أريزونا.. "ولاية حمراء" اخترقها الديمقراطيون

تُصنف أريزونا على أنها ولاية متأرجحة "أرجوانية"، بعد أن كانت قديماً معقلاً جمهورياً، ثم انتخبت الرئيس الأميركي جو بايدن في عام 2020، ما جعلها ساحة معركة ساخنة لانتخابات الرئاسة الأميركية في نوفمبر المقبل.

انضمت أريزونا إلى الاتحاد الأميركي في فبراير 1912 باعتبارها الولاية رقم 48، ومع امتلاكها 11 صوتاً في المجمع الانتخابي، يتنافس المرشح الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترمب والمرشحة الديمقراطية ونائبة الرئيس الحالي كامالا هاريس بشراسة للفوز بأصوات الولاية، وخصص كلا الحزبين لها موارد كبيرة. 

وأعلنت حملة هاريس أنها ستخصص 370 مليون للولايات المتأرجحة السبع ومنها أريزونا، وأعلنت شراء إعلانات بقيمة 50 مليون دولار في تلك الولايات، وفي المقابل، أنفقت حملة ترمب نحو 12 مليون دولار على الإعلانات لعرضها في الولايات المتأرجحة الرئيسية، ويشمل ذلك ما يقرب من 2 مليون دولار في ولاية أريزونا وحدها.

وتشير تقديرات إلى أن ولاية أريزونا تتصدر الإنفاق في حملتي المرشحين، وقدّرت شركة تتبع الإعلانات AdImpact أن 821 مليون دولار سيتم إنفاقها في أريزونا خلال سباقات الانتخابات الحالية، بما في ذلك سباقات الرئاسة والكونجرس وحكام الولايات والدوائر المحلية.

ومما يزيد الصراع على الفوز بالولاية، أن أريزونا صوتت لصالح 8 من الفائزين في الانتخابات الرئاسية الـ12 الماضية، فيما تشهد منافسة قوية أيضاً في انتخابات مجلس الشيوخ، مع محاولة الديمقراطيين الحفاظ على الأغلبية الهزيلة "بصوت واحد" في المجلس.

وأدى تقاعد كيرستن سينيما، التي انشقت عن الحزب الديمقراطي لتصبح مستقلة، إلى بدء سباق قوي على مقعدها بين الديمقراطي روبن جاليجو، الذي أنفق 20.2 مليون دولار على الإعلانات خلال الانتخابات التمهيدية، في مقابل الجمهورية كاري ليك مذيعة الأخبار التلفزيونية السابقة المدعومة بقوة من ترمب، والتي أنفقت 4.2 مليون دولار فقط، وأظهرت استطلاعات الرأي تقدم جاليجو على ليك بمتوسط 5 نقاط مئوية.

تاريخ أريزونا بين الأحمر والأزرق

صوتت أريزونا للجمهوريين منذ عام 1952 حتى عام 2016، وفي عام 2020 فاز بايدن بالولاية "الحمراء" بهامش لم يتجاوز 0.3%، بـ10 آلاف و457 صوتاً.

كان دعم بايدن بنسبة 49.4% هو أعلى مستوى لمرشح ديمقراطي في ولاية عادة ما تصوت للجمهوريين، ومع ذلك كسرت أريزونا ذلك التقليد أيضاً، عام 1996 عندما صوتت للرئيس السابق بيل كلينتون ومن قبله فاز بها الديمقراطي هاري ترومان عام 1948.

وأرجع الباحث السياسي في مركز الدراسات السياسية التابع لجامعة فيرجينيا، جون مايلز كولمان، فوز بايدن في أريزونا، وإن كان بفارق ضئيل، إلى أصوات المناطق الحضرية والضواحي. 

وقال كولمان لـ"الشرق" إن الديمقراطيين بشكل عام يحققون أداءً جيداً في المناطق الحضرية، ويفوزون بشكل متزايد بالضواحي، لكن الهوامش الجمهورية في المناطق الريفية تحافظ على تنافسية الولايات بشكل كبير.

وأضاف كولمان أن بايدن كان أول ديمقراطي يفوز بمقاطعة ماريكوبا (فينيكس)، حيث يعيش 60% من سكان ولاية أريزونا منذ عام 1948.

تأثير ترمب على أريزونا

تعد أريزونا ولاية جمهورية بحسب الأغلبية المسجلة، لكن تأثير ترمب على الولاية كان واضحاً، ففي حين يدعم العديد من الجمهوريين ترمب، كان الرئيس السابق مثيراً للانقسام بين الناخبين الأكثر اعتدالاً، وتبلور ذلك في انتخابات 2020، وانتخابات التجديد النصفي للكونجرس 2022، إذ أدى المرشحون المدعومون من الرئيس السابق أداء سيئاً في تلك السباقات ومن بينها في ولاية أريزونا.

