حذر مسؤولون في الاتحاد الأوروبي من أن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر لا يستطيع تجاوز بروكسل في سعيه لتحسين العلاقات بين بريطانيا والاتحاد بعد خروج الأولى من الكتلة، وذلك بعد رحلات رئيس الوزراء البريطاني إلى برلين وباريس، حسبما نقلت "فاينانشيال تايمز".
وفي الأيام القليلة الماضية، التقى ستارمر بالمستشار الألماني أولاف شولتز، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تحرك دبلوماسي هو الأول من نوعه مع زعماء الاتحاد الأوروبي منذ ولوجه إلى "داونينج ستريت" الشهر الماضي.
وخلال الجولة التي استمرت يومين، تحدث ستارمر عن "إعادة ضبط" العلاقات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، وأكد رغبته في "علاقة أوثق على عدد من الجبهات، بما في ذلك الاقتصاد والدفاع والتبادلات التجارية".
ومع ذلك، فقد كرر أيضاً "خطوطه الحمراء" بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتي تشمل عدم العودة إلى السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي أو الاتحاد الجمركي، أو عودة حرية الحركة، وفق "فاينانشيال تايمز".
"عقبات بروكسل"
وفي حدود هذه القيود، قال دبلوماسيون من الاتحاد الأوروبي، إنه لا يوجد مجال كبير لتحسين العلاقات مع المملكة المتحدة. وقال أحد الدبلوماسيين، إن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لديها بعض "مساحة المناورة" للسماح بـ"وصول العمال والطلاب البريطانيين والتعاون الصناعي".
وأضاف الدبلوماسيون الأوروبيون: "لكن لا يمكنك إعادة ضبط الأمور إلا بالذهاب إلى بروكسل. لم تتغير الخطوط الحمراء. يجب أن يقدم الجانب البريطاني شيئاً إذا كان يريد استعادة العلاقة".
وأثارت رغبة بريطانيا في عقد معاهد ثنائية جديدة مع ألمانيا، والتي يأمل الجانبان في الانتهاء منها بحلول أوائل عام 2025، دهشة الاتحاد الأوروبي.
ورفض المسؤولون الألمان، اقتراحاً من الحكومة البريطانية، بأن تناقش الدولتان "الوصول إلى السوق" كجزء من المعاهدة، مسلطين الضوء على كيف أن السوق الموحدة والتجارة هما من اختصاصات الاتحاد الأوروبي، وليسا اختصاصات وطنية. وقال أحدهم إن المعاهدة "لن تغير أي شيء تغطيه" اتفاقيات ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وقال أحد مسؤولي الاتحاد الأوروبي إن "الزيارة إلى ألمانيا لا تعكس تغيراً كبيراً في السياسة"، مضيفًا: "هناك تركيز كبير على البعد الثنائي بين المملكة المتحدة وألمانيا أو فرنسا، لكن الاتحاد الأوروبي يتألف من 27 دولة وبالطبع، فإن المحاور الوحيد إذا كنت تريد إعادة ضبط العلاقات ليس برلين أو باريس أو روما أو تالين - بل بروكسل".
وقال المسؤول إنه "خبر جيد جداً" أن المملكة المتحدة تقترح "إعادة تشغيل" العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، لكنه كرر شروط الكتلة بأن أي مقترحات بريطانية تهدد بتعريض السوق الموحدة للخطر سيكون "صعباً" المضي قدماً فيها.
اتفاقية تنقل الشباب
من المتوقع أن يلتقي ستارمر برئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين قبل نهاية العام الجاري. يتمثل الطموح الرئيسي للاتحاد الأوروبي فيما يتعلق ببريطانيا، في مخطط تنقل الشباب، مع اقتراح قدمته الكتلة الأوروبية في أبريل الماضي، وفق "فاينانشيال تايمز".
واقترحت المفوضية الأوروبية، في أبريل، اتفاقية تسمح لمواطني الاتحاد الأوروبي وبريطانيا الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاماً بالإقامة في بلد المقصد لمدة تصل إلى 4 سنوات، لكن حكومة المحافظين آنذاك، التي تزعمها رئيس الوزراء ريشي سوناك، رفضت الفكرة.
وقال ستارمر هذا الأسبوع، إنه "ليس لديه خطط" للتفاوض على مخطط رسمي لتنقل الشباب، لكنه لم يستبعد صراحة، إطلاق محادثات بشأن مخطط في المستقبل.
ولا يستبعد المسؤولون، أن تتمكن بعض الدول الأعضاء من المضي قدماً بمفردها إذا ثبت أن التقدم على مستوى الاتحاد الأوروبي مستحيل. تتمثل إحدى أولويات حكومة ستارمر في إبرام ميثاق أمني جديد بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي لـ"تعزيز التعاون بشأن التهديدات التي نواجهها"، وفق الصحيفة البريطانية.
ويرى الاتحاد الأوروبي أن التعاون غير الرسمي الحالي بين الكتلة والمملكة المتحدة في مجال الدفاع والأمن يعمل بشكل جيد، مع التنسيق بشأن العقوبات وأوكرانيا والصين عبر مجموعة الدول السبع وحلف شمال الأطلسي "الناتو" ومنتديات أخرى.
ومع ذلك، قال مسؤولون في الاتحاد الأوروبي، إن الكتلة ستكون على استعداد لإضفاء الطابع الرسمي على حوار أكثر تنظيماً، كما تفعل مع الولايات المتحدة. بعد سنوات من التوترات في ظل المحافظين، تعتقد حكومة ستارمر الجديدة، أن هناك فائدة في إصلاح العلاقات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وانتقدت صفقة خروج بريطانيا "الفاشلة" التي تفاوض عليها رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون.
وقال ستارمر بعد اجتماعه مع ماكرون، الخميس، إن الثنائي ناقشا "إعادة الضبط الأوسع" مع الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن التطورات في أوكرانيا والشرق الأوسط، بالإضافة إلى التجارة الثنائية والهجرة غير الشرعية وقضايا الأمن. ووصف رئيس الوزراء البريطاني "نمو الاقتصاد" بأنه "المهمة الأولى" لإعادة تشغيل المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وقال أناند مينون، مدير المملكة المتحدة في مؤسسة أبحاث أوروبا المتغيرة، إن خطاب ستارمر الأكثر دفئاً بشأن العلاقات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي "مرغوب فيه"، ومن شأنه أن "يسهل عجلات الدبلوماسية".
لكن مينون أضاف أن المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، يلعبان "لعبة دفاعية"، ومن السابق لأوانه أن نرى كيف يمكن أن تؤدي إلى "تغيير جوهري" في العلاقة.