أثار مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد في مصر، الذي أقرّته لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، جدلاً واسعاً، إذ قدمت نقابتا المحامين والصحافيين اعتراضات على بعض مواده، واستجابت اللجنة البرلمانية لبعضها، إلّا أن الجدل بشأن القانون لا يزال مستمراً.
ووصف نقيب الصحافيين المصريين خالد البلشي، مشروع القانون الجديد بأنه "كارثي"، مطالباً بوقف مناقشته لحين "الاستماع الجاد لكل الأطراف". في المقابل، ردت اللجنة التشريعية على البلشي، معتبرة أن بيانه "يعتمد على مغالطات فجة"، وأن اتهامها بالتعجل والعصف بالحقوق والحريات "ينحدر إلى حد الزيف المتعمد"، وأضافت أن اللجنة "لن تقف مكتوفة الأيدي أمام ادعاءات مغرضة (...) حتى لو صدرت من أناس يتسترون خلف جدار حرية الرأي".
من جهة أخرى، أشعلت استجابة البرلمان لعدد من مطالب المحامين، اعتراضاً من نادي القضاة، الذي أعلن رفضه لبعض التعديلات التي اعتبر أنها "تخل بنظام الجلسات بالمحاكم، وتغلّ يد القاضي عن فرض النظام داخل الجلسة في حالة الإخلال بنظامها".
وذكر النادي أن مجلس القضاء الأعلى والنيابة العامة ووزارة العدل شاركوه الرأي نفسه خلال جلسات المناقشة المتتالية في لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب.
باب المناقشة لا يزال مفتوحاً
وعقب أيام من الجدل، أصدر مجلس النواب، الخميس، بياناً أعلن فيه أنه "ما زال يفتح أبوابه لمناقشة أية تعديلات قد يراها البعض ضرورية على مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، طالما تهدف إلى إرساء نظام عدالة ناجز، وتسعى لتعزيز الحقوق والحريات العامة".
ودافع المجلس عن القانون، معتبراً أنه "يعد خطوة مهمة في تحديث النظام القانوني، ويشمل مجموعة من الضمانات التي تعزز من حقوق الإنسان، منها تقليص مدة الحبس الاحتياطي، وتقييد سلطات مأموري الضبط القضائي في القبض والتفتيش، ووضع ضوابط لتعويض المتهمين عن الحبس الاحتياطي الخاطئ".
كما يتضمن المشروع - بحسب المجلس - "تنظيماً متكاملاً لحماية الشهود والمبلغين والمتهمين والمجني عليهم، وتقديم تسهيلات لذوي الهمم في مراحل التحقيق والمحاكمة، بالإضافة إلى تنظيم التحول التدريجي للإعلان الرقمي والتحقيق والمحاكمة عن بعد".
ومن المقرر أن تُعرض تعديلات مشروع قانون الإجراءات الجنائية، على الجلسة العامة للبرلمان، وإذا جرت الموافقة يتم إرساله لرئيس الجمهورية، وإذا حصل القانون على موافقة الرئيس يتم نشره في الجريدة الرسمية. ولرئيس الجمهورية في حال اعترض على القانون أن يرده إلى مجلس النواب ثانية.
طماوي: القانون "نقلة نوعية"
بدوره، قال إيهاب طماوي، رئيس لجنة إعداد مشروع القانون، ووكيل اللجنة الدستورية والتشريعية في البرلمان لـ"الشرق"، إن مشروع القانون "متسق تماماً مع أحكام الدستور والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أطلقها الرئيس السيسي عام 2021 وكافة المواثيق الدولية ذات الصلة بملف حقوق الإنسان".
ورفض اتهام اللجنة بالتعجل في إعداد المشروع، مبيناً أنه "نتاج عمل تشاركي من كافة الجهات ذات الصلة والمتخصصين عبر عمل متواصل للجنة الفرعية على مدار ما يقرب من عامين كاملين"، واعتبر مشروع القانون "نقلة نوعية تناسب العصر".
وشدد على أن نادي القضاة "لم يرفض القانون في مجمله"، موضحاً أن "الاعتراض خاص بمقترحات المحامين على المادة (242) من مشروع القانون فقط التي وافقت عليها اللجنة التشريعية".
ولفت إلى أن مجلس النواب أصدر بياناً أكد فيه "أنه ما زال يفتح أبوابه لمناقشة أي تعديلات قد يراها البعض ضرورية على مشروع القانون".
