هل تحرك المناظرة الرئاسية الناخبين المترددين نحو هاريس أم ترمب؟

time reading iconدقائق القراءة - 11
المرشح الجمهوري دونالد ترمب والمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس يتصافحان أثناء حضورهما مناظرة رئاسية تستضيفها شبكة إيه بي سي في فيلادلفيا. الولايات المتحدة في 10 سبتمبر 2024 - reuters
المرشح الجمهوري دونالد ترمب والمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس يتصافحان أثناء حضورهما مناظرة رئاسية تستضيفها شبكة إيه بي سي في فيلادلفيا. الولايات المتحدة في 10 سبتمبر 2024 - reuters
واشنطن-رشا جدة

خرجت المناظرة الأولى، وربما الوحيدة، بين المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية دونالد ترمب، ومنافسته الديمقراطية كامالا هاريس بشكل مختلف تماماً عما حدث في مناظرة الرئيس جو بايدن مع ترمب، في يونيو الماضي.

فبعكس بايدن، بدا أن هاريس طرحت أفكاراً "واضحة"، وخرجت في وضع "أفضل" من ترمب، وفق استطلاعات رأي شملت ناخبين مترددين، يتوقع أن يحسم قرارهم نتائج الانتخابات بالولايات المتأرجحة التي يمر الطريق إلى البيت الأبيض عبرها، فإلى أي كفة تميل أصواتهم؟

وخلال المناظرة، التي جرت الثلاثاء، طرحت هاريس "أفكاراً واضحة"، وقضت وقتاً أقل من بايدن في الانغماس بتفاصيل سجلها وأجندتها السياسية، وفي المقابل، بدا ترمب "غاضباً، وفي موقف دفاعي طوال الوقت"، لكنه استطاع عرض أفكاره المعتادة "بشكل متسق مع نفسه"، وفق خبراء ومحللون تحدثوا إلى "الشرق".

وكان التباين واضحاً في الأساليب والشخصيات بين المرشحين، فبينما ركز ترمب على الهجوم المباشر وانتقاد سياسات الإدارة الحالية، حاولت هاريس، الحفاظ على هدوئها وتقديم رؤية، تبدو واضحة بشأن القضايا الرئيسية من خلال أدائها "الحاد والثابت"، الذي لم يخل بين حين وآخر من الهجمات الشخصية على ترمب.

وفي أعقاب المناظرة، كشف استطلاع للرأي أجرته SSRS لصالح شبكة CNN، أن الناخبين على نطاق واسع اتفقوا أن هاريس تجاوزت التوقعات، وتفوقت على ترمب، إذ أشار 63% من الناخبين إلى أن هاريس قدمت أداءً أفضل على خشبة المسرح في فيلادلفيا، في مقابل 37% قالوا إن ترمب كان الأفضل، في حين انقسم 605 ناخبين مسجلين قبل المناظرة بالتساوي حول توقعاتهم للمرشح الأقوى.

ورغم أن الخبراء الذين تحدثوا مع "الشرق" اتفقوا على أن أداء كامالا هاريس كان قوياً خلال المناظرة، إلا أنهم لفتوا إلى أن تقييم أدائها "يرتبط بأسلوب عرضها أكثر من جوهر سياساتها".

ورجح الخبراء أن تحفز المناظرة الناخبين الذين لم يحسموا مواقفهم، لاتخاذ قرار بشأن المرشح الذين ينوون التصويت له، ولكن كيف كان أداء المرشحين خلال المناظرة؟

"أداء متساو"

الكاتب السياسي الجمهوري جون جيزي اعتبر أن أداء هاريس وترمب "كان متساوياً"، معتبراً أن أياً منهما "لم يحقق أي مكاسب بين المشاهدين في مناظرتهما الرئاسية".

وفي حديث لـ"الشرق"، قال جيزي إن هاريس "تجنبت الإجابة على سؤال المذيعين، عما إذا كان الأميركيون أفضل حالاً اليوم مما كانوا عليه قبل 4 سنوات"، ملمحاً إلى ما اعتبر أنه "تحيز المذيعين لهاريس".

وقال إن "المذيعين لم يسألا المرشحة الديمقراطية عن عملها كمسؤولة عن الحدود بصفتها نائبة الرئيس، ولم يضغطوا عليها بشأن ما إذا كانت التقت بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين عشية الحرب في أوكرانيا. كما تجاهلوا توجيه أي أسئلة محددة حول مواقفها التقدمية السابقة، وتجنبوا الضغط عليها"، وفق قوله.

