الصين وإفريقيا.. "استراتيجية جديدة" نحو عائدات أكبر ومشكلات أقل

time reading iconدقائق القراءة - 9
الرئيس الصيني شي جين بينج خلال لقائه مع رئيس غينيا بيساو عمر سيسوكو إمبالو في قاعة الشعب الكبرى في بكين. 10 يوليو 2024 - REUTERS
الرئيس الصيني شي جين بينج خلال لقائه مع رئيس غينيا بيساو عمر سيسوكو إمبالو في قاعة الشعب الكبرى في بكين. 10 يوليو 2024 - REUTERS
دبي -الشرق

عندما يستقبل الرئيس الصيني، شي جين بينج، قادة الدول الإفريقية في بكين هذا الأسبوع، سيكون بحوزته "دفتر شيكات أصغر حجماً" مع رؤية أوضح لما تريده بكين في المقابل، وهو "عوائد أكبر ومشكلات أقل"، وفق "بلومبرغ".

وقالت "بلومبرغ"، الاثنين، إن الصين ضخت على مدار أكثر من عقد، قروضاً مدعومة من الحكومة تقدر بأكثر من 120 مليار دولار من خلال مبادرة "الحزام والطريق"؛ لبناء محطات طاقة كهرومائية، وطرق، وخطوط سكك حديدية في جميع أنحاء القارة، من أنجولا إلى جيبوتي، ما أكسبها "نفوذاً غير مسبوق".

وأضافت أن تلك العلاقات ساهمت في تمكين بكين من تأمين وصولها إلى مصادر الطاقة والمعادن، وتوفير منفذ لقدراتها الصناعية المتزايدة؛ لكن البنية التحتية والدبلوماسية التي تبنتها الصين صاحبتها اتهامات بنصب "فخاخ ديون، واستغلال، وفساد".

وتعززت هذه الاتهامات مع تفشي أزمة الديون في إفريقيا خلال السنوات الأخيرة، وتخلّف ثلاث دول عن سداد ديونها، ما أدى إلى عمليات إعادة هيكلة مطولة. ويبدو أن بعض المشروعات، مثل السكك الحديدية غير المكتملة في كينيا، التي تبلغ تكلفتها 3.8 مليار دولار، تجسد عدم الوفاء بالتزامات مبادرة "الحزام والطريق"، وفق "بلومبرغ".

حدث دبلوماسي هام

واعتبرت "بلومبرغ"، أن وصول قادة الدول الإفريقية إلى بكين لحضور منتدى التعاون الصيني الإفريقي التاسع، الذي ينطلق، الأربعاء، رغم تلك المشكلات يبرهن على الدور الذي تلعبه الصين باعتبارها "القوة الاقتصادية الأجنبية المهيمنة" في القارة.

وتُعد هذه القمة الأولى من نوعها التي تُعقد في بكين منذ عام 2018، وهي أكبر حدث دبلوماسي يستضيفه الرئيس الصيني هذا العام. ويُتوقع أن تشمل قائمة المشاركين الرئيس النيجيري بولا تينوبو، والرئيس الرواندي بول كاجامي، والرئيس الجنوب إفريقي سيريل رامافوزا.

ومع اقتراب موعد الاجتماع، يتوقع الجانبان استمرار الروابط الوثيقة التي نشأت بفضل "سخاء بكين". لكن الفرق الآن هو أن شي، في ظل محاولاته للتعامل مع تباطؤ اقتصاد بلاده، يوجه تركيز الصين نحو شراكات "أكثر غموضاً" بين القطاعين العام والخاص يُمكنها تحقيق عوائد أفضل وتجنب المزيد من اللوم إذا ساءت الأمور.

وفي هذا السياق، قال جوشوا إيزنمان، وهو أستاذ في جامعة "نوتردام" متخصص في دراسة العلاقات بين الصين وإفريقيا: "عصر القروض الكبيرة انتهى. ما سيأتي بعد ذلك لن يكون بمستوى الحجم والضخامة السابقين. بل سيكون أكثر ربحية".

وارتفعت قروض الصين التقليدية إلى إفريقيا عبر بنوكها الحكومية من 98.7 مليون دولار في عام 2000 إلى ذروتها البالغة 28.8 مليار دولار في عام 2016، وفقاً لمركز سياسة التنمية العالمية بجامعة بوسطن، ما جعلها أكبر دائن ثنائي لإفريقيا في العالم. وانخفضت هذه الأرقام في السنوات التالية، ثم هوت خلال جائحة كورونا قبل أن ترتفع إلى 4.6 مليار دولار في العام الماضي.

وخلال تلك الفترة، قدمت بكين أيضاً قروضاً عبر بنوكها التجارية، ولكن يُتوقع أن يميل الميزان بشكل أكبر نحو هذه القروض المدرة للربح خلال السنوات المقبلة. 

شراكات جديدة

وتشمل بعض المشروعات التي تجسد النهج الجديد للصين، منجم حديد وسكك حديدية بقيمة 20 مليار دولار في غينيا، وخط أنابيب نفط بقيمة 5 مليارات دولار في أوغندا وتنزانيا، وقرضاً نقدياً مقابل النفط بقيمة 400 مليون دولار في النيجر، والذي تصفه الحكومة العسكرية بأنه ضروري لـ"إدارة شؤون البلاد".

وأعلنت وزارة الخارجية الزامبية الأسبوع الماضي، أن الرئيس هاكايندي هيشيليما سيتواجد في بكين ليشهد توقيع اتفاق استثماري يهدف إلى إحياء سكك حديد "تازارا" التي تمتد 1160 ميلاً (1870 كيلومتراً). وبنيت هذه السكة، التي تربط بين تنزانيا وزامبيا، في سبعينيات القرن الماضي كجزء من أول مشروع مساعدات كبير للصين في إفريقيا.

