تسببت الحرب الإسرائيلية على لبنان في تعميق أزمة تعليمية كانت قائمة منذ سنوات، إذ حذر تقرير جديد من أن الأطفال في البلاد فقدوا ما يصل إلى 60% من وقت الدراسة على مدار السنوات الست الماضية.
وأفاد تقرير صادر عن مركز الدراسات اللبنانية، بالتعاون مع جامعة كامبريدج البريطانية، عن الوضع التعليمي في لبنان بعد التصعيد الأخير بين إسرائيل و"حزب الله"، في أكتوبر الماضي، بأن أكثر من مليون طالب و45 ألف معلم تأثروا مباشرة بالحرب، كما واجه 95% من المعلمين في المدارس العامة صعوبة في الوصول إلى أماكن عملهم.
وشمل التأثير إغلاق المدارس وتحويل نحو 40% منها إلى ملاجئ، بينما وُضعت 30% أخرى في مناطق الصراع، ما أدى إلى نقص حاد في أماكن التعليم المتاحة.
ومنذ تصاعد الهجمات الإسرائيلية على لبنان، واجه النظام التعليمي في البلاد تحديات غير مسبوقة، كما أدت إلى تشريد أكثر من 1.3 مليون شخص، وأودت بحياة أكثر من 3500، وإصابة أكثر من 14 ألفاً.
وتعيش الأسر النازحة من الجنوب في ظروف معيشية مكتظة وغير مستقرة، ما يزيد من صعوبة تعليم أطفالهم، وأدى النزوح إلى ارتفاع تكاليف المعيشة بشكل كبير، وأشار 95% من الأهالي و89% من المعلمين إلى زيادة نفقاتهم بسبب النزاع.
وذكر التقرير أن الأطفال ذوي الإعاقة يواجهون تحديات كبيرة في الوصول إلى التعليم، إذ يفتقر 25% منهم إلى الدعم المتخصص اللازم لتلبية احتياجاتهم، كما قال 17% من أولياء الأمور إن أطفالهم يعانون من إعاقة ذهنية، في حين لم يشعر سوى ربعهم بالجاهزية لعودة أطفالهم إلى المدارس، ما يعكس العوائق التي تواجه التعليم الشامل.
وتوقفت فرص التعليم بالنسبة للاجئين السوريين منذ بداية الحرب، وقبل النزاع كان أقل من ثلث الأطفال السوريين في سن الدراسة يلتحقون بالمدارس، في حين توقفت هذه النسبة تماماً مع تصاعد النزاع، وتحولت العديد من مدارس وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، التي تخدم الطلاب الفلسطينيين، إلى ملاجئ، ما حرم الأطفال من بيئة تعليمية مستقرة.
وفي المناطق المتأثرة مباشرة بالغارات الإسرائيلية، فضل ثلثا المعلمين التعليم عبر الإنترنت لدواعٍ أمنية، في حين أبدى الأهالي رغبة أكبر في التعليم الحضوري لما له من فوائد اجتماعية وتنموية.
وواجه التعليم عبر الإنترنت تحديات لوجستية كبيرة، مثل نقص الإنترنت، والأجهزة الرقمية، والكهرباء. وأشار 60% فقط من المعلمين و50% من الأهالي إلى توفر اتصال بالإنترنت، بينما يمتلك نصف المعلمين و20% من الأهالي فقط أجهزة إلكترونية مناسبة.
وأعرب الأهالي والمعلمون عن حاجتهم إلى دعم نفسي واجتماعي، إذ أكد 40% من المعلمين و50% من الأهالي على أهمية تقديم المساعدة النفسية للأطفال والمعلمين على حد سواء.
ووجد الباحثون أن 303 مدارس حكومية فقط تقدم التعليم حضورياً، بينما تعمل 297 مدرسة أخرى عبر الإنترنت، وحاولت وزارة التربية والتعليم العالي إعادة فتح المدارس الحكومية في 4 نوفمبر، لكن التقرير أشار إلى أن العنف والنزوح وسوء البنية التحتية أعاق هذا الجهد.
استمرار التعليم يحتاج خطة شاملة
وأوصى التقرير بأنه لضمان استمرار التعليم في ظل هذه الظروف؛ فيجب تبني خطة استجابة شاملة تراعي احتياجات جميع الأطفال، بما في ذلك اللاجئين والأطفال ذوي الإعاقة، وتشمل الأولويات إعداد خطط استجابة متوسطة وطويلة الأجل تراعي السيناريوهات المحتملة، مع التركيز على الحد من انقطاع التعليم وضمان استمراريته.
وقالت المؤلفة المشاركة في التقرير مها شعيب، مديرة مركز الدراسات اللبنانية: "عمّقت الحرب خسائر التعلم التي كانت بالفعل كارثية. نحن بحاجة إلى استراتيجيات شاملة ومرنة لضمان وصول التعليم إلى الفئات الأكثر احتياجاً، وإلا ستتعمق الفجوات التعليمية الحالية".
واستند التقرير إلى مقابلات واستبيانات مع أولياء أمور ومعلمين، ما وفر لمحة عن الواقع التعليمي قبل وقف إطلاق النار مؤخراً، واعتمد على الإجابة عن سؤالين رئيسيين، الأول يتعلق بكيفية تأثير العدوان على المعلمين وأولياء الأمور والطلاب ومدى استعدادهم لاستئناف التعليم، بينما يركز السؤال الثاني على تحديد الأنماط التعليمية الأكثر قابلية للتطبيق في ظل الظروف الراهنة.
وجمع مركز الدراسات البيانات الكمية من خلال استطلاعات عبر الإنترنت شارك فيها أكثر من 1500 شخص، بينهم معلمين وأولياء أمور ومديري مدارس، وتضمنت الاستطلاعات أسئلة بشأن التحديات الاقتصادية التي تواجه الأسر، مثل فقدان الدخل، والنزوح، وارتفاع تكاليف التعليم، بالإضافة إلى قياس مدى جاهزية المجتمع التعليمي للعودة إلى المدارس، والتفضيلات بشأن أنماط التعليم المختلفة، سواء كانت حضورية أو عن بعد أو مدمجة.
وجمع المركز البيانات النوعية، من خلال جلسات نقاش مركزة ضمت أولياء أمور ومعلمين وخبراء تعليم، وهي جلسات عقدت لتسليط الضوء على التحديات التي يواجهها المجتمع التعليمي من وجهات نظر مختلفة، واستكشاف احتياجاتهم وتطلعاتهم في ظل الأوضاع الراهنة، وصممت النقاشات بعناية لتوفير منصة يعبر من خلالها المشاركون عن آرائهم وتجاربهم الشخصية.