يستعد الاتحاد الأوروبي لإصدار توجيهات جديدة بشأن الاستخدامات المحظورة للذكاء الاصطناعي، وذلك رغم تهديدات الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، باتخاذ إجراءات انتقامية رداً على تعامل التكتل مع شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى، حسبما ذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز".
والقانون الأوروبي الذي أُقر في عام 2023، يُعد الإطار التنظيمي "الأكثر شمولاً" في العالم للذكاء الاصطناعي، إذ ينص على أحكام تحظر بعض الاستخدامات مثل جمع البيانات من الإنترنت، لإنشاء قواعد بيانات للتعرف على الوجوه، حيز التنفيذ، الأحد الماضي.
ويُلزم القانون القانون الأوروبي، الشركات التي تطور أنظمة ذكاء اصطناعي "عالية الخطورة" بأن تكون أكثر شفافية حول كيفية بناء النماذج واستخدامها.
وكانت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وافقت في فبراير من العام الماضي، على تشريع وصفته بأنه "غير مسبوق على مستوى العالم"، لتنظيم الذكاء الاصطناعي بعد مفاوضات مكثفة بشأن التوازن بين حرية الابتكار والحفاظ على الأمن، ووسط اتهامات من شركات التكنولوجيا للقواعد، بالغموض، ومخاوف من إبطاء تطوير التطبيقات.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين قولهم، إن المفوضية الأوروبية تعتزم، الثلاثاء، نشر توجيهات أساسية حول كيفية تطبيق هذه القواعد، فيما ستُطرح أحكاماً أخرى تستهدف نماذج الذكاء الاصطناعي الكبيرة والمنتجات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي وتشكل مخاطر عالية على المستخدمين، مثل الرعاية الصحية، حتى عام 2027.
ويأتي الإصرار على تنفيذ هذه القواعد، وسط نقاش أوروبي أوسع بشأن مدى حدة تطبيق الاتحاد لقوانينه الرقمية في مواجهة ردود الفعل القوية من شركات التكنولوجيا الكبرى المدعومة من قبل ترمب.
تهديدات ترمب
بدوره، هدد ترمب باستهداف بروكسل، رداً على الغرامات المفروضة على الشركات الأميركية، إذ كان الاتحاد الأوروبي قد بدأ بالفعل في "إعادة تقييم" تحقيقات حول شركات، مثل أبل و"ميتا" وجوجل، بموجب تشريعات أخرى تهدف إلى حماية الأسواق الرقمية الأوروبية.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، حذر ترمب من أن أي خطوات تتخذها بروكسل ضد الشركات الأميركية تُعتبر "شكلاً من أشكال الضرائب". وقال خلال تصريحاته في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس: "لدينا شكاوى كبيرة جداً مع الاتحاد الأوروبي".
بدورها، قالت كاتيرينا روديللي، محللة السياسات في مجموعة الحقوق الرقمية Access Now، إنه "منذ تولي ترمب منصبه، تغيّر الخطاب حول تنظيم التكنولوجيا في بروكسل"، إذ تعمل المجموعة على الضغط لجعل الحظر الذي يفرضه قانون الذكاء الاصطناعي أكثر صرامة.
وقالت روديللي: "ما اعتقدنا أنه انتهى أصبح الآن مفتوحاً للنقاش مرة أخرى. نرى مجالاً للمشرعين لتخفيف نهجهم في تطبيق قانون الذكاء الاصطناعي، وسيكون تنفيذ الحظر أول اختبار"، مضيفة: "هناط خطر من أن يؤدي النهج الجديد للتخفيف من القوانين إلى تقليل فعاليتها إلى حد تصبح معه بلا معنى".
في الإطار، قال الرئيس المشارك لممارسات الأمن السيبراني والخصوصية في شركة المحاماة "كولي"، باتريك فان إيك، للصحيفة: "هناك بالتأكيد قلق في بروكسل من أن يزيد ترمب الضغط على الاتحاد الأوروبي بشأن قانون الذكاء الاصطناعي لضمان أن الشركات الأميركية لا تواجه بيروقراطية زائدة أو حتى غرامات محتملة".
وتواجه الشركات المطورة لنماذج الذكاء الاصطناعي الأكثر قوة، متطلبات إضافية، مثل إجراء تقييمات للمخاطر، أما الشركات التي لا تلتزم بالقانون، فقد تواجه غرامات كبيرة وربما تُحظر من دخول أسواق الاتحاد الأوروبي.
تحديات تعيق طموح أوروبا
وقالت الصحيفة إن طموح بروكسل لأن تصبح "مركزاً عالمياً موثوقاً للذكاء الاصطناعي"، لطالما واجه تحديات من شركات التكنولوجيا الكبرى.
وحذرت شركات مثل "ميتا"، المالكة لتطبيق فيسبوك، من أن القوانين الصارمة في أوروبا قد تعيق الاستثمار والابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي.
وتعارض شركات التكنولوجيا الكبرى أحكام القانون "المرهقة" التي تتطلب مزيداً من الشفافية بشأن البيانات، بما في ذلك القواعد التي تسمح لأطراف ثالثة بالوصول إلى رموز نماذج الذكاء الاصطناعي لتقييم المخاطر، وكذلك الاستثناءات لبعض قواعد السلامة للشركات الناشئة الصغيرة ومصادر البرمجيات المفتوحة.
وخلال الأسبوع الأول من ولايته، روج ترمب لمشروع بقيمة 500 مليار دولار يُعرف باسم Stargate، بقيادة شركة "سوفت بنك" اليابانية وOpenAI الأميركية، كما انتقد محاولات تنظيم الذكاء الاصطناعي ووقع أوامر تنفيذية تلغي العديد من الضوابط المتعلقة بتطوير هذه التقنية.
وقال مسؤول رفيع في الاتحاد الأوروبي، معني بتنفيذ قانون الذكاء الاصطناعي، للصحيفة، إن المفوضية تدرك التهديد الضمني من ترمب والضغوط الأميركية، لكنها أكدت أن القانون لن يتغير وسيظل كما على حاله عند إقراره.
وأضاف المسؤول: "ما يمكننا القيام به هو ضمان أن يكون القانون صديقاً للابتكار قدر الإمكان، وهذا ما نفعله حالياً. هناك مرونة في القواعد ونعمل على كيفية استخدامها".
وقال شخص مطلع على العملية لـ"فاينانشيال تايمز"، إن ما يزيد التوتر في بروكسل هي المفاوضات حول مدونة قواعد ممارسة الذكاء الاصطناعي المخصص للأغراض العامة، والتي تشمل نماذج قوية مثل "جيميناي" من جوجل و GPT-4من OpenAI. وستحدد هذه المدونة كيفية تنفيذ قواعد قانون الذكاء الاصطناعي عملياً.
ووفقاً للمصدر ذاته، تنتهي هذه المفاوضات، التي يشارك فيها المئات، وينسقها "مكتب الذكاء الاصطناعي" التابع للمفوضية، في أبريل المقبل.