اختار الملياردير وارن بافيت، الذي بنى "بيركشاير هاثاواي" وحوّلها إلى مجموعة تُقدر قيمتها بأكثر من 1.16 تريليون دولار، الدقيقة الأخيرة من لقائه الستين مع المساهمين، للإفصاح عن إعلان طال انتظاره، وهو التنحي عن قيادة الشركة نهاية العام الجاري، حسبما أوردته "بلومبرغ".
وأعلن بافيت المهندس المعماري البالغ من العمر 94 عاماً، والذي يُعد واجهة شركة "بيركشاير هاثاواي"، أن هذا اللقاء سيكون الأخير له كرئيس للشركة التي بناها من بدايات متواضعة، لتصبح واحدة من أكثر الشركات قيمة في العالم.
وقال بافيت، السبت، أثناء الاجتماع السنوي لمساهمي الشركة في أوماها بولاية نبراسكا، إن كريج أبيل، نائب رئيس مجلس الإدارة للعمليات باستثناء التأمين، سيتولى مسؤولية المجموعة.
وأصبحت "بيركشاير"، التي كانت تتألف في معظمها من عمليات متعثرة بقطاع النسيج، أساساً لمجموعة بافيت، إذ بنى واستحوذ على عمليات في مجموعة متنوعة من القطاعات، بما في ذلك التأمين، الذي منحه سيولة نقدية، لدعم استراتيجيته الاستثمارية.
وشهدت "بيركشاير" نمواً قوياً على مر العقود مع تولي بافيت منصبي رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي، واختار الاستحواذات والأسهم لمحفظة الشركة إلى جانب مستشاره الموثوق ونائب الرئيس، تشارلي مونجر، الذي تُوفي في عام 2023 عن عمر يناهز 99 عاماً.
أسئلة في الانتظار
وسيُسلّم بافيت لأبيل مفاتيح شركة عملاقة تبلغ قيمتها السوقية 1.2 تريليون دولار، تتحكم في محفظة أسهم تضم شركات كبرى مثل أبل و"أميركان إكسبريس"، إلى جانب مجموعة من أسهم شركات التأمين والطاقة والسكك الحديدية والأعمال الاستهلاكية التي تحقق بشكل منتظم أرباح تشغيل تصل إلى 10 مليارات دولار في كل ربع سنوي.
وسيرث أبيل (62 عاماً)، قائمة طويلة من الأسئلة، أولها: ما الذي سيفعله باحتياطي السيولة الضخم البالغ نحو 350 مليار دولار، والذي لم يقترب منه بافيت كثيراً خلال سنوات التقلبات الأخيرة في الأسواق.
وسيرغب المساهمون في معرفة ما إذا كان أبيل سيُجري تعديلات على الطاقم التنفيذي الفريد للشركة، وما إذا كانت لديه درجة مختلفة من تحمّل المخاطر أو تفضيلات قطاعية مغايرة، وما إذا كانت الشركة ستبقى الخيار الأول للشركات التي تحتاج إلى دعم مالي كبير وتصويت بالثقة.
وسيتساءل المساهمون أيضاً عن مصير اللقاء السنوي ذاته، ذلك الحدث الذي أُطلق عليه "وودستوك الرأسمالية"، والذي كان يستقطب أتباعاً من مختلف أنحاء العالم بفضل حكمة بافيت، وروح الدعابة التي كان يتشاركها مع شريكه الراحل تشارلي مونجر.
وريث إمبراطورية بافيت
وأعلن أبيل مراراً أنه سيلتزم بالمبادئ التي وضعها بافيت في الاستثمار وإدارة المخاطر، أما بافيت، فقال إنه سيظل مساهماً رئيسياً في الشركة.
وانضم أبيل إلى "بيركشاير هاثاواي" من خلال صفقة استحواذ، إذ بدأ أبيل المولود في كندا، حياته المهنية كمحاسب لدى شركة "برايس ووترهاوس كوبرز"، ثم انضم إلى شركة "كال إنرجي" للطاقة الحرارية الجوفية في عام 1992 كمدير مالي.