وأشار طماوي إلى أن اللجنة الدستورية والتشريعية أخذت بالعديد من توصيات الحوار الوطني، وضمنتها في مشروع القانون.
وذكر أن "أبرز تلك المواد ما يتعلق بتخفيض مدة الحبس الاحتياطي، والسماح بالتظلم من قرارات الحبس الاحتياطي بالطرق الإلكترونية، وإصدار الأمر بالمنع من السفر أو الإدراج على قوائم الوصول والتحفظ على الأموال من سلطة تحقيق قضائية في ضوء قضية منظورة تقتضي طبيعتها هذا الإجراء، وأن يكون القرار مسبباً ومحدداً بمدة زمنية معقولة، ولا تزيد على مدة الحبس الاحتياطي".
البلشي: بيان البرلمان بادرة جيدة.. ونحتاج حواراً أوسع
خالد البلشي، نقيب الصحافيين المصريين قال لـ"الشرق"، إن "النقابة اهتمت بالتفاعل مع مشروع القانون بشكل عام وليس المواد التي تخص الصحافيين فقط، لأن القانون ينظم إجراءات التقاضي والضبط، ويعد دستور العدالة في المجتمع، ويؤثر على هامش الحركة في المجال العام، وعندما يشوبه عوار سيصبح قيداً على عمل الصحافيين وعلى مصادرهم".
وأضاف أن مطالب النقابة لا تتعلق فقط بالتوصل إلى "مجرد نصوص في صالح الصحافيين، ولكنها معنية أيضاً بتوفير مناخ عام حر يستوعب حركة المجتمع".
ولفت البلشي إلى أن "النقابة اطلعت على مشروع القانون بصيغته الحالية في المرحلة الأخيرة، ولم تكن طرفاً في أي نقاشات تتعلق به، باستثناء مشاركتها في الحوار الوطني بشأن إصلاحات مواد الحبس الاحتياطي".
ورفض نقيب الصحافيين التعليق على الانتقادات التي تضمنها بيان اللجنة التشريعية لموقفه، معتبراً أنها جزء من النقاش المجتمعي حول القانون، إلّا أنه وصف بيان مجلس النواب الأخير، بشأن فتح الباب لأي تعديلات جديدة بـ"البادرة الجيدة"، داعياً البرلمان إلى استغلال الفرصة وطرح القانون لحوار أوسع وممتد تحت مظلته.
إعلاميون على خط الأزمة
السجال بين نقابة الصحافيين واللجنة الدستورية، أثار ردود فعل في الأوساط الإعلامية، إذ اعتبر أحمد الطاهري رئيس قطاع الأخبار في الشركة المتحدة (شبه رسمية، وتضم نحو 40 منصة وشركة إعلامية)، أن ما يدور من مناقشات حول مشروع القانون "أمر صحي للغاية".
وأكد الطاهري على "فيسبوك" عدم تجاوز أي طرف لمحدداته القانونية والدستورية، وأن ما صدر من الوسط الحقوقي "يشكل علامة نضج، وانتقال مما فرضته الأحوال الاستثنائية المرهقة ما بعد 2011 وثورة 2013".
ورفض وصف النقاش "مهما بلغت حدته" بأنه "أزمة"، مشيراً إلى أن نقيب الصحافيين "عبَّر عن موقف النقابة التي تمثل جموع صحافيين مصر"، و"خلق مساحة من الحوار والنقاش جعلت النقابة حاضرة بالشكل الذي يحقق المصلحة العامة".
كما اعتبرت الإعلامية لميس الحديدي، في منشور على منصة "إكس"، أن قانون الإجراءات الجنائية يخص "كل مواطن، وأي تسرع في إصداره قد يحمل شبهة إهدار لحق المواطن والتغول على حرياته".
وأضافت أنه "إذا كانت نقابتا المحامين والصحافيين ونادي القضاة جميعاً يعترضون علي مواد مشروع القانون الجديد، فلا بد هنا من وقفة نراجع فيها المسار ليس بالبيانات، ولكن بالنقاش الجاد. بعيداً عن الشخصنة والاتهامات المطاطة كتلك التي نالت من نقيب الصحافيين".
وتابعت: "أرجو من مجلس النواب التريث، وفتح الأبواب لحوار أطول وأعمق".
ما الذي يعترض عليه الصحافيون؟
وعلى الرغم من اعتراض نقابة الصحافيين على "فلسفة القانون" في مجملها، إلّا أن نقيب الصحافيين خصّ مادتين بالذكر في بيانه، وهما المادة (15) والمادة (266)، والمتعلقتان ببث المحاكمات وسلطة القضاة خارج حدود الجلسة.
