إضراب اللاجئين عن الطعام يثير أزمة حكومية في بلجيكا

time reading iconدقائق القراءة - 14
طالبو لجوء في بلجيكا يشاركون في إضراب عن الطعام لأكثر من 7 أسابيع في بروكس، بلجيكا، 19 يوليو 2021 - REUTERS
طالبو لجوء في بلجيكا يشاركون في إضراب عن الطعام لأكثر من 7 أسابيع في بروكس، بلجيكا، 19 يوليو 2021 - REUTERS
دبي-الشرق

يزداد الوضع تأزماً في بروكسل بالنسبة لمئات المهاجرين المضربين عن الطعام، ما يشكل تهديداً بحدوث انقسامات داخل الحكومة البلجيكية.  

وبحسب صحيفة "بوليتيكو" الأميركية، يقترب الإضراب عن الطعام الذي دشنه مهاجرون يأملون في الحصول على إقامات رسمية بعد أن عاشوا في بلجيكا لسنوات، الآن من شهرين، ما أدى إلى إنهاكهم صحياً.  

وأفادت "بوليتيكو" بأن 6 من المضربين قاموا بخياطة أفواههم، فيما حاول 5 آخرون الانتحار، وتوقف عدد آخر عن شرب الماء. ونقلت الصحيفة عن متطوعين أن عدد الحالات التي دخلت المستشفى بلغ قرابة ألف حالة.  

وبعد أن كانت قضية محلية، تمكن المضربون من لفت الانتباه العالمي إليهم، حيث حضر أحد مسؤولي حقوق الإنسان في الأمم المتحدة لزيارة المضربين.

كما وقّع روجر ووترز، عضو فرقة "بينك فلويد"، ضمن مجموعة كبيرة من الموسيقيين والفنانين والمخرجين المشاهير على خطاب مفتوح للضغط على الحكومة البلجيكية نيابة عن المضربين. وأصدر مهرجان ثقافي فرنسي شهير نداءات للتعريف بمحنة المهاجرين.

لن تخضع الحكومة

رغم ذلك، ووفقاً لـ "بوليتيكو" كان المسؤولون البلجيكيون عن هذا الملف واضحين تماماً، إذ أكدوا أنه "لا يمكن عمل شيء".

وأثار هذا الموقف اتهامات بتجاهل القادة البلجيكيين أزمة إنسانية تلوح في الأفق، وسلط الضوء على مقاربة بلجيكية حافلة بالتوترات السياسية ضد الهجرة. كما يهدد هذا الموقف بتداعي الائتلاف الحاكم في بلجيكا.  

والاثنين، هدد العديد من الأحزاب اليسارية في بلجيكا بالانسحاب من الحكومة الحالية في حال موت أي من المضربين. وطالبت هذه الأحزاب أيضاً رئيس الوزراء البلجيكي، ألكساندر دي كرو، بسحب هذا الملف من رئيس الهجرة واللجوء في بلجيكا، سامي مهدي، الذي يرفض الرضوخ لمطالب المضربين. 

ولا يزال الوضع، حتى اللحظة الراهنة، على ما كان عليه منذ 6 أشهر، عندما شرع المهاجرون، لأول مرة، في احتلال كنيسة تاريخية وجامعتين في بروكسل. وبعد سكون دام أربعة أشهر، شرع 475 مهاجراً في الإضراب عن الطعام في 23 مايو.   

ونقلت "بوليتيكو" عن أحد المضربين، يدعى "طارق"، ويبلغ من العمر 41 عاماً، ويعيش في بلجيكا منذ 2013، قوله "يمثل الإضراب عن الطعام بطاقتنا الأخيرة للضغط على الحكومة البلجيكية"، مضيفاً: "لا يمكنني تحمل هذا الإضراب أكثر من ذلك. لقد خسرت قرابة 12 كيلو غراماً من وزني، وأعاني من مرض في الكلى. والآن لا يمكنني حتى مجرد الذهاب إلى المرحاض".