"هاريس كانت أفضل"

في المقابل، رأى ويليام هال أستاذ العلوم السياسية في جامعة "ويبستر" أن نائبة الرئيس أدت في المناظرة "بشكل أفضل بكثير من الرئيس السابق دونالد ترمب"، لافتاً في حديث لـ"الشرق" إلى أنه فيما يتعلق  بالجوانب المهمة في المناظرات مثل الرد بشكل مباشر، "كانت هاريس متفوقة بشكل كبير، بينما فشل ترمب باستمرار في الرد على الأسئلة المطروحة".

وتابع هال: "أجاب ترمب على أسئلة لم تُطرح عليه أو استخدم وقته للخوض في مواضيع جانبية لا علاقة لها بالأسئلة المطروحة. وأظهرت هاريس قدرة في السيطرة على المناظرة، وكانت أقوى  حضوراً، وأكثر ثقة".

من جانبه، أشاد الناشط السياسي والمحامي  الديمقراطي ألين أورر بمرشحة الحزب الديمقراطي خلال المناظرة. وقال لـ"الشرق" إن هاريس "قدمت أفضل أداء يمكن أن يحدث، وأظهرت بقوتها مدى ضعف وتردد ترمب"، وفق وصفه.

ولفت أورر إلى اختلاف أداء هاريس عن بايدن في المناظرة الرئاسية خلال يونيو الماضي، والتي كلفته الخروج من السباق الرئاسي بعد انتقادات الديمقراطيين له، وأضاف: "كانت هاريس واضحة ومفصلة في طرح الحقائق ومواقفها".

"نجحت بسبب أداء ترمب السيء"

ومنذ تأييد بايدن لنائبته كامالا هاريس لتحل محله في السباق الرئاسي، حاوطتها الشكوك بشأن قدرتها على الصمود في مواجهة ترمب، وتوحيد الديمقراطيين، وتعريف نفسها بشكل أكثر وضوحاً للناخبين الذين بالكاد يعرفونها.

 وتابع تراجوت: "نجحت هاريس في تقديم نفسها للناخبين الأميركيين من خلال أدائها القوي والثابت، وليس من خلال تحديد مواقفها بشأن السياسات المختلفة، وما ستفعله إذا انتخبت رئيسة".

واتفق مع هذا الرأي أيضاً أستاذ الشؤون الحكومية في جامعة كورنيل ريتشارد بنسل، الذي رأى أن هاريس تفوقت على ترمب في المناظرة، مشيراً إلى أن ذلك يعود في المقام الأول إلى "الأداء السيئ للغاية الذي ظهر به الرئيس السابق". 

وتابع بنسل: "كان أداء ترمب مبالغاً فيه ومكرراً، وكانت معظم تعليقاته غير مترابطة، ولا علاقة لها بالأسئلة التي طرحت، فبينما يعمل تيار الوعي لديه بشكل جيد خلال التجمعات السياسية، لكن في المناقشات الرسمية، يتبيّن أنه ليس لديه حقاً أي شيء مهم أو ذي صلة ليقوله".

ولفت إلى أن أولئك الذين شاهدوا المناظرة "أصبحوا يعرفون عن كامالا هاريس أكثر من قبل، لكنهم لا يزالون لا يعرفونها جيداً كما يعرفون دونالد ترمب، وهذا من منظور ديمقراطي، ليس بالضرورة أمراً سيئاً، فقد نجحت في المناظرة، لكنها لم تُغير من السباق المتقارب، ولم تهزم ترمب بالضربة القاضية".

لكن أستاذ العلوم السياسية وعضو الأكاديمية الفخرية في جامعة أوهايو بول بيك، وصف أداء هاريس بأنه "مهيمناً" في مقابل أداء ترمب "السيئ للغاية".

وقال بيك لـ"الشرق" إن المرشحة الديمقراطية كانت قادرة على "استفزاز ترمب، وإجباره على ارتكاب أخطاء واقعية وإجابات غريبة. لقد قطعت شوطاً طويلاً نحو تقديم نفسها كشخص يمكنه أن يكون رئيساً للبلاد".

ويتفق هال مع بيك في أن هاريس حققت العديد من أهدافها الأساسية، بدءاً من إثبات أنها تمتلك بالفعل الموهبة والمهارات والذكاء والقدرة الفكرية لقيادة الأمة، وثانياً: القدرة على إظهار حضور رئاسي، بما في ذلك "امتلاك مهارات مهمة للغاية ولا غنى عنها لمن يسعى إلى أن يكون رئيساً للولايات المتحدة".

وفي السياق ذاته، استنكر أورر فكرة أن الناخبين على نطاق واسع لا يعرفون من هي نائبة الرئيس، وفي نفس الوقت، تُلقى عليها مسؤولية جميع سياسات الإدارة الحالية، قائلاً "هذا الأمر يثير حيرتي".