بث المحاكمات بموافقة مسبقة
وتنص المادة (266) من مشروع القانون الجديد على أنه: "لا يجوز نقل وقائع الجلسات أو بثّها بأي طريقة كانت إلّا بموافقة كتابية من رئيس الدائرة بعد أخذ رأي النيابة العامة".
ويرى صحافيون أن هذه الصياغة جعلت القاعدة هي "عدم تغطية الجلسات بدلاً من اعتبارها استثناء في حالات محددة".
سلطة المحكمة خارج الجلسات
أما المادة (15) التي أشار إليها نقيب الصحافيين، فإنها تجيز لمحكمة الجنايات بدرجتيها أو محكمة النقض إقامة دعاوى جنائية ضد المتهمين بارتكاب "أفعال خارج الجلسة من شأنها الإخلال بأوامرها أو بالاحترام الواجب لها، أو التأثير في قضائها، أو في الشهود".
وقال معارضون للمادة إنها "توسع سلطات المحكمة لتشمل المجال العام كله، ما قد يمتد إلى المناقشات الإعلامية ومنشورات مواقع التواصل الاجتماعي".
ورفضت نقابة المحامين، في بيانها الأول الصادر 26 أغسطس الماضي، عقب الإعلان عن مشروع القانون، هذا النص باعتباره "يوسّع من اختصاص المحكمة بالمخالفة لأصول المحاكمات الجنائية"، قبل أن تعلن اللجنة التشريعية في البرلمان استجابتها لمطالب المحامين بشأن هذه المادة، دون توضيح ما جرى من تعديل في النص.
لماذا غضب القضاة من التعديلات؟
ويرتبط رفض نادي القضاة بشكل أساسي بالمادة (242) من مشروع القانون الجديد، وتعديل طلبت إدخاله نقابة المحامين، ما ينذر بصدام بين المحامين والقضاة على خلفية تلك المادة المنظمة لسير العمل في الجلسة.
ونصت المادة (242) من مشروع القانون، قبل إدخال تعديلات المحامين، على أنه: "مع عدم الإخلال بحالة التلبس، وبمراعاة أحكام قانون المحاماة إذا وقع من المحامي أثناء قيامه بواجبه في الجلسة وبسببه ما يجوز اعتباره تشويشاً مخلاً بالنظام، أو ما يستدعي مؤاخذته جنائياً يحرر رئيس الجلسة محضراً بما حدث".
كما أن "للمحكمة أن تقرر إحالة المحامي إلى النيابة العامة لإجراء التحقيق إذا كان ما وقع منه ما يستدعي مؤاخذته جنائياً، وإلى رئيس المحكمة إذا كان ما وقع منه يستدعي مؤاخذته تأديبياً".
وأعلنت نقابة المحامين تأييد اللجنة التشريعية في البرلمان مقترحها بشأن المادة، بإضافة عبارة (مع عدم الإخلال بالضمانات المقررة في قانون المحاماة وتعديلاته)، وحذف كلمة (التشويش)، وإحالة (مذكرة رئيس الجلسة) إلى النيابة بدلاً من (إحالة المحامي) حال ارتكابه جريمة من جرائم الجلسات.
ما الذي أغضب المحامين؟
"منع المحامي من الكلام"
ومن بين المواد التي أعلنت أيضاً اللجنة التشريعية الموافقة على تعديلها بناءً على مطالب المحامين، المادة (72)، لكن دون أن تعلن طبيعة التعديل الذي تم إدخاله عليها.
وذكرت نقابة المحامين، في بيانها، أن المادة (72) التي نصت على عدم جواز تحدث المحامي دون إذن وكيل النيابة، "تكرس الإخلال بحقوق الدفاع"، واعتبرت أن أقل ما توصف به المادة هو "الافتقار للذوق التشريعي".
وأضافت أن المادة "تمثل مساساً بقيمة رسالة المحاماة، وتنطوي على مساس بحقوق الدفاع لجعل ذلك رهناً بالإذن من قبل عضو النيابة العامة القائم على التحقيق".
وردت لجنة إعداد مشروع القانون حينها بالقول إن "عدم الإذن بالكلام يكون خارج نطاق الدفوع والطلبات التي يرى الخصوم ووكلائهم تقديمها"، مشيرة إلى أن الإذن بالكلام موجود بالفعل في المادة (609) من تعليمات النيابة العامة.