وذكر كولمان أن ترمب ربما دفع بهجماته المتكررة على أحد أبرز الرموز السياسية للولاية، السيناتور الجمهوري الراحل جون ماكين، بعض الجمهوريين التقليديين إلى تأييد بايدن في 2020، لافتاً إلى أنه في عهد الرئيس السابق خسر الجمهوريون التأييد بين الناخبين الحاصلين على تعليم جامعي، وهو ما أضر بهم في أريزونا.

ومع ذلك، توقع أستاذ الشؤون الحكومية في جامعة كورنيل ريتشارد بنسل، أن تكون جاذبية ترمب الشخصية وكاريزمته أكثر أهمية في أريزونا مقارنة بأي ولاية أخرى في 2024 "مما يجعله مؤهلاً بالفوز في تلك الولاية". 

وقال بنسل لـ"الشرق" إن نظريات المؤامرة التي يروج لها ترمب بشأن "الانتخابات المسروقة في عام 2020" يبدو أنها تحفز المزيد من الجمهوريين هناك أكثر من أي مكان آخر "على الرغم من زيفها".

الهجرة.. رهان الجمهوريين الأول

تشهد أريزونا ارتفاعاً كبيراً في عدد السكان بما يؤثر على الاتجاهات التصويتية حتى أن التوقعات تشير إلى أن مقاطعة ماريكوبا، الأكثر اكتظاظاً بالسكان في أريزونا ورابع أكبر مقاطعة من حيث عدد السكان في الولايات المتحدة، ستضيف إلى سكانها البالغ عددهم 4.4 مليون نسمة أكثر من 300 ألف نسمة إضافية لانتخابات نوفمبر "وهو رقم قد يحسم ميل الولاية لمرشح محدد"، بحسب بنسل.

وباعتبارها ولاية حدودية لقربها من الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، فإن مقاطعة ماريكوبا تضم نسبة أعلى من المتوسط من السكان المهاجرين.

ومع ضيق سكان الولاية بتزايد أعداد المهاجرين، تمثل "الهجرة" القضية الأكثر محورية لثلث الناخبين في أريزونا.

وأظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة إيمرسون كوليدج بولنج ومجلة "ذا هيل"، في فبراير الماضي، أن زيادة الهجرة كانت القضية الأولى بالنسبة لنحو ثلث الناخبين في الولاية بنسبة 31%، وتلتها قضية الاقتصاد بنسبة 20%.

وفي يونيو الماضي، وافق المجلس التشريعي لأريزونا الذي يسيطر عليه الجمهوريون، على اقتراح يطلب من الناخبين جعل دخول غير المواطنين إلى الولاية عبر المكسيك من أي مكان بخلاف ميناء الدخول؛ جريمة على مستوى الولاية، ما يسمح للشرطة باحتجازهم ويمنح قضاة الولاية سلطة إعادة المدانين بارتكاب هذه الجريمة إلى بلدانهم الأصلية. 

جاء هذا الاقتراح على عكس رغبة حاكمة الولاية الديمقراطية كاتي هوبز، التي كانت قد استخدمت حق النقض ضد إجراء مماثل، في أوائل مارس الماضي.

وعزز ترمب جاذبيته في تلك القضية، من خلال تعهده بإجراء أكبر عملية ترحيل في البلاد إذا فاز في نوفمبر، ومع ذلك تظهر استطلاعات الرأي أن هاريس تكتسب أرضية، مؤخراً في أريزونا، وتتفوق على ترمب في الولاية بهامش ضيق لا يتعدى 0.7%.

الإجهاض.. حصان الديمقراطيين الرابح

تراهن هاريس على ثلث الناخبين المستقلين أو غير المنتمين لأي حزب في أريزونا، رغم تفوق الجمهوريين على الديمقراطيين في التسجيل الحزبي، بنسبة 35% إلى 29%، وتحفز الناخبين بالحديث عن ملف الإجهاض، خاصة مع فشل الجمهوريين في إعادة فرض حظر شبه كامل عمره 160 عاماً على الإجهاض في الولاية.

ومنذ قرار المحكمة العليا في "قضية دوبس" الذي ألغى "قضية رو ضد وايد" في يونيو 2022. كانت هاريس، بصفتها نائب الرئيس، الصوت الرائد للإدارة بشأن حقوق الإنجاب وجعلت هذه القضية جزءاً من خطابها الانتخابي بشكل عام، وفي أريزونا بشكل خاص.

ومع ذلك، كشف استطلاع رأي أجراه مركز بيو للأبحاث، أن الولاية لا تزال منقسمة بشأن قضية الإجهاض، إذ يؤيد 49% من سكان أريزونا الإجهاض في جميع الحالات، بينما يعارضه نحو 46%.