أبرزها الصين.. تحديات غيرت ملامح السياسة الاقتصادية الأميركية

time reading iconدقائق القراءة - 10
سفينة تابعة لشركة Shanghai Zhenhua Heavy Industries Company Limited (ZPMC) الصينية وهي تحمل رافعات على جانب رصيف الميناء في محطة الحاويات الجديدة في منطقة التطوير الخاصة Mariel في كوبا.22 سبتمبر 2013 - Reuters
سفينة تابعة لشركة Shanghai Zhenhua Heavy Industries Company Limited (ZPMC) الصينية وهي تحمل رافعات على جانب رصيف الميناء في محطة الحاويات الجديدة في منطقة التطوير الخاصة Mariel في كوبا.22 سبتمبر 2013 - Reuters
دبي -الشرق

يضع البيت الأبيض في الوقت الراهن اللمسات الأخيرة على تفاصيل "أحدث مناورات" الرئيس جو بايدن فيما يتعلق بالمناوشات الاقتصادية مع بكين، والذي يتمثل في فرض رسوم جمركية مقررة بنسبة 25% على واردات الرافعات الصينية، التي تهيمن على أعمال تفريغ الحاويات في الموانئ الأميركية.

في ظاهر الأمر، تستند هذه الرسوم الجمركية إلى "مبرر تقليدي"، إذ يأمل بايدن في أن يساعد هذا الإجراء بمرور الوقت على إعادة صناعة الرافعات إلى الولايات المتحدة، وتعزيز قاعدة التصنيع بالبلاد، وفق صحيفة "فايننشال تايمز".

واعتبرت الصحيفة البريطانية أن هذه التدابير تعكس أيضاً، الطريقة التي تسلّلت بها "مخاوف أمن قومي" إلى السياسة الاقتصادية في الولايات المتحدة، حيث أعرب مسؤولون عن قلقهم من أن توظف الصين الرافعات العملاقة للقيام بعمليات تجسس في الموانئ الأميركية، على سبيل المثال عن طريق استخدام برامجها اللوجستية المتطورة لمراقبة الشحنات العسكرية.

كما تسلط رسوم الرافعات الجمركية الضوء على "التغيير الهائل في التفكير الاقتصادي الأميركي"، الذي من المرجح أن يزداد رسوخاً بعد انتخابات نوفمبر المقبل، وما ينطوي عليه ذلك من تداعيات دراماتيكية على مستقبل الاقتصاد العالمي.

وذكرت "فايننشال تايمز" أنه خلال العقد الماضي، كان هناك استعداد متزايد ورغبة أكثر إلحاحاً في استخدام الرسوم الجمركية كجزء من السياسة الصناعية والتجارية. وفي عهد بايدن، كان هناك أيضاً تركيز موازي على توظيف الإعانات وأشكال أخرى من تدخل الدولة لتعزيز الاستثمار في قطاعات رئيسية.

وهذه العملية تسارعت وتيرتها من خلال الطريقة التي أصبحت بها القضايا الأمنية أكثر رسوخاً في تفكير الحكومة الأميركية بشأن قطاعات الاقتصاد الكبيرة، بدءاً من التصنيع ووصولاً إلى التقنيات الجديدة.

وأوضحت الصحيفة أن هذا التداخل المتزايد بين السياسة الاقتصادية والأمن القومي له جذور عديدة، لكن وتيرته تسارعت بعد أحداث 11 سبتمبر والحرب على "الإرهاب"، ثم تفشي جائحة كورونا، الذي أربك سلاسل التوريد، و"النزعة العدائية" لدى روسيا وغزوها لأوكرانيا.

الصين مصدر "القلق الأكبر"

مع ذلك تظل الصين "العامل الأكبر" في هذا التداخل، ما جعل المسؤولين الأميركيين يراقبون "بدهشة وإحباط" التقدم، الذي أحرزته رأسمالية الدولة الصينية في الكثير من القطاعات التي من المرجح أن تهيمن على النصف الأول من القرن الحالي. وبات الحفاظ على القدرة التنافسية للصناعات الأميركية واستعادتها "تحدياً جيوسياسياً حاسماً". 