وأوضحت أن إعادة صياغة المادة في مشروع القانون الجديد تم "لتقييد النص الوارد بتعليمات النيابة العامة بالنص الصريح على أن عدم الإذن بالكلام لا يكون إلّا خارج نطاق الدفوع والطلبات"، مع إلزام عضو النيابة العامة بإثبات عدم الإذن لوكيل الخصم بالكلام في محضر الجلسة، ليكون تحت بصر ورقابة محكمة الموضوع (المحكمة المختصة بالفصل في القضية) وتمكينها من تقدير الأمر".
واعتبرت اللجنة أن النص الجديد يستهدف "تحقيق التوازن بين مبررات النيابة العامة في ضمان حسن سير التحقيقات وعدم السماح بتعطيلها، وبين حق الخصوم في الكلام وإثبات ما يرونه أثناء التحقيق".
"عدم الاسترسال"
التطرق إلى مسألة حديث المحامي ظهر أيضاً في المادة (274) من مشروع القانون الجديد، إذ نصت على أنه "يجوز للمحكمة أن تمنع المتهم أو محاميه من الاسترسال في المرافعة إذا خرج عن موضوع الدعوى، أو كرر أقواله".
وذكرت اللجنة التشريعية في البرلمان أنها وافقت على تعديل المادة (274)، ولكن دون أن توضح طبيعة التعديل.
"تصوير أوراق القضية"
وواجهت المادة (73) من مشروع القانون الجديد، المنظمة لعملية تصوير الأوراق الخاصة بالقضية، انتقادات هي الأخرى، باعتبار أنها تقيِّد وصول المتهم أو وكيله لها.
وانتقدت نقابة المحامين غياب أي تعديلات على النصوص التي تمنح سلطة التحقيق "الحق في حجب أوراق التحقيق عن المحامي، لدرجة حرمانه من الحصول على صور من الأوراق بذريعة الضرورة والاستعجال، وغيرها من الذرائع التي لا ضابط لها".
في المقابل، ذكرت لجنة مشروع إعداد القانون أن التعديل الوارد في المادة (73) "عزز حقوق الدفاع" عن طريق تمكين الخصوم بشكل صريح، وفي كل الأحوال، من الحصول على صور الأوراق المقدمة في التحقيقات عقب انتهاء التحقيق، سواء تم في غيبتهم أو اقتضاء مصلحة التحقيق ذلك.
"الاطلاع على التحقيقات"
كما أثارت المادة (105) الخاصة بتمكين محامي المتهم من الاطلاع على التحقيق قبل استجواب المتهم، جدلاً هي الأخرى، لكن لجنة إعداد مشروع القانون الجديد قالت إن "التعديل الجديد أكد حق المحامي من خلال صياغة أكثر دقة".
وتنص المادة (105) على أنه "يجب أن يمكن محامي المتهم من الاطلاع على التحقيق قبل الاستجواب أو المواجهة بيوم على الأقل ما لم يقرر عضو النيابة العامة غير ذلك"، وهي ما قالت عنها لجنة إعداد مشروع القانون إنها تضمنت "التمكين، وليس مجرد السماح، كما وضعت حداً أدنى لاطلاع المحامين بيوم على الأقل، في حين أن القانون الحالي قصر الاطلاع على اليوم السابق فقط".
ومع ذلك، ذكرت اللجنة التشريعية في البرلمان أنها استجابت لمطالب المحامين بخصوص المادة (105)، لكن دون أن توضح ما جرى تعديله على النص.
"إخلال بدور المحاماة"
وتعليقاً على المادة (105)، وصف المركز العربي لاستقلال القضاء، في دراسة عن مواد مشروع القانون، عبارة "(ما لم يقرر... غير ذلك) الموجودة في المادة المقترحة بأنها "مركبة ومحيرة ومخلة بدور المحاماة على نحو بالغ الخطورة، وتساءل: "أي محاكمة تلك التي نتحدث عنها إذا لم يحط المحامي علماً بما يجري وبالاتهام وبأقوال المتهم والشهود والخبراء؟".
مواد مستحدثة.. "مرافعة في السجن"
وانتقد المركز العربي لاستقلال القضاء نص المادة (531) المستحدثة في مشروع القانون الجديد ضمن فصل "المحاكمة عن بعد"، والتي تنص على أنه "لمحامي المتهم مقابلته والحضور معه في مكان تواجده أثناء إجراءات التحقيق والمحاكمة عن بُعد"، موضحاً أنها وضعت المحامي تحت وطأة وجوده والمتهم في السجن أو مراكز الإصلاح والتأهيل، وفصلاً بين المحامي والمحاكم التي فيها عمله وحريته في قول ما يشاء، حيث لا يؤاخذ بما يقوله ويفعله في ساحة القضاء.