وأكد طارق أنهم استنفدوا جميع الخيارات السياسية التقليدية، "بما في ذلك الاحتجاجات، والخطابات المفتوحة، والتفاوض". وأوضح: "نريد أن تتحمل الحكومة مسؤوليتها، وأن تجد حلاً"، مشيراً إلى أنهم "يملكون السلطة والإمكانات، وعليهم أن يتحلوا بالجرأة والشجاعة بما فيه الكفاية".  

من جانبها، أصرت الحكومة البلجيكية على أنه لا يمكنها "لي عنق القواعد" عندما يتعلق الأمر "بتسوية الأوضاع".  

ونقلت "بوليتيكو" عن سيغيلد لاكوير المتحدثة باسم مهدي، قولها: "إن الحكومة التزمت طوال الوقت بخط واحد، وهو أنه "يمكنك تقديم ملفك بشكل شخصي"، ولكن ليس من خلال "تسوية جماعية". 

شهران من دون طعام 

وداخل كنيسة القديس يوحنا المعمدان في بيجويناج، يتشبع الهواء ببخار الماء، ما يجعل التنفس أمراً بالغ الصعوبة، والوجوه هزيلة ومنهكة. 

سيارات الإسعاف لا تلبث تغادر حتى تعود، لنقل الأفراد إلى المستشفى لتلقي الرعاية العاجلة. وعلى الأرض، يقدم فريق الإنقاذ ومتطوعون الإسعافات الأولية لأحد المضربين يعاني من نوبة سكري.  

وفوق كل مرتبة، توجد إشارة إلى وظيفة كل فرد، ما بين نجار، وميكانيكي كهربائي، وفني كمبيوتر، وممرضة، ومصفف شعر، جاؤوا جميعاً من جميع أنحاء العالم، المغرب وباكستان والبرازيل، لكنهم يعيشون ويعملون في بلجيكا منذ سنوات.  

ونظراً لأنهم لا يحملون أوراقاً رسمية، يواجه هؤلاء جميعاً الإقصاء الاجتماعي، وعدم الحصول على حقوق العمل والضمان الاجتماعي، حتى إنهم يطلق عليهم في بلجيكا "غير الحاملين لأوراق".  

وبالإضافة إلى الإقامة الرسمية، يريد المضربون صياغة معايير واضحة ودائمة لجميع طلبات الإقامة، وتعيين هيئة مستقلة للإشراف على هذه الطلبات. 

ويحث المضربون الحكومة على التعامل مع هذه الطلبات في إطار زمني مناسب، إذ تستغرق بعض طلبات الإقامة سنوات لشق طريقها داخل مكتب الهجرة قبل أن يتم رفضها، ما يترك المتقدمين في حالة طويلة من الإهمال القانوني.  

ورغم أن مهدي التقى مهاجرين ممن لا يحملون أوراقاً عدة مرات، إلا أنهم طالبوا هذه المرة بضرورة حضوره ليتفقد أحوالهم المعيشية الحالية. لكن، بدلاً من ذلك، تم إنشاء "منطقة محايدة" يستطيع فيها الأشخاص غير الحاملين لأوراق رسمية أن يطلبوا من موظفي الخدمة المدنية معلومات عما وصلت إليه إجراءات الإقامة، وما آلت إليه طلباتهم الفردية. كما أرسلت الحكومة، الأحد، فرقاً طبية إلى المواقع التي يشغلها المهاجرون لإجراء فحوصات طبية للراغبين.  

ونقلت "بوليتيكو" عن محمد (28 عاماً) الذي قال إنه جاء من المغرب في عام 2010 للحصول على درجة البكالوريوس في علوم الطب الحيوي، قوله: "تكمن المشكلة في أن المسؤولين الحكوميين ليسوا على دراية بملفات المضربين"، مشيراً إلى أنهم "لو كانوا يعرفونها، لأدركوا في الحال أنهم أشخاص لديهم قدرات، ويعرفون هذا البلد جيداً، ويحترمون قيم بلجيكا ومبادئها".  