وفي الوقت نفسه، يساور مسؤولون أميركيون قلق متزايد إزاء أعداد المنتجات والتقنيات التي يخشون أنه يمكن استخدامها على نحو متواز في المجال العسكري أو كأدوات للتجسس، فكانت النتيجة هيمنة أسلوب تفكير "دمج بين أولويات اقتصادية، وشواغل أمنية بطريقة يتعذر تمييزها عن نهج السوق الحرة الذي هيمن في نهاية الحرب الباردة".

في هذا الإطار، قال دانيل دريزنر، أستاذ السياسات الدولية بجامعة تافتس، إن "الاتجاه هو أن كل شيء أصبح قضية أمن قومي". 

وفي مقابلة مع "فايننشال تايمز"، قال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إن "الولايات المتحدة ليست البلد الوحيد الذي يربط الأمن الاقتصادي بالأمن القومي إلى حد كبير".

ولكن التحوّل في السياسة الأميركية سيكون له تداعيات هائلة على بقية دول العالم، ليس فقط على المنافسين، مثل الصين، وإنما أيضاً الحلفاء الذين يشعر كثير منهم بالقلق من أن واشنطن "ستتراجع عن دورها كركيزة جديرة بالثقة للاقتصاد العالمي".

ومع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية يستعد حلفاء الولايات المتحدة للمزيد من تكثيف هذه السياسات، بغض النظر عن هوية الفائز بمقعد الرئاسة. 

وقالت إميلي كيلكريز، المسؤولة الأميركية السابقة والخبيرة التجارية والأمنية في مركز أبحاث الأمن القومي الأميركي، وهو مركز أبحاث، لـ "فاينانشال تايمز"، إنه "لم يعد ثم حزمة معايير أو قواعد أو مؤسسات لتوجيه هذه التدخلات مع فتح الباب على مصراعيه أمام استخدام مبرر الأمن القومي"، ما اعتبرت أنه يمثل "خطراً حقيقياً".

وأشارت "فايننشال تايمز" إلى أن إدارة بايدن "أثبتت لكل من بكين وبروكسل أنها مضت أبعد من (الرئيس السابق دونالد) ترمب في ربط الأمن الاقتصادي بالأمن القومي"، رغم أن العديد من هذه التدابير اتخذت "لإبطاء التحديث العسكري الصيني"، والتعامل مع ما وصفته واشنطن بأنه "سياسة صناعية مجحفة تنتهجها بكين"، لا سيما فيما يتعلق بالإعانات التي تُقدم للصناعة المحلية.

ولكن عندما اتفق الحلفاء على هدف مواجهة الصين، "تراءى لهم شبح سياسات الحمائية كامناً تحت السطح"، بحسب الصحيفة البريطانية.

"تحديات" إدارة بايدن

وفي خطابه الذي ألقاه خلال أبريل 2023 لتحديد "الأساس المنطقي الذي يستند إليه إجماع واشنطن" في الربط بين الأمن الاقتصادي والأمن القومي، عرض سوليفان 4 تحديات تواجه الولايات المتحدة، فرضت هذا التحول في السياسة الاقتصادية.

وشملت تلك التحديات في "حالة التآكل" التي تعانيها القاعدة الصناعية الأميركية، والحاجة إلى "تطوير سلع عامة عالمية" مثل الطاقة النظيفة، و"مواجهة التفاوت الاقتصادي" الذي سببته التجارة، ضمن عوامل أخرى، و"التكيف مع بيئة جديدة تحددها المنافسة الجيوسياسية والأمنية، من خلال تأثيرات اقتصادية مهمة"، التي ركزت بشكل أساسي على الصين.

وتصر إدارة بايدن على أن المقاربة الجديدة لا تؤدي إلى قلب نظام التجارة العالمي رأساً على عقب، وأن استخدام سياسة صناعية جديدة صُمم بالتعاون مع حلفاء رئيسيين.

وكان أحد أهم التدابير التي اتخذها بايدن هو فرض ضوابط شاملة على تصدير الرقائق الإلكترونية في أكتوبر 2022، والذي تم تمديده بعد عام.

في إطار هذه المقاربة، توصلت الولايات المتحدة إلى اتفاق مع اليابان وهولندا بعد مفاوضات معقدة ومطولة، حتى يكون من الصعب على الصين الحصول على أدوات الآلات المختصة بصناعة أشباه موصلات متطورة.

