قال مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA، بيل بيرنز، ورئيس جهاز المخابرات البريطانية MI6، ريتشارد مور، إن بلديهما يواصلان العمل معاً لتعطيل "حملة التخريب المتهورة" التي تشنها المخابرات الروسية في جميع أنحاء أوروبا، واستخدامها التكنولوجيا لـ"نشر الأكاذيب والمعلومات المضللة التي تهدف إلى زرع الخلافات بيننا".
جاء ذلك، في مقال مشترك، نُشر في صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، أشارا فيه إلى أن الولايات المتحدة وبريطانيا توجهان قدراً كبيراً من الاهتمام والموارد ضد روسيا، في أوروبا وأوكرانيا ومناطق أخرى أيضاً لـ"مواجهة خطر عدم الاستقرار العالمي".
وسلّط بيرنز ومور الضوء على عدد من التحديات العالمية الحالية، مثل الحرب الروسية في أوكرانيا، وصعود الصين، وتعزيز أمن الدولتين واستقرار النظام العالمي، إلى جانب فوائد الشراكة الاستخباراتية من التقدم التكنولوجي، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي.
دعم أوكرانيا
قال رئيسا الاستخبارات الأميركية والبريطانية إن وكالتيهما تتحدان في "مقاومة الحرب العدوانية" التي تشنها روسيا والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا، حيث "توقعنا الهجوم، وحذرنا المجتمع الدولي، حتى نتمكن جميعاً من الحشد للدفاع عن كييف، وقمنا برفع السرية بعناية عن بعض معلوماتنا كجزء جديد وفعال من هذا الجهد".
وأكد المقال أن الاستمرار في مسار دعم أوكرانيا أكثر أهمية من أي وقت مضى، إذ سيمنع ذلك بوتين من القضاء على سيادة أوكرانيا أو استقلالها، كما اعتبر أن "أفعال روسيا تُشكل انتهاكاً صارخاً لميثاق الأمم المتحدة والمعايير العالمية.
وتابع: "سنواصل دعم شركائنا الأوكرانيين الشجعان في مجال الاستخبارات، ونحن فخورون بذلك، ونشعر بالدهشة من مدى مرونة كييف وحماسها وقدرتها على الابتكار".
وأضاف بيرنز ومور: "لقد أثبت هذا الصراع أن التكنولوجيا، إذا ما تم استخدامها جنباً إلى جنب مع الشجاعة غير العادية والأسلحة التقليدية، فإنها يمكن أن تغير مسار الحرب، إذ تُعد الحرب في أوكرانيا الأولى من نوعها التي تجمع بين البرمجيات مفتوحة المصدر، والتكنولوجيا المتطورة في ساحة المعركة، وصور الأقمار الاصطناعية التجارية والعسكرية، وتكنولوجيا الطائرات بدون طيار، والحرب السيبرانية منخفضة وعالية التعقيد، ووسائل التواصل الاجتماعي، والاستخبارات مفتوحة المصدر، والمركبات الجوية والبحرية غير المأهولة، فضلاً عن الاستخبارات البشرية".
"صعود الصين"
رئيسا المخابرات الأميركية والبريطانية اعتبرا أن صعود الصين هو التحدي الاستخباراتي والجيوسياسي الرئيسي في القرن الحالي، ولهذا "قمنا بإعادة ترتيب خدماتنا لتعكس هذه الأولوية"،
كما أكد المسؤولان أن مسألة "مكافحة الإرهاب هي جوهر شراكة الولايات المتحدة وبريطانيا، إذ يعمل البلدان بشكل وثيق مع الآخرين لـ"حماية أوطاننا وإحباط التهديدات المتجددة من تنظيم "داعش".
وفي شأن آخر، قال بيرنز ومور إن جهاز المخابرات البريطاني ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "استخدما قنواتهما الاستخباراتية للدفع بقوة نحو ضبط النفس وخفض التصعيد، والعمل للتوصل إلى وقف لإطلاق النار واتفاق بشأن الرهائن في قطاع غزة، وهو ما قد ينهي معاناة المدنيين الفلسطينيين وخسائرهم المروعة في الأرواح، وإعادة الرهائن (الإسرائيليين) بعد 11 شهراً من الاحتجاز لدى حركة حماس".
ورأى المقال أن النظام العالمي بات الآن "يتعرض للتهديد على نحو غير مسبوق منذ الحرب الباردة"، لكن "مكافحة هذا الخطر بنجاح تشكل الأساس الحقيقي للعلاقة الأميركية البريطانية الخاصة، ويمكن الاعتماد على سمات مثل الثقة، والانفتاح، والتحدي البنّاء، والصداقة خلال القرن المقبل، إلى جانب التصميم المشترك على أن يظل البلدان دعاة للسلام والأمن العالميين".
"التفوق التكنولوجي"
الحفاظ على الميزة التكنولوجية، من الأمور الحيوية التي ركّز عليها بيرنز ومور في مقالهما لـ"ضمان ميزة الاستخبارات المشتركة أيضاً"، لكنهما قالا إنه لا يمكن لوكالتيهما العمل بمفردهما للقيام بهذه المهمة، ولذلك "يتم تعزيز الجهود من خلال شبكة من الشراكات مع القطاع الخاص".
وأضاف المقال: "نحن الآن نستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي التوليدي، لتمكين وتحسين أنشطتنا الاستخباراتية، من التلخيص إلى التفكير الإبداعي إلى المساعدة في تحديد المعلومات الرئيسية في بحر من البيانات المختلفة، إذ نقوم بتدريب الذكاء الاصطناعي على المساعدة في حماية عملياتنا الخاصة لضمان قدرتنا على البقاء سريين عندما نحتاج إلى ذلك، ونستخدم تكنولوجيا الحوسبة السحابية حتى يتمكن علماء البيانات الموهوبون لدينا من تحقيق أقصى استفادة من بياناتنا، كما نتعاون مع أكثر الشركات ابتكاراً في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وحول العالم".
واعتبر رئيسا الـCIA وMI6، أن أفراد وكالاتيهما المتميزين "يُمثلون أفضل تجسيد للخدمة العامة المتفانية والوطنية، ويقعون في قلب مهمتنا، إذ تم بناء شراكتنا على عملنا معاً عبر التكنولوجيا والتحليل والعمليات السرية في الخارج، بما في ذلك العلاقات مع العملاء، وهؤلاء هم الرجال والنساء الشجعان الذين يعملون مع ضباطنا لوقف القنابل، وإنهاء العنف، وإبلاغنا بنوايا خصومنا".
وأشار بيرنز ومور إلى أن الروابط بين الاستخبارات الأميركية والبريطانية تعود إلى فترة تأسيس جهاز المخابرات السرية عام 1909، حيث تعمّق التعاون إبان الحربين العالميتين الأولى والثانية وكذلك في الحرب الباردة، ثم تلاه عمل مشترك خلال التصدي المشترك لـ"الإرهاب الدولي".
ورأى المقال المشترك أن "التحديات باتت تتفاقم" في ظل التغير التكنولوجي، إلى جانب التهديدات التي تواجه الولايات المتحدة وبريطانيا في ظل نظام دولي متنازع عليه.