وكان ديفيد سوكول، الرئيس التنفيذي لـ"كال إنرجي" آنذاك، يطمح إلى توسيع الشركة من خلال الاستحواذات، ورأى موهبة في أبيل.
وفي عام 1996، أرسله لتولي إدارة شركة كهرباء في بريطانيا كانت الشركة قد اشترتها. وفي 1998، استحوذت "كال إنرجي" على "ميد أميركان إنرجي" في ولاية آيوا، واعتمدت اسمها.
وبعد فترة وجيزة، استحوذت "بيركشاير" على حصة مسيطرة، ما أتاح للشركة الانطلاق في سلسلة استحواذات، شملت خطوط أنابيب بعد انهيار "إنرون"، وشركات كهرباء في شمال غرب الولايات المتحدة.
في عام 2008، تولى سوكول دوراً أوسع داخل "بيركشاير"، وأصبح أبيل الرئيس التنفيذي لـ"ميد أميركان"، فيما كان لدى بافيت بعض الشكوك بشأن قدرته على التفاوض على صفقات.
وقال سوكول في مقابلة عام 2014: "كنت أعرف الجواب، لأنه شارك في كل صفقة استحواذ أجريناها، وتولى إدارة بعضها بنفسه تقريباً". وأضاف: "أعتقد أن وارن بافيت وبعض أعضاء مجلس إدارتنا لم يكونوا متأكدين فقط لأنهم لم يختبروا ذلك معه".
إنجازات أبيل
وخلال أشهر، أثبت أبيل كفاءته، ففي سبتمبر 2008، وافقت "ميد أميركان" على شراء شركة "كونستيليشن إنرجي جروب" في بالتيمور مقابل نحو 4.7 مليار دولار، بعد أن فقدت نصف قيمتها السوقية في أسبوع واحد.
وفي نهاية المطاف، كسبت "بيركشاير" أكثر من مليار دولار من رسوم الإلغاء والأرباح على استثمارها، بعدما اختارت "كونستيليشن" عرضاً آخر.
أما صفقاته الأخرى فكانت طويلة الأمد، ففي عام 2013، استحوذ على أكبر شركة كهرباء في نيفادا "إن في إنرجي"، وفي العام التالي وافق على شراء شركة لنقل الكهرباء في مقاطعته الأصلية ألبرتا.
وتم تغيير اسم "ميد أميركان"، إلى "بيركشاير هاثاواي إنرجي" في عام 2014 لمواءمة العلامة التجارية مع سمعة بافيت والقيم التي دافع عنها طيلة مسيرته.
ونتج عن ذلك شركة مرافق عملاقة تُشغل الكهرباء في ولايات مثل أيوا ونيفادا، وتُدير خطوط أنابيب للغاز الطبيعي تمتد لنحو 14 ألفاً و200 ميل عبر البلاد، من تكساس إلى ميشيجان، إذ ساعده هذا النجاح في ترسيخ سمعته كمدير بارع في قطاع المرافق، ونيل ثقة بافيت.
وفي عام 2018، تم تعيينه نائباً للرئيس، ما وسّع نطاق إشرافه ليشمل كل عمليات "بيركشاير" غير التأمينية، من شركة تشغيل السكك الحديدية "بي إن إس أف" (BNSF) إلى شركة الحلويات الشهيرة "سيز كانديز".
وفي عام 2021، أُعلن عن أبيل كوريث منتظر بعد أن أفصح مونجر عن الأمر خلال اللقاء السنوي، مؤكداً أن أبيل سيحافظ على ثقافة التكتل بعد رحيل بافيت.
ومنذ ترقيته، ارتفعت الأرباح التشغيلية، باستثناء التأمين وبعض البنود الأخرى، بنحو 27% لتصل إلى نحو 22 مليار دولار العام الماضي.