"حصار ناعم وقوة خفية".. كيف تفرض بكين هيمنتها في بحر الصين الجنوبي؟

time reading iconدقائق القراءة - 9
غواصات نووية صينية خلال مناورات في "بحر الصين الجنوبي". 12 أبريل 2018 - REUTERS
غواصات نووية صينية خلال مناورات في "بحر الصين الجنوبي". 12 أبريل 2018 - REUTERS
دبي -الشرق

في 24 يوليو الماضي، أبحرت السفينة 5202، التابعة لقوات خفر السواحل الصينية حول "ثيتو"، وهي إحدى جزر سبراتلي التي تسيطر عليها الفلبين، فيما دارت ما لا يقل عن 4 سفن أخرى حول الشعاب على مقربة من ساحل الفلبين.

وفي غضون ذلك، وعلى مسافة 700 كيلومتر إلى الجنوب، كانت سفينة خفر السواحل الصينية تقوم بدورية على مدى أسابيع في جزر لوكونيا المرجانية قبالة الساحل الماليزي، وعلى مسافة 1500 كيلومتر إلى الشمال أبحرت سفينة أخرى حول جزر سينكاكو، لتسجل بذلك وجوداً قياسياً لمدة 215 يوماً في المياه الإقليمية اليابانية، وفق صحيفة "فاينانشيال تايمز".

واعتبرت الصحيفة، أن اتساع نطاق العمليات، التي تضمنت أيضاً دوريات في عمق المنطقة الاقتصادية الخالصة لفيتنام وقبالة جزيرة كينمن التي سيطرت عليها تايوان قبل بضعة أيام، يوضح "كيف أصبحت القوة الوسيلة المركزية التي تعتمد عليها الصين في إنفاذ مطالباتها البحرية الشاسعة".  

في هذا الإطار قال كينتارو فورويا، الأستاذ في أكاديمية خفر السواحل اليابانية، وضابط خفر السواحل السابق لـ"فاينانشال تايمز": "إنهم موجودون في كل مكان، ويحاولون احتلال المحيط كما لو كان جزءاً من أراضيهم".  

عسكرة متزايدة

وأشارت الصحيفة البريطانية، إلى أن قوة خفر السواحل الصينية هي "الأكبر في العالم منذ عقود". وحذرت من أن "العسكرة المتزايدة" التي تنتهجها بكين، وتحولها إلى "قوة عظمى" في عهد الرئيس شي جين بينج، و"الإطار القانوني" الذي يخول سفنها المساعدة في تحقيق هذه الطموحات المتضخمة تمثل "تحدياً" للنظام القانوني البحري الدولي، وتثير المخاوف من نشوب صراع مسلح.  

والسبت الماضي، صدمت سفينة تابعة لقوات خفر السواحل الصينية سفينة خفر سواحل فلبينية في سابينا شول، وهي جزيرة مكونة من شعاب مرجانية وغير مأهولة، بالقرب من الساحل الفلبيني.

ووقع الحادث بعد أن حاصر خفر السواحل الصيني في يونيو الماضي، سفن البحرية الفلبينية، وسحبها وثقبها وصعدوا على متنها، وصادروا الأسلحة في جزيرة توماس شول المجاورة، ما يُعد "أعلى مستوى عنف مارسه خفر السواحل الصيني حتى الآن"، وفق "فاينانشيال تايمز".

وتمثل هذه الاشتباكات ما وصفته بكين بأنه "إنفاذ قانون حماية الحقوق"، وهو التصور الذي يضع أعمال خفر السواحل في إطار مراقبة المياه لحمايتها من التدخل الأجنبي.

وكما هو متعارف عليه، وفق "فاينانشيال تايمز"، فإن وظيفة حماية حقوق السيادة ضد الانتهاكات الأجنبية "تقع بالأساس على عاتق القوات البحرية"، فيما تتمثل مهمة خفر السواحل الأساسية في "إنفاذ القانون داخل الحدود القانونية المحددة بوضوح".

