تنطلق في السودان عملية تغيير فئات من العملة السودانية، للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب والإعلان عن فقدان أكثر من 80% من الكتلة النقدية، نتيجة عمليات النهب التي شملت المصارف في العاصمة والولايات، إلى جانب إحجام مواطنين في وقت سابق عن التداول عبر النظام المصرفي.
الخطوة رتبت لها الحكومة السودانية عبر لجنة ترأسها عضو مجلس السيادة إبراهيم جابر، ويعضوية كافة مؤسسات الدولة المعنية، بينما تنطلق عملية الاستبدال في 6 ولايات من أصل 18 ولاية، وذلك وفق تقديرات أمنية تتعلق بسيطرة الدعم السريع على بعض الولايات، واستمرار القتال بين الجيش والدعم السريع في ولايات أخرى.
الفئات المستهدفة بالاستبدال
حدد بنك السودان فئتي الألف والخمسمائة جنيه للتغيير الفوري عبر المصارف، وذلك عبر آلية الإيداع في الحساب الشخصي لكل عميل، إذ شدد البنك على ضرورة أن يكون التغيير للعملة عن طريق حساب بنكي.
وأقر بنك السودان العمل طوال أسبوعين لتغيير العملات، على أن يتم تمديد ساعات العمل الرسمية، والعمل خلال العطلات طوال مدة العملية لإكمالها.
وحظر بنك السودان المركزي استلام البنوك في الولايات غير المستهدفة بعملية الاستبدال أي مبالغ بالفئتين المحددتين من قبل البنك منذ بدء عملية الاستبدال بشكل رسمي.
انتقادات سياسيين
لم تسلم خطوة إعلان الحكومة السودانية عن استبدال العملة من النقد والاتهامات من قبل قوى سياسية، على رأسها تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية "تقدم".
وقال الناطق الرسمي باسم التنسيقية بكري الجاك لـ"الشرق"، إن عملية استبدال العملة تأتي في سياق استخدامها لحرمان جزء كبير من البلاد من أي تعامل تجاري، وهو عقاب سياسي لمناطق سيطرة الدعم السريع، و"عندما نقرأ هذه الخطوة مقرونة بالذي يحدث في امتحانات الشهادة الثانوية وما يسمى قانون الوجوه الغريبة تعتبر مؤشراً لتطبيع فكرة الانقسام الذي يجري في البلاد".
وأضاف أن هناك انقساماً سياسياً واجتماعياً، لكن استبدال العملة خطوة عملية لتقسيم البلاد، ونعتقد أن هذا ليس الوقت المناسب لهذه العملية، مشيراً إلى أن "سلطة بورتسودان لا تملك الإمكانيات لطباعة العملة، ولدينا معلومات بأن روسيا تكفلت بالطباعة، ولا نعلم ما هو الاتفاق الذي تم تحت الطاولة لتقوم بذلك" .
من جانبها، ترى قوات الدعم السريع أنها غير معنية بالخطوة، لأنها ترى الحكومة السودانية غير شرعية، واعتبرتها خطوة تمهيدية ضمن خطة لتقسيم السودان وفصل أقاليمه.
"خطوة متأخرة لكنها إيجابية"
يقول دكتور محمد الناير الخبير الاقتصادي لـ"الشرق"، إن خطوة استبدال العملة مهمة جداً على الرغم التأخير الذي صاحبها.
وأضاف الناير: "نصحنا منذ وقت مبكر باستبدال جزئي للعملة وأن يكون التبديل الكامل عقب انتهاء الحرب، مع مراجعة التركيبة الفئوية للعملة لأن فئات الجنيه الصغرى اختفت من التعامل في النشاط الاقتصادي، وليس لها قوة شرائية، لذلك يجب أن تكون العملية كاملة ومراجعة فئات العملة في نهاية الحرب، وحذف الأصفار من العملة لاستعادة التعامل بالفئات الصغرى لإزالة التشوه الناتج عن التعامل مستندياً بالعملة ولفظياً دون ذلك وإعادة القوة للفئات الصغرى".
ويرى الناير أن نحو 90% من الكتلة النقدية ظل يتم التعامل به خارج النظام المصرفي، ما يعتبره اختلالاً يجب تعديله لما يمثله من خطورة على النظام المصرفي وتحويل التعامل إلى إلكتروني بشكل أكبر.
كما توقع أن تكشف عملية تغيير العملة عمليات التزوير التي صاحبت فترة الحرب، بالإضافة الى معرفة مصادر الأموال عقب إيداعها ضمن عملية الاستبدال، واذا تم تنفيذ هذه الخطوة بصورة صحيحة ستسهم في استقرار سعر صرف العملة الوطنية، وتعالج الكثير من الإشكالات الاقتصادية عند اكتمالها، وفق الخبير الاقتصادي.
ويعاني الاقتصاد السوداني من معدل تضخم مرتفع اقترب من 200%، بينما يتم تداول غالبية الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي، وقل الاعتماد على التطبيقات المصرفية في الحركة التجارية عقب اندلاع الحرب بسبب انهيار شبكات الاتصال في مناطق مختلفة. كان تراجع الحركة الاقتصادية محفزاً لتكديس الأموال.
وتنتشر بحسب استطلاع أجرته "الشرق" فئات من ورقتي الألف والخمسمائة جنيه في مناطق سيطرة الدعم السريع، إلا أنها مجهولة المصدر وبعضها مزور، مما ساهم في ارتفاع السيولة النقدية وحالة من الفوضى الاقتصادية.
أعلن بنك السودان المركزي طرح عملة جديدة من فئة 1000 جنيه ضمن عملية تغيير العملة، تتضمن علامات تأمينية ترى بالعين المجردة، مثل العلامة المائية التي تظهر عند التعرض إلى الضوء.
كما تشمل العملة الجديدة طباعة بارزة وشريط تأميني متغير الألوان، وعلامات بارزة للمكفوفين يتم تحسسها باللمس، بالإضافة إلى علامات تأمينية أخرى لا تظهر بالعين المجردة.