح، حيث أقرت فتح معبر "الطينة" بولاية شمال دارفور، والذي يقع تحت سيطرتها، إلا أن المعبر لم يصمد كثيراً أمام موسم الأمطار الذي يغمر الإقليم ويقطع الطرق والممرات ما بين مدنه.
مناورة سياسية؟
في السياق، اعتبر مستشار قائد قوات الدعم السريع، أيوب نهار، في تصريحات لـ"الشرق"، إن إعلان الجيش فتح المعبر "يناقض الحقيقة والمنطق والمعبر تحت سيطرتنا بشكل كامل"، و"نعتبر ذلك (احتيالاً سياسياً) لتحقيق مكاسب سياسية، وذلك بعد أن فشل الجيش في تحقيق نصر عسكري".
وأضاف نهار: "سلمنا مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الى السودان رمطان العمامرة، مذكرة تحوي التزامنا بإيصال المساعدات الإنسانية والتعاون التام مع المنظمات العاملة في الشأن الإنساني، ونسيطر على معبري (سماحة والميرم) على الحدود مع جنوب السودان، يمكن أيضاً ادخال المساعدات الإنسانية عبرها، كما تم تعيين قوة بقيادة لواء لحماية القوافل الإنسانية، ولا ننتظر إذناً من البرهان لإيصال المساعدات الإنسانية".
وبينما يؤيد الصحافي محي الدين زكريا، وأحد المقيمين بمدينة الجنينة رأي مستشار قائد قوات الدعم السريع، لكنه يشير إلى أن "الخطوة تبدو لفتح طريق إيصال المساعدات الإنسانية نحو الفاشر التي يسيطر عليها الجيش".
استجابة دولية ضعيفة
بدوره، قال السفير حسين الأمين، وكيل وزارة الخارجية بالإنابة في تصريحات صحافية، إن الحكومة السودانية "وافقت على فتح أكثر من 9 معابر منذ بداية الحرب لمرور المساعدات الإنسانية، ووافقت على فتح معبر أدري مؤخراً، إلا أن نسبة استجابة المجتمع الدولي لم تتجاوز 16% حتى الآن، متهماً الدعم السريع بممارسة سياسة التجويع ومهاجمة المزارعين.
في السياق، قال مدير منظمة الهجرة الدولية في السودان محمد رفعت في تصريحات لـ"الشرق"، إن "كل مكان يمكن أن تعبر منه مساعدة هو بارقة أمل للسوداني".
وأضاف: "يجب أن نتفق أن أي مرونة في تقديم العون مرحب بها، ويمكن أن تنقذ حياة السودانيين. الأمم المتحدة والمنظمات لديها على الحدود ما بين السودان وتشاد تستخدم معبر الطينة، وتوقف المعبر لثلاثة أسابيع بسبب الأمطار، هناك أنباء عن فتح معبر أدري".
وتطرق رفعت، إلى شاحنات المساعدة، قائلاً: "لدينا مئات الشاحنات المنتظرة للدخول على مدار الأسبوع المقبل، لا يوجد ما يمنع أن ذلك بارقة أمل، لكن هذا لا يكفي لكل الاحتياجات هل يساعد في إنقاذ الضحايا؟ لا، ولكنه ينقذ كثير من الناس، نحتاج لوقف إطلاق النار وزيادة الدعم المادي للعون الإنساني داخل السودان، والفتح الغير مشروط للمعابر الإنسانية من داخل السودان، خطوط التماس هي أسهل طريقة لإيصال المساعدات دائماً".
وتابع: "الخطوط التي تمر عبر حدود الدول لها حساسيتها وخطورتها وكلفة وصول المساعدات غالية جداً. نتمنى وقف إطلاق النار وفتح معابر بين الأطراف المتقاتلة وتوصيل المساعدات لكل المحتاجين".
أوضاع إنسانية مأساوية
وفي الشأن الإنساني، يروي عبد الحفيظ عمر لـ"الشرق"، وقد غادر إلى محلية طويلة، هرباً من القتال المستعر في الفاشر، بأن "طرق النجاة تضاءلت، وذلك نسبة لانتشار قطاع الطرق ومن يتبعون للدعم السريع يمارسون عمليات النهب، ويمكنك مقايضة سلامتك بما تحمل من أموال وهاتف محمول"، ويضيف أن "هناك من حاول التوجه إلى معبر أدري، لكي يعبر الحدود إلى تشاد، لكن قليل من ينجح في ذلك بسبب السيولة الأمنية التي تضرب الإقليم، ومازالت أسر تنتظر معرفة أخبار ابناءها الذين غادروا بحثاً عن طريق يؤدي إلى حياة جديدة".
ويرى مراقبون أن ثمة تحدٍ حقيقي سيواجه جميع الأطراف، عقب فتح معبر أدري الحدودي مع تشاد، إذ أن فتح المعبر وتشغيله لن يتم إلا بموافقة طرفي القتال، وذلك لأسباب تتعلق بتأمين الفرق الإنسانية والقوافل الاغاثية، إلى جانب آلية تشغيل المعبر والتي ستكون نقطة خلاف متوقعة بين طرفي الصراع، الجيش وقوات الدعم السريع.