ولم يُفصح المسؤولون من البلدين، عن تفاصيل كثيرة بشأن هيكلة صفقة تازارا التي تبلغ قيمتها مليار دولار، ولكن يُتوقع أن تعتمد على نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بدلاً من الديون العامة من أحد البنوك الحكومية الصينية، بحسب "بلومبرغ".

وأرجعت "بلومبرغ"، توجه الحكومات الإفريقية إلى الصين في العقد الأول من الألفية الجديدة جزئياً، إلى قلة الخيارات المتاحة للحصول على تمويل للبنية التحتية الرئيسية التي كانت في أمس الحاجة إليها.

وأشارت "بلومبرغ" إلى عدم احتواء القروض الصينية على شروط تتعلق بالبيئة أو حقوق الإنسان، أو غيرها من الشروط التي عادة ما تفرضها منظمات مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وهو ما لاقى تقدير حكومات إفريقية.

لكن الديون المتزايدة سرعان ما بدأت تؤثر سلباً على ميزانيات الدول، وفشلت العديد من المشروعات المدعومة من الصين في تحقيق التوقعات، وهو ما تفاقم بسبب جائحة فيروس كورونا.

وأعاد تخلّف زامبيا عن سداد ديونها في عام 2020 تسليط الضوء على دور الصين في تمويل الدول الإفريقية. وتخلفت غانا أيضاً عن سداد ديونها، ولا يزال هناك أكثر من 10 دول إفريقية أخرى معرضة بشكل كبير لأزمات الديون. وتتحمل أنجولا أكبر حصة من الديون الصينية، إذ تدين الآن للصين بنحو 17 مليار دولار، أي أكثر من ثلث إجمالي ديونها الخارجية.

مشروعات ناجحة

وأشارت "بلومبرغ" إلى بعض المشروعات التي يُنظر إليها باعتبارها ناجحة، مثل محطة "كافوي جورج" للطاقة الكهرومائية في زامبيا، التي بلغت تكلفتها ملياري دولار، وجرى تمويلها بشكل رئيسي من قبل بنك التصدير والاستيراد والبنك الصناعي والتجاري الصينيين.

وتُعد أيضاً توسعة مشروع الطاقة الكهرومائية في هوانجي في زيمبابوي بقيمة 1.5 مليار دولار مثالاً آخر، إذ ساعدت في التخفيف من انقطاع الكهرباء، الذي كان يستمر تقريباً طوال اليوم في البلاد.

ويرى خبراء اقتصاديون، أن العديد من الدول الإفريقية توسعت بشكل مفرط بدعم من الصين، وأن بعض المشاريع، مثل مشروع السكك الحديدية الخفيفة الذي تبلغ تكلفته 823 مليون دولار في العاصمة النيجيرية أبوجا، تبدو مهجورة أو بالكاد تعمل. وتنفق نيجيريا 50 مليون دولار سنوياً لسداد ديونها المتعلقة بهذا المشروع.

وبعد تخلف زامبيا عن سداد ديونها، كادت صفقة لإعادة هيكلة نحو 3 مليارات دولار من الديون أن تفشل، إذ واجه نادي باريس والصين صعوبة في التوصل إلى اتفاق مع مديري الصناديق بشأن كيفية توزيع الخسائر بشكل متناسب. وتستمر المحادثات بشأن ديون أخرى تبلغ قيمتها 3.4 مليار دولار، بقيادة بنك التنمية والبنك الصناعي والتجاري الصينيين، وفقاً لـ"بلومبرغ".

استراتيجية جديدة

وأوضحت "بلومبرغ" أن الاستراتيجية الجديدة للصين، والتي تركز على الشراكات بين القطاعين العام والخاص، تسمح للحكومات الإفريقية التي تعاني من نقص السيولة بالاستمرار في الاقتراض دون زيادة ديونها السيادية المعلنة رسمياً.

ويُعد مشروع تعدين خام الحديد في سيماندو في غينيا، والذي تبلغ تكلفته 20 مليار دولار، مثالاً آخر على الاستراتيجية الجديدة. ويقود الاستثمار في المشروع شركة "باو"، وهي أكبر منتج للصلب في العالم، وشركة الألومنيوم الصينية المحدودة، بالإضافة إلى مجموعة ريو تينتو الأسترالية.

وتتحكم الشركات الصينية المملوكة للدولة، في أكثر من 40% من الأسهم في كل من التحالفين المكلفين بتطوير المشروع، بينما تمتلك حكومة غينيا حصة تبلغ 15%، بحسب "بلومبرغ".

ويهدف الشركاء في مشروع سيماندو، إلى إنتاج 120 مليون طن من خام الحديد عالي الجودة سنوياً، خلال المرحلة الأولى، وهو حجم قد يفاقم الفائض في السوق ويمنح الصين، أكبر مستهلك لإنتاج المشروع، قوة أكبر في تحديد الأسعار.

من جهته، حذّر ممثل صندوق النقد الدولي في زامبيا، إريك لوتييه، من أن مثل هذه الشراكات قد تخلق "وهماً مالياً" إذا شملت شروطاً مثل ضمانات الحد الأدنى للإيرادات التي تضمن استفادة الدائنين بغض النظر عن نجاح المشروع.

وقال لوتييه: "جميع مشروعات البنية التحتية تنطوي على مخاطر بطبيعتها، والشراكات بين القطاعين العام والخاص ليست استثناء. وعندما لا تُدار بشكل صحيح، يمكن أن تشكل مخاطر مالية كبيرة".

تصنيفات

قصص قد تهمك