وأضاف المركز أن تلك المادة "تخفف مصاريف نقل المتهمين إلى ساحات المحاكمة من على عاتق الدولة لتضع العبء على المحامين وحدهم"، مشيراً إلى "مشقة الانتقال في ظل بعد المسافات بين السجون ومراكز التأهيل بالمقارنة بمقار المحاكم المنتشرة في كل أرجاء الجمهورية".
ما الذي يخشاه الحقوقيون؟
"تقنين الرقابة وتسجيل الأحاديث الخاصة"
وشدد المركز العربي لاستقلال القضاء على أن المادتين (79) و(116) من مشروع القانون ينصان على "أحكام مقيدة ومعتدية على حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وعلى حقوقهم الشخصية اللصيقة بهم".
وتنص المادة (116) على أنه "يكون لأعضاء النيابة العامة من درجة رئيس نيابة على الأقل (...) سلطة الإذن بأمر مسبب لمدة لا تزيد عن 30 يوماً، بضبط الخطابات والرسائل والبرقيات والجرائد والمطبوعات والطرود، وبمراقبة الاتصالات السلكية واللاسلكية، وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي ومحتوياتها المختلفة غير المتاحة للكافة، والبريد الإلكتروني، والرسائل النصية أو المسموعة أو المصورة على الهواتف والأجهزة وأي وسيلة تقنية أخرى، وضبط الوسائل الحاوية لها، أو إجراء تسجيلات لأحاديث جرت في مكان خاص متى كان لذلك فائدة في ظهور الحقيقة، وذلك في تحقيق الجنايات المنصوص عليها في أبواب قانون العقوبات: الأول (الجنايات المضرة بأمن الحكومة من جهة الخارج) والثاني (الجنايات والجنح المضرة بالحكومة من جهة الداخل) والثاني مكرراً (المفرقعات) والثالث (الرشوة) والرابع (اختلاس المال العام والعدوان عليه والغدر)، بالإضافة إلى الاختصاصات المقررة للنيابة العامة.
أما المادة (79)، فنصت على اتخاذ عضو النيابة الإجراء ذاته في أي جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس مدة تزيد عن 3 أشهر.
مخالفة الدستور
ورفض المركز العربي لاستقلال القضاء المادتين باعتبارهما يخالفان نصوص الدستور، ويوحيان بفلسفة تشريعية تميل إلى "تقنين المراقبة للمواطنين وتسجيل الأحاديث الخاصة والاطلاع على الخطابات والرسائل والطرود".
"دخول المنازل"
كما أثارت المادة (47) انتقادات حقوقية، إذ نصت على أنه "لرجال السلطة العامة دخول المنازل وغيرها من المحال المسكونة في حالات الخطر أو الاستغاثة".
وانتقد المركز العربي النص باعتباره "لم يحدد حالات الخطر"، مشيراً إلى أن المادة (45) من القانون الحالي والمقابلة للمادة الجديدة "أفضل كثيراً" لأنها قصرت الأمر على "طلب المساعدة من الداخل، أو في حالة الحريق أو الغرق أو ما شابه ذلك".
"إخفاء الشهود"
وتطرق منتقدو مشروع القانون إلى المادة (519) الخاصة بإمكانية إخفاء بيانات أحد الشهود إذا ما كان ذلك يعرض حياته أو سلامته أو أحد أفراد أسرته للخطر.
ورأت نقابة المحامين أن ما استحدثه المشروع من نص يسمح بإخفاء شخصية الشاهد وبياناته "يتنافى مع اعتبارات العدالة" بالاعتماد على شهادة شخص مجهل يصدر الحكم مستنداً إليه بوصفه دليلاً في الدعوى.
إجراء رجال الشرطة للتحقيقات
وطالت الانتقادات المادة (63) من المشروع الجديد التي تجيز لعضو النيابة العامة من درجة مساعد نيابة عامة على الأقل أن يندب أحد مأموري الضبط القضائي للقيام بعمل معين أو أكثر من أعمال التحقيق، مع حقه في "استجواب المتهم في الأحوال التي يخشى فيها فوات الوقت متى كان متصلاً بالعمل المندوب له ولازماً في كشف الحقيقة".