 لكن منذ أن وضعت الصين قوة خفر السواحل تحت القيادة العسكرية في عام 2018، "حدث الخلط" بين هذه الواجبات. وتضيف مطالبات بكين البحرية الموسعة والغامضة إلى غموض دور خفر السواحل الصيني.

استغلال هفوات قانونية

وقال ريان مارتينسون، الخبير في القوات البحرية الصينية في كلية الحرب البحرية الأميركية، لـ"فاينانشيال تايمز"، إن تعريف "إنفاذ قانون حماية الحقوق" يُستخدم ليدور فقط بشأن "حماية الحقوق الصينية ضد الانتهاكات الأجنبية"، مضيفاً أنه "الآن، بات هذا التصور يعني أكثر بكثير، كما هو محدد في قانون خفر السواحل الصيني لعام 2021"، والذي يُخول قوات خفر السواحل الصينية استخدام القوة ضد السفن الأجنبية لإنفاذ مطالباتها البحرية".  

ولا تُعد جزر توماس وسابينا الثانية، وهي شعاب مرجانية تبعد أقل من 200 ميل بحري عن الساحل الفلبيني، أراض تابعة لأي دولة، وإنما جزء من قاع البحر الذي تمتلك مانيلا وحدها حقوقاً اقتصادية حصرية عليه بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار UNCLOS.  

ولكن الصين تصر على أنها ذات ولاية على هذه المنطقة لمطالبتها ببحر الصين الجنوبي بكامله تقريباً.  

وقبل يومين من اشتباك يونيو، خول قانون جديد ضباط خفر السواحل الصينيين، إعلان "مناطق تحذيرية مؤقتة" محظورة على السفن الأجنبية داخل المياه الدولية، واستخدام القوة ضد من يرونهم منتهكين للقانون، واعتقال أطقمهم بموجب قوانين ضبط الأمن الصينية. 

واعترضت الولايات المتحدة واليابان والفلبين وتايوان على هذا القانون الذي يُطبق على "المياه الخاضعة لولاية الصين"، وهي عبارة مبهمة تُظهر جهود بكين لفرض قانونها المحلي في جميع المنطقة، والتي يحددها القانون الدولي على أنها أعالي البحار.

وقالت القيادة العسكرية الأميركية في المحيطين الهندي والهادئ في مذكرة استشارية قانونية، إن "القانون الجديد هو أول سياسة معروفة (لخفر السواحل الصينية) تخول بوضوح احتجاز السفن والأفراد الأجانب بتهمة انتهاك المياه الخاضعة للولاية الصينية".

كما نشرت بكين أيضاً قائمة بـ518 جريمة، حيث يمكن تطبيق سلطات الشرطة المحلية في البحر. وتتعلق العديد من هذه الجرائم بانتهاك "النظام العام"، حيث تستطيع قوات خفر السواحل الصينية تغريم أو احتجاز السفن الأجنبية على خلفية ارتكاب مخالفات من قبيل "إثارة الاضطرابات".

وقال مسؤول تايواني رفيع، إن "المخاوف بشأن الجهود الصينية لفرض سلطاتها الاستبدادية خارج حدودها معروفة، على سبيل المثال من خلال إنشاء مراكز شرطية لملاحقة مواطنيها في الخارج"، مشيرا إلى أنهم "الآن يحاولون القيام بالشيء نفسه في البحر".

كما تتجاهل الصين أيضاً الحصانة التي تتمتع بها السفن الحكومية والعسكرية بموجب القانون الدولي.

 في هذا السياق قال جريج بولينج، مدير برنامج جنوب شرق آسيا ومبادرة الشفافية البحرية في آسيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، لـ "فاينانشيال تايمز"، إن الصعود على متن السفن العسكرية الفلبينية، وسحبها في جزيرة توماس شول الثانية في يونيو الماضي يمكن تصنيفه باعتباره "عملاً حربياً".