ولكن الضوابط التي فرضتها الإدارة الأميركية على صادرات التكنولوجيات الرئيسية إلى الصين أدت إلى زعزعة الصناعة العالمية، بما في ذلك لدى حلفاء رئيسيين للولايات المتحدة، مثل ألمانيا. مع ذلك، يقول مسؤولون أميركيون إن السياسات الاقتصادية الجديدة "تساعد حلفاء أميركا".

واستكمل الكونجرس ضوابط تصدير أشباه الموصلات التي حددها بقانون الرقائق والعلوم لعام 2022، ما أدى إلى توفير 39 مليار دولار في صورة إعانات لتطوير صناعة الرقائق الأميركية، كما وجهت الأموال أيضاً إلى شركات تصنيع الرقائق في كوريا الجنوبية وتايوان.

في هذا السياق قال سوليفان: "نحن نؤمن بالاستثمار والبناء هنا في الولايات المتحدة وبمحاولة تمكين حلفائنا من الاستثمار والبناء في بلدانهم".

"لا تغيير" بعد الانتخابات

ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، يستعد حلفاء الولايات المتحدة لمزيد من تكثيف هذه السياسات، بغض النظر عن الفائز. ويبدو أن واشنطن عازمة على المضي قدماً في استراتيجية الدافع ورائها مزيج من الاعتبارات الأمنية المتعلقة بالصين والقومية الاقتصادية التي من شأنها أن تزيد من "زعزعة العلاقات" مع شركاء في أوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، بحسب الصحيفة.

وقبل 9 أسابيع من الانتخابات المقررة في الخامس من نوفمبر المقبل، يحاول حلفاء الولايات المتحدة في الوقت الراهن تحديد الكيفية التي سيتطور بها هذا النهج، سواء فازت المرشحة الديمقراطية ونائبة الرئيس كامالا هاريس، أو منافسها الجمهوري دونالد ترمب.

وفي حال فاز ترمب بولاية ثانية، من المرجح أن تصبح السياسة الاقتصادية الدولية الأميركية "أكثر ارتباطاً بالمعاملات، ولا يمكن التنبؤ بها"، في ظل وجود سياسات حمائية أكثر وضوحاً.

ورغم تعهد ترمب بفرض رسوم جمركية بنسبة 60% على السلع الواردة من الصين، لكن مقاربته مع الصين بوجه عام، وأيضاً التداخل بين الأمن الاقتصادي والأمن القومي، تبقى "أقل وضوحاً".

ومن الناحية الأخرى، لم تقدم هاريس سوى إشارات قليلة تدل على أنها ستتخذ مساراً مختلفاً عن بايدن، فضلاً عن أنها تمتلك "عقلية مماثلة تماماً (للرئيس بايدن) فيما يتعلق بالقضايا المحورية، وكانت جزءاً أصيلاً من المحادثات الخاصة بالتدابير الاستراتيجية الكبيرة التي اتخذناها"، وفق ما قاله مسؤول أميركي للصحيفة.

وأضاف المسؤول أن "إدارة هاريس ستواصل المسير في ذات الاتجاه الذي حدده بايدن، لأن مقاربة الرئيس الحالي فعالة، فأنت ترى الكثير من الأموال تتدفق على قطاع التصنيع في الولايات المتحدة لأول مرة منذ أجيال".

رغم ذلك، حذّر مراقبون من خطر تسلل هواجس الأمن القومي إلى تحديد السياسات الاقتصادية، لأن "المشكلة تتمثل في أنه إذا كان كل شيء مسألة أمن قومي، فلا شيء يشكل أولوية للأمن القومي"، حسبما ذكر دريزنر.

من جانبه، قال ماثيو جودمان، المسؤول السابق في البيت الأبيض والذي يعمل الآن في مجلس العلاقات الخارجية، إنه "من الصعب أن تقول إن ترمب كان انحرافاً عن سياسة التجارة الأميركية"، لافتاً إلى "وجود اتجاه أكثر عمقاً يسري الآن في التفكير الأميركي نحو سياسات الحمائية، وسيستمر بغض النظر عن الفائز بانتخابات نوفمبر".

تصنيفات

قصص قد تهمك