وتشمل قائمة مأموري الضبط القضائي ضباط الشرطة والمساعدون ومندوبو الشرطة ومعاون الأمن فضلاً عن قطاعات أخرى مثل نظار ووكلاء محطات السكك الحديدية الحكومية، ومفتشو وزارة السياحة، وبعض شاغلي الوظائف العامة الذي يمنحهم وزير العدل صفقة مأمور ضبط قضائي.
تحذير من المادة (63)
وقال المركز العربي لاستقلال القضاء إن نص المادة (63) "كارثة"، مرجعاً السبب إلى أن الحكم الوارد بالمادة، وإن كان موجوداً في القانون الحالي، فقد كان القائم به قاضي التحقيق، وهو ليس من مأموري الضبط القضائي، ومن ثم كان يندب أحد مأموري الضبط القضائي – عضو النيابة العامة- للقيام بعمل معين.
وتساءل: "ما معنى أن يندب مأمور ضبط قضائي، (في هذه الحالة عضو النيابة العامة)، مأموراً آخر للضبط القضائي للقيام بعمل أو أكثر من أعمال التحقيق إلا لو كان ذلك يعني انتداب أحد رجال الشرطة للقيام بذلك؟".
وحذر المركز من أن "قلة عدد أعضاء النيابة العامة مقارنة بحجم القضايا وكمها المعروض عليهم قد يؤدي إلى التوسع في الاعتماد على مأمور الضبط القضائي من رجال الأمن الوطني والشرطة في إجراءات وأعمال التحقيق".
التحقيق دون محام
إحدى المواد التي أثارت اعتراضات حقوقية كانت المادة (69) من مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، إذ نصت على أنه "يجوز لعضو النيابة العامة أن يجري التحقيق في غيبتهم (المتهم، المحامي، المدعي بالحقوق المدنية..) متى رأى ضرورة ذلك لإظهار الحقيقة".
وانتقد المركز العربي لاستقلال القضاء المادة، مشيراً إلى أن صياغتها "ليست جديدة"، قائلاً إنها نسخة من المادة (77) في القانون القائم، لكنها استبدلت قاضي التحقيق بعضو النيابة دون تحديد درجته.
وأوضح المركز أن المحقق وفق النص الجديد قد يكون "مساعد نيابة، أي لم يمض على عمله سوى عام واحد، والفارق بينه وبين قاضي التحقيق، عظيم"، منبهاً أن "قاضي التحقيق مقارنة بعضو نيابة، سواء مساعد أو وكيل، يتمتع بخبرة وحنكة واستقلال ما يمكنه من الحكم الصحيح لحالة الضرورة التي تبيح التحقيق في غيبة الخصوم".
وتابع أن الحكم التشريعي في الحالتين سواء النص القائم أو الاقتراح الجديد "مرفوض"، مرجعاً السبب إلى أن عبارة "الضرورة لإظهار الحقيقة" فضفاضة، وليست ذات معايير قانونية واضحة يمكن إثباتها أو الإمساك بها.
إقرار حقوق جديدة
"حق الصمت"
وبعيداً عن الانتقادات، أبرزت اللجنة المكلفة بإعداد القانون المادة (103) من المشروع الجديد، والتي نصت على وجوب إحاطة المتهم بحقوقه كتابة، وبالتهمة المنسوبة إليه، وإثبات ما قد يبديه بشأنها من أقوال، مع تمكينه من الاتصال بذويه ومحاميه، وذلك بعد تنبيهه إلى أن من حقه الصمت.
وأشارت اللجنة إلى أن نص القانون المعمول به حالياً، في المادة (123)، ينص فقط على "التثبت من شخصية المتهم وإحاطته علماً بالتهم المنسوبة إليه وإثبات أقواله".
"تقليل مدد الحبس الاحتياطي".. استجابة للحوار الوطني
ونصت المادة (123) من مشروع القانون الجديد على خفض مدد الحبس الاحتياطي في قضايا الجنح لتصبح 4 أشهر بدلاً من 6 أشهر، وتقليلها في قضايا الجنايات لتكون 12 شهراً بدلاً من 18 شهراً.
وجاء الإعلان عن تعديلات مشروع القانون الجديد للإجراءات الجنائية بعد أيام قليلة من توجيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، نهاية أغسطس الماضي، بـ"أهمية خفض الحدود القصوى لمدد الحبس الاحتياطي، والحفاظ على طبيعته في الوقت ذاته كإجراء وقائي تستلزمه ضرورة التحقيق. دون أن يتحول لعقوبة"، وذلك استجابة لتوصيات الحوار الوطني.