قالت الحكومة في فنزويلا إن العاصمة كاراكاس ومعظم أنحاء البلاد شهدت انقطاعاً في الكهرباء خلال وقت مبكر الجمعة، وألقت بالمسؤولية على أعمال تخريبية تنفذها المعارضة، من دون أن تقدم دليلاً على ذلك، ولكنها أشارت إلى أن التيار الكهربائي سيبدأ في العودة تدريجياً.
وهناك نزاع بين الرئيس نيكولاس مادورو والمعارضة، بشأن نتيجة الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 28 يوليو. وعادة ما يتهم مادورو خصومه السياسيين بشن "هجمات" على شبكة الكهرباء، وهي اتهامات تنفيها المعارضة باستمرار، وفق "رويترز".
وفي تصريحات للتلفزيون الحكومي، قال وزير الداخلية ديوسدادو كابيلو إن الكهرباء ستبدأ في العودة قريباً بدءاً من العاصمة، مكرراً اتهامات الحكومة بأن ما حدث جاء نتيجة هجوم.
بدوره، أوضح وزير الاتصالات والمعلومات فريدي نانيز أن جميع ولايات فنزويلا البالغ عددها 24 ولاية سجلت انقطاعاً كلياً أو جزئياً في الكهرباء.
ومنذ عام 2014، تراجعت أسعار النفط بشكل كبير، ما أضعف الاقتصاد الفنزويلي المعتمد بشكل رئيس على صادرات النفط، وأدى ذلك إلى نقص حادٍ في السلع الأساسية، وارتفاع معدلات التضخم، التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة.
لكن هذه الأزمة لم تكن السبب الوحيد في انهيار اقتصاد فنزويلا، فالعقوبات الأميركية المشددة، التي فرضت عام 2013 بسبب الأزمة الرئاسية في فنزويلا، أدت إلى شلل قطاعات بأكملها، مثل صناعات النفط والذهب والتعدين والغذاء والمصارف.
اتهامات متبادلة
وتقول كل من الحكومة والمعارضة إن مرشحها فاز في الانتخابات التي جرت الشهر الماضي، في حين أعلنت اللجنة الانتخابية والمحكمة العليا في البلاد فوز مادورو الذي يتولى السلطة منذ عام 2013.
وفي وقت سابق هذا الشهر، نظمت قوى المعارضة السياسية الفنزويلية وأنصارها، بقيادة النائبة السابقة ماريا كورينا ماتشادو، احتجاجات في أنحاء البلاد، للمطالبة بالاعتراف بما يقولون إنه فوز ساحق حققه مرشحهم في الانتخابات الرئاسية التي جرت قبل شهر من الآن. كما نشرت على الإنترنت ما تقول إنه 83% من نتائج التصويت، وهو ما يمنح مرشحها إدموندو جونزاليس 67% من الأصوات.
ودفعت الانتخابات المتنازع عليها البلاد صوب أزمة سياسية، وأدت حملة القمع التي شنتها الحكومة على الاحتجاجات إلى القبض على ما لا يقل عن 2400 شخص. وأسفرت الاشتباكات المرتبطة بالاحتجاجات عن مصرع 23 شخصاً على الأقل.
انتقادات دولية
وقدم المجتمع الدولي مجموعة من الاقتراحات بهدف التغلب على أزمة الانتخابات في فنزويلا، منها إجراء انتخابات جديدة، لكن معظم هذه الاقتراحات لاقت رفضاً قاطعاً من الحزب الحاكم والمعارضة.
ودعت 7 دول أعضاء بالاتحاد الأوروبي، من بينها إيطاليا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا، السلطات الفنزويلية إلى نشر سجلات الأصوات الانتخابية على الفور لتأكيد الشفافية التامة حول الانتخابات التي أجريت الأسبوع الماضي.
وجاءت الدعوة التي أطلقتها دول الاتحاد الأوروبي في إطار موجة انتقادات خارجية لطريقة تعامل الحكومة الفنزويلية مع الانتخابات.
واعترفت بعض الدول، ومن بينها الولايات المتحدة والأرجنتين، بفوز جونزاليس في الانتخابات. كما عبر وزراء خارجية مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى عن التضامن مع شعب فنزويلا والقلق إزاء النتائج المعلنة للانتخابات.
وخلال العقد الفائت، مارست واشنطن ضغوطاً على فنزويلا، وتحديداً في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، وذلك عبر زيادة العقوبات على مادورو وحكومته والاعتراف بزعيم المعارضة آنذاك خوان جوايدو رئيساً، في حين ارتفعت هجرة اللاجئين الفنزويليين إلى الولايات المتحدة وكندا.
وفي العام الماضي، أسفرت محادثات سرية بين إدارة الرئيس جو بايدن وحكومة مادورو، بوساطة قطر، عن مسودة اتفاق ثنائي لرفع العقوبات الأميركية التي فرضها ترمب، والتي أدت، إلى جانب سوء إدارة مادورو لصناعة النفط، إلى دفع اقتصاد فنزويلا إلى الخراب تقريباً. وفي المقابل، تعهد مادورو من بين أمور أخرى بإجراء انتخابات حرة ونزيهة والإفراج عن السجناء السياسيين الأميركيين والفنزويليين.
خلافات متجذرة
والانقسامات التي تشهدها فنزويلا، تُمثل قمة جبل الجليد لإرث سياسي متجذر من الخلافات التي تشهدها البلاد الغنية بالنفط، والمثقلة بأزمات اقتصادية واجتماعية طاحنة.
وتعود جذور الصراع السياسي الحالي إلى أواخر تسعينيات القرن الماضي، عندما تولى هوجو تشافيز السلطة في عام 1999، إذ بنى قاعدته الشعبية على سياسات اشتراكية، لكسب دعم الطبقات الفقيرة، لكنه أثار أيضاً عداء الطبقة المتوسطة والنخب الاقتصادية.
وبعد وفاة تشافيز في عام 2013، تولى مادورو السلطة، واستمرت السياسات الاشتراكية، لكنها تزامنت مع أزمة اقتصادية طاحنة تسببت في تراجع إجمالي الناتج المحلي للدولة النفطية بنسبة 80% متأثراً بالعقوبات الأميركية.
وبدأت شعبية مادورو، تتراجع بشكل تدريجي، كما ترافقت الأزمة الاقتصادية مع خفض سقف الحريات، ما ساهم في زيادة الأصوات المؤيدة للأحزاب المعارضة، والتي وصل عددها إلى 21 حزباً، وأشهرها حزب "فينتي" برئاسة ماريا كورينا ماتشادو، التي تحوّلت إلى أحد رموز المعارضة، لا سيما عندما منعها نظام مادورو من خوض الانتخابات الأخيرة.
ويقف قادة الجيش خلف مادورو، ونشر قوات لقمع الاضطرابات، ويرى خبراء، أن الجيش لا يزال موالياً لمادورو، بسبب مزيج من "المحسوبية والخوف"، إذ يحصل الضباط الكبار على امتيازات تجارية قيمة، مثل السيطرة على الموانئ وامتيازات التعدين.