وأشارت "فاينانشيال تايمز"، إلى أنه "بفضل هياكلها الفولاذية وأسلحتها، فإن العديد من سفن قوات خفر السواحل الصينية تكافئ السفن الحربية، كما تمتلك خفر السواحل عشرات السفن الحربية السابقة في الخدمة".

وبينما تمنح اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار UNCLOS، خفر السواحل حق استخدام القوة، إلا أن استخدام هذا الحق يجب أن يكون نسبياً.

في هذا السياق، قال يه يون هو، الأستاذ في جامعة الشرطة المركزية في تايوان، لـ"فاينانشيال تايمز"، إن "الأمر يتعلق بإجبار السفينة على التوقف عندما تكون في مطاردة ساخنة، وليس بتدمير العدو".

وأضاف أن "ما تقوم به الصين ليس له علاقة بالإطار الذي أنشأته اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار في وقت السلم، وإنما هو أشبه بالصراع المسلح منخفض المستوى منه بإنفاذ القانون".

ورغم ذلك، يشكك العديد من الخبراء داخل الصين في قدرة خفر السواحل الصينية على فرض مطالبها بفاعلية، حتى برغم قوتها الشاملة وأسطولها الهائل المجهز بإحكام.

وفي بحث تم نشره العام الماضي، أعرب جو كاي هوي، الباحث في معهد أبحاث الشرطة الشعبية المسلحة في الصين، عن أسفه لأن "التنافس بين الوكالات يقوض قوة خفر السواحل"، واقترح "تعزيز العنصر العسكري".  

حصار ناعم

وحذر كونج لينج جي، الأستاذ في معهد الصين لدراسات الحدود والمحيطات، بجامعة ووهان، من أن النزاعات البحرية التي تخوضها الصين "لن تُحل على الأرجح في أي وقت قريب"، لافتاً إلى أن هذا من شأنه أن يفرض صعوبات في تحديد "المياه التي تخضع لولايتنا القضائية"، وفقاً لما كتبه في مارس الماضي.

وأضاف كونج، أنه "ليس هناك أساس في القانون الدولي لإغلاق أجزاء من المياه الدولية أمام السفن الأجنبية. وشدد على أنه "يجب على سلطات خفر السواحل توخي الحذر في تحديد "مناطق التحذير المؤقتة" لتجنب المخاطر القانونية غير الضرورية".

ورغم ذلك، يتوقع المراقبون الأجانب أن تواصل بكين المضي قدماً. وحذر مسؤولون غربيون من أن قوات خفر السواحل الصينية يمكن أن تستخدم سلطاتها المتنامية للتدخل في حركة الشحن حول تايوان لفرض "حصار ناعم" على موانئها.  

ويعتقد المراقبون أيضاً أن قوات خفر السواحل الصينية ستوسع نطاق عملياتها. وقال مسؤول أجنبي في خفر السواحل لـ "فاينانشيال تايمز"، إن السفن القادرة على القيام بمهام بحرية بعيدة المدى قد يتم إرسالها في نهاية المطاف إلى أماكن بعيدة مثل الشرق الأوسط أو طريق البحر الشمالي خلال ذوبان الجليد في القطب الشمالي لمرافقة السفن التجارية الصينية.  

وحذر خبراء آسيويون، من أن المشكلات الناجمة عن ممارسات خفر السواحل الصينية لا تقف عند حدود دول الجوار فحسب.

 وقال يه، إنه "إذا لم تقف الدول الغربية وبلادنا الساحلية الإقليمية معا لنقول للصين بوضوح (لا)، فسنكون بصدد نظام قانون دولي على الطراز الصيني يثير الصراعات في كل مكان". وحذر من أن "النظام الذي ترسخ عبر سنوات عديدة سيحل محله نظام آخر يكون الفوز فيه لذوي القبضات الأكبر".   

تصنيفات

قصص قد تهمك