ورفض محمد، شأنه في ذلك شأن غيره من الذين أجريت معهم مقابلات في الكنيسة، ذكر اسمه بالكامل مخافة الطرد أو المقاضاة، وفقاً لـ "بوليتيكو" التي أكدت أن "وضع المهاجرين في بلجيكا بات يلفت انتباه العالم بصورة مطردة". 

وجمعت حركة "نحن أيضاً بلجيكيون" المؤيدة للمهاجرين 40 ألف توقيع عبر الإنترنت. وفي مهرجان "أفينون" في فرنسا، أعرب فنانون بلجيكيون عن تضامنهم مع المهاجرين، وقرؤوا للجمهور خطاباً مفتوحاً كتبه المهاجرون. وحملت هذه الرسالة توقيع روجرز ووترز، وتضمنت أيضاً توقيعات شخصيات أكاديمية وفنية بارزة، مثل نعوم تشومسكي، وبريان إينو، وآي وي وي، وبيتر غابريل، ومايك لي. 

لا تسويات جماعية

ولفت وضع المهاجرين في بلجيكا أيضاً انتباه المنظمات الدولية. فقد قام أوليفييه دي شوتر، المقرر الخاص بالأمم المتحدة للفقر المدقع وحقوق الإنسان، بزيارة الكنيسة في وقت سابق من هذا الشهر وفي أعقاب هذه الزيارة بعث دي شوتر برسالة إلى الحكومة البلجيكية شارك في توقيعها زميله فيليبي غونزاليس، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان. كما التقى دي شوتر بمهدي في 12 يوليو.  

ولكن حتى الآن لم تجد هذه المناشدات أي صدى لدى الحكومة البلجيكية. وقال مهدي في وقت سابق إن الحكومة ارتكبت "أخطاء" بين عامي 2000 و2009 عندما منحت تصاريح إقامة جماعية مؤقتة لمهنيين مهاجرين سابقين في بروكسل، وفقاً لـ"بوليتيكو". 

وفي هذه المرة أشار مهدي إلى أن الحكومة "ستتمسك بحزم بعدم منح تسوية جماعية، أو مراجعة المعايير المستخدمة في تقييم طلبات الإقامة". 

ونقلت "بوليتيكو" عن مكتب مهدي قوله في بيان صدر بعد وقت قصير من بدء الإضراب إن "تسوية الأوضاع تمثل إجراء استثنائياً، ويجب أن تبقى كذلك". وأضاف البيان أن "وضع معايير يعني أنه سيكون هناك دائماً أشخاص مستبعدون"، مشيراً إلى أن "كل حالة يجري التعامل معها بذاتها، لأنها تعبر عن وضع مختلف".  

والاثنين، عين مهدي مبعوثاً محايداً من إدارة اللجوء المركزية البلجيكية لإرشاد المضربين عن الطعام فيما يتعلق بإجراءات التقديم الحالية. وفي ضوء الوضع الصحي المتردي، سيتم منح الأولوية لطلبات المضربين، وفقا لـ "بوليتيكو".  

السياسات المشحونة ضد الهجرة 

وتمثل الهجرة قضية مشحونة بالتوتر بالنسبة للبلجيكيين، ومثيرة للانقسام بما يكفي للإطاحة بالعديد من الحكومات. ففي عام 2018، انهارت حكومة رئيس الوزراء البلجيكي آنذاك، تشارلز ميشيل، بعد انسحاب "التحالف الفلمنكي القومي الجديد" الشريك الأكبر في الائتلاف، بعد أن دعم البرلمان البلجيكي ميثاق الهجرة التابع للأمم المتحدة.  