وأضاف: "لا أرى أن هذه المناظرة كانت مقدمة للتعريف بهاريس، فهي حاضرة على الصعيد الوطني منذ سنوات كمدعي عام، وسيناتور سابق، ومرشحة رئاسية سابقة، ونائب الرئيس الحالي، لكن ما رأيناه هو تحديد واضح لموقفها كمرشحة لرئاسة الولايات المتحدة، وأعتقد أن أداءها كان ممتازاً، وأظهرت كيف ستتصرف على الساحة العالمية".

ناخبون مترددون

ومنذ نهاية المناظرة الرئاسية، ارتفعت تقييمات هاريس في استطلاعات الرأي بمقدار 3 نقاط مئوية. ومع ذلك، لا يعوّل أستاذ العلوم السياسية مايكل تراجوت كثيراً على هذا الارتفاع، معتبراً أن السباق "لا يزال متقارباً للغاية"، ولم يحسم، خاصة أن ترمب "يمتلك ميزة على هاريس لدى الناخبين فيما يتعلق بالاقتصاد والهجرة".

ومع ذلك، يعتقد تراجوت أن الناخبين المترددين شعروا بعد المناظرة بأداء هاريس الجيد أمام ترمب وهو ما قد يُغير آراءهم.

ويدعم هذا الموقف استطلاعات الرأي التي أعقبت المناظرة، إذ أوضح عدد من الناخبين أن المناظرة أحدثت تغييراً لديهم أو قد تؤثر على تصويتهم.

وكشف استطلاع أجرته شبكة "CNN" أن شعبية هاريس ارتفعت إلى 48% بعد المناظرة، مقارنة بـ 30% فقط قبلها، وقال 14% آخرون إنها جعلتهم يعيدون النظر، لكنهم لم يغيروا رأيهم، بينما قال 4% إن المناظرة "غيرت رأيهم بشأن من سيصوتون له".

وأظهر استطلاع آخر أجرته "YouGov"، تفوق هاريس على ترمب بنسبة 54% إلى 31%. وكشف الاستطلاع الذي شمل عينة تضم 2166 ناخباً مسجلاً، أن 14% غير متأكدين.

وكان ناخبو ترمب أكثر احتمالاً بنحو الضعف من مؤيدي هاريس للقول إن المناظرة جعلتهم على الأقل "يعيدون النظر في تصويتهم".

مع ذلك، يُشكك الجمهوري جون جيزي في تأثير المناظرة على آراء الناخبين، سواءً من جانب ترمب أو هاريس، وقال إن كلا المرشحين لعبا على قواعدهما، فقد دافعت هاريس بشدة عن الإجهاض، والفرص الاقتصادية للطبقة المتوسطة، بينما انتقد ترمب الهجرة غير الشرعية وحظر التكسير الهيدروليكي، "وهي إشارة واضحة إلى أن أصوات المجمع الانتخابي البالغ عددها 19 صوتاً في ولاية بنسلفانيا أصبحت على المحك، خاصة بعد تجاوز حاكم الولاية جوش شابيرو لمنصب نائب الرئيس".

واعتبر جيزي أن أداء ترمب وهاريس في المناظرة الأولى، وربما الوحيدة، الثلاثاء، عزز موقف أولئك الذين يدعمونهما بالفعل، "لكن الناخبين المستقلين لم يتأثروا".

ويتفق الديمقراطي أورر مع جيزي بأن هذه المناظرة لا تستطيع تحريك الموقف بشكل كبير بالنسبة للناخبين المترددين، لكنه يرى أنها أعطت ميزة لهاريس لدى الناخبات المستقلات من خلال تعليقاتها حول حقوق النساء.

وشكك أورر في وجود ناخب متردد في الأساس، قائلاً "أرى ناخبين جدداً والعديد من الأشخاص الذين تحدثت معهم يصوتون بناءً على القضايا الاجتماعية. أعتقد أن ما فعلته المناظرة هو أنها عززت مواقف الأفراد داخل أحزابهم، كما أزالت أي شكوك حول قدرة نائبة الرئيس على تقديم وتوضيح موقفها، واستطاعت توحيد بعض الديمقراطيين الذين كانوا مترددين بشأن التصويت".

من جانبه، أكد الأكاديمي الأميركي ريتشارد بنسل، الذي ترتكز أبحاثه على التطور السياسي في الولايات المتحدة والأحزاب والانتخابات، أن هاريس أعطت الناخبين المترددين أسباباً قد تجعلهم يفكرون بجدية في التصويت لها.

وأضاف "ربما عزّز ترمب جاذبيته أمام قاعدته، لكنه على الأرجح أعطى الناخبين المترددين مبررات للابتعاد عن ترشيحه والتحرك نحو هاريس. ومع ذلك، يجب أن نتذكر أن هناك عدداً قليلاً جداً من الناخبين الذين لم يحسموا أمرهم في الانتخابات الرئاسية التي ستنطلق 5 نوفمبر القادم".

تصنيفات

قصص قد تهمك