ولا تزال هذه القضية على رأس قائمة أولويات الناخبين، وباتت مصدر نزاع داخل الائتلاف الحاكم المكون من 7 أحزاب، ويُعرف باسم "حكومة فيفالدي"، والذي يضم جميع ألوان الطيف الأيديولوجي داخل بلجيكا.

في هذا السياق نقلت "بوليتيكو" عن نينا هيتمانسكا، عضوة لجنة دعم المهاجرين، والأستاذة بجامعة بروكسل الحرة، وهي إحدى الجامعات التي يحتلها المضربون، قولها: "توجد صدمة من قضايا الهجرة بسبب الطريقة التي انتهت بها الحكومات السابقة"، مشيرة إلى أن الحكومة الحالية لا تزال "هشة للغاية". 

ويطالب الحزب الاشتراكي الناطق بالفرنسية وحزب إيكولو اليساريان بتجريد مهدي من سلطاته على المهاجرين المحتجين. وخلال هذا الأسبوع، هدد الحزبان بالانسحاب من الائتلاف حال وقوع أي وفيات بين المضربين عن الطعام. ويسيطر الحزبان على 7 مقاعد وزارية من إجمالي 20 مقعداً، ما يمنحهم نفوذاً كبيراً، ولكن ليس مطلقاً.  

ومع ذلك، يواصل الحزب الاشتراكي الفلمنكي، فورويت، دعمه لمهدي. ونقلت "بوليتيكو" عن بن سيجرز، عضو البرلمان البلجيكي عن الحزب الفلمنكي الاشتراكي، قوله، عبر الإذاعة الفلمنكية، الشهر الماضي إن "التسوية الجماعية لا تزال إجراء استثنائياً، وتمثل خدمة وليست حقاً".  

في الوقت نفسه، يتبنى الحزب الفلمنكي الديمقراطي المسيحي الذي ينتمي إليه مهدي، بصورة تقليدية، موقفاً يمينياً بشأن قضية الهجرة. ويخشى الحزب، إلى جانب حزب الليبراليين الديمقراطيين الفلمنكيين المنفتحين الوسطي من أن يتلقوا عقابهم عبر صناديق الاقتراع إذا أدت أزمة المهاجرين إلى انهيار الحكومة. 

"المناقشات جارية"

وتتفاقم هذه النزاعات داخل المجتمع السياسي البلجيكي. ففي الخميس الماضي، أصدر حزب إيكولو وحزب الاشتراكيون الفرنكوفونيون رسالة مفتوحة مشتركة إلى الحكومة الفيدرالية لمطالبتها بإنهاء المواجهة مع المضربين عن الطعام، وتنفيذ إصلاحات هيكلية في إجراءات الهجرة.  

وبسؤاله عما إذا كان الانسحاب من الحكومة سيثير أزمة، قال المتحدث باسم حزب إيكولو، وفقاً لـ"بوليتيكو"، إن "المناقشات جارية"، مضيفاً "أننا نركز بقوة على الساعات القليلة القادمة التي ستكون بالغة الأهمية".  

والاثنين، أعرب دي كرو عن "ثقته في قدرة مهدي على التعامل مع الموقف"، لافتاً إلى أن "آخر ما يحتاج إليه بلدنا المنهك الآن هو إشعال فتيل أزمة سياسية"، ومؤكداً أن "وظيفتنا هي إيجاد حلول، وليس افتعال مشكلات". 

ولم يبد مهدي أي مؤشرات على التراجع. وحث شركاءه في الائتلاف، بدلاً من ذلك، على ألا يقدموا "آمالاً زائفة"، أو يقترحوا تصاريح إقامة مؤقتة.  

وأضاف أن "منح إقامات قصيرة لجميع المضربين عن الطعام أمر غير مرغوب فيه". وقال في بيان الأسبوع الماضي: "بعد أشهر قليلة، سيجد الأشخاص غير الحاملين لأوراق رسمية أنفسهم في وضع غير نظامي مرة أخرى".